أدب ساخر علي أزحاف - في مديح السخرية

السخرية نوع من العنف الواعي، الذي يمارسه العقل على نفسه، كي يتحمل رداءة العالم. هي أيضا الوجه الإيجابي للعدمية، والمحرك الأقوى للمخيلة المبدعة، حين تصبح أحداث العالم ووقائعه، غارقة في آفة التشابه والتكرار الروتيني القاتل، وتتحول الجزئيات التافهة إلى علم قائم بذاته.. السخرية تحمي العقل البشري من السقوط في اللامبالاة السلبية، تجعله آلة لتكرير ورسكلة القوانين الصارمة للعادة ، بكل جوانبها وتناقضاتها المملة، وسماجتها أحيانا، وتحوِّلها إلى مادة أولية للتجاوز و الإبداع..
في عالم، أصبحت فيه الحياة معجزة والموت عادة يومية، لا يمكن للإنسان السوي، الذي يملك الحد الأدنى من ملكات تذوق الأشياء في جمالياتها الكونية وأبعادها المدهشة/ الطارئة حد المفارقة والعجائبية، أن يعيش وفق مايريد وما يحلم، عالم تصبح فيه السخرية ضرورة حيوية للاستمرار في تقبل «الكائن» المفروض، والتعايش مع النقيض المحبِط، دون الانهيار التام وسط أنقاض واقع موسوم بطابع الغباء الوجودي، واقع انقلبت فيه الموازين، واصطبغ فيه قوس قزح بلون واحد…
السخرية، هي الملاذ الوحيد للكائن العاقل/ العادي من بؤس الحاضر، والترياق الذي يحميه من داء « عدمية» الوجود الرديء، المفروض كواقع حياتي، كقيم عليا، كمبادئ نوعية قارة ، كنماذج كبرى، كذائقة عامة، كقواعد سلوكية، وكأساليب للعيش اليومي.. بالسخرية فقط تصبح « العدمية»، فلسفة وجود، أو ذاك الزجاج الذي يختار له الإنسان اللون الذي يفضله ، كي يرى الكائنات كما يريد، و يبتسم عبره ومن خلاله، في وجه قبح البشرية.
نواجه الموت اليومي بالسخرية؛ نسخر من الوجود، من الأحداث، من الإيديولوجيات والثقافة، وأحيانا كثيرة من أنفسنا. لا شيء يستحق كل هذه الأقنعة الجادة/ السخيفة، التي يلبسها البعض، اعتقادا منهم أنها طريقة ناجعة، أو وسيلة جائزة لتغيير العالم.
كل شيء خلق بقدر، في عالم تحكمه المفارقات الساخرة، الإنسان فيه مجرد «عامل» بسيط يؤدي دورا ثانويا في كوميديا إلهية معقدة. الجدية، وصرامة المواقف، في عالم سريالي، يحكمه الأغبياء الأقوياء، مجرد إخراج هزيل لدراما إنسانية تافهة، لمسلسل، قد يطول أو يقصر، لكن نهايته محتومة ومعروفة.. تبقى الحياة، هي أكبر مؤامرة كوميدية ساخرة ضدا في الوجود العابر، بطلها الوحيد هو الإنسان المقهور في ذاته، وكينونته، وأفعاله الاجتماعية، وكيف لا يكون كذلك، وهو محكوم بمأساة كونه زمنيا، ينتهي إلى فناء. السلاح الوحيد لتفكيك سيناريو مهزلة/ بؤس الحياة وتآمرها الأزلي على فناء الإنسان، هو السخرية الدائمة من كل مقدس يؤجل الموت ويجعله محتملا بغباء..
أن تكون جادا بضعفك البشري والزمني، يعني أن تكون مساهما بشكل فعّال في استمرارية مؤامرة قدرية الحياة، وفي إعطاء مصداقية شرعية لتحكم الأغبياء في مصيرك.. مصيرك تعرفه؛ تبدأ علاقتك به حين تولد من رحم أمك، فلا تدع غواية شيطان الجدية تسيطر على عقلك، وأنت تعرف، يقينا، أن مصيرك إلى الموت لا محالة.


علي أزحاف




تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى