أحمد كفافى - رمضانيات (١) الصوم.. مفتاح العناية بالصحة على مر العصور

عاد رمضان وبدأ المسلمون فى جميع أنحاء العالم الصيام من طلوع الشمس إلى المغرب. ربما قد لا يصح تكرار فوائد الصيام هنا أو فى أى مجال آخر فهى غنية عن التعريف ، ولكن وبالرغم منا يحل علينا الشهر الكريم وتجدنا نلقى الضوء من جديد على القضايا الصحية المتعلقة بالصيام.

نظرا لصعوبة الصيام، فإن أغلبنا لا يحبذ اتباعه كنظام صحى رغم الحرص عليه كفرض دينى..هناك من المتدينين من يصومون على فترات متقطعة فى مناسبات بعينها ولكن هذا لا يمنع أن الصوم هو بداية النقاش فى موضوع الصحة العامة من منظور إسلامى.
تكرس الصحف والمجلات وغيرها من وسائل الإعلام مساحات كبيرة لمستجدات العناية بالصحة مستغلة بذلك حاجة الأغلبية من الجمهور لمنتجات الغذاء والدواء لتحقق أرباحا مهولة من الإعلانات. ولكن زادت الظاهرة عن الحد حتى أن مجموع ما يعلن عنه أصبح متناقضا وغير دقيق فوقع الناس فى حيرة بين ما هو نافع وما هو ضار..
تقوم عشرات الكتب ومواقع الإنترنت بنشر الكثير من نظم إنقاض الوزن والإرشادات الصحية وكأن الكثرة هى المفتاح فى مجال يتطلب الدقة بوجه أساسى. ولكن إذا تأملنا التغيرات التى طرأت على عالمنا لبررنا ذلك الاهتمام الزائد عن الحد بأمر الصحة والعناية بها.
فالوفرة التى نتجت عن التقدم التكنولوجى لم تستثن مجال الغذاء والتغذية..الإيجابيات غنية عن التعريف و لا يمكن التشكيك فيها..السلبيات أكثر لدرجة أنها فاقت الإيجابيات ودمرت منافعها...فتنوع المنتجات الغذائية الذى يسير جنبا إلى جنب مع الترويج للدواء والمستلزمات الصحية هما بالـتأكيد جزء من الموجة الجديدة التى تتسم بالاستهلاك الزائد عن الحد..ما عمق الاهتمام بالعناية الصحية التى تهدف إلى التركيز على مخاطر الاستهلاك المفرط للغذاء...
بتصفح مواقع الطب الإسلامى وجدنا أن هناك علاجا واحدا لا ثانى له هو الذى يحكم أى دواء أو وصفة غذائية أو روشتة طبيبا ألا وهو أسلوب الحياة. فلو اتسم أسلوب حياتنا بالوفرة والبذخ كما هو الحال الآن فلن يفيد ألف علاج. ولكن حينما يزداد التأثير السلبى للوفرة يصبح لزاما أن نراجع القوة التى تتحكم فى أسلوب حياتنا.
لقد اربكت الحياة العصرية الساعة البيولوجية للإنسان من خلال العمل فى نوبات ليلية تتطلب ذروة من النشاط فى وقت تقل فيه الطاقة الذهنية والجسمية للإنسان إلى أقصى حد لها...كما أخلت بآلية النوم عقب سفر المسافات الطويلة ومشاهدة برامج القنوات الفضائية التى تبث على مدار الساعة..هذا علاوة على السهر فى النوادى الليلية و المطاعم ودور السينما وغيرها من وسائل الترفية العصرية..ضف إلى كل ذلك ساعات العمل الطويلة التى لا تمنح فسحة من الوقت للقيلولة..
فالطبيعى أن الساعة البيولوجية عند جميع المخلوقات تنحدر بشكل تلقائى من الذروة إلى الهوة وفقا لنظام وقتى لا يتغير أو يخفق..وهى تتأثر بالضوء والظلام..النوم والحركة..الهدوء والضوضاء..تسهم كل هذه العوامل مجتمعة فى تأقلم الساعة البيولوجية مع البيئة.
لقد جاءت الآيات القرآنية الكريمة لتشدد على وجود الساعة البيولوجية، فالنهار للعمل والحركة والليل للراحة والسكون...كما أشارت إلى أهمية القيلولة وفوائد الاستيقاظ مبكرا والصلاة فى الثلث الأخير من الليل، والتى تتوافق كلها مع التغيرات التى تحدث فى البدن خلال يوم واحد.
تتوافق الاكتشافات العلمية الحديثة مع ما أشار إليه الرسول (عليه الصلاة والسلام) من أربعة عشر قرنا مضت. قال عليه أفضل الصلاة و السلام ( قيلوا فإن الشياطين لا تقيل)...لقد أكتشف مؤخرا أن القيلولة أو غفوة الظهيرة تعطى الجسد راحة ذهنية وعضلية من شأنها أن تجدد الطاقة وتزيد القدرة على العمل.
فلا عجب إذن أن تزود بعض الشركات مكاتب الموظفين بالأسرة لهذا الغرض خصيصا. لكن ما زال بعض الموظفين لا يتجاهلون القيلولة فقط ، بل يجازفون بصحتهم بالسهر فى نوبة عمل ليلية بعد الدوام الصباحى. إنه تجاهل كامل لقوله تعالى :(الله الذى جعل لكم الليل لتسكنوا فيه ــ غافر"61" ).
لقد أشارت بعض البحوث التى أجريت فى جامعة أريزونا بالولايات المتحدة بأن النوم أثناء الليل فى أجواء مظلمة يزيد من إفراز مادة الميلاتونين فى الجسم وهى مادة حيوية لمقاومة السرطان،والتى يعوق تدفقها وجود الضوء فى حجرة النوم أثناء الليل. وبالمثل فإن الضوء يقوم بتنشيط هرمونات أخرى تقاوم أمراض عديدة فى الجسم...اكتشافات مذهلة!!
تشير الأحاديث الشريفة فى مواضع كثيرة إلى فوائد ضبط النفس والرضاعة والختان واستخدام السواك ولكن يظل الغذاء واحدا من الموضوعات الشائكة... فلقد أكدت أحد الأحاديث النبوية أن: ( المعدة بيت الداء والحمية رأس الدواء)..
فوفقا للأحاديث الشريفة الحمية نوعان: الأول الذى يحمى الجسم من الأمراض وهو موصوف للاصحاء والثانى ما يشفيه وهو موصوف للمرضى. فالحمية تحمى الجسم من المرض قبل وقوعه..أما إذا وقع المرض فهى تمنعه قبل أن يتفاقم.
يوجد وصفات لعلاج جميع المشاكل الصحية المعاصرة من الكولسترول لضغط الدم والاكتئاب والقولون والتى تقوم أساسا على ممارسات الرسول ( عليه الصلاة و السلام ) وتفاعله مع الناس والصحابة.
بالقطع كل ذلك من وحى الهداية النبوية...لكن هناك حقيقة لا تزال تفرض نفسها بقوة وهى أنها معجزة رجل أمى جاء العلم الحديث ليختبر ويثبت صحة أقواله..نعيش اليوم فى حيرة بين الرجوع للتراث أو تجاهله .لقد تم تجميع الآيات القرآنية و الأحاديث النبوية المرتبطة بالصحة العامة فى موسوعة( الطب النبوى) التى أصبحت نبراسا للغرب الذى حوله إلى الطب الحديث.
صحيح لقد عاش الرسول (صلى الله عليه وسلم) هو وصحابته فى بيئة صحراوية بدائية بينما نعيش نحن فى مدن حديثة يشجع التقدم فيها على الاستهلاك والشبع.. لكن ما لا يعيه البعض أن المجتمعات القديمة عرفت الشبع أيضا رغم بساطتها فكان هناك دائما حاجة للصوم ـــ الروح الحقيقية لرمضان وبداية الطريق للصحة السليمة.
لقد أصبح العالم اليوم مقسما بين الأغنياء والفقراء...والفائض الذى يسبب التخمة هو بالـتأكيد من نصيب الفقراء..ما يجب أن يدعو الأغنياء إلى تضييق الهوة بين الجائعين و المتخمين..عندئذ فقط يحدث التوازن بين النفس و الجسد. دعونا نبدأ بشهر رمضان.



تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى