. د. أبو الحسن سلام - حيرة البحث العلمي في فن التمثيل

أ تتناظر صياغة البحث العلمي في فنون المسرح من حيث تنسيق الركائز الاساسية التي تؤسس عليها الخطة ؛ فلكل بحث مقدمة للتعريف بموضوع البحث وضرورته والهدف من اجرائه. ولكل بحث إشكالية يتبين منها طبيعة القضايا المشتركة او الملتبسة حول الموضوع الذي يتوجه اليه العنوان الذي اختير للبحث باعتباره معبرا عن الإشكالية التي تتمثل في منظومة المشكلات التي لا تحل إحداها دون حلها مجتمعة - حسب الفيلسوف الفرنسي الحداثي ميشيل فوكوه - او هي - حسب أرسطو- حيث هي المشكلة وادوات حلها. ولكل بحث طريقة او منهج علمي عقلي او نقلي ؛ ينظم محاوره او اشكالياته الفرعية. ولكل بحث مصادره التي يرجع اليها لتأصيل المعلومات والمعارف التي يصوغها الباحث في بحثه وله أيضاً مراجعه التي هي بمثابة عوامل معاونة لدعم المصادر والمقولات المقتبسة من المصادر وتاكيد الآراء التي يراها الباحث او يستنتجها والبحث في جميع الأحوال يحتاج المراجعة الدقيقة والمقابلات المعرفية ذات الصلة بموضع البحث مع استخلص القضايا المتوالدة عن تلك المقاربات حيث ان ذلك كله يتحقق عبر المقارنات او الموازنات بما بينهما من فروق لان المقارنة تكون بين فنيين مختلفين او عملين بلغتين مختلفتين وليست الموازنات الا تناول فنين متقاربينا ولغتين متناظرتين كان يدور البحث بين عرضين مسرحيين لنص واحد برؤيتين مختلفتين لمخرج واحد في فترتين زمنيتين متباعدتين على نحو اخراج الفنان حمدي غيث لنص الفريد فرج ( الزير سالم) مرتين برؤيتين مختلفتين وبغنتاج مختلف وبطولة مختلفة ما بين ( الفنان عبد الله غيث ) في نهاية الستينيات بغنتاج فرقة المسرح القومي بوزارة الثقافة المصرية ؛ و ( الفنان نبيل الحلفاوي) في منتصف الألفية الثانية بانتاج المسرح القومي أيضاً فهنا تكون الموازنة بين الغرضين هي الأساس الذي يتأسس عليه منهج البحث بوصفه ( دراسة موازنة) بينما تتمثل الدراسة المعارضة بين عرضين مختلفين برؤيتين مختلفتين ؛ لمخرجين مختلفين في فترتين زمنيتين متباعدتين لنص معدل بقلم المؤلف نفسه الفريد فرج وهو نص ( مسرحية :جواز على ورقة طلاق ) مع التركيز على إشكالية منهج التمثيل وتباينها بين الرؤية الاولى والرؤية الثانية للمخرج نفسه ؛ للكشف عن اختلاف خطاب النص المعدل عنه في النص الاول نفسه ؛حيث تمحور خطاب المسرحية نفسها في نهاية الستينيات حول فكرة استحالة التزاوج بين الطبقتين ( الرأسمالية والعمالية) بينما تمحور الخطاب المعدل للنص نفسه ( ٢٠٠٥) حول إمكان تزاوج راس المال مع العمال. وهنا يكون على التأصيل العلمي للمعرفة البحثية ان يمدنا بمعلومات عن المتغير الاجتماعي الذي حا بالمؤلف الاشتراكي الفكر (الفريد فرج) ليغير من خطاب معتقده الستيني الى خطاب مناقض له ؛. عند ذلك سيعكف الباحث على دراسة الخطاب السياسي لمرحلة الستينيات والخطاب السياسي الرسمي لنظام الحكم في مرحلة الانفتاح أتي اعقبت حرب اكتوبر ١٩٧٣ وصولا الى المتغير السياسي والاقتصادي في الالفنية ؛ حيث سيطرة ريحة من طبقة التجار الرأسماليين الكبار على السلطة التنفيذية العليا في مصر ؛ وهنا وجد الفريد في نفسه قدرة على التلون باللون الذي يكسب التأييد لفكر تلك الشريحة الرأسمالية الطفيلية الجديدة التي اتبعت سياسة السمسرة والكومبرادور ( الوسطاء التجاريين).
لذا توحد خطاب النص المعدل في عرض ( جواز على ورقة طلاق) بإخراج الفنان احمد عبد الحليم عن اخراج الفنان الرائد عبد الرحيم الزرقاوي للنص الاصلي نفسه في الستينيات التي كانت تسير على النهج السياسي لنظام الحكم . وتبعا المغايرة بين الرؤيتين الغخراجيتين للنص وفق تباين خطابه في الرؤية الثانية عنها في الرؤية الاولى يتغير منهج التمثيل أيضاً . وبناء عليه تتمحور الدراسة البحثية حول منهج الموازنة بين منهجي التمثيل .
اما الدراسة المقارنة فتصح عند تناول البحث لاشكالية تناول حدث واحد في فنيين مختلفين كفن المسرح وفن الشاشة ( سينما - تليفزيون ) متناول حدث تاريخي عن ( الحجاج بن يوسف الثقفي) او( الزير سالم) او( الظاهر بيبرس) في اطار إشكالية دور فنون المسرح وفنون الشاشة في إذكاء روح القومية العربية والحض على بعث فكرة القومية العربية الاسلامية - مثلا- لمواجهة الهجمة الثقافية والعسكرتارية الامريكية العالمية.
ومعلوم ان الباحث لا ينطلق في بحثه عن حل لاشكالية موضوعه البحثي ال ونصب عينيه الدراسات السابقة التي تعرضت لذلك الموضوع ؛ فمن بداهة القول انه لا يوجد موضوع ما الا وقتل بحثا في زاوية من زواياه ؛ كما لا يوجد موضوع ال ويحمل في ثناياه الكثير من القضايا التي لم تبحث بعد - لمسرحية مثل : اوديبوس لسوفوكليس- كتبت -فيما اعلم خمسمائة مرة برؤى مختلفة في لغات مختلفة حتى عام ١٩٨٦ - على الرغم من حبكتها التي لا تزيد عن قتل شخص لابيه وزواجه من امه والإنجاب منها دون ان يعلم - وهي قضية لو حدثت على المستوى الواقعي المعيش فانتهى الامر به الى المحاكمة - وهذا مثال شديد الدلالة على ان قضايا البحث واشكالياته لا تنتهي في اي موضوع وعلى وجه الخصوص الموضوعات المتعلقة بالإنتاج الابداعي أدبا او فنا؛لان التاويل الزم في التعامل مع الإبداع وهنا يكون المنهج اكثر اقترفوا من المعيارية .. وليس معنى ذلك قصر المنهج التاويلي على البحث المسرحي ؛ فالمسرح بوصفه منتجا ابداعيا متراكما عبر العصور الفنية والمسرحية قابلا للقياس والاستدلال ؛ مع وجود مناهج علمية صالحة لقياس المنتج المسرحي نصا وعرضا؛ فهو صالح لتفعيل مناهج البحث العلمي ؛ من حيث ان النص منتج ثابت قابل للقياس بقياس اكثر منه ثباتا ( المنهج) بخاصة وان لكل مدرسة مسرحية أسسها التي تضبط حدودها وتعبر عن خصوصية مسماها الفني ( الكلاسية- الرومنتيكية - الطبيعية - الواقعية- الرمزية - الملحمية. - العبثية - السيريالية - التسجيلية وغيرها) كما ان لفن التمثيل مدارسه ولفت الإخراج مدارسه والنقد مدارسه ؛. وما الأسس الفنية المتباينة لكل مدرسة من تلك المدارس في النص او في الإخراج او في التمثيل سوى قوانين يقاس عليها النوع المسرحي . غير ان الباحث المسرحي مطالب بالتدقيق في اختيار المنهج عند التعامل مع بحث عرض مسرحي ؛ لان العرض منتج متغير الحدود تبعا لاختلاف طرق التعبير تمثيلا وتقنية ما بين ليلة وليلة تالية لها ؛ فضلا على خطاب العرض حالة عدم توحده مع خطاب النص تبعا لرؤية الإخراج ؛. وهنا تظهر امام الباحث عقبة من نوع مختلف عن عقبات البحث في نص مسرحي باعتبار النص المسرحي إبداع مرجا الى حين تمام عرضه على الجماهير.
و هنا يقع الباحث المسرحي في حيرة ؛ بخاصة مع توزع المادة البحثية التي بين يديه بين النص النص والعرض مع تداخل اساليب بعض المدارس المسرحية المتباينة الرؤى والمتعددة الأسس والمتنوعة الأساليب والتقنيات الفنية ؛ فضلا على مركبها الفني في العرض عنه في النص المسرحي .
وفي كل الحالات البحثية مهما تختلف مناهجها وتتعدد تبعا لخصوصية كل بحث ياخذ البحث العلمي مسماه من جدية الباحث وقدرته على مقابلة القضايا ومناطحة بعضها بعضا والخلوص إلى قضايا جدية ؛ وهذا يتأتى بتجميع الباحث لمادة بحثية غزيرة وقدرته علي مجاورة الشواهد وتقويمه لما تطرحه من آراء مع تأصيل المفاهيم في سبيل إنتاج معرفة تضيف إلي حقل التخصص الذي تأسست عليه إشكالية بحثه منتهيا بالتوثيق المصدري والمرجعي والتأكيد على لرجوع غلى المصادر الاصلية في لغتها - ما امكن ذلك-



تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى