أ. د. أبو الحسن سلاّم - اتجاهات النقد المسرحي المعاصر .. مقدمة إمبريقية - حذفها الناشر ، ط 3-

حفل النقد منذ مارسه أهله ومتخصصوه في مجالات الإبداع الأدبي والفني – بعد خروجه عن حياطة النظرة الذاتية المتحلقة حول المنتج الإبداعي – بكثير من وسائط الإبصار المدرك لتجربة النفس البشرية ؛ محمولة علي دعائم فكرية مصدرا لأحوالها المتفاعلة المتقلبة والمتغيرة ؛ أمام مرآة الإبداع المقعّرة .
تعددت نظريات النقد في ثلاثة اتجاهات نقدية أساسية مابين اتجاه النقد القديم ينظريتيه ( نظرية المحاكاة – نظرية المثل) واتجاه النقد الحديث بنظريات التطفل الاجتماعي والنفسي والتاريخي علي الإدبداع ، واتجاه النقد المعاصر الساكن في البني والأنساق الإبداعية للمنتج الأدبي أو الفني عبر تباين نظرياته النقدية البنيوية الحداثية أوالتفكيكية:( السيميائية ، الأسلوبية ، نظرية التلقي ، الشكلانية ، النسوية ، الظاهراتية، الأنثروبولوجية ، والانعكاسية والثقافية : نظرية المتوسطات القرائية )
اشتعل سراج الاتجاه النقدي القديم ليضئ لنظرية المثل الأفلاطونية التي تقوم علي محاكاة الفكرة المطلقة (خلق الله : المثال) حيث تنحصر المحاكاة الأدبية أو الفنية في محاكاة صورة من الصورة المثلي المكنونة في عالم الغيب ، وليضئ لنظرية محكاة الفعل الأرسطوية .
هو إذن اتجاه نابع من الفلسفة المثالية إذن ، إذ أن المحاكاة الأولي محاكاة ذهنية ، بينما الثانية تتمحور حول الفعل حيث يعرف الإنسان من فعله ، ومن ناحية أخري - حيث الشخصية مجسدة لفعل مخلوق غيبا وفق إرادة الإله – لذلك انتشرت نظرية المحاكاة الأرسطية في الحياة النقدية ؛ بينما اقتصرت الحاجة إلي توظيف محاكاة الفكرة المطلقة علي دعاة اتباع دعوة أفلاطونية محاكاة تقديس الفكرة عبر خيال الظل ، ونفي النص القائم علي أداء حواري وحركي محمول علي إرادة ومشاعر بشرية متناقضة تدنس الفكرة المطلقة !! ( كتابه : خيال الكهف)
ومن اللافت للنظر ؛ ضرورة الانتباه إلي أن أثر نظرية محاكاة المثل – وفق أفلاطون قد ظهر بشكل جزئي في دعوة جرتوفسكي ومن قبله إدوارد جوردون كريج نحو مسرح يقوم علي التقديس إذ يري كلاهما في تناقض إرادة الإنسان ( الممثل) ومشاعره تدنيسا للفكر ، فيستعيض كل منهما عن النص الحواري بالصورة في إنتاج عرض مسرحي ناف للنص الدرامي . وذلك قبل انتشار فكرة (موت المؤلف) التي تبناها الناقد الأستاذ ( رولان بارت) .
ومن اللافت للنظر أيضا الإشارة إلي أن نظرية التغريب الملحمي عند بريخت قد تجنيت نظرية محاكاة الفعل ؛ علي أساس أن مطلب المحاكاة عندها ليس ينعقد علي ذات الشخصية بوصفها فردا ؛ بل تتقصد محاكاة صفتها الاجتماعية – أي أنها تحاكي صورة فعل اجتماعي يعيد تصوير فكرة عن الصفة الطبقية التي تنتمي لها الشخصية ؛ لذلك تختلف في مسرحه الملحمي ثنائية ( التقديس والتدنيس) الأخلاقية التدينية ؛ ليستيدلها بثنائية ديالكتيك مادي يطلق عليها ( الرائع في المشوّه والمشوّه في الرائع ) كما يقدم الشخصية علي الفعل – تأسيسا علي أن الفاعل يسبق الفعل وجوديا – وهو التأسيس نفسه الذي قام عليه مسرح سارتر الوجودي – فيما بعد ؛ حيث الوجود يسبق الماهية – مع الاختلاف الجوهري بينهما ، حيث يذهب سارتر إلي أن تحقيق ماهية وجود الأنا تتحرر في علاقة قبولها لحرية الآخر ؛ بينما يذهب بريخت إلي (أنا الجماعة في علاقتها الطبقية الواعية بمقاصد أنا الجماعة الطبقية المضادة) ؛ مع أن كلا المسرحين بركز اهتمامه علي الإنسان .
لذا يذهب مسرح بريخت بعيدا عن الأرسطية ؛ و مقابلا لها ، بينما يساير المسرح الوجودي محاكاة الفعل الأرسطي في محاكاة الفن للطبيعة ذاتها ؛ وليس صورتها التي تعكس طبيعة الآخر علي مرآة ذاتها لصورة الآخر.
ومع ظهور اتجاه نقدي تال للاتجاة القديم ؛ محمولا علي نظرية نقدية قروسطية متفردة تنسب للقديس : ( توماس الإكويتي) ترتكز علي تأسيس حكم الناقد علي ركائز أربعة لتقويم العمل الأدبي ؛ تتمثل فيي ( البعد الموضوعي ، البعد الاجتماعي ، البعد التاريخي – البعد المجازي) لذلك تجدر الاشارة إليها ؛ خاصة وأن فاعلية توظيفها في عصرنا ما تزال مقوّما نقديا للإبداع .
وفي إطار اتجاه النقد الحديث برز عدد من النظريات ، من بينها نظرية التعبير - النظرية النفسية - ونظرية النقد الاجتماعي ونظرية النقد اتااريحي ، ونظرية الانعكاس (النظرية الماركسية) و النقد المقارن ( في المدرسة الفرنسية ، ثم في المدرسة الألمانية والأمريكية ) ونظرية الخلق التي ارتكزت علي البعد الجمالي للعمل الإبداعي ؛ من منطلق القول إن الطبيعة هي التي تحاكي الفن ؛ ومثال ذلك في شعر المتنبي ( أحمد بن الحسين الكوفي الجعفي) ، ومثال أيضا في تعليق المعري عليه . يقول المتنبي :
" أنا الذي نظر الأعمي إلي أدبي وأسمعت كلماتي من بع صمم "
وليس في الطبيعة شئ من هذا الانحراف. وليس فيها أيضا مثالا مما خص به المعري نفسه معلقا علي بيت شعر المتنبي هذا ؛ إذ قال – وهو الكفيف - في كتابه المسوم بـ (معجز أحمد) عن المتنبي، " أنا الذي رأيت أدب أحمد " !!
هكذا كانت قراءة أبي العلاء قراءة منتجة لبيت المتنبي ؛ بعـثا لدلالة مسكوت عنها لا تخرجها عن خبائها إلا قراءة نقدية هرمونيطيقية . فالطبيعة لا تمكن كفيف البصر من ذلك الذي زعمته براعة المعري، إذ قابل إنحراف النسق والدلالة في بيت المتنبي بانحراف في النسق وفي الدلالة القرائية ؛ مقابلة غير المألوف بغير المألوف – وذلك ما تعرفه نظرية النقد الشكلاني – فالأول منح شعره قوة الإبصار للأعمى ، وقوة السمع للإصم – مجازا- والثاني قصر إبصار شعر أدب المتنبي وسماعه علي بصيرته ؛ وما كان ذلك ذلك إلا انحرافا في بنية الصورة وفي خطاب إرسالها بما يدهش قريحة التبصّر عند متلقيها . لأن الصورة لا تعادل نظيرها في الطبيعة ؛ فطبيعة الصورة هنا ( متنبيّة) بجدارة ، وطبيعة تلقيها ( معريّة) بجدارة أيضا .
ويماثلها مسرحيا انحراف الصورة في أداء (أنتونان آرتو) لدور ( شارلمان) عندما طلب منه المخرج العبور من نقطة وقوفه في فضاء المنظر المسرحي في اتجاه كرسي العرش ؛ فإذا به يعبرها حبوا علي الأرض كدابة ، وهو الموقف الذي استثار دهشة المخرج والممثلين حتي تساءل مستنكرا ( ما هذا ؟! ) وما كان ذلك من آرتو إلاّ أداء تشفيريا لدلالة مسكوت عنها أراد بها آرتو أن يقول - كل الملوك والرؤساء الذين تربعوا علي عروشهم ؛ ما وصلوا إلي تلك المكانة إلاّ زاحفين! وذلك انحراف عن ظاهر الطبيعة .، فطبيعة تشخيص الصورة هنا (آرتوويّة) بجدارة ؛ إذ تحمل بصمته ؛ تعكس موقفه من الملوك والحكام .
وكأن الطبيعة في كلا المثالين السابقين ؛ هي التي تحاكي عملية الإرسال وعملية التلقي
وفي مجال الإبداع المسرحي ؛ توقف الفكر النقدي المسرحي عبر مسيرته مرورا بعدد من المحطات النقدية في إطار محاولاته الدؤوب في سبيل الوصول إلي معني المنتج الإبداعي في النص وفي معني العرض ؛ بوصفه غاية التلقي البناء والمولّد للقيم و لمعان جديدة متعددة ؛ سواء عبر القراءاة المنتجة أو عبر القراءات المتعددة للمنتج الإبداعي الواحد.
وهكذا تعددت تخريجات معني المنتج الإبداعي تبعا لمنظور النظرية النقدية التي استدعاها المنتج الابداعي نفسه : وفق انتماء كل نظرية لاتجاه نقدي ما ( قديم أو وسيط أو حديث أو معاصر : حداثي أو بعد حداثي).. وهكذا تباينت الأحكام النقدية تبعا لذلك ؛ فدار الاتجاه القديم في فلك نظرية المحاكاة : ( محاكاة الفكرة عند أفلاطون – محاكاة الفعل عند أرسطو. ودار الاتجاه القروسطي عند توماس الاكويني محمولا علي أربعة أبعاد ، ثلاثة منها تشكل المرجعية الخارجية لبنية المنتج الإبداعي ؛ وهي: البعد الاجتماعي والبعد الموضوعي والبعد التاريخي ، وخص البعد المجازي علي بنية المنتج الإبداعي ؛ نفسه ) .
ودار الاتجاه النقدي الحديث متطفلا علي الإبداع من منافذ منها ، النفسي (سانت بيف ) ومنها الاجتماعي ( هيبوليت تين) ومنها التاريخي (برونتيير)
قصرت النظرية النقدية النفسية غاية التلقي علي الانعكاسات المتبادلة بين ذات اللاوعي الطفولي في فعل الذات الواعية إرسالا واستقبالا استعاديا ؛ مؤكدا علي إمتطاء لاوعي الذات الفردية الطفولية لبنية النص المسرحي ( نظرية التعبير) ؛ أو إمتطائه بنية العرض المسرحي .
وفي وقفته الثانية قصر النقد غايته علي الانعكاسات المتبادلة للمجتمع إرسالا واستقبالا ؛ مؤكدا علي امتطاء الذات الاجتماعية محملة بالعلاقات الاجتماعية: (تين)
ومحملة بعلاقات الإنتاج وانعكاسات الصراع الطبقي علي بنية النص أو علي العرض المسرحي : ( لوكاتش ، نظرية الانعكاس الماركسية ) .
وفي وقفته الثالثة قصر غاية التلقي علي الخبرة الجماعية المتبادلة بين الإرسال والتلقي مؤكدا علي امتطاء الذوق الفردي لبنيات النص( نظرية الخلق) ولبنيات العرض المسرحي
وفي وقفته الرابعة يقرن النقد نضج التعبير بإدراك الوحدة العضوية في مواءمة الشكل مع المضمون – نصا وعرضا - ( النظرية العضوية)
بينما عقدت ( النظرية الظاهراتية) غاية التلقي علي إدراك وعي الناقد لوعي المبدع لبنية منتجه الإبداعي نسقا ومخطابا .
وفي الوقفة التالية قصرت البنيوية التوليدية غاية التلقي علي إقامة علاقات حوار بين المستوي الاجتماعي والمستوي الجمالي والمستوي التاريخي ؛ مؤكدا علي ربط التلقي بأفق التوقعات ، إنطلاقا من خبرة سابقة عامة ؛ بالتعامل مع ثلاثية ( الموروث – المعيش- المأمول)
وقصرت ( النظرية الهرمونطيقية) غاية التلقي في إدراك معني الإبداع في النص وفي العرض علي حهد التأويل ، ومثال ذلك ما حملته رؤية إخراجي لمسرحية ( كاليحولا) التي فسرت معني النص تفسيرا معادلا لخطاب المؤلف ( ألبير كامي) الذي ذهب إلي أن شخصية كاليجولا كانت شخصية غير وجودية تعيش كأنها تعيش في جزيرة معزولة ؛ إذ تهدم بني الحضارة من قيم وعادات وقوانين وشرائع ؛ فلا معتقدات دينية ولا قيم أخلاقية ولا ترابط أسري ولا صداقة ولا أدب ولا فن ؛ لذلك تأسس المنظر المسرحي علي عمود يوناني (إيوني) مشروخ رأسيا يتخلله منحدر صاعد إلي الفضاء ؛ معلق في فضائه كرسي عرش يتأرجح والمشهد محاط بديوراما تحيلها الإضاءة إلي ما يشبه التنور المتلتهب ، ليعطي دلالة الشرخ الذي أحدثه كاليجولا في الحضارة .
ومحل التأويل يرتكز علي مقاربتين ؛ تتصل أولهما بتاريخ كتابة ( ألبير كامي ، نفسه) لمسرحيته تلك ؛ إذ كتبت في فترة حكم ستالين للاتحاد السوفيتي ، وهي الفترة التي أقصي فيها ستالين قيما إنسانية كثيرة في العادات وفي الشرائع وفي القوانين وفي الصداقة وفي قيمة الأسرة وقيمة التعبير عن ذاتية الانسان في الأدب والفن ؛ وكأن ( كامي) قد عمد إلي مقاربة ما فعله كاليجولا بقيم الحضارة بما فعله ستالين في عهده بإقصائه للأخر المدني .
أما المقاربة التأويلة الثانية في رؤية إخراج ( كاليجولا) فربطت تحقق حلم كاليجولا الفردي الخيالي بالحصول علي القمر بجهود علماء السوفيت في الوصول إلي القمر ثم جهود علماء أمريكا بهبوط رائدها الفضائي علي سطحه.
هكذا ارتكزت رؤيتي التأويلية في إخراج العرض علي المقاربة التأويلية بين حلم إنساني عبقري فردي ؛ تمثل في طموح كاليجولا : (( أريد القمر)) – بافتراض أنه تصّور نفسه وقد ملك كوكب الأرض ، بقدم واحدة من قدميه علي سطحه ؛ ولا يجد لقدمه الأخري موضعا عليها ؛ فطمح إلي وضعها علي كوكب القمر ؛ لذك ما طال أرضا ولا سماء ؛ وهو ما عبر عنه ظهور كرسي عرشه معلقا في فضاء المنظر المسرحي .
وفي وقفة النقد استدلالا بانحدار الفكرة تاريخيا ؛ يقرن نضج التعبير الأدبي والفني ، في إدراك معني النص / العرض ؛ برفض الخطاب الكوني للنص أو للعرض ؛ اعتمادا علي ( نظرية المقاربة التاريخية ؛ لمشيل فوكوه) .
كذلك يعمد النقد إلي نزع الألفة بين الإبداع والتلقي عن طريق الكشف عن التشوهات والانحرافات في الصورة وفي اللغة ، مؤكدا علي امتطاء الشكل للمحتوي ( النظرية الشكلانية) علي نحو ما أشرنا إليه حول البيت الشعري للمتنبي . ومنه في المسرح نسق البنية الملحمية وحطابها في مشهد من مسرحية ( دائرة الطباشير لبريخت) وهو مشهد لقاء الحبيبين ( جروشا وخطيبها سايمون) العائد من الحرب علي ترعة مليئة بجثث الجنود ، إذ كان لقاء يفترض أن يكون حميميا بين حبيبين ؛ لكن النسق التغريبي للبنية الدرامية فصل بينهما ؛ إذ جاءت جروشا من جانب من ضفة الترعة وجاء سايمون من الضفة المقابلة لها فانتفت حميمية الاشتياق في لقاء الحبيبين ؛ فضلا علي حالة تشوية الصورة المألوفة في لقاء حبيبين بعد طول غياب ؛ فظهر التشويه في وجود ( جنود قتلي علي حافتي الترعة ) وهو التشويه النافي لروعة لقاء الحبيبين بعد طول غياب ، ودلالته المسكوت عنها ؛ المشككة في إمكان حدوث استقرار وحياة آمنة وسلام يتيح للخطيبين إقامة حياة أسرية .
فإذا خلصنا من التأويل إلي نظرية النقد المقارن نجدنا أمام ثلاثة مسيرات ؛ إحداها فرنسية تعتمد علي نظرية (التأثير والتأثر) بين عملين إبداعين من ثقافتين أجنبيتين عن بعضهما ( منتج إبداعي فرنسي وآخر أجنبي) شريطة انحياز الناقد للمنتج الإبداعي الفرنسي؛ بينما ذهبت النظرية النقدية الألمانية والأمريكية المقارنة ؛ كلتاهما مذهبا آخر مغايرا للنظرية الفرنسية ؛ حيث تستبعدان عملية الانحياز للإبداع القومي الأمريكي أو الألماني ، وتستبعدان قياسات التأثير والتأثر ، حيث تعبر عندهما عن خيانة للمنتج الابداعي الأول – المتأثر به – كما تضعان شروطا محالة التحقيق ، منها :
- لا تصح المقارنة إلا في حالة تلق جماعي منتم .
- لا تصح المقارنة إلاّ في حالة اتفاق بين تلك الجماعة المنتمية حضورا .
- لا مكان لعملية التأثير والتأثر في الحكم النقدي المقارن .
- لا إنحياز في الحكم لأدب أو عمل فني قومي ؛ علي حساب العمل المقابل في عملية المقارنة .
- لا يشترط أن تكون المقارنة بين منتجين إبداعيين من ثقافتين أو في لغتين مختلفتين.
- لا تفريق بين مصطلحي المقارنة والموازنة – بعد أن كان مصطلح الموازنة مصطلحا
مقصورا علي قياس التلقي النقدي لمنتجين إبداعيين من ثقافة ولغة واحدة .
أما النظرية السيميولوجية فقد قصرت قياسها علي كيفية إنتاج النص وكيفية إنتاج العرض المسرحي ؛ اعتمادا علي العلامات باختلاف عناصره ( في لغة الكلام ولغة الإشارة ولغة الإيماء ولغة الصمت وفي علامات الترميز والعلامات الاتفاقية والعلامات الأيقونية في إطار منظومة علاماتية في التعبير أو التصوير المسموع والمرئي في الحيوز الزمكانية
وقصر النقد الأنثروبولوجي غاية التلقي علي امتطاء اللاوعي الجمعي لوعي المبدع ولوعي التلقي .
ونمثل لذلك بمسرحية عطيل والعاطفة الحاكمة لبنية فعلها ودافعها الجمعي لا الذاتي الذيث تأسست عليه البنية الشكسبيرية ؛ وذلك بالخروج عنها ؛ خروجا من فعل لاوعيه الطفولي البيئي الذاتي ؛ من منظور نظرية التعبير سيكلوجيا . اربط فعله بانعكاس صفات إنتمائه العرقي إلي الجماعة القبلية الافريقية ؛ باعتبار صفاته هي تمثيل ينوب عن صفات كل زنوجة بيئته ؛ فهي نظرة قياس نقدي جمعي .
والقياس نفسه يصح في رؤية عرضها بمنح إخراحج ملحمي تغريبي ؛ بصور فيه الممثل الصفة الاجتماعية لزنوجة القبيلة تحملها شخصية عطيل نيابة عنه العرق نفسه ؛ بمعني أن يجعلها نائبة عن الجماعة التي تنتمي إليها ؛ حالة ما يعمد الإخراج إلي إسقاط مجموعة من صور ممثل شخصية دور عطيل نفسه علي الشاشة في خلفية المشهد ؛ وهممث3ل دور عطيل نفسه بين تلك الصور في تعبير موحد بينه وصوره ، مع تكرار ذلك في عدد من المشاهد التي يكشر فيها عن أنيابه ، بما يكشف عن الصفات السايكلوجية للزنوجة في حالات الغيرة أو الغضب أو الحدة في تعويضا عن شعور بالدونية أو تصوير حالة ردة فعل حالة العقم التي لن تمكنه من إنجاب يصله بنسب النبلاء .
ومن النقد ما يلجأ إلي القياس النماذجي ( النقد النماذجي) ، ومثاله قياس صورة أو موقف من مسرحية لاحقة لمشهد أو موقف أو تعبير من مسرحية لاحقة لمشهد من مسرحية سابقة كموقف التناص بين مشهد لقاء الصدفة بين ( اليمامة ابنة كليب) في مسرحية ( الزير سالم) - لألفريد فرج - علي قبر أبيهما كليب واكتشاف وجود أخيها ( الهجرس) بما يكذب إنكار أمها ( الجليلة) لحقيقة وجود ابن ثان لها ، وذلك تناصا مع مشهد تعرف الكترا علي أخيها أورستيس علي قبر أبيهما أجاممنون في مسرحية ( حاملات القرابين ) .
أما النقد النسوي المنضوي تحت اتجاه مابعد الحداثة فيعمد إلي تفكك صورة المرأة في أنساق المنتج الابداعي الذكوري ؛ خروجا بصورتها من حياة ( نظرية الفالوظ) ، حيث يكشف ذلك النقد عن تناقضات صورة صورة المرأة في المنتج الإبداعي في كل ما أبدعه المبدع الرجل من صور للمرأة عبر التاريخ . ومثاله كشف تناقضات صورة نورا في إبسن وصورتها في ليدي مكبث وفي ديدمونة وجولييت والنمرة و جونريل وريجن في (الملك لير ).
ومن صور التفكيك يكشف النقد الكولنيالي عن صور التناقضات الاجتماعية والسياسية في المستعمرات بعد تحررها من الاستعمار .
ويذهب النقد الثقافي – من جهة نظري - إلي القياس النقدي وفقا للمتوسطات القرائية ؛ حيث الاستدلال علي معني المنتج الابداعي بالوصول إلي ناتج قسمة جمع ثقافة خطاب النص أو العرض المسرحي بين خطابين : خطاب المبدع وخطاب المتلقي ( وهذا نفسه مضمون نظرية نقدية قديمة للناقد العربي حازم القرطاجني من القرن السادس الهجري ) ومن أمثلته منهج الذي نقد به الدكتور محمد زكي العشماوي مسرحية أوديب في كتابه عن ( المسرح ) حيث تباينت صورتان أو رأييان له في نقد المشهد الواحد نفسه في صفحات الكتاب نفسه ، ومرجع ذلك في رأيي الذي سمعه مني وأساتذة حضور تكريمه علي منصه المجلس الأعلي للثقافة - لجنة الأدب العربي - أن صفته شاعرا قد تداخلت مع صفته أستاذا أكاديميا في قياساته النقدية ؛ وبذلك انعكست خبراته العلمية المنهجية في صرامتها مع خبراته الثقافية بروحه الشاعرية فازوجت قيياسات أحكامه النقدية .
ويقف النقد الأسلوبي معني المنتج الإبداعي علي خصيصة من خصائص أسلوب المبدع أو علي خاصية أسلوبية بعينها تميز مجمل إنتاجه ؛ كأن يقف عند فكرة ( المخلص الغائب) في مجمل مسرحيات نجيب سرور ، أو يقف عند خاصية فكرة ( الشذوذ) في مجمل مسرحيات ( تينسي وليامز) .
وننتهي من ةهذا التطواف الإطاري العام حول اتجاهات النقد بعامة إلي القول .. لما كانت من تلك النظريات ما ينضوي تحت إطار اتجاه النقد الحديث ، ومنها ما ينضوي تحت اتجاه النقد المعاصر : الحداثية البنيوية متوسلا بالتحليل لتحقيق غاية الوصول إلي معني الإبداع؛ فإن اتجاه المعاصرة فيما بعد الحداثية قد تعمد تفكيك بنية المنتج الإبداعي في قراءة مسيئة تكشف عن تناقضات نسقه وتناقضات خطابه ؛ بما ينفي وجود دلالة تامة للمنتج الابداعي نظرا للكثير من فجواته واعتماده علي تقنية المسكوت عنه مما يترك مساحةلانفتاح العمل الابداعي الواحد نفسه علي قراءات متعددة بتعدد متلقييه الذين لا ينقطع تلقيهم أبدا ؛ مما ينفي وجود اتفاق علي وجود دلالة تامة له ؛ وتبعا لذلك الاختلاف ؛ يري ( جاك دريدا) ضرورة إرجاء الاختلاف .. لذا وضع نظرية ( الاختلاف المرجأ : defrant ) (بدلا من deferent))

د أبو الحسن سلام



تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى