أ. د. عادل الأسطه - اليهود الأفغان في الرواية العربية : رواية ليلى الأطرش " لا تشبه ذاتها "

لا أعرف الكثير عن حضور الأفغان في فلسطين ، ولكني أتذكر شخصا كلما غضب من قريبة له ، يراها حقودة ، عايرها بأنها ابنة الأفغانية ، وكانت ملامحها تشبه ملامح الأفغان .
في المخيم الذي ولدت فيه ، وأيضا في مخيم مجاور ، أكثر من عائلة تنسب إلى أفغانستان " الأفغاني " . وقد شاهدت ، في طفولتي ، مسنا متجولا يبيع الكسبة ، ولم أعد أتذكر ملامحه .
رواية ليلى الأطرش " لا تشبه ذاتها " ذهبت إلى مناطق بعيدة ؛ إلى القدس ولندن وأفغانستان والأردن ، وكان للعائلات الأفغانية وحياتها في بلادها وفي المنفى فيها حضور لافت ، ولم يقتصر الأمر على الأفغان المسلمين ، فقد ظهرت فيها شخصيات يهودية أفغانية .
هل عرفت ليلى الأطرش أبطال روايتها ؟
هل التقت بساردتها الأفغانية حبيبة العين الأفغانية المتعلمة التي درست الطب وتخصصت في أمراض الجلد وأصغت إليها تقص عن حياتها في أفغانستان وفي المنفى ، في لندن وعمان ، بعد انقلاب الأحوال في بلدها الأصلي ؟ أم أن الساردة / المؤلفة الضمنية أعطت روايتها لليلى لتقدمها لنا ؟
في " لاتشبه ذاتها " نقرأ أن الساردة تكتب حكايتها ؟
ثمة مؤلفة ضمنية تروي حكايتها وتكتب روايتها :
" الآن لا أريد لذاك السر أن يطوى ، ومعرفة حقيقة ما حدث من حق منار وحدها . طلبت فردوس ألا أشير إليه في روايتي ، لكن من حق منار أن تعرف ما جملت أمي في حكايات الأسلاف ، ومن واجبي البوح وأنا أسابق العمر " ( ص ١٨٢ ) .
إنها تروي عن تشابك العلاقات والصراع الإسرائيلي الفلسطيني والصراع الداخلي في أفغانستان . صراع الأهالي في البلاد البعيدة وصراع الإخوة مع بعضهم وصراع الزوجة مع زوجها .
والسؤال هو :
- لماذا ذهبت ليلى إلى أفغانستان ، لتكتب عن تلك البلاد وسكانها ؛ مسلمين ويهودا ، ثم لتحضرهم إلى بلادنا ؟
عندما بدأت أكتب رسالة الدكتوراه ، في العام ١٩٨٨ ، عن صورة اليهود في الأدب العربي لم أعثر على نصوص كثيرة ، لأدباء عرب ، تأتي على اليهود أو تصورهم . وانعكس ذلك ، بدوره ، على الدراسات ، فجل ما كتب لم يتجاوز بضع دراسات قصيرة مكثفة نشر أكثرها بالإنجليزية ، أما ما كتب بالعربية فلم يتعد دراسة حمودة زلوم العابرة المفتقدة إلى المنهج .
ظلت الدراسات عن صورة اليهود في الأدب العربي قليلة ، لأن النصوص ، باستثناء نصوص الأدب الفلسطيني ، كانت قليلة ، وهو ما اختلف بعد توقيع اتفاقية أوسلو في العام ١٩٩٣ .
كان عنوان أطروحتي للدكتوراه " اليهود في الأدب العربي " ثم قصرتها ، للأسباب السابقة ، على الأدب الفلسطيني .
منذ العام ١٩٩٣ حتى الآن كثر حضور اليهود في الأدب العربي وكثرت ، تبعا لذلك ، الدراسات والمؤتمرات والندوات والملفات التي تناقش الموضوع . وغالبا ما أتيت على هذا في السنوات الخمس الأخيرة .
صارت الشخصية اليهودية تحضر ، وعاد روائيون كثر إلى أزمنة سابقة ليكتبوا عن يهود البلدان العربية قبل هجرتهم إلى فلسطين بعد تأسيس الدولة الإسرائيلية ، ما دفعني مرة إلى نشر مقالة عنوانها " اليهود في الرواية العراقية في القرن الحادي والعشرين " ، وما دفع دارسة هي أمل أبو حنيش إلى إنجاز رسالة دكتوراه عن الشخصية اليهودية والشخصية العربية في نماذج من الرواية العربية في القرن ٢١ . في الأسابيع الثلاثة الأخيرة كتبت عن الموضوع في روايتين ؛ جزائرية صورت يهود الجزائر هي رواية الكاتب الحبيب السايح " انا وحاييم " ، وسورية كتبت عن يهود القامشلي هي رواية الكاتب السوري سليم بركات " ماذا عن السيدة اليهودية راحيل " ، وكنت من قبل كتبت عن روايات عديدة لكل من واسيني الأعرج " البيت الأندلسي " و" سوناتا لأشباح القدس " والطاهر وطار " الزلزال " وعلاء الأسواني " شيكاغو " وابراهيم الجبين " يوميات يهودي من دمشق " ، عدا كتابي " جدل الذات والآخر : اليهود في الرواية العربية " حيث تناولت فيه صورة اليهود في روايات عبد الرحمن منيف وممدوح عدوان والياس خوري .
ليلى الأطرش ذهبت أبعد مما ذهب إليه السابقون ، فكتبت عن يهود أفغانستان واختارت نماذج منهم أقاموا في تلك البلاد ثم غادروها ولم يبق منهم إلا أقل القليل ممن حرسوا الكنس اليهودية فيها قائمين على خدمتها . لقد حفلت روايتها " لا تشبه ذاتها " بغير نموذج يهودي أنفق قسم منهم شطرا من حياته في أفغانستان ، وشطرا آخر في لندن ، مثل سارة وابراهام ، وأنفق قليلون حياتهم كلها في أفغانستان ولم يغادروها مثل الملا بنيامين ، وألمحت الرواية إلى هجرة كثيرين ، بعد احتلال القدس في العام ١٩٦٧ ، إلى الدولة العبرية .
ظل الملا بنيامين مقيما في أفغانستان يحرس الكنيس ويقوم على خدمته ، والملا شخصية طريفة كان المسلمون يلجأون إليه ليقرأ لهم مستقبلهم وليكتب لهم التمائم ، وغالبا ما كان يتذاكى ، ما دفع إحدى الشخصيات التي اكتشفت تذاكيه إلى القول " يظل يهوديا " . كان الملا يستكثر أن يكتب للمسلمين تمائم فيها صلوات عبرية خوفا من أن يلقيها المسلمون بأماكن نجسة أو في القمامة ، وكان يكتب التمائم وفيها آيات من القرآن . وعندما تعجب به طفلة مسلمة ويميل إليها لجمالها ينسخ لها سورة الفلق .
هل اختلف بقية اليهود في صفاتهم ونشاطهم ومهنهم عما عرف عنهم في الآداب العالمية ؟
سارة وابراهام كانا في أفغانستان على صلة بأسرة الساردة الإقطاعية وكانت تربطهما بها علاقة حسنة وطيدة تأكل الأسرة من طعامهما ، فالمقولة الإسلامية عن العلاقة بأهل الكتب هي " كل عند اليهودي ونام عند المسيحي " ، وحين تمدح الساردة الطعام الأفغاني تفتخر سارة بدور اليهود في التجارة وتعريف الأفغان بالبهارات وجلبها إلى بلادهم ، كما لو أن سارة تتعالى .
كانت سارة في أفغانستان تتاجر بالفراء وحققت سمعة طيبة ، وعندما هربت تركت كل ما تملك للملا بنيامين ، وحين استقرت في لندن واصلت تجارتها وظلت على صلة وثيقة بالعائلة الأفغانية التي هربت أيضا ، بل إن سارة تستقبلها وتسهل لها حياتها غير متناسية الود القديم . كما لو أن اليهود أوفياء لاصدقائهم القدامي المنفتحين غير المتشددين .
هناك شخصيات يهودية أخرى مثل ابراهام وعزرا ، وهما لا يختلفان عن سارة في نشاطهما التجاري ، فما يهمهما هو المال والأرباح بالدرجة الأولى ، ووجود اليهود في شركة يميزها ولو إلى حين " وجود عزرا ميز الشركة إلى حين " ( ص ١٨٢ ) . اليهود بارعون في التجارة .
ويبقى السؤال حول الصورة السلبية للفلسطيني في الرواية ، ( وقد كتبت عنها في الأسبوع الماضي ١٣ حزيران ٢٠٢١ ) ، وصورة اليهود مشرعا للنقاش .
الجمعة والسبت
١٨ و ١٩ حزيران ٢٠٢١ .

أ. د. عادل الأسطه -

( مقال اليوم الأحد في جريدة الأيام الفلسطينية متوسعا فيه ٢٠ حزيران ٢٠٢١ )






تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى