ذياب شاهين - ملاحظات على مقالة الأستاذ عبد العزيز عسير (فوارق الإيقاع بين الشعر الفصيح ( القريض ) و الزجل الشعبي

هذا الموضوع تعليق على مقال الأستاذ عبد العزيز عسير الذي نشره مؤخرا في صفحته ودعاني مشكورا للمشاركة في الحوار وإبداء الرأي على مقاله المهم حول الإيقاع في الشعر الشعبي أو ما سماه ( بالزجل) بالرغم من اهتمامي بالشعر الفصيح حصرا، ولكن يبقى النظام العروضي بوصفه ظاهرة صوتية ينطبق على اللغات واللهجات باختلاف الألسن وثراء اللغة بالملفوظات وبنيتها الصوتية سواء أكانت كمية أو كيفية أو نبرية، وأنا أشدُّ على يديه فما قام به يفتح حوارا مع الآخر المختلف فضلا عن كون الموضوع يثير أسئلة كثيرة في ذهن الباحث ويجعله يراجع معلوماته العروضية وكذلك فمسألة الاختلاف والاتفاق بهكذا نوع من المواضيع نسبية وطبيعية إن وجدت أو أثيرت، ولكن قبل أن أدخل للموضوع وبحسب خبرتي البسيطة وأنا أدعوها بسيطة برغم من كوني أكتب عن الموضوع منذ زمن بعيد لأنني وجدت الموضوع بحرا متلاطم الأمواج وهو من المواضيع التي تعددت بها الآراء واختلفت، ولن تجد في المصادر المختلفة ما يقودك للحقيقة، والإيقاع في الشعر يختلف عنه بالموسيقى مثلا، فالايقاع الموسيقي مثلامن(دم وتك) يختلف عن الإيقاع الشعري فالأول من خلاله يتم ضبط اللحن ويقود العازفين كي يعزفوا زمن النغمات كما هي موجودة في النوتة، ولكن بالشعر فالأمر مختلف لأنه يمثل الفرق بين النوى الثقيلة والخفيفة زمنيا، والإيقاع ليس الشيء المهم الوحيد بل هنالك الهندسة وشكل النظام الهندسي العروضي بهرميته ودوائره المتعددة.
بالنسبة للحروف الساكنة والمتحركة هي البداية في النظام العروضي وهي معروفة من قِبَلِ الخليل جيدًا ومن يقرأ كتاب العين سيجد الخليل خبيرا بالحروف نطقا ومخارج ورقة وتفخيما ويعرف أماكنها وتسلسلها وكونها لثوية أو سنيه أو أنفية، أما اليوم فنجدها متداولة بعمق بالدرس اللغوي بالدرس العربي والغربي وخصوصا في كتاب سوسور علم اللغة العام حيث يسميها بالحروف ذات الانفجار الخارجي حيث يخرج الهواء للخارج حينما ينطق العرف(ويقصد به الحرف المتحرك كما في حرف (p) في كلمة ( paper) والحروف ذات الانفجار الداخلي(الحرف الساكن) وهي التي تخمد الحرف إلى الداخل ; كما في حرف (p) في كلمة (stop )، وقد لاحظنا أن الخليل من خلالها استطاع تأشير الموازين العربية لتكون المقاييس التي نقيس عليها مكسور النظم من صحيحه، ولكن الموازين الخليلية لا تدلنا على مواقع الإيقاع في التفعيلة ولا تفسر لنا سبب تكونه ويقال إن كتاب الخليل في الإيقاع قد ضاع وفقد أثره.
هنالك فرق بين الكلمة المكتوبة والكلمة المنطوقة، ولكنَّ تقطيع الشعر يعتمد على ما ينطق وليس على ما يكتب وهنا يظهر التشويش في تقطيع الشعر العربي، لذلك عندما نبتدئ بحرف ساكن بالعربية وهو يكثر بالكلمات العامية بين الناس ومنه الكثير في الشعر الشعبي سيكون التقطيع صعبا حينما لا يستجيب للتفعيلات الخليلية كما في الأمثلة التي نقرأها في دراسة الأستاذ عبد العزيز عسير وغيره من الأساتذة الباحثين مما يجعلنا نبدأ من الحرف المتحرك ونهمل الساكن، برأيي أن الأفعال الخماسية(اندثر ، ارتحل، اكتئب) تبدأ بحروف ساكنة ولكن تم تغطية السكون بهمزة الوصل التي لا تنطق إذا جاءت في مكان آخر في الجملة.
لو قرأنا المثال الأول الذي جاء به الأستاذ عسير وقطعناه أو حتى لو قرأناه سنجد روح الرجز وهوبيت الشاعر مظفر النواب:
شكد نده نكط علضلع وانسيت اكلك يمته
مفتعلن مستفعلن مستفعلن مستفعِ
شكد رازقي ... و نيمته
مستافْ لن....مستفعِ
أو مستفعِلن...مستفعِ (بتحريك زاء رازقي)
تقطيعنا أعلاه لم يأخذ حرف الشين في كلمة(شكد) حيث أهملناه كما أهمله الأستاذ عسير، وهنا لا حظنا أن الحرف المتحرك في التفعيلة(مستفعلن) تم تسكينه.
لو أخذنا البيت الثاني وهو من بحر الرمل:
قيّم الركاع ْ من ديرة عفج
فاعلاتن فاعْ لاتن فاعلن بتسكين حرف العين في كلمة الركاعْ
فاعلاتن فاعِلاتن فاعلن بتحريك حرف العين في كلمة الركاعْ
وهنا نلاحظ الحالة ذاتها في البيت الأول وهي تسكين المتحرك في التفعيلة (فاعلاتن) كم سكن المتحرك في التفعيلة مستفعلن، ولو جئنا للبيت الأخير في أغنية أم كلثوم وهي أيضا على الرمل وقطعناها سنجد التالي:
اللي شفتو قبل ما اتشوفك عِنيه
فاعلات فاعلاتن فاعلات
عمر ِ ضايع يحسبوه ازاااااي عليه
فاعلاتن فاعلاتن فااااع ْ لاتُ بتسكين الياء في (ازاي)
إذن نحن أمام ظاهرة تسكين المتحرك بالتفعيلة في الأمثلة الثلاث، وكأن زمن المتحرك هو الذي تم أخذه من التفعيلة فضاعت علينا ملامحها.
هنالك قضية أخرى أشار إليها الأستاذ عسير وهي كتابة التفعيلات باستخدام الدقات الإيقاعية( دم وددم) وهي منقولة من حقل الإيقاع الموسيقي للشعري، وبرأيي هنا تم استخدام دم بوصفها سببا خفيفا و(ددم) لتكون وتدا و(دددم) لتكون فاصلة صغرى...ألخ، وهنا لم تكن (دم) بوصفها دقة إيقاعية بل هي لا تختلف عن الوحدات الخليلية الأولية(فا ، علن، فعلن، فعلتن) وهي لا علاقة لها بالموسيقى، وهذه الوحدات الخليلية كما بينت في كتابي الجديد(النظام العندسي والإيقاعي والموسيقي في العروض العربي )وفي محاضرات كثيرة أقمتها في بابل وأبوظبي والبصرة تمثل سلما إيقاعيا شعريا، ومثلته بطريقة رياضياتية و حسبت له كميات معلومة باستخدام العدد المركب، والإيقاع الموسيقي كما هو معروف يتكون من ثلاث وحدات وهي( تك، دم، أسْ) ولها رموز معروفة، وهذا ما يؤكد أن الإيقاع الموسيقي ليس الإيقاع الشعري، وكتابة التفعيلات بواسطة( دم) ومشتقاتها لا يعني أن الإيقاعين الشعري والموسيقي متشابهان.
أما بالنسبة للرموز التي استخدمتها، فهي لم تستخدم اعتباطا بل لمتطلبات البحث ولتمثل أجزاء النظام خير تمثيل وهي كالتالي:
1- الحرف المتحرك(-) ويتحول لسهم برأسٍ لليمين أو الشمال بحسب نوعية الوتد مجموعا كان أو مفروقا للتمييز بينهما
2- الحرف الساكن(0) صفر العربي
3- السبب الخفيف ويتكون من الحرفين المتحرك والساكن(-0) ونكتبه(1) أي رقم الواحد العربي،
وهو استخدام ينطوي على ثنائية السبب الخفيف وواحديته لأنه يكوّن أساس نظامنا العروضي منذ استخدمته في تسعينات القرن الماضي وظهر في كتابنا العروض العربي بضوء الرمز والنظام كما يعرف أستاذنا عبد العزيز عسير
وهذه الرموز كانت قد غطت التفعيلات كافة سواء إن كانت هندسية أو إيقاعية، وكذلك تتمثل بكونها مختصرة أي يمكن أن تمثل التفعيلة بعدد قليل من الرموز، وليس لدي اعتراض على رموز الأستاذ عسير، لكنها في نظامي الهندسي والإيقاعي المقترح تخفق في تمثيل التفعيلات لأنها لا تستطيع أن توضح نوعية الوتد وتزيد من عدد الرموز بالتفعيلة، وكذلك لأنها وضعت لتمثيل عدد الدقات بافتراض أن التفعيلة مجموعة من الدقات الإيقاعية في رؤية الأستاذ عسير، لكن رؤيتنا تختلف لأننا ننظر للتفعيلة بكونها هندسة وإيقاع ، والإيقاع فيها متكون من وحدات إيقاعية متباينة الثقل والخفة وتكون سلما إيقاعيا وتنطوي على الزمن أيضا وليست مجرد دقّات إيقاعية، وبالطبع فالاختلاف في وجهات النظر لا يفسد للود قضية.
ولكن قبل أن أنهي التعليق أود أن أبين أن التفعيلات الخليلية لها نوعان من الكتابة هما الكتابة الهندسية وهي المشهورة في كت العروض كافة، ولكن هنالك الكتابة الإيقاعية وهو غير معروف وهو ما لاتجده في كتب العروض قديمها وحديثها، لكنني بينت ذلك في فصل الإيقاع في كتاب سيصدر قريبا في مصر ومن أمثلة ذلك هي:
1- مستفعلن / 11-1 التمثيل الهندسي
1-ب مستاف ْعلن / 011→1 التمثيل الإيقاعي (إيقاع مفروق)
1-ج مستفع لانْ / 11←1 0 التمثيل الإيقاعي (إيقاع المجموع)
2- فاعلاتن / 1- 11 التمثيل الهندسي
2-أ فااعْ لاتن / 01→1 1 التمثيل الإيقاعي (إيقاع مفروق)
2-ج فاعلاتان / 11←1 0 التمثيل الإيقاعي (إيقاع المجموع)
وكما يُلاحظ فالرموز المستخدمة غطّت التمثيلات الهندسية والإيقاعية و بيّنت ما هو مهم وهو نوعية الوتِد( أنظر اتجاه السهم) في الحرف المتحرك سواء أكان مجموعا أو مفروقا، في أعلاه يمكن أن نجد كلمات بساكنين تحل محل الوحدات الثقيلة(لان/01) التي تحتوي على ساكنين، والسؤال هو هل يمكن تمثيل التفعيلات بالوحدات الإيقاعية الموسيقية (دم، تك، إس ) الجواب نعم يمكن ذلك، فقد مثلها الأستاذ محمد العياشي، ولكن علينا الحذر فيجب التعامل معها بوصفها زمنا وشدة صوتية، أي بوصفها منظومة إيقاعية كالضروب الإيقاعية في الموسيقى(كالملفوف والمقسوم والجورجنا وغيره) التي تدخل بها الوحدات الإيقاعية كافة مع أزمنتها أي سوداء وكروشة، ولقد مثلتها موسيقيا في كتابي الجديد وأدخلتها برنامجا عزفها، ولكن هنالك نقطة مهمة وهي أن الموازين العروضية هي هندسة وإيقاع وموسيقى، سأكتفي بهذا القدر من الملاحظات، وشكرا للأستاذ عبد العزيز عسير الذي جعلنا نبين بعض وجهات النظر، قد نختلف وقد نتفق ولكن هذا شيء طبيعي في هكذا نوع من العلوم.




* أدناه رابط المقال في صفحة الأستاذ عبد العزيز عسير






تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى