حميد العنبر الخويلدي - نص نقدي مقابل الذات وتجلي الصفات.. قراءة في نص "وشاية العشق".. للشاعرة العراقية اسماء الحميداوي )

وشاية العشق..
( نص شعري للشاعرة العراقية اسماء الحميداوي )

ما حقيقةُ
عطرِكِ الذي
َأذكى ذاكَ البوحَ !
سرقتهُ
سيقانُ الأشجارِ
البعيدةِ
ء و أغنيةً للبلابل
ُتلقي ولعَها
على ترعةِ النّهرِ
كشفاهِ الشّوقِ
وتلالِ الجسَدِ المنهمرِ
بقبلاتِ الندى
يحن
كعناقيدِ الرّمانِ

المغروس

ساحل بلامرسى



**********************


نص نقدي مقابل
الذات وتجلي الصفات

النص الشعري مخلوق حي ، وكل مخلوق له صفات تمثله في هذا الترابط الكوني ، وتسجل اول رؤيا له بعين المتلقي ، ونعتبرها المفتاحَ الذي يأخذ بنا صوب منصات القيمة الفنية ومستوى الاعتبار الجمالي،
ولعل هذي الصفات لسان حال البنية لو فكّكْناها من اجل كشف الكامن ، تشريحاً وسبراً لاغوار الغامض فيها ،
اذ تصادفُنا صفةُ الحداثة اولا ،،/فالحميداوي اسماء/ ،،شاعرة محسوبة على راهنية زمانها المعاصر اليوم في القرن الواحد والعشرين في بداياته ،،
النصُّ يوشي هكذا ، لانَّ النصَّ لسانُ حال نفسه ، وكما هو معروف وقِيلَ عن المرء ، ( المرءُ مخبوءٌ تحت لسانه ) هكذا النتاج مخبوء تحت وحدة شكله وصفاته ، و واضح جداً لوجمعنا نتاجين ، نتاجٌ من فترة الرُّوّاد في الشعر الحر ، ونتاج وشاية العشق هذا ،،وما كنا نعرف انه للشاعره اسماء ، وطلبنا التمْييزَ بينهما والمقارنة على مستوى الصفة التي نريد ، فعينُ النقد تنص مباشرةً على السمات
الشكلية الظاهرية ، ومنها الملمس في الجِلْد اللفظي للعبارة المنتجة ، ونوع طينة المفردات القاموسية او المجازات التعبيرية فيها ، مضافاً لها الرَّنّة الموسيقية الداخلية والخارجية السمعية ، ومزاجية الاطروحة في الجدل والتفاعل الموضوعي والذاتي ، ومادة المعنى الفني ونكهته ، ولاننسى الطراز المعماري وتصميميةَ التراكُب الاشتقاقي للجمل ،،
، وكذلك سلوك الفنان الذي صاغ وبنى ، وصبغة العناصر المساهمة في الصيرورة ، /فوشاية عشق / تختلف عن تلك النَّصّيّة في مرحلتها الاولى عند الرُّوّاد ،
ميزاتُها انها كُتِبتْ على عفوية ايقاع الموسيقى القرآنية باعتبارها المَثَلَ الكوني الاعلى في الفصاحة والبيان اعتباراً ومنهجاً ، وما يُدانى مهما كان ، انما الادب كله دونه وعلى أثره ،، وكما هو المَثَلُ الاعلى والنموذج في رسول الله صلى الله عليه وسلم في كماله الآدمي. ومستوى كمال البشر من دونه مؤكد ، هكذا نؤمن ونثبت وننفي ،
هذه الكمالات لنا منها القياس ذو البلوغ ومانتخيله حقيقة ناموسية تدفع بنظم النص نحو بهاءه ونحو الافضل بالصورة ،،
( ما حقيقةُ عطرِكِ الذي اذكى
ذاك البوحَ )
هذي صورة اعتبارية او سطر تعبيري بنّاء، محشود بفنيته ، وادبيته ، وجمال معناه ، وادراكات توالد مجازاته ، وبصفات المستتر فيه ، لو اردنا ان نُشير الى حداثة الصيغة تحليلياً وعلى نمط الايقاع مقارنةً مع الشعر الحر ،،وجدنا الحر ملياناً بالوزنية الفراهيدية المطلقة ، وليس كسياقات العمود الملتزم بوحدة البحر الموسيقية ، وتباعاً مرحلياً مع الزمن ، تدرّجت تقانات الفن الايقاعية والنغمية من توتر محسوب الوتريات الى سلّمٍ مرتخٍ اخذ يتطوّر شيئاً فشيئاً مع تجربة الشعراء ، حتى حدى بنا الوصول الى النغمة الاليق ، النغمة الصافية حداثوياً ، وهي ظِلّيةُ التتبع في اثر الترنيمة القرآنية ، او اقرب للوقع، وهذا امكان غاية بالبهارة المحدثة انتجته الفصول الذاتية لكليات تجربة الفن والحصر في العراق او المشرق العربي ،، وهناك بالمقابل انتج المغرب العربي في ضفته الاخرى ولعوامل بَيّنةٍ فلسفةً معرفيةً ونكتفي باشارتنا هذي للواعين ،
ونواصل اطّرادنا مع طرازات الحداثة الشكلية للنص ، في العمود ومعروف ارهاصاته منذ القدم تناولته الاقلام الناقدة فاكتشفت الانعكاس الترددي للبنية وكان قد احالتْهُ لاسبابه المعرفية ورَجْعَتِها في الواقع آنذاك ، والحرُّ كذلك اصبح معلوماً ، والومضة، واللافتة ، والشعر المرسل والمُدَوّر والنثر الادبي والسَّرد وهذا مدرسة واسعة اليوم ،، تحتاج لتنظير جذر فلسفي ناموسي ،اعني السرد ، نجعله اسَّ انطلاق لها،،
كون كل انماط الادب لها اسس فكرية يكتشفها المفكر والعارف تنزل للميدان والتطبيق كنظريات
وهذا لو صحَ اَحْسِبْ حتمياً انَّ مشروع العرب الابداعي مشروع امين التجربة والبلوغ ويجري على السكة الصراطية بل قل اننا صح منذ بدايتنا وسنصل للمرجو ان شاء الله ،،وهو تطور للرسالة الفكرية من الجذور الى الان ،،ونحن بالحداثة الان وهي الفريضة الكبرى او الفيضة العارمة، والتي تجري دون مقاساتٍ ووحدات تقطيعية تكلّفيةٍ ،، نعم تجري استرسالاً إنسيابياً طوعيا بلا جهد عقلي ،،انما كجريان نهر ممتد ،،وهذا نُشبّهه بالبلوغ الاعتباري المتعالي في الذروة ، ومرجعياته في السِّلّم التعالقي، هو القرآن الكريم ، فلا تكلف ولا رسم او تحديد وهذا منهج اشياخنا ، انما هي حركة الكون الوجودي والطبيعة المادية للموجود ايقاعياً،،،
ولضرب المثل تشريحاً. مع صورة الحميداوي اسماء ( ،،،ماحقي- قتوعط-ركلْلَذي اذكى-ذاكل-بوح،،،)
بهذي النسغيات التفعيلية التقطيعية تنزّل الهارمونيك الداخلي للجملة وكان استبطن روح الصورة معبراً عن حركية ناموسية تنتظر كشفاً فلسفياً يظهرها للوجود الثقافي ، وشرط نقاوته ومكاشفته اللسان حين الاداء ،،، ولو وصّفناها فانها الحبل الشوكي للكتلة المجسّدة، او مشاش الجثمان الصوري كلياً ،،
اذ ينزل كالسلسال متصلاً متواصلاً شكلاً وبطانةً ،
( سرقتْهُ سيقانُ الاشجار البعيدة ،،،رداءً واغنيةً للبلابل،،، تلقي ولعَها على ترعة النهر ،،،
كشفاهِ الشوق،، وتلالِ الجسد المنهمر ،،،بقبلات الندى ،،،)
الشاعرة باسفارها قصدت الشعر بحقيقته الصافية، وهذي ابلغ صفة نشخصها في النص، حيث لاضبابيات ولاتشويه للمشهد ،،من اول سطر حتى مختتم النص ،،كان المقصد واضحاً يطمح بسلَّم الشعرية واي شعرية هذي نعم المتضامّة بالومض مع نسيجها ،،شعر اسماء الحميداوي اتبع قاعدةالومضة والتي سبق وان احلنا ناموسها الكوني في اكتشافنا اياها ، الى ومضةالمدفع والراجمة ،،حيث المبدع كان المقاتل ذاته ،في فترة الحروب التي مرت على المخيلة ومحورها الانسان عقلا وحسّاً ،
نقول من هنا انحدرت الومضة بناموسها الذي سحبه المبدع من الطبيعة والواقع الوجودي الى مصافي الادب والفن وأخذ يعبر به عن شجونه واستشعاراته الفكرية ومرحلة وعيه ،،وان احلنا النص هذا بحجمه وشكله وعمقه الى اي النمطيات البنائية ، نقول انه يحال الى الومضة العريضة او المرتخية او قل الومضة المكتظّة طولاً وعرضاً مما جعلها تختلف عند اسماء عن ومضات الاخرين وقانونها ،،
ونضيف صفة اخرى للنتاج باعتبارنا عددنا صفاته،، فنقول امتاز بتوالدية العنصر من اول السطر الى اخر النص ،مااستدعى رمزاً او نظام تطوير مضافاً انما هو قوة نشاط الجملة الاولى ،فامتدت واتسعت برقعة الصورة ،،فاكتمل البَناء في الصورة النصية .
وحصراً تمثل في عنصر الخلق اقتباساً في نقطة البداية في الشروع وهي
الاستفهامي في عبارة ،،ما حقيقة عطرك ، هذي حقيقة العطر كانت مخزنةً بالطاقة الامتدادية سعةً وبالارتداد المبرق بالومض حتى اسست لذراع انطلاقٍ ولبؤة تفجيرية تزيد الدافع الموضي وهو حسن المعاني ، والى رسم الذراع الطويل او التّّمَيّزي عند الحميداوي من سواها من المبدعين ،، سيما وذكرنا انها تكتب الومضة العريضة او المكتظة بنور الشعري.

الناقد حميد العنبر الخويلدي
حرفية نقد اعتباري،، العراق

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى