بدر الراشد - الرياض مكتوبة في رواية كائن مؤجل

مقالة نقدية

كُتبت الرياض هنا، رُصدت مرحلة انتقالية مرت عصف بالرياض في عهد الطفرة الاقتصادية، مرحلة الأغنياء وأبناء الذوات لا الفقراء والمرضى والحالمين كما جاء على لسان الرواية.
حاول الكاتب السعودي فهد العتيق في الرواية مقاربة المجتمع، رصد الحياة من بيوت الطين وحتى الفلل المبنية من الخرسانة المسلحة، سرد مرحلة الاضطرابات الاجتماعية التي صاحبت هذا الانتقال، رواية تفتش في داخل كل منا عن هذا الكائن المؤجل المكبوت.
الطفل الذي يخربش صورة لبنت في كراسة ثم يمنع من رسمها لأنها من ذوات الأرواح، يرسم شمساً وقمراً ليبتسم المدرس من هذا التناقض، ثم يفاجأ بإغلاق المسرح بعد أن تجاوز خطاً أحمر. بعدها بسنوات يغرق في وظيفة رتيبة تكاد تدفنه بقية العمر.
يتابع المسرحية العبثية التي تدشن على مسرح الحياة بكل صخب، يفضل الانخراط في هذه العبثية ليصبح جزءا من هذه الفوضى لا شاهدا عليها. لكنه واصل العبث، هرب من كل هذا شطر العالم السفلي لمدينة يراها محجبة، هارباً من أحلامه المؤجلة نحو عالم الخمور المستوردة والنساء.
مع هذه العبثية انقسم المجتمع، طرف انتحى نحو الدين بتزمت وآخر تطرف في الاستهلاك، وثالث ضائع وتائه لا يعرف ما يدور حوله.
اختار شقة في شارع الخزان ليعيش فوضاه الخاصة، والكائن المؤجل في داخله يفرض سطوته، لا يغادره.
يعود ليسرد ذكريات الأسر، ذكريات مدينة، ممن هجر القرى والمزارع الجافة واتجه نحو الكويت للحياة، أو الرياض ليجد ما يقتات عليه، وكان والده أحد هؤلاء, كان الهارب من رفاق الرحلة, أبناء عمه, بعد أن أحس أنهم يفكرون في أكله بعد أن طال السفر والقهر وعم الجوع والعطش, ليكتب كل تفاصيل الحياة في البيوت الطينية المتهالكة, ذكريات الطفولة مع بنت الجيران, والنوم مع الأصدقاء على سطح المنزل والاستمتاع بالهواء النقي, حين كان للحياة طعم آخر لا يعبق بالفوضى بل بالرضا الهادئ, لتنتهي الرحلة في الرياض الحديثة, الكئيبة.
لم يكتب فهد العتيق في كائنه المؤجل حياة إنسان واحد، خط سيرة مدينة، ازدواجيتها الغريبة والمقيتة، خط سلبيات تلك المرحلة الاجتماعية الملحمية التي يراها الكثيرون إيجابية نظرا لتسليطهم الضوء على الجانب الاقتصادي وإهمال بقية الجوانب, لينطق العتيق باسم الرياض والكائن المؤجل الذي يستعمر سكانها, وربما يستعمر كل سكان المدن المتناقضة.
* بدر الراشد . كاتب سعودي

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى