د. محمد عبدالله القواسمة - تولستوي الإرهابي

الشخصيات

خالد: حارس البنك.

وعد: موظفة في البنك.

وهيب: موظف في البنك.

سمحان: مدير البنك.

تولستوي: أديب معروف

الزوجة: زوجة تولستوي.

المراة1، 2: امرأتان فقيرتان من سكان المنطقة التي فيها البنك.























تولستوي الإرهابي

(الوقت بداية الدوام اليومي. قاعة صغيرة في البنك. على المدخل آلة لتنظيم تقديم الخدمات للعملاء. معطلة. بجانبها مقعد طويل. في المقابل حاجز ذو سطح رخامي (كاونتر) خلفه كرسيان دوّاران، على يمينهما مكتب المدير. الريح تصفر في الخارج)

(يدخل خالد حارس المصرف)



خالد:(يفرك يديه. يخاطب نفسه) بداية سيئة. جهاز التدفئة لا يعمل. أكاد أموت من البرد. يبدو لن يأتي أحد اليوم. لا من الموظفين ولا من الزبائن. لماذا يأتون؟ حتى في أيام الصحو لا يأتي البنك غير زبون أو ثلاثة. مصرفنا فقير(يضحك) لا حول ولا قوة إلا بالله. (ينظر إلى ساعته) تأخر الموظفون. الساعة تقترب من الثامنة والنصف. يا رب ينتهي هذا اليوم على خير! متى أكون في البيت؟

(يتحرك خلف الحاجز. يعيد ترتيب بعض الأدوات والأوراق على الطاولات والكراسي)

(يفتح الباب الخلفي. تدخل وعد)

وعد: (لخالد) الحمد لله! كنت خائفة أن تتأخر عن فتح الباب، وأظل أنتظر في البرد والريح.

خالد: أنا رجل حريص على أداء واجبي.

وعد: هذا واضح في مجيئك في هذا الجو السيئ.

خالد: يقولون إن عاصفة في طريقها إلينا.

وعد: من الذين يقولون؟

خالد: من غيرهم؟ جماعة الأرصاد الجوية الذين يظهرون في نشرات الأخبار على القنوات الفضائية.

وعد: دائمًا يتوقعون، وتأتي الأجواء على غير ما توقعوا. قارئو كف، لا وثائق جوية.

خالد: الله وحده من يعلم الغيب.

وعد: الأرصاد علم حقيقي وليس علم غيب.

(يدخل وهيب والماء يبلل ملابسه)

وهيب: الله أكبر! ما هذا الجو؟ المطر لا يتوقف، والبرد يفل الحديد. لا أدري لماذا جئنا اليوم؟ من يحتاج إلى خدمتنا في هذا الوقت؟ اتصلت بالسيد سمحان مديرنا؛ لأعلمه بأن الأرصاد حذرت من خطورة الأحوال الجوية اليوم، وأنها طلبت من الناس البقاء في منازلهم وألا يخرجوا إلا في الضرورة القصوى.

وعد: ماذا كان رد سعادته؟

(يعلق معطفه على علاقة بالحائط)

وهيب: قال إنه قادم إلى العمل؛ ولا يهتم بما تقوله النشرات الجوية.

وعد: تأخرنا في فتح الباب الرئيسي للعملاء. أظنهم تجمدوا من البرد.

وهيب: لم أر أحدًا عند وصولي (ينادي خالدًا) افتح الباب يا خالد إذا كان هناك زبائن.

(يفتح خالد الباب. يرده بلطف)

خالد: ما في حدا، كما تقول فيروز.

وعد: سننتظر مجيء المدير.

وهيب: في طريقه إلينا.

وعد: من المفروض أن نعلق الدوام.

وهيب: لا نستطيع دون موافقة المدير.

خالد: الناس لن يخرجوا من بيوتهم اليوم.

وهيب: سواء في أيام البرد أم أيام الدفء لا نرى غير قليل من الناس يأتون إلى البنك. نحن نأخذ رواتبنا لمجرد جلوسنا في مكاتبنا.

وعد: لاحظت هذا من اليوم الأول الذي عملت فيه.

وهيب: البنك في منطقة بعيدة عن المدينة. أهلها فقراء، بيوتهم متواضعة، رجالها من ذوي المؤهلات المتدنية، يعمل معظمهم بوسط البلد في مهن خدماتية. أولادهم لا يعرفون الجامعات، بعد الصف العاشر يلتحقون بمشاغل التدريب المهني، والقليل منهم يلتحقون بالجامعة.

وعد: أمر غريب أن يقام بنك في منطقة فقيرة.

وهيب: يبدو أن الحكومة كانت تخطط لجعل المنطقة صناعية، والمعروف أن المناطق الصناعية تحتاج إلى خدمات مالية، فسعى مديرنا وجماعته في بناء هذا البنك. لكن يبدو أن الحكومة عدلت عن الفكرة، واختارت منطقة أخرى.

وعد: مساكين أهل المنطقة. إنهم متضررون نفسيًا من وجود هذا البنك، إنهم يرون المال في أجهزة البنك وصناديقه وبيوتهم خاوية. لا تسأل عن الحسد الذي نتعرض له نحن الموظفين.

خالد: ما تقولينه صحيح. الله يستر من تعرض بنكنا للسطو! كثير من البنوك في مناطق مختلفة من المدينة هاجمها اللصوص والإرهابيون. من الغرابة أن البنوك التي تعرضت للسرقة هي في مناطق غنية.

وهيب: الإنسان سواء أكان فقيرًا أم غنيًا قد تنشب في نفسه عوامل الشر والأذى؛ لأسباب كثيرة: نفسية، سياسية، اجتماعية، اقتصادية. غالبًا لا يكون الفقر السبب الرئيسي للسرقة.

وعد: هيئ نفسك يا خالد. مصرفنا ربما على قائمة المصارف المعرضة للسطو.

خالد: اطمئني مصرفنا مثل المنطقة لا أحد يهتم بها. ثم إني جاهز للتعامل مع أي طارئ.(لنفسه) وفي الهزيمة كالغزال.

وهيب: أنا مطمئن بأن مصرفنا في أمان.

وعد: ما الذي يجعلك في مثل هذا الاطمئنان؟

خالد: قوة الحارس؟

وهيب: لا.

(يحمر وجه خالد)

وعد: لا تقل هذا. حارسنا قوي.

خالد: لا يعترف بشجاعتي. لم يختبرني في التصدي للصوص.

وعد: لم تقل لنا ما الذي يحمينا من السرقة؟

وهيب: يحمينا وجود الفقراء البسطاء في هذه المنطقة. لا أحد يظن أن هذا البنك فيه مال يستحق السرقة، وإلا كيف يتركه فقراء المنطقة بينهم.

وعد: لا أوافقك الرأي. ربما يصل هؤلاء الناس إلى حالة شديدة من الفقر، فيهاجمون البنك ويقتلون خالد هذا، ويسلبون كل ما فيه حتى أثاثه. ألم نسمع عن قبيلة من العرب أيام الجاهلية، يقال إنها حنيفة، جعلت لها إلهًا من التمر، وفي فترة من فترات جوعها أكلته بعد أن كانت تعبده، وتتقرب إليه.

خالد: (بضحك)لا أدري، من سلطك علي هذا اليوم يا آنسة وعد؟ يكفينا البرد، وسوء الحال.

وعد: من غيرك يحتملني يا خالد؟

(يلتفت الجميع إلى الباب الرئيسي؟ تدخل امرأتان ترتجفان من البرد. يقفان أمام الآلة المعطلة. يسرع خالد نحوهما)

خالد: لا ضرورة للدور. (وأشار إليهما بالتقدم نحو الحاجز)

(تصطفان أمام وعد على الحاجز)

وعد: (للمرأة الأولى) بماذا أخدمك يا حاجة؟

المرأة: (بضعف واستكانة) جئت أستلم نقود دعم الخبز يا ابنتي.

وعد: (لنفسها) ما هذا اليوم؟ (تنطر إلى وهيب وتهمس) سمعت؟ تسأل عن دعم الخبز. ماذا أقول لها؟

وهيب: (للمرأة) والله، يا أمي، بكل أسف، لم تصل إلى البنك مستحقات دعم الخبز.

المرأة الأولى: هذا وقتها يا ابني؟

وهيب: (بهمس لوعد) هل نقول لها إن مستحقات دعم الخبز موقوفة؟

وعد: هذه مفاجأة لم أسمع بها إلا الآن.

وهيب: صدر بلاغ عن الحكومة بإلغائها.

وعد: لا تخبرها، أرجوك!

(تتناول من حقيبتها أوراقًا نقدية. تترك مكتبها وتأتي إلى المرأة)

المرأة 1: انظري، يا ابنتي، إنهم يمنعون عنا ثمن الخبز. كيف نعيش؟ لا يحسبون لنا نحن الفقراء أي حساب، الله أكبر! سنموت من الجوع!

وعد: (تناولها النقود) هذه لك يا أمي.

المرأة 1: (بنشيج وهي تأخذها) أصبحنا شحادين في آخر العمر.

وعد: احمدي الله على الصحة، يا أمي.

المرأة 1: بارك الله فيك! والله لا يسامح من أفقرونا!

خالد:(يتقدم نحوها) بإمكانك أن تعودي إلى البيت الآن. بعد أن انحلت مشكلتك.

المرأة 1: الدنيا تمطر، والرياح شديدة، وأنا لا أريد أن أموت في هذا اليوم.

خالد: بعد الانتهاء من المرأة الأخرى سنغلق البنك أمام العملاء.

المرأة 2: لسنا في بيتك.

وعد: اتركها يا خالد (للمرأة الأولى) ابقي هنا يا أمي حتى إغلاق البنك.

(ينتقل وهيب إلى كرسي وعد)

(تتقدم المرأة الثانية إلى وهيب)

وهيب: تفضلي يا خالتي!

المرأة 2: يا ابني جئت أستلم راتبي من صندوق المعونة.

وهيب: (ينظر بحيرة إليها ثم إلى وعد) صندوق المعونة الوطنية؟

المرأة 2: نعم يا ا ابني. الله وكيلك ما في البيت لا خبز ولا كاز!

وعد: (تتقدم من المرأة) لكن مخصصات المعونة الوطنية لم تأت بعد. نحن في الثاني والعشرين من الشهر.

المرأة 2: كيف نصبر إلى آخر الشهر؟ تعرفون حالنا وفقرنا. لماذا لم يحولوها إلينا في هذا الجو؟

وهيب: الأمر ليس بأيدينا، يا خالة!

المرأة 2: وما الذي بأيديكم؟

خالد: (يلامس كتف المرأة بيده) افهمي يا حاجة. مخصصات المعونة الوطنية لم تصل إلى البنك.

المرأة 2: كيف أعود إلى البيت؟ ماذا أفعل؟

خالد: (بسخرية) نسمح لك بالبقاء في الداخل حتى يهدأ الجو.

وعد: (برقة وحنان) لم يتبق معي أي نقود حتى أساعدك.

(يدخل رجل عجوز، طويل، ملتح، ملابسه صوفية دافئة. الجميع يلتفتون إليه)

خالد: (بدهشة) من هذا الآن؟

الرجل: (يصفق الباب بقوة) تسأل عني؟

خالد: نعم من أنت؟ تحسبني أخافك؟

العجوز: أنا تولستوي. لا تعرفني؟

خالد: لم أتشرف بمعرفتك.

تولستوي: إن النفيس غريب حيثما كانا.

وعد: تولستوي. أظن أني سمعت بهذا الاسم.

المرأة2: يشبه عكولة مجنون حارتنا.

وهيب: مع احترامي سيد تولستوي أنا لم أسمع باسمك، ولم أرك في حياتي من قبل.

وعد: على كل حال أهلًا وسهلًا بك سيد تولستوي. بماذا نستطيع أن نخدمك؟

تولستوي: أنا بصراحة خرجت من البيت، وأنا عازم بألا أعود إليه. سأبقى هنا، إذا سمحتم لي حتى تذهب العاصفة، وتهدأ الرياح، ويتوقف المطر، ويصفو الجو. لم أجد مكانًا آوي إليه في هذه المنطقة المنعزلة غير هذا البنك. لفت انتباهي لأول مرة، مع أني كنت أمر أحيانًا من هنا في رحلاتي إلى الصحراء أيام الصيف. الآن، بعد أن أصبحت عجوزًا لم يعد لي أي أهمية عند زوجتي وأولادي. إنهم يريدون كل شيء. تركت لهم كل شيء، وهربت إلى هنا. الله يعلم أين سأذهب بعد ذلك.

خالد: يا سيد تولستوي هنا ليس تكية، أو دار للمسنين أو فندق. هنا، كما تعلم، بنك له سمعته وزبائنه.

المرأة1: اتركوه المسكين. أين يذهب في هذا الجو؟

المرأة2: الحمد لله أصبحنا ثلاثة. لا تستطيعون طردنا في البرد.

وهيب:(يتجه إلى مكتبه) سأحاول الاتصال بمدير البنك لأطلعه على ما يجري من أحداث غريبة، لم يعرف لها البنك مثيلًا.

(يتبعه وهيب ووعد وخالد)

خالد: دعني أقذفهم إلى الخارج .

وعد: لا. هذا العمل يضر بسمعة البنك، ويثير علينا الرأي العام.

وهيب: (يحاول الاتصال) لا يمكن الاتصال به.

وعد: ما العمل إذن؟

خالد: أرى أن نخبر الشرطة بما أنكم لا توافقاني على طردهم.

وهيب: ماذا نقول للشرطة، وهؤلاء لم يقوموا بأي شيء مخالف للقانون؟

وعد. فعلًا نحن في ورطة.

وهيب: أرى أن نبقى في مكاتبنا حتى نهاية الدوام. عسى الله أن يأتي بالفرج! وأنت يا خالد راقب هؤلاء المجانين، وحاذر أن يأتوا بأي حركة مشبوهة.

(تعود وعد إلى مكتبها. يقف خالد مستندًا إلى الآلة بالقرب من الباب الرئيسي. الريح تزمجر في الخارج، والمطر يضرب النوافذ)

(تولستوي على المقعد الطويل يتوسط المرأتين)

المرأة1: أنت، يا عم تولستوي، إذا كنت ــ كما تقول ــ من الأغنياء ارجع إلى بيتك أفضل لك من الضياع بين خلق الله.

المرأة2: هل صدقت أنه غني؟ خدعك بملابسه الجديدة، ورأسه الضخم؟

تولستوي: (يضحك) هربت من امرأة واحدة لأجد في وجهي امرأتين. على كل حال، مبادئي لا تسمح إلا بتحمل ما تقولانه.

المرأة1: يبدو أنه إنسان لطيف.

المرأة 2: قلبي لا يطمئن إليه.

تولستوي: لا أدري ما الذي جاء بكما إلى هنا.

المرأة1: الفقر أيها الرجل الطيب. نحن لسنا مثلك نهرب من السعادة.

تولستوي: بل هربت؛ لأني لم أقدر على مساعدة الآخرين.

المرأة2: بالله قل لي: كيف؟

تولستوي: وقفت امرأتي وأولادي في وجهي عندما عزمت على وهب أملاكي للفقراء وعمال الأرض.

(يقطع حديثهم)

خالد: تحسن الجو حان موعد ذهاب كل منكم إلى بيته.

تولستوي: أنا سأبقى هنا حتى يهدأ الجو. لن نجد مكانًا أفضل من هذا المكان.

المرأة1: أنا سأنتظر حتى أطمئن على تولستوي.

المرأة2: هل وقعت في حبه؟

المرأة1: عجوز يُحب.

تولستوي: آه على أيام الشباب!

خالد: (يضرب الكرسي بيده) هيا اخرجوا. سنغلق الباب الرئيس الآن.

المرأة2: لن أخرج حتى يصرفوا لي المعونة الوطنية.

خالد: ماذا نفعل أيتها المرأة؟ الوزارة تأخرت في صرف المخصصات لأسباب لا يعلمها إلا الله. انتظري يومًا آخر، وسيفرجها الله.

المرأة2: الله يفرجها ولكن أنتم تعرقلونها.

خالد: ليس لدي وقت أضيعه معك. شرحت لك الأمر. اخرجي الآن.

(يحاول سحبها. تتشبث بالمقعد)

تولستوي: اترك المرأة أيها الحارس التعيس!

خالد: وأنت يجب أن تخرج أيها العجوز الأحمق!

تولستوي:(بسرعة يسحب من جيب معطفه مسدسًا يضعه في رأسه) أي حركة سأطلق النار.

خالد: (وهو يرتجف) ماذا؟ مسدس؟ لا يمكن أن يصل الأمر يا سيد تولستوي إلى رفع السلاح.

تولستوي: امش أمامي.

وعد:( تنتبه إليهما) انظر وهيب ماذا يجري.

وهيب: يا ساتر! من أين جاء تولستوي هذا؟

تولستوي: جئت من الجحيم. أياديكم جميعًا إلى الأعلى. أي حركة مشبوهة سأطلق النار. لن أخاف من أحد(للمرأتين) كتفا أيدي الجميع.

المرأتان: الله أكبر! نحن معك يا تولستوي.

المرأة2: نحتاج إلى حبال.

تولستوي: (لخالد. بقوة وغضب) أين الحبال؟ لا تكذب. أعرف الإنسان حين يكذب. سأقتلك. من يكذب دمه مباح عندي. أفهمت؟ أين الحبال؟

خالد: (بخوف شديد) توجد حبال حول كرتونة الثلاجة بجانب مكتب المدير.

المرأة2: (تسرع وتأتي بالحبل) إنه حبل طويل.

تولستوي: (للجميع . يشير إلى المقعد الطويل) ليجلس بعضكم بجانب بعض، على خط واحد.

(يلف الحبل على الجميع بقوة)

وعد:(للمرأة1) لا تنسي أني من ساعدك قبل قليل.

المرأة1: صحيح، لكن تولستوي على حق.

وهيب(للمرأة2) أنت لا تفكرين في أن هذا الرجل المجنون سيؤدي بكما إلى السجن.

المرأة2: السجن أفضل من البقاء في الجوع. نأكل ونشرب وننام في ظل معونة وطنية دائمة.

وعد: (لخالد) لم نر شجاعتك اليوم؟

خالد: إنه مسدس يا فصيحة. ليقولوا مليون مرة جبان ولا يقولون مرة واحدة رحمه الله.

وهيب: (يصرخ) نحن لا نستحق هذا يا تولستوي.

(يفتح الباب الخلفي. يطل المدير سمحان)

سمحان: ما هذه الضجة؟ ماذا يجري؟

وهيب: انظر. تعرضنا لعملية سطو أيها المدير!

سمحان: من هذا اللص الذي يجرؤ على سرقتنا؟ (ينظر إلى تولستوي. يصرخ) تولستوي، ماذا تفعل هنا؟

تولستوي: أسرقكم.

سمحان: لا، لن تفعل هذا. أنت الذي تدعو إلى السلم والعدالة والمساواة والمحافظة على الأمن والأمان. وما زلت تساعد الفقراء والمحتاجين.

تولستوي: ماذا أفعل؟ لجأت إلى المكان من المطر، فاستقبلوني بالكره والبغض. لم أغضب لموقفهم مني، لكن عندما رأيت إهانتهم لهاتين المرأتين، وإصرارهم على إخراجنا إلى الشارع لنموت من البرد طفح الكيل، واضطررت للسيطرة على هؤلاء الذين لا يقدرون الإنسان حق قدره.

سمحان: أفهم هذا، لكن من جعلك تخرج من البيت؟

تولستوي: آه، يا صديقي. لم أعد أطيق تلك المرأة.

سمحان: أي امرأة؟

تولستوي: زوجتي.

سمحان: أعرف بأنها امرأة وفية ومخلصة؟

تولستوي: تغيرت يا صديقي. لم أكن أتوقع أن تكره من أحب، وتؤلب أولادها علي حتى يقفوا في وجهي.

سمحان: أذكر أنك أحببتها حبًا كبيرًا، وبادلتك حبًا بحب.

تولستوي: نعم. نعم. تزوجتها صغيرة السن، ورعت شؤوني كلها، وأنجبت لي عددا من الأبناء بل أعادت كتابة مخطوطة روايتي "الحرب والسلم" سبع مرات على الأقل. أنا لا أنسى ذلك كله.

سمحان: إذن ما الذي جرى؟

تولستوي: سئمت منها. لا تريدني أن أساعد الناس من الأموال الكثيرة التي أملكها. عزمت على ترك كل شيء لها ولأولادها؛ أريد أن أعيش زاهدًا في هذه الحياة الفانية. فكرت في أن أكون في السجن إنه المأوى المناسب لي في هذا العمر.

سمحان: أظن أنك في وضع نفسي غريب.

تولستوي: أنا في وضع نفسي جيد، وأحس بالطمأنينة أفضل من أي وقت مضى. تستطيع الآن أن تبلغ الشرطة بأني سرقت البنك، وأثرت الرعب في الناس وهددت الأمن العام. قم بواجبك يا صديقي إذا كنت مخلصًا في صداقتك.

سمحان: دعنا أولًا نعيد الهدوء إلى المكان.

تولستوي: نعم، نعم. وهذا المسدس أهديه لحارس البنك ليهديه بدوره لطفله إن كان له طفل. (يلقي بالمسدس إلى خالد)

خالد: لعبة أطفال! لماذا لم أعرف ذلك؟

سمحان: لم تشغل عقلك. لكن معك حق. أنت لا تعرف من هو تولستوي.

تولستوي: رأيته في غرفة ألعاب قديمة. لا أدري لماذا أخفيته في جيب معطفي. ربما هو الحنين إلى الطفولة.

وعد: (بضحك) عاشت الشجاعة!

وهيب: الحمد لله! انتهت الأمور على خير.

المرأة1: عجوز بعشرة.

المرأة2: ونحن ما مصيرنا؟

سمحان: أنتما في كنف الأديب العظيم تولستوي. (لتولستوي) تعال نجلس إلى مكتبي لنتحدث في الأمر.

(يجلسان)

تولستوي: لم تطلب الشرطة؟

سمحان: لماذا الشرطة؟ أنت لم تعطل العمل في البنك. ونحن بالأساس ليس لدينا عمل في هذا الفرع. لا زبائن لنا في هذه المنطقة حتى إننا نفكر آخر الشهر في إغلاق هذا الفرع.

تولستوي: على كل حال، اطلب الشرطة حتى يؤدوا واجبهم.

سمحان: لن أفعل حتى لو كنت فعلًا تقصد السرقة. لن يسجل في تاريخ هذا البنك أنه أساء إلى أديب كبير مثل تولستوي، اللعنة على أمة لا تحترم أدباءها.

(تدخل زوجة تولستوي)

خالد: أين يا سيدتي؟

الزوجة: ابتعد عن طريقي.

خالد: مجنونة أخرى!

الزوجة: أين زوجي؟

سمحان: جئت في الوقت المناسب.

(تهجم على تولستوي)

الزوجة: (برقة) تولستوي زوجي.

تولستوي: ماذا تريدين مني الآن؟

الزوجة: أريدك أن تعود إلى بيتك وأولادك. الكل قلق من اختفائك.

تولستوي: لم يعد يهمك أمري.

الزوجة: تعلم أني أحبك كثيرًا. ترعرع حبك في قلبي وأنا في عمر الورود.

تولستوي: الحب وحده لا يكفي دون أن يتحول إلى عمل ومواقف.

الزوجة: ارحمني يا زوجي العزيز. هل توجد امرأة تقف مع زوجها مثلي؟

سمحان: فعلًا لا توجد. (لتولستوي) يجب ان تعترف بهذا يا صديقي.

تولستوي: أريد أن أرحل عن هذه الدنيا وأنا لا أملك شيئًا.

الزوجة: على كل حال، هيا نعد إلى البيت هناك نتفاهم.

سمحان: هذا حل جميل.

تولستوي: قبل أن نغادر..

الزوجة: أنا في خدمتك يا زوجي العزيز..

تولستوي: أعطني حقيبتك.

الزوجة: لماذا؟ أريد أن أسدد بعض الدين.

تولستوي: أول مرة أعرف بأنك مديون .

تولستوي: أنا مدين للناس بكل شيء.

الزوجة: (تمد إليه الحقيبة) الحمد لله ليس فيها مال كثير!

(يتناولها يخرج ما فيها من مال. يتجه إلى المرأتين يقسمه بينهما)

تولستوي:(للمرأتين) تستحقان هذا وأكثر.

المرأة 1: رجل كريم. أنا محظوظة اليوم.

المرأة2: لسنا بحاجة للمعونة الوطنية ولا غيرها.

سمحان: تستطيعان الذهاب الآن.

(يهجمان على تولستوي)

المرأتان: شكرًا أيها الرجل الطيب.

الزوجة: (لسمحان) انطر كيف يبدد صاحبك المال. هل رأيت كم أقاسي من هذا الزوج؟ يعذبنا في كتاباته، ثم يريد أن يفقرنا بتوزيع أموالنا على من يسميهم الناس الطيبين، أما نحن فأشرار كما يرى.

سمحان: لكنه تولستوي، يا سيدتي.

(يأخذ تولستوي على انفراد)

تولستوي: أتمنى أن أتخلص منها، هذه المرأة!

سمحان: انتظر. سأخيفها قليلًا.

تولستوي: أعرفها، تخيف جبلًا.

(يتجه سمحان إلى الزوجة)

سمحان: أيتها السيدة الجليلة، نحن لسنا في مشكلتك مع تولستوي. نحن في مشكلة أن تولستوي نفسه هدد بمسدس أفراد البنك، ونشر الرعب في قلوبهم. لا بد من إعلام الشرطة بالأمر، ليتحول إلى القضاء، ثم إلى السجن.

الزوجة: إذا كانت هذه رغبته لماذا لا تبلغوا الشرطة عما فعل؛ ليسحبوه إلى السجن كما يرغب؟

تولستوي: هل سمعت في حياتك امرأة تحب أن يسجن زوجها؟

سمحان: نعم، سمعت أكثر من ذلك. سمعت عمن تقتل زوجها وتقطعه إربا إربًا.

تولستوي: ليتك تنفذ قولها!

سمحان: من الضرورة طي ما حدث اليوم، وأن تعود مع زوجتك إلى البيت.

الزوجة: اقنعوه بتغيير رأيه بأن ماله ليس له وحده.

سمحان: يجب أن تأتي المبادرة منك.

الزوجة: سأفعل. لكن عليه أن يستغني عن أصحابه الفقراء الذين يروحون ويجيئون إلى بيتنا في أي وقت، يأكلون ويشربون، كأنه بيتهم..

سمحان: (لتولستوي)ألا ترغب في العودة إلى البيت؟

تولستوي: في الحقيقة لا أرغب. لم أعد أطيق مناكفات هذه المرأة.

سمحان: إذن، يسعدني أن أستضيفك في بيتي. إنًّ بيتنا سيزداد جمالًا، وسيتحول إلى أثر تاريخي بعد موتك وموتنا. سيقولون هنا عاش تولستوي ومات.

الزوجة: سيعود معي إلى بيتنا، إنه يعرف أنني زوجة مخلصة له، وإن اختلفت معه في أسلوب التصرف بالمال.

تولستوي: أعود لكن بشرط.

الزوجة: ما هو؟

تولستوي: أن توافقي على تسجيل أملاكي كلها إلى الفقراء والمساكين.

الزوجة: لقد سجلت حقوق نشر مؤلفاتك كلها للفقراء والفلاحين ألا يكفي هذا؟ معقول ألا تترك شيئًا لزوجتك وأولادك؟

تولستوي: هذا شرطي لن أتنازل عنه.

الزوجة: (لسمحان) بلغ عنه الشرطة. ليذهب إلى السجن، أو إلى أي مكان بعيد عنا.

(تتجه نحو الباب)

سمحان: (لتولستوي) أفسدت كل شيء. لا تدرك أن العالم تغير أكثر مما كان في السابق.

تولستوي: (يرتعش) لا أدري ماذا يحدث في جسدي.

سمحان: (ينادي على الزوجة) انتبهي إلى زوجك..

الزوجة: (تعود بفزع) استدعوا الطبيب، أرجوكم!

تولستوي: (بصعوبة) انتبهي إلى الفقراء يا عزيزتي! انتبهي إلى الفقراء!

النهاية

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى