لطيفة حرباوي - في البالكونة

أفكّر كيف أحوّل سطل الماء هذا
إلى اصيص
لأزرع فيه وجه أمّي
أمّي الّتي دفنتها قبل ساعة
أمّي الّتي رآها الجميع تسقي الوقت غير المسموح به
بدمعتي
أمّي الّتي خرجت توًّا من جرف الماء خجلى
حتّى لا تبخس الغيمة حقّها
حتّى لا يسرح البعوض
على جثث من سيدفنون بعدها
الّذين لن يحضر جنازاتهم أحد
مثلها تمامًا
وحتّى لا يموت يتيم من العطش
ما زلت أفكّر
كيف أحوّل البالكونة
إلى حديقة بأكثر من سياج
إلى جاليري للدّخان
إلى فسحة للبكاء المتلعثم
إلى فضاء مائل
أطلُّ منه على قبرك
تصلني رائحة المعقم
فأذبل.

*

في البالكونة
أتشقلب طوال اليوم
أمارس الريجيم واليوغا بطريقة خاطئة
أجعل من جسدي الضارع أرجوحة للزمن
ولّاعة
ومنفضة لسجائر أبي الميت.

*

من البالكونة
قرأت تفاصيل الانحناءات
اكتشفت بأن ظهر الشّجرة لن يستقيم
بأن لا هويّة للعش
بأن لا عصافير في الجِوار
وبأن التّراب ليس أمّي.

*

من البالكونة
يمكنك أن تلوي ذراع الرؤية
أن تتهم المسافة بين الأعلى والأسفل
بين نجمة مشبوهة
وقاع متسلّق
أن تقطع رأس الضوء
باطلالة أعمى
أن تتقّشف في استهلاك الكهرباء
وأن تسمي الظلّ
أمّي.

*

في البالكونة
قضيت عشرين يومًا
كمشكوكٍ فيه
أتعاطى "الأسبرين"
والفيتامين (د)
أبحث في قوقل عن "الكرولوكين"
عن كذبة أصدقها لأنام.

*

في البالكونة
ورغم الحمى
ما زلت أفكّر
كيف سيصبح العالم بدون أمّي.‏



تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى