أ. د. عادل الأسطة - ناجي العلي.. (1.......10)

1- ناجي العلي: تداعيات وتساؤلات

في العيد تزاحمت الأفكار التي أرقتني لأكتب فيها:
1-صلتي بالوجودية،
2-بساطة السرد في روايات (جنكيز ايتماتوف ) مقابل صنعة الكتابة لدى ثلاثة روائيين؛ وليد الشرفا"وارث الشواهد "ويوسف العيلة "أحدب نابلس "وإياد شماسنة "الرقص الوثني "،
3-ذكرى ناجي العلي (1987- 2018-أي 31عاما على الغياب).
إن لم أكتب عن ناجي فلن أكتب لأن الذكرى ستكون مرت.
في 1987، يوم رحيله كتبت بضمير المخاطب : "إن زرت لندن "تقول":"فسوف أزور قبره و سألم جثته وأعيدها إلى الشجرة " واقرأ الفاتحة على روحه. ولم أزر عاصمة الضباب، ولما زارتها طالبتي الصحفية نائلة خليل وزارت قبر ناجي ووضعت باقة من الزهور عليه قلت: ها هي تنفذ ما نويت عليه.
خلال السنوات الثلاثين الأخيرة التي غاب عنا فيها جسده وكاريكاتيره الجديد المنتظر،كل صباح، لم تغب عنا رسومه التي أنجزها ولم يغب عنا حنظلة، ولطالما تذكرنا ناجي في أيامنا الصعبة ،وظل حنظلة مرافقا لي كأيقونة ، إما في سلسلة المفاتيح وإما معلقا على جدار غرفة الضيوف.
ولا أعتقد أن هناك رسام كاريكاتير فلسطيني لفت نظري بعد ناجي،لأتابعه بالدرجة نفسها .
قبل رحيله كنت مثل آخرين أفتح الصحيفة وأنظر إلى الصفحة الأخيرة، وبعد رحيله كنت ابتديء بقراءة الصفحة الأخيرة يوم الجمعة فقط لقراءة مقال فاروق وادي، فلما توقف عن الكتابة كففت عن النظر في الصفحة الأخيرة أولا .
كما لو أن فن الكاريكاتير بعد ناجي -لي شخصيا على الأقل، انتهى وما عاد قائما.
مؤخرا خطرت ببالي أسئلة عديدة حول رسوماته، منها ما يتعلق بعلاقته بالمرأة. تذكرت علاقة كنفاني بغادة السمان وعلاقة درويش بريتا وعلاقة سميح القاسم ب ( نوريت)وتساءلت عن المرأة المحبوبة لدى ناجي، وسرعان ما غضضت النظر. ثمة المرأة الفلسطينية التي تعاني إلى جانب زوجها الذي يعاني، و أما المرأة التي لم تكن كادحة ولم تقم في بيوت الصفيح،وإنما أقامت في بيوت راقية ،فكانت موضع نقد كلفه غاليا.
هل أحب ناجي العلي امرأة غير امرأته واسهم الحب في اشتعال موهبته؟
أسئلة أخرى أكثر أهمية ألحت على ذهني أكثر ؟
ماذا لو عاش ناجي في المخيم الفلسطيني بعد نبوغه،وقضى جل وقته فيه؟ أو لو أقام في مدينة أو قرية فلسطينيتين وعاش تفاصيل حياتنا اليومية ؟
يكاد الكاريكاتير الاجتماعي يكون غائبا عن رسومه. إن الكاريكاتير السياسي اللاذع هو ما يغلب . انتقد النظام العربي الرسمي وموقفه من القضية الفلسطينية، وانتقد الفصائل الفلسطينية وقادتها ، ولكن ماذا عن نقد الحياة اليومية للإنسان الفلسطيني في مكان سكنه وفي علاقته بأقاربه وجيرانه ومعارفه واصدقائه-أعني التفاصيل التي يكمن فيها الشيطان؟
في حياتنا اليومية غالبا ما نشتبك مع بعضنا البعض. نشتبك مع إخوتنا ومع جيراننا ومع زملائنا ومع سائقي الحافلات ومع مديري المؤسسات التي نعمل فيها ومع..ومع...ببساطة إننا نعيش زمن الاشتباك الذي كتب عنه غسان كنفاني في قصته "زمن الاشتباك/ الصغير يذهب إلى المخيم" وهذا الجانب مفتقد في كاريكاتير ناجي.
أحاول أن أجد تفسيرا لما سبق. أهو الانشغال بالهم العام الأشمل أم بعد ناجي عن المخيم الفلسطيني أو المدينة أو القرية الفلسطينيتين، هو ابن مخيم عين الحلوة؟
استقر الفنان في بيروت وأخذ يزور المخيم ثم استقر في الكويت قبل أن ينتهي به المطاف في لندن.
حين أقارن بين خربشاتي/ كاريكاتيري اليومي على ال(فيس بوك ) ورسومات ناجي أجدني ألتفت إلى تفاصيل الحياة اليومية: حديث سائق الحافلة وركابها، المشاكل مع الإخوة والزملاء، نظافة الشوارع واتساخها،أسعار الفواكه والخضار، حديث المقاهي، ضعف مؤسساتنا التعليمية وضعف الإنتاج العلمي فيها. ببساطة الحظ تفاصيل الحياة اليومية. أهو لأنني أعيش في المدينة الفلسطينية التي غدت تضم المخيم والقريةمعا، لا في مدينة فيها الفلسطينيون أقلية؟
وحين أمعن النظر في المشهد الثقافي الفلسطيني الآن أتساءل: هل هناك مثقف أو فنان فلسطيني له سطوته وحضوره البارزان اللافتان، كما كان ثمة حضور وسطوة لرسوم ناجي وقصائد درويش وقصص كنفاني ورواياته؟ (ربما يعود عدم الاكتشاف لتقصيري)
وأحيانا أفتقده بقوة. احيانا أمعن النظر في مؤسساتنا وأقول: كل مؤسسة تحتاج إلى فنان ساخر لاذع جريء مثل ناجي،فالعيوب كثيرة، فكيف يمكن أن نحاربها ونتخلص منها؟ولكني أخشى على من ينتقد ،فقد يكون مصيره مصير ناجي.
في واقعنا اليومي ما لا يسر. أشياء كثيرة تغيظ وتقهر وتتطلب منا أن نبدي رأيا فيها لنقومها، ولكن هذا يعني أن نفقد المزيد من الأصدقاء، كما حدث مع ناجي في سنواته الأخيرة.
أحيانا أتساءل:
هل اختلف ما عبر عنه ناجي، بريشته، بجرأة ،عما عبر عنه غسان كنفاني في رواياته أو في مقالاته التي نشرها باسم مستعار هو "فارس فارس" أو ما عبر عنه درويش في بعض قصائده مثل قصيدة "الأرض "أو قصيدة "عابرون في كلام عابر" أو بعض مقالاته النثرية في هجاء العالم العربي؟
في قصيدة "الأرض " كتب درويش "سنطردهم من هواء الجليل "
ولطالما كتب بحدة عن النظام العربي وقد انتقد في "ذاكرة للنسيان"الثورة انتقادا حادا جريئا.
كان ناجي فنانا يعبر عما يراه ولم يكن سياسيا يسايس، وحين ننظر في تجربة اميل حبيبي ألا نرى أنه كان يعبر في الأدب عما يعتمل في قلبه ولا يقوى على التعبير عنه في مقال، وقد أقر هو بهذا. وماذا لو لم يكن اميل يعمل بالسياسة واقتصرت كتابته على كتابة النصوص الأدبية؟
الأسئلة كثيرة والمساحة محددة، وكما كتبت: أنه شهر آب ،شهر الفقدان: إحسان عباس ومحمد القيسي وسميرة عزام ودرويش والقاسم وعقل وأحمد حسين شقيق راشد حسين و....

***

2- ناجي العلي : ثلاثة وثلاثون عاما من الغياب

هذا الأسبوع تصادف الذكرى الثالثة والثلاثون لرحيل فنان الكاريكاتور الشهيد ناجي العلي ، وهي ذكرى لا تغيب عن الفلسطينيين ومحبي الرسام رسومه ، فهو من الفنانين الذين دفعوا حياتهم ثمنا لمواقفهم ، وهؤلاء قلة في تاريخ البشرية .
حين كتب المرحوم إحسان عباس دراسته عن الشعر الفلسطيني في زمن الانتداب توقف أمام شعراء فلسطين الأبرز ؛ ابراهيم طوقان وعبد الكريم الكرمي ( أبو سلمى ) وعبد الرحيم محمود ، وقال إن من يستحق لقب الشاعر هو طوقان وأما أبو سلمى فيقترب منه ولا يدانيه وقال إن الدارسين اعتادوا أن يضعوا إلى جانبهما عبد الرحيم محمود ، مع أنه أقل منهما شاعرية ولكنه شاعر شهيد والشاعر الشهيد قليل في تاريخ البشرية .
وكلنا يحفظ بيته :
" سأحمل روحي على راحتي
وألقي بها في مهاوي الردى "
وقد حقق ذلك ، ولم يختلف ناجي عنه ، فقد حمل روحه على راحته . لقد دفع حياته ثمنا لدفاعه عن قناعاته ، فرسم ولم يأبه للتهديد والوعيد وتناقص الأصدقاء والطرد من هذا المكان أو ذاك .
وأنا أكتب عن تفجير بيروت في السادس من آب وصورتها في أشعار محمود درويش وسميح القاسم تساءلت عن حضورها في رسوم ناجي الذي عاش في مخيم عين الحلوة ورسم ونشر في جريدة " السفير " اللبنانية ، ثم بحثت عما كتبه الآخرون عن صورة بيروت في رسومه فعثرت على كتابة موسعة أنجزها شاكر النابلسي في كتابه " أكله الذئب " ، ولما قرأت المكتوب قلت إنني لن آتي بجديد .
حلل النابلسي رسوم ناجي واستخرج صورة بيروت منها وربط بينها وبين صورتها في قصائد نزار قباني ومحمود درويش واقتبس مقاطع عديدة من قصائدهما وأدرج غير كاريكاتور لناجي في المدينة .
في العام الأخير قرأت رواية اسماعيل فهد اسماعيل " على عهدة حنظلة " فكتبت مقالين عن صورة الفلسطيني فيها وهو ناجي العلي ، وقد احتفل به الكويتيون في السنوات الأخيرة فأنتجوا فيلما عنه تحدث فيه معارفه في جريدة " القبس " .
صار ناجي العلي يمثل الضمير الحي للفنان الملتزم المدافع عما يؤمن به وغير القابل للبيع والشراء والمهادنة ، الفنان الشجاع حد التهور ، الفنان الذي لا يخشى الموت دفاعا عن قضية شعبه . كما لو أنه الفدائي الذي رسمه ابراهيم طوقان في قصيدته " الفدائي " :
" هو بالباب واقف
والردى منه خائف
صامت لو تكلما
لفظ النار والدما "
وكان ناجي يلفظ في رسومه وعباراته " النار والدما " ، وكما أحب الفدائي بلاده ودفع حياته دفاعا عنها ، لأنه رأى ركنها قد تهدما ، فقد دفع ناجي حياته دفاعا عن فلسطين التي تهدمت ، آملا أن تستعاد وأن يعود شعبه اللاجيء إليها ، وفي سبيل ذلك لم يضع خطوطا حمرا في أثناء مهاجمة من يفرط فيها أو يهادن عليها .
وأنا أتصفح رسومات ناجي بحثا عن صورة بيروت التفت إلى جانب آخر هو التصريح والتلميح ، وقارنت هذا بتجربة نزار قباني ومظفر النواب ، بل وبتجربة محمود درويش ومعين بسيسو ، وتساءلت عن صورة الكويت في كاريكاتوراته .
من يشبه ناجي : نزار أم مظفر ومحمود أم معين ؟ وهل هجا الكويت حين أبعد عنها ؟
هجا نزار قباني الحكام العرب قاطبة ولكنه لم يذكر أسماءهم ، فلم تمنعه عاصمة من إلقاء الشعر فيها ، كما لو أنها ليست هي المعنية ، فالمعني غيرها ، وخلافا له كان مظفر النواب ، فقد هجا الحكام حاكما حاكما كلا باسمه أو لقبه أو ما يشير إليه ، فمنعته العواصم من الدخول إلى بلادها لعقود طويلة ، ولم تسمح له بالدخول إلا حين صار منع الكلام وحظره صعبا ، وحين فقد قوته وتأثيره ، وقد تكون سمحت له انتقاما منه وتقليلا من قيمة كتابته ، ومن قرأ كتاب الملك حسين " مهنتي كملك " وما فعله مع من انقلبوا عليه يعرف دلالة تعيينهم وزراء ، أو قد يكون السماح قتلا للمعارض الهاجي أو من باب " العفو عند المقدرة " أو ...
هل يختلف محمود درويش عن نزار قباني في أسلوب هجائه ؟ وهل يختلف معين بسيسو عن مظفر النواب ؟
حين أمعن النظر في قصائد درويش وبسيسو في مذبحة تل الزعتر ١٩٧٦ ألاحظ الفارق ، فالأول هجا العواصم ورأى أنها كلها زبد ، والثاني قرن بين حاكم دمشق ويهوذا الاسخريوطي وذكر الحاكم باسمه.
أين يقع ناجي العلي من هؤلاء ؟ هل كان أقرب إلى النواب وبسيسو منه إلى قباني ودرويش ؟
على أن ما ألح على ذهني أكثر هو موقف ناجي من الكويت بعد إبعاده عنها ، بل وهو فيها . هل انتقد نظام الحكم الكويتي كما انتقد القيادة الفلسطينية مثلا ؟
هل انتقد الحكومة الكويتية بسبب إبعاده أم أنه التزم جانب الحياد ، فقد ظل يعمل في الصحافة الكويتية في لندن ؟ والسؤال مشروع عموما ، ولكن السؤال الآخر الملازم له هو :
- إلى أين يذهب الفلسطيني بعد السماء الأخيرة ؟ فماذا كان سيلم بناجي لو رسم رسومات لاذعة تنال من حكام الكويت الذين أبعدوه عن بلادهم ؟ أين سيذهب ؟ وأين سينشر رسوماته ؟
عندما عاد مظفر النواب ، بعد أن ضاقت به المنافي ، إلى دمشق ليستقر فيها ، كتب قصيدته " باللون الرمادي " . مدح المدينة وكانت القصيدة أشبه باعتذارية ولكنه لم يمدح الحاكم الذي هجاه هجاء مرا في " وتريات ليلية " .
حقا أين يذهب المرء بعد أن يحرق سفنه مع الجميع ؟
الجمعة ٢١ آب ٢٠٢٠
عادل الاسطة

***

3- ذكرى اغتيال ناجي العلي ال ٣٤ :

أمس صادفت الذكرى الرابعة والثلاثون لاغتيال فنان الكاريكاتير الفلسطيني الأشهر ناجي العلي ، وصرنا مؤخرا حين نسأل :
- ماذا ستكتب اليوم ؟
نجيب :
- أكتب وصيتي .
متكئين على كاريكاتير مشهور لناجي . وصارت كتابة الوصية تلح على الذاكرة منذ اغتيال نزار بنات .
هناك من حذر الشاعر Zakaria Mohammed ، فكتب مقالا فيه ، وهناك من أخذ يلمح لي أن انتبه لنفسك . وهناك من طلب منا أن نلتفت إلى ما يجري في غزة أيضا ، فما يجري هناك من قمع لا يقل عما يجري في الضفة .
كان لي صديق نشط هو عبد الله أبو شرخ سجن في غزة قبل عام وخرج ولم يعد يرغب في متابعة صفحتي ، ولا أعرف لماذا ، علما بأنه كان من متابعيها ، كما كنت من متابعي صفحته ، وحين اعتدت ، قبل عامين تقريبا ، حركة حماس في غزة على الروائي عاطف ابوسيف كتبت شخصيا واقفا إلى جانبه ، وكنت أتوقع أن يعلن موقفا مما جرى مع نزار بنات ، ولكن إعلان الموقف جاء من وزير الثقافة الفلسطينية الأسبق الدكتور إيهاب بسيسو ، فكان أن كوفيء من السيد رئيس السلطة بإقالته من منصبه .
غالبا ما أستشهد بسطر شعري ورد في قصيدة محمود درويش " الكتابة على ضوء بندقية " لأقول إننا ننشد وطنا يحترم فيه الإنسان .
" نحن لا ندفع هذا الدم الغالي لكي يزداد هذا الوطن الضاري حجرا " .
ولا أظن أن الذين دفعوا دمهم ضريبة لتحرير فلسطين دفعوه لتكون فلسطين المحررة دولة مثل كثير من دول القمع العربية .
قبل مقتل نزار بنات كان الشاعر زكريا محمد حين يقارن ، من حيث هامش حرية الرأي ، بين الأوضاع في مناطق السلطة الفلسطينية والأوضاع في العالم العربي ، ينحاز إلى السلطة الفلسطينية ، فهي تمنحنا هامشا واسعا في التعبير عن آرائنا ولا تضيق ذرعا بما نكتب ، ولا أعرف لماذا ضاق صدرها بالأصوات المعارضة فارتكبت ما ارتكبت ووقفت في وجه المحتجين .
ترى لو كان ناجي العلي الآن حيا ويقيم في مناطق السلطة الفلسطينية ، فما هو المصير الذي سيؤول إليه ؟
لم يعد اللاجئون الفلسطينيون إلى وطنهم الأصلي ولم تقم الدولة الفلسطينية حتى على ٢٢ بالمائة من أرض فلسطين ، بل وازداد الحصار وصرنا نعيش ليلا أشد سوادا تنبأ به محمود درويش في ديوانه " ورد أقل " ١٩٨٦ حين كتب قصيدته " هنالك لبل أشد سوادا ، هنالك ورد أقل " .
- مقالك اليوم عن الديموقراطية عجبني كثير . شو عم تكتب لبكرة ؟
- أكتب وصيتي .
هل كان الصديق Ziad Ameireh حين تحدث لي عن مخاوف صديقه من رفاق الجبهة الديموقراطية من حركة فتح يخاطبني أو يلمح إلي ؟
لا نملك عموما خيارا آخر إلا الكتابة والتعبير عن آرائنا ، وليس أمام السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية وحركة حماس في قطاع غزة إلا أن يتسع صدرهما للأصوات المعارضة ، والذين دفعوا دمهم ثمنا لتحرير فلسطين " لم يدفعوا هذا الدم الغالي " ليزداد عدد الدول العربية دولة لا تختلف عن بقية الدول .
في الذكرى الرابعة والثلاثين لإطلاق النار على ناجي العلي ليس أمامنا إلا أن ننحني لشجاعته ، وليس أمامنا إلا أن نواصل نهجه حتى لو صوبت الرصاصة في شارع نابلس أو في شارع من شوارع ما تبقى من وطن ، فلقد هتفنا في طفولتنا في المدارس :
- عائدون . عائدون .
صباح الخير
خربشات
٢٣ تموز ٢٠٢١

***

4- ناجي العلي :

غالبا ما أتذكر السنوات الأخيرة في حياة رسام الكاريكاتير ناجي العلي . فيها قل أصدقاؤه وكثر منتقدوه زاعمين أنه لم يوفر أحدا .
يوم كتبت نص " ليل الضفة الطويل " 1993 تعرضت لمضايقات من الجامعة ، فشكلت لي لجنة تحقيق سخرت لاحقا منها ، ومن الفصائل - إن كنت صاحب فراسة فبأمر من تونس ومن الرئيس ياسر عرفات - حيث حاولوا ضربي قرب عيون الحرامية .
لما راجعت المرحوم غسان الشكعة في الموضوع قال لي :
" - لم تترك أحدا إلا كتبت عنه ، ومن لا يحترم الناس لن يحترموه"
- شو مفهوم احترام الناس عندنا ؟
- أن تمدحهم كلهم حتى اللصوص منهم .
الآن أنفق وقتا طويلا في القراءة والكتابة وأكرر سطر محمود درويش :
" لا شيء يعجبني " .
كلما قل اصدقائي تذكرت ناجي العلي .
يعني غالبا ما أكون مسرورا لقلة الأصدقاء . إنني أدرك أنني على صواب وأن العالم مافيا (وات) وعصابات لصوص .
صباح الخير
خربشات عادل الاسطة
1 / 6 / 2018

***

5- ناجي العلي :

31 على الرحيل . لم يحتملوا النقد بالصورة فأردوه شهيدا .
رصاصة في الرأس ولم ينته كل شيء ، فما زالت رسومه حية ترزق .
أدار ظهره للجميع إلا لحق شعبه في أرضه ، ومن أسف أن من يتبنونه هم الآن سادة التطبيع ، وهم من فرطوا في يافا على أمل عظمة غزة وأريحا أولا ولم يحظوا لا بالعظمة ولا ببقاياها .
أتذكره وأحذو أحيانا حذو حنظلة ، وليس إلا ...
في ذكراه نتذكره ، ونحن غالبا ما نتذكره ونمعن النظر من جديد في رسومه التي ما زالت حاضرة في وسائل التواصل الاجتماعي ، كما لو أنه رسمها للتو ، ونبتسم من حزن .
خربشات

***

6- ناجي العلي والمرأة :

ارتبط حضور محمود درويش بريتا ، وكتب اميل حبيبي عن " يعاد " حبه الأول ، و عندما نشرت غادة السمان رسائل غسان كنفاني إليها عرفنا عن علاقته بالمرأة خارج إطار الأسرة ، وعرفنا عن راشد حسين وحبيبته اليهودية يافا التي كتب عنها في قصيدته " الحب والغيتو " ، ولجأ سميح القاسم إلى القناع فعبر عن علاقته بالفتاة اليهودية ( نوريت ) في روايته " ملعقة سم ثلاث مرات يوميا " ولم يفصح في شعره عن حبه كما فعل محمود درويش ، وفي سيرة وليد سيف كتابة جريئة عن الفتاة التي أحبها قبل زواجه .
ماذا عن المرأة / المعشوقة في حياة ناجي العلي ؟
لا بد من قراءة رواية الكاتب الكويتي اسماعيل فهد اسماعيل " على عهدة حنظلة " لمتابعة الأمر .
أغلب الظن أن مقالي الأحد القادم في جريدة الأيام الفلسطينية هو عن الفلسطيني في الرواية العربية " ناجي العلي في " على عهدة حنظلة " .
صباح الخير
خربشات عادل الاسطة
٢٦شباط ٢٠٢٠

***

7- ناجي العلي في الرواية الكويتية «على عهدة حنظلة»: 1 من 2

اعتبر الفلسطينيون، الذين عملوا في الكويت وأقاموا فيها، الكويت وطنهم الثاني، وحين غادروها صار قسم منهم يحن إليها باعتبارها أندلسهم المفقودة.
وقد أسهم الكتاب والأدباء الفلسطينيون، فيها، في صحافتها ونشروا إنتاجهم الأدبي والفني وصار لهم هناك حضور لافت، ابتداء من غسان كنفاني ومرورا بناجي العلي ومحمود الريماوي وليس انتهاء بالناقد وليد أبو بكر.
وأعتقد أن ما تجدر دراسته هو النتاج الأدبي الفلسطيني في الكويت وفي صحافتها، وكنت حثثت كتابا عديدين منهم مثل تيسير نظمي أن يكتبوا عن تجاربهم هناك.
الحضور الفلسطيني الكثيف؛ الإنساني والأدبي والصحافي، ولد علاقات بينهم وبين الشعب الكويتي وأدبائه، ومن المؤكد أن الأدباء الكويتيين، وهم يكتبون نصوصهم، عبروا عن الحضور الفلسطيني في بلدهم.
لا أعرف إن كانت هناك دراسة تتبعت الحضور الفلسطيني في الأدب الكويتي تحديدا، علما بأن الحضور الفلسطيني في الخليج بعامة لفت أنظار بعض النقاد الفلسطينيين فخاضوا فيه وأنجزوا عنه كتبا مثل كتاب الدكتور محمد إبراهيم حور «فلسطين في الشعر المعاصر بمنطقة الخليج العربي» (١٩٨٤)، ولا أظن أن الموضوع غاب عن ذهن الناقد وليد أبو بكر الذي أنجز العديد من الدراسات حول الأدب الخليجي.
في حوار مع الكاتب جهاد الرنتيسي، وهو فلسطيني أقام في الكويت فترة من الزمن، قال لي، إن حضور الموضوع الفلسطيني في أعمال إسماعيل فهد إسماعيل لا يقل عن حضوره في روايات إلياس خوري، وأضاف، إن النقد الأدبي الفلسطيني ظلم هذا الروائي الذي أحب الفلسطينيين ودافع، وكتب، عنهم في عديد من رواياته ولم يتخل عنهم في اللحظات الصعبة التي صاروا فيها موضع شبهة بعد غزو العراق للكويت في العام ١٩٩٠.
وعلى العموم، فقد قرأ الفلسطينيون نتاج هذا الروائي في فلسطين منذ ٧٠ ق ٢٠ يوم كتب رواية «الشياح» عن الحرب الأهلية اللبنانية، فأعادوا طباعتها وطباعة بعض رواياته الأولى التي لم تحظ بتلق نقدي لافت، ما حال دون متابعة نتاجه هنا على الأقل، بخلاف متابعته من الأدباء الفلسطينيين الذين أقاموا في الكويت عقودا.
وأنا أتابع صورة الفلسطيني في الرواية العربية كان يجب أن ألتفت إلى الأدب الخليجي وتحديدا الكويتي لما كتبته في بداية الكتابة عن الحضور الفلسطيني اللافت هناك.
«على عهدة حنظلة» هي إحدى روايات إسماعيل فهد إسماعيل التي أتى فيها على الحضور الفلسطيني في بلده، وهي عموما ليست الوحيدة، فهناك روايات أخرى له صور فيها الفلسطينيين، وهذا ما تجب متابعته لاحقا.
في «على عهدة حنظلة» يكتب الروائي عن فنان الكاريكاتير الفلسطيني ناجي العلي الذي أقام في الكويت سنوات وعمل في صحافتها ثم تم ترحيله منها إلى لندن.
وأول ما يلفت النظر في الرواية هو عنوانها «على عهدة حنظلة» الذي يذكرنا بالعبارة المعروفة «على ذمة الراوي»، وهكذا فإن ما ورد في الرواية هو ضرب من التخاطر بين ناجي العلي وزواره في المشفى وحنظلة، ولكنه قبل كل شيء ضرب من التخاطر بين الكاتب وناجي العلي وضرب من التداعيات في ذهن إسماعيل فهد إسماعيل يسترجع فيها قصة ناجي العلي منذ سافر إلى الكويت عبر العراق، في القطار، ورأى في الطبيعة العراقية الحنظل فاخترع شخصية حنظلة التي لازمته في مسيرته الفنية على مدار عقود ولم يتخل عنها، وصار الاثنان؛ ناجي وحنظلة، متلازمين معا في الحياة والموت.
أشير ابتداء إلى أن شخصية ناجي العلي تركت أثرها في روايات عربية معاصرة، فوظف اسمه الأول لتنعت به شخصية لا تختلف في صراحتها وجرأتها ومواجهتها الآخرين عنه. هنا أذكر رواية الكاتب المصري علاء الأسواني «شيكاجو»، فأنت وأنت تقرؤها وتتابع شخصية المصري ناجي عبد الصمد تستحضر، بلا تردد، ناجي العلي.
يبدأ ناجي رسوماته في الصحافة الكويتية رساما عاديا يرسم بالثمن المدفوع سلفا، وذلك لكي يعيش، وعليه وجب أن يلتزم بخط الجريدة السياسي، ولكن ما إن يحترف النشر يجد نفسه «بقلة نادرة من أصدقاء خلص وعدد هائل من أعداء تعرفهم أو لا تعرفهم» ويصبح واحدا «من قائمة فلسطينيين في المنفى قيد الاغتيال» ولا تنجح أية جهة في تدجينه.
وما يلفت النظر هو الحديث عن المرأة في حياته. إنه رجل المرأة الواحدة. رجل زوجته وداد حيث يخلص لها، ومع اهتمام امرأة كويتية به هي حنين واحترامها له ورعايته وهو في الكويت ثم وهو على سرير المشفى إلا أن وداد الزوجة تبقى الوحيدة في حياته، وهذا جانب جديد لا يعرفه القراء، ومما لا يعرفه قراء كثر هو علاقة ناجي بالكويت والكويتيين والمعارضة الكويتية التي آزرته ووقفت إلى جانبه.
حين يتحدث ناجي، يتحدث بصيغة الجمع و»الحديث بصيغة الجمع شأن فلسطيني» وحين تزوره زوجته في المشفى تقبل جبينه «وقبلة الجبين شأن فلسطيني»، وناجي ينحاز لابنتيه أكثر من انحيازه لولديه، وهو فنان مشاكس وحين يوقع كتالوج رسومه يوقعه بعبارة «لا شيء يستحق» ثم إنه يستهين بالإبداع، وهو مبدع «والمبدعون صنف مجانين»، وما يتسم به هو استعداء الآخرين وإصراره على هذا حتى إن بعض أصدقائه يقولون له، «ليتك تخفف من روحك الهجومية قليلا».
حنين الكويتية ورجال المعارضة الكويتية لهم حضور بارز في الرواية، وحنين ترى أن جرأة ناجي هي ما تجعله شخصا مختلفا «لو لم تكن جريئا حاسما ما كنت ناجي العلي « وهو يعرف طوال زمنه أنه «معرض للقتل وأنها مسألة وقت لا غير». إنه المحارب «العنيد الذي لا يكل ولا يمل من استثارة أعداء الإنسانية» وهو «ضمير الثورة الفلسطينية» وبقدر ما له من رفاق فكر وأصدقاء وعدد لا حصر له من معجبين بفنه لديه بالقدر ذاته أو أكثر أعداء يترصدونه ويتحينون فرصهم لإلحاق الضرر به.
هذه هي صورة إجمالية لناجي العلي في «على عهدة حنظلة»، ولكن هل كان هو الفلسطيني الوحيد الذي ظهر في الرواية؟
عادل الأسطة
2020-03-01

***

8- فلتسقط جارة كندا ، فليسقط واحد من فوق :

الصديق محمد بيادسة كتب في تعليق له على ما كتبته عن الذكرى الرابعة والثلاثين لإطلاق النار على ناجي العلي قصة كاريكاتير ناجي " فلتسقط جارة كندا " .
كتب الصديق أن السفارة الأمريكية في الكويت احتجت على كاريكاتيرات ناجي التي تهاجم الولايات المتحدة ، ما دفع الصحيفة التي يرسم فيها إلى أن تطلب منه تخفيف الهجوم على أميركا ، ففعل ورسم كاريكاتيره " فلتسقط جارة كندا " .
اقترح الصديق محمد أن أفعل الشيء نفسه ، فبدلا من أن اهاجم السلطة الفلسطينية مثلا ، اهاجم كمبوديا ، والقراء سيفهمون مغزى ما أكتب .
شغلني التعليق يومين تقريبا ، فقد عدت إلى رواية عبد الرحمن منيف " الأشجار واغتيال مرزوق " وروايته المشتركة مع جبرا ابراهيم جبرا " عالم بلا خرائط " لأبحث عن نص " حوارات الموتى " الذي اتكأ عليه الكاتب الصحفي في جريدة " الميزان " للكتابة عن الواقع ، فبدلا من قول الأفكار والتعبير عن الواقع بأسلوب مباشر يمكن قول الشيء نفسه من خلال ما يشبه التورية ؛ معنى قريب غير مقصود ومعنى بعيد هو المقصود ، أو الحكي للكنة واسمعي يا جارة أو إياك أعني واسمعي يا جارة ، ولكن هل يظن الكتاب أن الدولة غبية ؟
منذ كتاب " كليلة ودمنة " لعبد الله بن المقفع والكتاب العرب يلجأون إلى التعبير عن الواقع بأسلوب رمزي . هل من قليل أحرق الخليفة المنصور مؤلف الكتاب بالتنور ؟
لقد كتب حكاية المنصور وابن المقفع وحكاية كتاب " كليلة ودمنة " الشاعر معين بسيسو في مسرحيته القصيرة " محاكمة كتاب كليلة ودمنة " ، والخلاصة أن ابن المقفع غمز ولمز وسخر وهجا .
عندما كنا نكتب في ٧٠ القرن العشرين كانت كتاباتنا تعرض على الرقيب الإسرائيلي ، وكل كتابة سياسية مباشرة تهاجم دولة إسرائيل كانت تمنع ، ما دفعنا إلى التعبير عن الواقع باستعارة الماضي ، وصرنا ننشر ما يشابه كاريكاتير ناجي " فلتسقط جارة كندا " ، وهكذا أصدرت أول مجموعة قصصية لي " فصول في توقيع الاتفاقية " ( ١٩٧٩ ) عن دار الأسوار في عكا .
وأنا أدرس في جامعة النجاح الوطنية صرت أكتب عن جامعة المريخ ، وهي جامعة مفترضة .كلما صدر أمر من عميد ، لم يكن الأجدر في منصبه ، صرت أسقط الواقع على جامعة المريخ الافتراضية ، وفي فترة انتفاضة الأقصى أطلق المواطنون على طريقين شقهما الناس ، ليدخلا إلى نابلس ، اسمين افغانيين شاعا في حينه هما ( قندهار ) و ( تورة بورة ) .
وأظن أن الناس استعاروا اسم الرئيس الأفغاني ( كارازاي ) لينعتوا به شخصية فلسطينية متفاعلة مع الولايات المتحدة الأمريكية والحل السلمي وتتوافق مع متطلبات الإسرائيليين وترضخ بنسبة كبيرة لها .
من الآن فصاعدا ، حين اهاجم جهة ما لن اهاجمها مباشرة . سوف اهاجم كمبوديا و " لتسقط جارة كندا " .
فليسقط واحد من فوق !' فليسقط وعد بلفور !
ومع أننا في تموز إلا أن الأمطار هطلت صباح أمس في حيفا و غطت الغيوم السماء وحجبت أشعة الشمس .
لا غالب إلا الله وهو المستعان به ، وأنا غلبني النعاس واستبد بي !!
صباح الخير
خربشات عادل الاسطة
٢٥ تموز ٢٠٢١ .

***

9- صورة الفلسطيني في الرواية العربية :
( فصل من كتاب " صورة الفلسطيني في الرواية العربية " )
ناجي العلي في الرواية الكويتية
" على عهدة حنظلة " :

1 -
اعتبر الفلسطينيون ، الذين عملوا في الكويت وأقاموا فيها ، الكويت وطنهم الثاني ، وحين غادروها صار قسم منهم يحن إليها باعتبارها أندلسهم المفقودة .
وقد أسهم الكتاب والأدباء الفلسطينيون ، فيها ، في صحافتها ونشروا إنتاجهم الأدبي والفني وصار لهم هناك حضور لافت ، ابتداء من غسان كنفاني ومرورا بناجي العلي ومحمود الريماوي وليس انتهاء بالناقد وليد أبو بكر .
وأعتقد أن ما تجدر دراسته هو النتاج الأدبي الفلسطيني في الكويت وفي صحافتها ، وكنت حثثت كتابا عديدين ، منهم تيسير نظمي ، أن يكتبوا عن تجاربهم هناك .
الحضور الفلسطيني الكثيف ؛ الإنساني والأدبي والصحافي ، ولد علاقات بينهم وبين الشعب الكويتي وأدبائه ، ومن المؤكد أن الأدباء الكويتيين ، وهم يكتبون نصوصهم ، عبروا عن الحضور الفلسطيني في بلدهم .
لا أعرف إن كانت هناك دراسة تتبعت الحضور الفلسطيني في الأدب الكويتي تحديدا ، علما بأن الحضور الفلسطيني في الخليج بعامة لفت أنظار بعض النقاد الفلسطينيين فخاضوا فيه وأنجزوا عنه كتبا مثل كتاب الدكتور محمد ابراهيم حور " فلسطين في الشعر المعاصر بمنطقة الخليج العربي " ( ١٩٨٤ ) ، ولا أظن أن الموضوع غاب عن ذهن الناقد وليد أبو بكر الذي أنجز العديد من الدراسات حول الأدب الخليجي ، عدا أنه كان متزوجا من الروائية ليلى العثمان وصديقا مقربا لأبرز روائيي الكويت اسماعيل فهد اسماعيل .
في حوار مع الكاتب جهاد الرنتيسي ، وهو فلسطيني أقام في الكويت فترة من الزمن ، قال لي إن حضور الموضوع الفلسطيني في أعمال اسماعيل فهد اسماعيل لا يقل عن حضوره في روايات الياس خوري ، وأضاف أن النقد الأدبي الفلسطيني ظلم هذا الروائي الذي أحب الفلسطينيين ودافع ، وكتب ، عنهم في عديد من رواياته ولم يتخل عنهم في اللحظات الصعبة التي صاروا فيها موضع شبهة بعد غزو العراق للكويت في العام ١٩٩٠ ، فالعلاقة الحسنة بين الشعبين تضررت بعد هذا الحدث وما عاد الفلسطينيون بسبب موقف عرفات المؤيد لصدام حسين مرغوبا فيهم وظل الأمر كذلك حتى العام ٢٠٠٦ ، كما رأى الروائي سعود السنعوسي في إحدى مقالاته عن الموضوع نشرها في مجلة فلسطينية ، وذهب إلى أن صورة الفلسطينيين عادت تتحسن بسبب التوجه العروبي لأمير الكويت الجديد الذي تولى الحكم في بدايات القرن الحالي .
وعلى العموم فقد قرأ الفلسطينيون بعض نتاج اسماعيل فهد في فلسطين منذ ٧٠ ق ٢٠ يوم كتب رواية " الشياح " عن الحرب الأهلية اللبنانية ، فأعادوا طباعتها وطباعة بعض رواياته الأولى التي لم تحظ بتلق نقدي لافت ، ما حال دون متابعة نتاجه هنا على الأقل ، بخلاف متابعته من الأدباء الفلسطينيين الذين أقاموا في الكويت عقودا .
وأنا أتابع صورة الفلسطيني في الرواية العربية كان يجب أن ألتفت إلى الأدب الخليجي ، وتحديدا الكويتي ، لما كتبته أعلاه عن الحضور الفلسطيني اللافت هناك .
" على عهدة حنظلة " هي إحدى روايات الكاتب اسماعيل التي أتى فيها على الحضور الفلسطيني في بلده ، وهي عموما ليست الوحيدة ، فهناك روايات أخرى له صور فيها الفلسطينيين ، منها على سبيل المثال رواية " في حضرة العنقاء والخل الوفي " ( ٢٠١٤ ) التي حضرت فيها شخصية ناجي العلي حضورا لافتا يمكن القول من خلاله إنها كانت تمهيدا لرواية " على عهدة حنظلة " ، وظهرت فيها أيضا شخصيات فلسطينية وقفت إبان غزو الكويت إلى جانب المقاومة الكويتية وساندتها ، ومثلها رواية " طيور التاجي " التي تأتي على موضوع الأسرى الكويتيين إبان الغزو العراقي وبعده . يحضر الفلسطينيون في هاتين الروايتين وتحضر لهما صورتان : سلبية وإيجابية ؛ سلبية للقيادة الفلسطينية التي أيدت صدام حسين وغزوه ، وإيجابية لأولئك الذين وقفوا ضد الغزو ووقفوا إلى جانب المفاومة الكويتية . وأحيانا يختار لهؤلاء اسماء ، وأحيانا أخرى يوصفون بدال " فلسطيني " مجردين من ملامحهم الشخصية .
في " على عهدة حنظلة " يكتب الروائي عن فنان الكاريكاتير الفلسطيني ناجي العلي الذي أقام في الكويت سنوات وعمل في صحافتها ثم تم ترحيله منها إلى لندن .
تمحورت الرواية كلها حول ناجي العلي وبدت كما لو أنها رواية سيرية .
في الرواية الأسبق " في حضرة العنقاء والخل الوفي " ( ٢٠١٣ ) نقرأ عن ناجي والمنطقة السكنية التي أقام فيها في الكويت ، وهي منطقة " النقرة " ونقرأ عن بساطته وتواضعه وحبه الفقراء ودفاعه عنهم ومجالستهم وتفهمه أوضاعهم وصداقاته للكويتيين ، ولا غرابة في ذلك ، فالروائي اسماعيل ظل يحلم ثمانية عشر عاما بكتابة " على عهدة حنظلة " .
الرواية الأخيرة " على عهدة حنظلة "
تتكيء على أسلوب التداعيات والتخاطر ، وهاتان المفردتان تتكرران في المتن الروائي ، تتقارب شكلا ، كما لاحظ بعض من تناول الرواية في الصحف ، مع رواية الكاتبة التشيلية ( إيزابيلا اللندي ) " باولا " والكاتب اللبناني الياس خوري " باب الشمس " ، حيث ثمة مشفى تقبع فيه الشخصية الأساس في حالة موت سريري وتخاطب من الآخرين ، فيتم استرجاع الماضي ويصور الحاضر أيضا.
وأول ما يلفت النظر في الرواية هو عنوانها " على عهدة حنظلة " الذي يذكرنا بالعبارة المعروفة " على ذمة الراوي " ، وهكذا فإن ما ورد في الرواية هو ضرب من التخاطر بين ناجي العلي وزواره في المشفى وحنظلة ، ولكنه قبل كل شيء ضرب من التخاطر بين الكاتب اسماعيل وناجي العلي وضرب من التداعيات في ذهن الأول يسترجع فيها قصة ناجي العلي منذ سافر إلى الكويت عبر العراق ، في القطار ، ورأى في الطبيعة العراقية الحنظل فاخترع شخصية حنظلة التي لازمته في مسيرته الفنية على مدار عقود ولم يتخل عنها ، وصار الاثنان ؛ ناجي وحنظلة ، متلازمين معا في الحياة والموت . " أن تقضي زمنك السريري تتبادل حديثك مع كائن افتراضي " ومن لا يعرف قصة اكتشاف حنظلة ودلالاتها ومغزاها فإن الرواية تنجز له ما لا يعرف وتقول له أيضا إن حنظلة الفلسطيني يشبهه مواطن كويتي من " البدون " - بدون هوية - يصح نعته ب " حنظلة الكويتي " ويتكرر الحديث عن حنظلة الكويتي في " في حضرة العنقاء والخل الوفي " ( ص ١٣٣ على سبيل المثال).
هل تختلف الصورة التي تبرزها الرواية لناجي العلي عن تلك الصورة التي عرفناها عنه في المقالات التي كتبت عنه والمقابلات التي أجريت معه ، وقبل هذا وذاك من خلال رسومه ومن ثم استشهاده ، ومن خلال كتاب شاكر النابلسي " أكله الذئب " والفيلم الذي مثله نور الشريف وما قدمته الفضائيات وتحديدا " الجزيرة " في برنامجها " الجريمة السياسية " ؟
أشير ابتداء إلى أن شخصية ناجي العلي تركت أثرها في روايات عربية معاصرة ، فوظف اسمه الأول لتنعت به شخصية لا تحتلف في صراحتها وجرأتها ومواجهتها الآخرين عنه . هنا أذكر رواية الكاتب المصري علاء الأسواني " شيكاجو " ، فأنت وأنت تقرؤها وتتابع شخصية المصري ناجي عبد الصمد تستحضر ، بلا تردد ، ناجي العلي .
يبدأ ناجي رسوماته في الصحافة الكويتية رساما عاديا يرسم بالثمن المدفوع سلفا ، وذلك لكي يعيش ، وعليه وجب أن يلتزم بخط الجريدة السياسي ، ولكن ما إن يحترف النشر حتى يجد نفسه " بقلة نادرة من أصدقاء خلص وعدد هائل من أعداء تعرفهم أو لا تعرفهم " ويصبح واحدا " من قائمة فلسطينيين في المنفى قيد الاغتيال " ولا تنجح أية جهة في تدجينه " الفن مزاج والفنان كائن عصي على التطبيع " فحتى الفصائل الفلسطينية أخفقت في لجمه وكسبه إلى جانبها كبوق يعبر عنها . كان ناجي بسيطا لدرجة أن حنين الكويتية رأت بساطته أقرب إلى السذاجة .لقد كان منحازا للفقراء والبسطاء وحين دعي إلى حفل قيادي فلسطيني يقيم في قصر شعر بأنه غريب في المكان . ( هنا يمكن الإشارة إلى رواية " في حضرة العنقاء والخل الوفي " وعلاقة ناجي بجيرانه الكويتيين ، حيث لا يمانع في مخالطتهم والتحدث إليهم وزيارتهم وشرب الشاي معهم . انظر ص ١٢٤ وما بعدها )
طبعا يمكن كتابة الكثير عن ناجي اتكاء على الرواية ، فالرواية كلها مكرسة لتجربته وحياته وقصة اغتياله وقراءة بعض رسوماته وتحليلها .
ما يلفت النظر هو الحديث عن المرأة في حياته . إنه رجل المرأة الواحدة . رجل زوجته وداد حيث يخلص لها ، ومع اهتمام امرأة كويتية به هي حنين واحترامها له ورعايته وهو في الكويت ثم وهو على سرير المشفى ، إلا أن وداد الزوجة تبقى الوحيدة في حياته ، وهذا جانب جديد لا يعرفه القراء ، ومما لا يعرفه قراء كثر هو علاقة ناجي بالكويت والكويتيين والمعارضة الكويتية التي آزرته ووقفت إلى جانبه ، ويرد في الرواية أسماء ثلاثة كويتيين كانت لهم صلة بناجي وتشابه قسم منهم ، في روحهم المشاكسة وانتمائهم العروبي القومي ، مع روح ناجي ومواقفه وانتمائه وهؤلاء هم غانم النجار وأحمد الربعي وجاسم الصقر " غانم النجار ... هذا الكويتي المشاكس ...تدريه يشبهك بأمور كثيرة على رأسها فهمكما السياسي المطابق لشأنكما العربي " .
حين يتحدث ناجي يتحدث بصيغة الجمع و" الحديث بصيغة الجمع شأن فلسطيني " وحين تزوره زوجته في المشفى تقبل جبينه " وقبلة الجبين شأن فلسطيني " ، وناجي ينحاز لابنتيه أكثر من انحيازه لولديه ، وهو فنان مشاكس وحين يوقع كتالوج رسومه يوقعه بعبارة " لا شيء يستحق " ثم إنه يستهين بالإبداع ، وهو مبدع " والمبدعون صنف مجانين " ، وما يتسم به هو استعداء الآخرين وإصراره على هذا حتى إن بعض أصدقائه يقولون له " ليتك تخفف من روحك الهجومية قليلا " وهو شخص عنيد لا تستطيع أية جهة أن ترده عن قناعاته .
حنين الكويتية ورجال المعارضة الكويتية الذين ذكرتهم لهم حضور بارز في الرواية، وحنين ترى أن جرأة ناجي هي ما يجعله شخصا مختلفا " لو لم تكن جريئا حاسما ما كنت ناجي العلي " وهو يعرف طوال زمنه أنه " معرض للقتل وأنها مسألة وقت لا غير " . إنه المحارب " العنيد الذي لا يكل ولا يمل من استثارة أعداء الانسانية " وهو " ضمير الثورة الفلسطينية "( تظهر العبارة هذه في الرواية السابقة ) و بقدر ما له من رفاق فكر وأصدقاء وعدد لا حصر له من معجبين بفنه لديه بالقدر ذاته أو أكثر أعداء يترصدونه ويتحينون فرصهم لإلحاق الضرر به ، وكان هؤلاء يسميه " الرسام المومياء ، وجه الشبه . جلد على عظم ، شأن كل الذين يمارسون حياتهم محترقين من الداخل " .
ويمكن التوقف أمام حب الكويتيين لناجي أكثر ، فبعد ترحيل دولتهم له استأجرت سيدة كويتية الشقة التي كان يقيم فيها وحولتها إلى متحف عرضت فيه رسومه الكاريكاتيرية .
2 -
ناجي العلي واميل حبيبي وتصورات الكويتيين لهما :
يحضر في الرواية فلسطينيون آخرون يذكر قسم منهم بالاسم ، مثل محمود درويش و اميل حبيبي وكنفاني وزياد ، وذكر الكاتبين الأخيرين عابر ، ويشار إلى قيادات فلسطينية غالبا لا تسمى بأسمائها.
يكون حضور محمود درويش لافتا ، لا في المتن الروائي حيث تتحدث الشخصيات ، وإنما في العتبات النصية ، فالرواية التي تتشكل من ثمانية أقسام يتصدر كل قسم أسطر نثرية كتبها درويش يبدي فيها رأيه بناجي وتجربته الفنية ، ويشير الروائي في المتن الروائي إلى تقديم درويش لأحد كتالوجات رسوم العلي ، والأسطر تبرز تصور فلسطيني لفلسطيني ، وهو تصور متبنى تماما من الروائي الذي لا يرغب في التدخل في الشأن الفلسطيني والتباساته وإن أتى عليها في الرواية وهو يصف علاقة ناجي بالقيادة ورأي الأخيرة فيه وموقفها منه في فترات مختلفة ( حول الجهة التي اغتالت ناجي والزعم بأنها قيادات من فتح يكرر اسماعيل فهد اسماعيل عبارة " نيران صديقة).
إن الوقوف أمام أسطر درويش وصورة ناجي فيها يمكن أن يدرس تحت عنوان آخر غير " صورة الفلسطيني في الرواية العربية " .إنه يمكن أن يدرس تحت عنوان " صورة الفلسطيني في الأدب الفلسطيني " أو " التناص في رواية " على عهدة حنظلة " .
الفلسطيني الحاضر في الرواية بقوة ، الحاضر حضورا يوازي حضور ناجي هو الروائي إميل حبيبي ، ولحبيبي رأي في ناجي هو أن ناجي " كلما أخذتنا مشاغلنا اليومية التافهة بعيدا عن همومنا الوطنية طلع علينا....بواحدة من رسماته الصادمة مثل حقيقة عارية ليولد لدينا إحساسا بالذنب يعيد لنا وعينا بنا " ورسمة واحدة من رسوم ناجي تعادل عشرات الصفحات مما يكتب حبيبي لقوة تأثيرها في الجماهير وسرعة انتشارها .
وحين يلتقي الرسام والروائي في صوفيا يخبر اميل ناجي عن نظرة أهل فلسطين المحتلة لناجي " ناسك في الداخل يعدونك قديسا مجنونا " و " كثيرا ما تساءلت وأنا أتابع رسوماتك ... من أين يأتي هذا المجرم المتهور بأفكاره المذهلة " . " لا أدري إن كان يزعجك إذا صارحتك .. مهد بها حبيبي ، استطرد . أحسدك على شعبيتك العريضة بين عرب الداخل الفلسطيني باختلاف توجهاتهم السياسية . أطلق ضحكة قصيرة. وأرثي لك جراء حرص اليهود على أرشفتهم الدائبة لرسماتك بما يؤكد خشيتهم من اتساع تأثيرك على رأي عام عرب الداخل أكثر ، وخشيتي تجاه ما قد يبدر عن موسادهم " - يعني أن اميل يتبنى فكرة ضلوع الموساد باغتيال ناجي . وعموما فإن تصور اميل هذا يعد تصور الفلسطيني لناجي ، لا تصور الكويتي وإن كان كاتب الرواية كويتيا ويكتب كتابة تعتمد على الحقائق والمتخيل معا .
يحضر نصا إميل حبيبي " الوقائع الغريبة في اختفاء سعيد أبي النحس المتشائل " و " خرافية سرايا بنت الغول " ، يحضران حضورا لافتا على لسان الفتاة الكويتية حنين التي لا يقل إعجابها باميل وأدبه عن إعجابها بناجي ورسومه ، مع أنها تقع في خطأ معرفي وهي تعرف بمكان حبيبي ونشأته " تعرف عنه أنه مسيحي من أهل القدس " وترى أنه كاتب مشهور جريء في مواجهة الحركة الصهيونية وقد نافست شهرته كأديب فلسطيني كثيرين وقد بلغ العالمية ونال أعلى الجوائز.
حنين هي الكويتية المعجبة باميل وأدبه ، وأعتقد أن اسماعيل يختفي وراءها ، وأن إعجابها هو إعجابه نفسه ، وهنا يثار السؤال :
- هل " المتشائل " و " خرافية " هما العملان الوحيدان من أعمال اميل اللذان راقا لحنين واسماعيل أيضا؟
وإذا كنا قرأنا تصور اميل لناجي فما هو تصور ناجي لاميل ؟
في وصف حنظلة لناجي ، وأظن أنه وصف الروائي ، ينعت حنظلة ناجي بأنه ذو لسان سليط اعتاد ناسه جميعا عليه " لن تتردد لحظة عن إطلاق شتيمة مقذعة أو الاستعانة بتوصيف مخجل جارح إذا كان ذلك يفي بغرض توصيل أو تأصيل ما تريد إبلاغ محدثك به " وعند مواجهة ناجي لاميل يعرف " بوجود فلسطيني آخر من داخل الأرض المحتلة يفوقك جرأة وسرعة بديهة بتوظيف مفردات ذات صلة " .
وهنا قد يسأل سائل :
- من هي حنين هذه وما هو توجهها وكيف تعرفت إلى ناجي العلي ؟
حنين هي كاتبة ودارسة تهتم بأدب الأطفال تزور ناجي في مكان عمله في الجريدة وتنشأ بينهما علاقة صداقة تمتد لتشمل الأسرة ، وهي قومية ذات توجه يساري وتغار على القضية الفلسطينية من وجهة نظرها الخاصة ، وهي ترى أنه يجدر بالفلسطينيين إيجاد صيغة لتوحيد قواهم الوطنية وصهرها في كيان واحد بعيدا عن وصايات من جانب أنظمة غير أمينة مع شعوبها ، وترى أنه يجب تأجيل الخلافات بين الفلسطينيين إلى ما بعد تحرير وطنهم ، وهي تفترض أن عليهم أن يتصدروا مشهد النضال من أجل التحرر ، وفوق ما سبق هي امرأة متحررة وتكاد تكون استثناء في المجتمع الكويتي في حينه .
تحب حنين ناجي ولكنها لا تفصح عن حبها ، حرصا على استقرار ناجي العائلي ، عدا أنها تعرف أنه رجل المرأة الواحدة .
" المرأة إذا واجهت تحديا بحب محسوم سلبا تعيش نوعا من شقاء معلق لا شفاء منه إلا بارتكاب حالة حب مواربة ، لو صادقت رجلا يشبهك تريثت عنده ، مشكلتك أو مشكلتي بك .. أنت نسيج وحدك ، تجمع الإبداع بالجنون بالسذاجة أحيانا بالجرأة حد التهور أحيانا ، سماك مسؤول فصيل نضالي .. ناجي العلي صداع نصفي يؤرق كل من يتعاطى الشأن الفلسطيني ، في حين شبهك مسؤول آخر أكبر منزلة .. هذا الرسام دمل محرج ينبغي التخلص منه جراحيا " .
ناجي العلي يعادل وطنا ف " كيف لنا باغتيال وطن ".
تثمن الرواية تثمينا عاليا روايتي حبيبي المذكورتين وتأتي على تجنيس " خرافية " " رواية سيرية " و " ليست رواية بقدر ما هي نمط مغاير لسيرة ذاتية " وعن سبب تسمية حبيبي نصه "خرافية " يرد في " على عهدة حنظلة " رأي ينسب لحبيبي هو " حتى لا أمنح النقاد ذربعة مجادلتي دون طائل آثرت أن لا أسميه رواية ولا سيرة ذاتية سميته خرافية ." مع كاتب مجنون مثله أنت لا تستبعد تسميات لم ترد في التجنيس الأدبي " وحبيبي كاتب ساخر لافت .( حول تجنيس " خرافية سرايا بنت الغول " انظر كتابي " قضايا وظواهرنقدية في الرواية الفلسطينية " الأسوار/ عكا ، ٢٠٠٢ ) .
عدا الحضور اللافت لحبيبي إلى جانب ناجي الذي تمحورت الرواية حوله يقرأ المرء عن جهات فلسطينية لم تكن راضية عن رسومات الرسام ، وهذه الجهات هي التي تضغط باتجاه ترحيله من الكويت ويتم لها ما أرادت . لقد استطاعت أن تقنع الحكومة الكويتية بأن ناجي يسيء للقضايا الوطنية الفلسطينية بتطرفه وهجومه اللاذع الساخر على أبرز الرموز الفلسطينية :
" ريشة الرسم لديك بمثابة بازوكا موجهة لكل المتاجرين بالقضايا المصيرية لشعبك الفلسطيني دون إغفالك قضايا أمتنا العربية . من جانبك تعرف تماما سبب ترحيلك ، ما كان ناتجا عن مساس مقصود أو غير مقصود بالشأن السياسي الكويتي لكنه استجابة لإلحاح جهات فلسطينية عليا ، الجهات المعنية عديدة ....... العديد من زائريك في الأيام الأولى تحديدا ، لمحوا إلى أن من سعى لاستصدار قرار ترحيلك عن الكويت قبل سنوات هو الذي خطط ومول محاولة اغتيالك في لندن " . وأرى أن الصفحات من ١٠٤ حتى ١٠٩ مهمة جدا ، ففيها كتابة عن إشارات القيادة لناجي بتجاوزه الخطوط الحمر . وفيها المزيد من تصور الآخرين له مقابل تصوره هو لذاته .
كان ينظر إلى ناجي على أنه يساري عنيد وأنه فنان مبدع ولديه جرأة كبيرة في طرح وجهات نظره وأنه شأن كثير من المبدعين " ينسحب وراءه حماسة يتجاوز خطوطا حمراء تجدر بهم مراعاتها " ، وكان هو يرى نفسه انسانا بسيطا يترجم ما يعتمل في قلبه من خلال رسمه . " لا تذهب بعيدا باستفزازتك . .. إذا كنت حريصا على أن لا يتيتم أولادك " .
الكتابة تطول والرواية ، بسبب أسلوبها ، تربك القراء ، وهذا ما لاحظه من كتب عنها مراجعات نقدية ، وما كتبته إن هو إلا غيض من فيض ولا يغني عن قراءة الرواية .
الجمعة
٢٨ والسبت ٢٩ شباط ٢٠٢٠

***

10- فلتسقط جارة كندا ، فليسقط واحد من فوق :

الصديق محمد بيادسة كتب في تعليق له على ما كتبته عن الذكرى الرابعة والثلاثين لإطلاق النار على ناجي العلي قصة كاريكاتير ناجي " فلتسقط جارة كندا " .
كتب الصديق أن السفارة الأمريكية في الكويت احتجت على كاريكاتيرات ناجي التي تهاجم الولايات المتحدة ، ما دفع الصحيفة التي يرسم فيها إلى أن تطلب منه تخفيف الهجوم على أميركا ، ففعل ورسم كاريكاتيره " فلتسقط جارة كندا " .
اقترح الصديق محمد أن أفعل الشيء نفسه ، فبدلا من أن اهاجم السلطة الفلسطينية مثلا ، اهاجم كمبوديا ، والقراء سيفهمون مغزى ما أكتب .
شغلني التعليق يومين تقريبا ، فقد عدت إلى رواية عبد الرحمن منيف " الأشجار واغتيال مرزوق " وروايته المشتركة مع جبرا ابراهيم جبرا " عالم بلا خرائط " لأبحث عن نص " حوارات الموتى " الذي اتكأ عليه الكاتب الصحفي في جريدة " الميزان " للكتابة عن الواقع ، فبدلا من قول الأفكار والتعبير عن الواقع بأسلوب مباشر يمكن قول الشيء نفسه من خلال ما يشبه التورية ؛ معنى قريب غير مقصود ومعنى بعيد هو المقصود ، أو الحكي للكنة واسمعي يا جارة أو إياك أعني واسمعي يا جارة ، ولكن هل يظن الكتاب أن الدولة غبية ؟
منذ كتاب " كليلة ودمنة " لعبد الله بن المقفع والكتاب العرب يلجأون إلى التعبير عن الواقع بأسلوب رمزي . هل من قليل أحرق الخليفة المنصور مؤلف الكتاب بالتنور ؟
لقد كتب حكاية المنصور وابن المقفع وحكاية كتاب " كليلة ودمنة " الشاعر معين بسيسو في مسرحيته القصيرة " محاكمة كتاب كليلة ودمنة " ، والخلاصة أن ابن المقفع غمز ولمز وسخر وهجا .
عندما كنا نكتب في ٧٠ القرن العشرين كانت كتاباتنا تعرض على الرقيب الإسرائيلي ، وكل كتابة سياسية مباشرة تهاجم دولة إسرائيل كانت تمنع ، ما دفعنا إلى التعبير عن الواقع باستعارة الماضي ، وصرنا ننشر ما يشابه كاريكاتير ناجي " فلتسقط جارة كندا " ، وهكذا أصدرت أول مجموعة قصصية لي " فصول في توقيع الاتفاقية " ( ١٩٧٩ ) عن دار الأسوار في عكا .
وأنا أدرس في جامعة النجاح الوطنية صرت أكتب عن جامعة المريخ ، وهي جامعة مفترضة .كلما صدر أمر من عميد ، لم يكن الأجدر في منصبه ، صرت أسقط الواقع على جامعة المريخ الافتراضية ، وفي فترة انتفاضة الأقصى أطلق المواطنون على طريقين شقهما الناس ، ليدخلا إلى نابلس ، اسمين افغانيين شاعا في حينه هما ( قندهار ) و ( تورة بورة ) .
وأظن أن الناس استعاروا اسم الرئيس الأفغاني ( كارازاي ) لينعتوا به شخصية فلسطينية متفاعلة مع الولايات المتحدة الأمريكية والحل السلمي وتتوافق مع متطلبات الإسرائيليين وترضخ بنسبة كبيرة لها .
من الآن فصاعدا ، حين اهاجم جهة ما لن اهاجمها مباشرة . سوف اهاجم كمبوديا و " لتسقط جارة كندا " .
فليسقط واحد من فوق !' فليسقط وعد بلفور !
ومع أننا في تموز إلا أن الأمطار هطلت صباح أمس في حيفا و غطت الغيوم السماء وحجبت أشعة الشمس .
لا غالب إلا الله وهو المستعان به ، وأنا غلبني النعاس واستبد بي !!
صباح الخير
خربشات عادل الاسطة
٢٥ تموز ٢٠٢١ .

***




==================
1- ناجي العلي: تداعيات وتساؤلات
2- ناجي العلي : ثلاثة وثلاثون عاما من الغياب
3- ذكرى اغتيال ناجي العلي ال ٣٤
4- ناجي العلي
5- ناجي العلي
6- ناجي العلي والمرأة
7- ناجي العلي في الرواية الكويتية «على عهدة حنظلة»: 1 من 2
8- فلتسقط جارة كندا ، فليسقط واحد من فوق :
9- صورة الفلسطيني في الرواية العربية : ( فصل من كتاب " صورة الفلسطيني في الرواية العربية") ناجي العلي في الرواية الكويتية " على عهدة حنظلة "
10- فلتسقط جارة كندا ، فليسقط واحد من فوق :

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى