محمد عباس محمد عرابي - المقـــــامَة اليوسفـيّـــة للشيخ الدكتور عائض القرني

العلامة الأديب الشاعر البليغ والداعية الملهم والخطيب البارع والكاتب اللامع الـدكتور عـائض القرنـي (حفظه الله)كاتب كثير المؤلفات ويتميز فكره بالوسطية والاعتدال، ويتميز أسلوبه بأنه سهل بسيط يحفز على القراءة ،فالقارئ يقرأ كتبه أكثر من مرة فتجذبه لمزيد من قراءتها بأسلوبها المشوق الجذاب ،فقد قرأ كتابه لا تحزن ملايين القراء ،ومن كتبه الشهيرة (مقامات القرني ) (1)،واشتمل على 61 مقامة (إحدى وستين مقامة ) منها مقامة اليوسفية ،وهي تدور حول قصة سيدنا يوسف ،وقد كتب الدكتور عـائض القرنـي عدة مؤلفات حول قصة سيدنا يوسف مثل تفسيره لسورة يوسف في مؤلفه (أعظم سجين )،وفي التفسير الميسر فسر سورة يوسف بأسلوب سهل ميسور مفهوم من الجميع ،وفيما يلي قراءة للمقامة الـيوســفـيّـــة للقرني:
مقدمة المقامة "
استهل الـدكتور عـائض القرنـي المقـامَــــة الـيوســفـيّـــة:
بقوله تعالى :" لَقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آيَاتٌ لِلسَّائِلِينَ "
كأن الثريا علقت بجبينه**وفي جيده الشعرى وفي وجهه القمر
ولو نظرت شمس الضحى في خدوده** لقالت معاذ الله ما يوسف بشر
وقد اهتدى الشيخ الدكتور عائض القرني في عرضه للمقامة الـيوســفـيّـــة بالأحداث المتتالية في سورة يوسف، وركز فيها فقط حول ما فعله أخوة يوسف في يوسف من إلقائه في البئر، وما تلا ذلك من أحداث حكاها الدكتور عائض القرني على لسان (عبيد الله بن حسان من أهل ميسان على نمط المقامات حيث يقول :
كنا نجلس كل يوم ، مع قوم ، ينتقون من الحديث درره ، ويذكرون لنا العالم بحره وبرّه . فدَلِف علينا يوماً من الأيام ، شيخ ممشوق المقام ، كثير الابتسام ، فصيح الكلام ، فنظر في وجوهنا وتوسّم ، ثم تبسّم وسلّم ، ثم جلس واتكى ، وتأوّه وشكى .
قلنا: ما الخبر ، أيها الشيخ الأغر ؟ قال : تذكرت من غبر ، أهل الأخبار والسير ، فعلمت أننا بالأثر ، قلنا : ما الاسم ، فقد أعجبنا الرسم .
قال : أنا عبيد الله بن حسان ، من أهل ميسان ، قلنا : كلامك محبوب ، فقص علينا قصة يوسف بن يعقوب ، فقال : مهما اهتم العالم بالحفظ وحرص ، لكن الذهن فتر والخاطر نكص . وكفى بقصص الله وهو يقول : "نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ" ، لكن سوف أخبركم بوقفات ، والعفو عما نسيناه وفات .
*نصيحة يعقوب (عليه السلام )وبراءة الذئب ،والقافلة :
• لما نصح يعقوب يوسف أن لا يقص ما رأى ، لأنه يخشى عليه ما جرى ، فإنه ما خلا جسد من حسد ، وكم من قلب بنعم الغير فسد ، فيا أيها العبد استر جمال يوسف النعم ، خوفاً من أن تلقى في غيابة جب النقم ، فيسلط عليك ذئب البغضاء ، لا ذئب الصحراء :
عوى الذئب فاستأنست بالذئب إذ عوى**وصوّت إنسان فكدت أطير
• لا تعتذر للمخالف ، فيأخذ العذر منك وأنت واقف ، أما ترى يعقوب ، يوم خاف على ابنه الخطوب ، قال : أخاف أن يأكل الذئب يوسف ، فقالوا : أكله الذئب فلا تأسف ، فكأنهّ هيأ لهم الحجة ، حينما ضلوا في المحجّة .
• وجاؤوا على قميصه بدم كذب ، لأن الذئب ما خلع الثوب ، بل شقه وسحب ، والذئب لا يفتح الأزرار ، بل يمزقها بلا وقار :
يا ممعنا في السوء والعيب**لا ينفع التهذيب في الذيب
• لو علمت القافلة بمكانة يوسف : ما قالوا : يا بشرى هذا غلام ، بل لقالوا : يا بشرى هذا إمام ، وولي مقدام ، وسيد همام ، ولكن وما أدرى الليل ببدر التمام
• يوسف لديه جمال وجلال ، فردعه وازع الجلال ، عن نوازع الجمال ، لما قال : معاذ الله ، حماه ربه وتولاه .
• لو ترك يوسف كلمة اذكرني عند ربك وذكر هو ربَّه ، لكشف كربه ، وأزال خطبه ، وأسعد قلبه .
• يوسف ما نسي إيمانه ، سُئل عن الرؤى وهو في الزنزانة ، فدعا إلى التوحيد ، لأن التوحيد حياة العبيد ، لا يرده قيد ولا يمنعه حديد .
قد قلت للذئب الوفي لصحبهِ
أأكلت يوسف في العراء بخلسة
فأجابني والله لم أهمم به
إني أحب الأنبياء ومهجـتي
يا صاحب الأظفار والأنيابِ
ودم النبوة سال في الأثوابِ
هذا معاذ الله غير صوابِ
تفدي النبي ومقلتي وإهابي
• الذئاب ما تأكل الأنبياء ، ولا تلطخ أفواهها بدماء الأولياء ، لأنهم أصفياء أوفياء وإنما يقتل الأنبياء ذئاب الخليقة ، إذا عميت عليهم الحقيقة ، وأظلمت عليهم الطريقة:
الذئب أكرم عشرة من ثلة
خانوا عهود مودة الإخوان
*قميص بريء من الذئب ، وقميص بريء من العيب ، وقميص مضمخ بالطيب .
• في سورة يوسف قميص بريء من الذئب ، وقميص بريء من العيب ، وقميص مضمخ بالطيب .
فالأول : قميص يوسف وقد مزّقه الإخوان ، والثاني : قميصه وقد مزّقته امرأة السلطان ، والثالث : قميصه وقد ألقي على يعقوب فأبصرت العينان
كأن كل نداء في مسامعه**قميص يوسف في أجفان يعقوب
• لما قال إخوة يوسف له : " وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ "، نسوا أنهم هم الذين أوقعوه في هم كثير ، فهو بسبب ما فعلوه في حزنه أسير ، وفي بيته كسير ، فهم يحتجون به وقت الحاجة ، وينسونه وقت اللجاجة .
• لما قال يعقوب : لا تدخلوا من باب واحد ، لأنه خاف الحاسد ، فهو في مكان النعيم قاعد ، فإذا أقبلوا في حملة ، قتلهم جملة ، فَعمِّ على الحسود الأمر ، لتضع في عينيه الجمر .
تعليم يوسف وتربية والفوائد التربوية المستفادة
• الدنيا وجهها نحس ، يباع يوسف بثمن بخس ، وحزن يعقوب يكاد يذهب بالنفس ، والفراعنة بملكهم يفرحون ، وفي دنياهم يمرحون ، وفي نعيمهم يسرحون لكن انظر إلى العواقب ، عندما تكشف عن الأولياء النوائب ، وتزول عنهم المصائب . فإذا الفرحة الغامرة ، والحياة العامرة ، و النعيم في الآخرة .
أما الفجار ، فسحابة نهار ، وراحة حمار ، ثم نكال في أسوء دار .
• هَمَّ يوسفُ هَمّة ، فتذكر علو الهمة ، وإمامة الأمّة ، ففر إلى الباب ، يطلب الطريق إلى الوهاب ، بعد ما هيئت له الأسباب ، لأن يوسف من سلالة الأطياب ، فتاب وأناب .
• يوسف شاب ، من العزاب ، تعرّضت له امرأة ذات منصب وجمال ، وحسن ودلال ، فغلقت الأبواب ، ورفلت في أبهى الثياب ، فتذكر يوم القيامة ، وساعة الندامة ، فقال : أواه معاذ الله ، فمنعه الله وكفاه ، وأنت تتعرض للنساء صباح مساء ، غرك الوجه المبرقع ، والحسن المرقع ، ولا تحذر وتتوقّع .
هب أن نظرتك التي أرسلتها
نظر المهيمن فيك أسرع موقعاً
عادت إليك مع الهوى بغزالي
فخف العظيم الواحد المتعالي
• في قلب يوسف من الوحي نصوص ، وفي قلبك من المعصية لصوص ، في شرايين يوسف دماء الإمامة والدين ، وفي شرايينك شهوة الماء والطين .
• يوسف تخرج من جامعة " وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى " ، وأنت تخرجت من جامعة : يشكو العيون السود قلبي والهوى .
لشتان ما بين اليزيدين في الندى
يزيد بن عمرو والأغر بن حاتمِ
• يوسف تربيته على شريعة ، وأخلاق رفيعة ،
• الآن حصحص الحق ، وبان الفرق ، فيا شباب الصدق ، قولوا في أحسن نطق : معاذ الله . من أراد السناء ، والثناء ، والعلياء ، وأن يحمي نفسه من الفحشاء ، والفعلة الشنعاء ، فليحفظ متن الأولياء : معاذ الله .
من عاذ بالله أعاذه ، وأكرم ملاذه . (2)




المراجع :
عائض القرني :مقامات القرني ،بيروت – لبنان ،دار البشائر الإسلامية ،2015م


(1)عائض القرني :مقامات القرني ،بيروت – لبنان ،دار البشائر الإسلامية ،2015م
،وهو مجلد من القطع المتوسط يقع في 407 صفحة
(2)عائض القرني :مقامات القرني ،بيروت – لبنان ،دار البشائر الإسلامية ،2015م
،ص 79:76

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى