محمد السكتاوي - "أنْسكِب ُ شبيهاً لِرُوحكِ...! الشاعر العراقي عبد الكريم هداد

توصلتُ عبر البريد هذا الصباح بهدية ثمينة من صديقي الشاعر العراقي الراقي عبدالكريم هدّاد المقيم بالسويد، كانت جواهر ولآلئ مبثوتة في مجموعة من دواوين الشعر، وبساطا مزركشاً بكلمات مضيئة يمتد من بلاد الثلجَ إلى أرض الشمس والواحات.
بعيدا هناك حيث تنحني الأرض على الفراغ الأبيض البارد، يفتح الشاعر حقيبته، يُخرج قمرا ونخيلا ونهرا وحروفا كوفيَّةً وحفنة تراب، ويرسم الحدود من العراق إلى العراق لوطن يتسع للمدى ولكل أرض لا ينبت فيها النخيل.
بدون تأشيرة دخول يستقبل صبية سويدية شقراء ،يمنحها بيتا في قصيدة لأبي نواس، ويقايضها النخيل بالصفصاف، تصير السويد حيًّا في بغداد تأكل سمك المزگوف على رصيف دجلة ،وتْرطَنُ في كلامها مرددة أغنية لعفيفة إسكندر
آه ...
" حرقت الروح".
لا يعرف الشاعر عبد الكريم هداد الشَّتات والمنفى ، ففي حقيبته وطن يسكنه ويسكن فيه، ويعطره كل صباح بزهرة البابونج.
وطن بلاحدود
" أكبر من الجنة،
وأصغر من البلاد..!"
البلاد الكبيرة بوجود بذرة خلود الروح فيها والبلاد التي احتضنت بداية العالم ما بعد الطوفان.
وحينما يغرق في كثبان الثلج في الجزء القصي من العالم ، يتذكر رمال الصحراء وأرض السواد، فيرفع صوته
في آخر الليل:
" حين أرى النخل..!
أصرخ:
تلك بلادي
وهيَ...!"
سعدي يوسف الطائر المهاجر يقول لصديقه هدَّاد وهو يراه ممزقا بين حدائق بغداد والسويد
ربما هي تلك "الحديقة التي لاينبت فيها النخل، لكنها أكثر من صالحة لإنبات نصوص مختلفة الثياب".
هلْ غيَّرَ هدَّاد ثوبَ قصائده؟
ربَّما ، لكنه احتفظ دائما بألوان مروج الأهوار الخضراء.
كل الذين يعرفهم هجروا مثله حاملين على أكتافهم الوطن، وتركوا وراءهم الطغيان معلقا على مشنقة، وألف ليلة وليلة من الدم، وحكايات سياف شهريار.
يطوف كريم هداد في كل الجُزر والأرخبيلات المجهولة، يتذكَّر السندباد ،
وهو تائه في بحار مظلمة بلا سفن ، يسأل:
هل على شط العرب منارة
وأين دار المتنبي في بغداد؟
فتدفعه الرياح جنوبا ،
" جنوبا..هي تلك المدينة
تلك الأناشيد"
هكذا تفيض روح الشاعر بشجن الغربة ، وتتدفق قصائد مكتوبة بلظى الحنين على جريد النخيل في صقيع السويد.
يضع نقطة ويبدأ أول السطر.
يقترب من تلك المدينة
التي هي..
يضمها ويذوب فيها
ترتعش شفتاه ويهمس في أذنها :
"أنْسَكِبُ
شبيها لرُوحِكِ...!"



——————
محمد السكتاوي

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى