التدلاوي عبد الرحيم - ملامسة قرائية لمجموعة لحسن حمامة القصصية "ميكايلا"

عن مطبعة الكرامة صدرت للكاتب والقاص المغربي، لحسن حمامة، مجموعة قصصية جديدة بعنوان “ميكايلا”. في طبعتها الأولى سنة 2021.
تضم المجموعة القصصية الواقعة في 103 صفحة من القطع المتوسط، تسع قصص هي : السقف، كوكاكولا، الجنازة، متواليات هندسية، الحصان، الغول، مسوخ كافكا، بارشا، وميكايلا.
وقد صدرت له قبل ذلك عدة مجموعات قصصية منها “ضرع لا ينضب” و”عندما تتكلم الحيطان” ، و “المغارة والضوء” و”الطاحونة والنورس” و”زهر اللوز” و”حجل وصبار” ، فضلا عن “سدول ومياه سدم” وهي عبارة عن مقاربات سوسيوثقافية .
والملاحظ أنها إصدارات متباعدة الزمن من حيث النشر.
تتميز المجموعة بسخريتها المرة من بعض الظواهر، وبنغمة التفاؤل المعبر عن الإصرار؛ إنها تنوس بين مجرتي الحزن والفرح، الحزن بسبب أعطاب اجتماعية واقتصادية وسياسية، وثقافية، والفرح بفعل ما يختزنه الإنسان من طاقات إيجابية قادرة على أن تمكنه من مجابهة مشاكله الفردية والجماعية.
وتتجلى السخرية في عرض المواقف المعبرة عن تناقض الفرد والجماعة معا.
دفق الأمل والتحدي وتوليد الفرح نجده في قصة "السقف"
بخلاف قصة "متوالية هندسية" التي تدين الصدقة المولدة للفشل، فعبد العالي كريم النفس حين قبل بالصدقة للمرة الأولى، أدمنها ففقد عزة نفسه على الرغم من أن رزقه كان يأتي من القمامة.
ويبدو أن قصة "ميكايلا" قد منحت اسمها للمجموعة وصارت مظلة لها، واحتلت الرتبة الأخيرة، وكأنها تسير وفق المقولة الشعبية "اللخر مبخر"، لأنه اجتمع فيها ما تفرق في غيرها؛ فأنت تجد فيها الأمل والصراع ضد اليأس رغم قسوة الظروف والسعي إلى الخروج من الأزمة الذاتية والجماعية، والسخرية من النضال تحت قبة الأخ الأكبر، ومسألة التقدم والتخلف، وغياب حقوق الإنسان، والحرية، وبناء الإنسان.
ثم العلاقة غير السوية بين الرجل والمرأة في عالمنا، وفي الغرب. هذا الغرب الذي سما في ذهن العربي إلى درجة حصول اسمه على النص الأم. وميكايلا تعني الملاك والقريب من الله، والمحارب للظلمة والفساد.
كل عناوين المجموعة جمل اسمية تعبر عن الثبات والاستقرار والديمومة، باستثناء "بارشا" المرحلة من اللسان التونسي؛ فبرشا هي كلمة تونسية، ترادفها في اللغة العربية كلمة كثيرًا، وتعبر عن المبالغة، كأن تقول للشخص: نحبك برشا، فذلك يعني أنك تقول له: أحبك كثيرًا.
وفي معجم المعاني، كلمة- أبرش- تعني المكان مختلف الألوان، كثير النبات، إذا استخدمت في وصف مكان ما، وتقال الأرض برشاء، وسنة برشاء يعني كثيرة العشب، ولأن تونس تلقب بالخضراء فقد يكون هذا اللقب مشتق من الكلمة التونسية برشا.
أما ميكايلا، فاسم قادم من العبرية ومن معانيه قريب من الله، أو يشبه الله..وهو مؤنث ميخائيل اسم الملاك الذي حارب الشيطان ويفيد القرب من الله.
والأكيد أنه لا يمكن الفصل بين كتابات الرجل الفكرية والقصصية، فهذه الأخيرة تعد امتدادا لها بخاصية هذا الفن الجميل الذي خصص له صفحتين في قصته "الغول" التي شهدت أحداثا تدخل في باب العلاقات غير السوية مع الآخر؛ الأجنبي حيث الخضوع المذل، وابن البلد، كالزوجة والابن حيث يتم التعامل معهما بقسوة شديدة؛ مع الابن ليشتد عوده ويكون رجلا. وقد وضع ابنه أثناء حديثه عن هذا الوصف سؤالا تشكيكيا، ومع الزوجة لأنه يراها كائنا خلق لخدمة الرجل وتلبية طلباته المتعددة والمتنوعة دون مراعاة مشاعرها واحتياجاتها، ومع الجار حيث يتم اغتصاب حقوقه بحماية الأجنبي؛ فقد صار عميلا، مكنته تلك الحماية من تكوين ثروة كبيرة ونفوذ مكناه من دخول البرلمان رغم أنه لا يفقه شيئا.
قلت إن القاص قد خصص الصفحات الأخيرة للحديث عن القصة ودور المتلقي في بنائها باعتماد عنصري السببية والاحتمال وإقصاء فكر القضاء والقدر.
يمكن القول بناء على هذا إن الرجل يواصل نضاله بأدوات أخرى؛ وهي القصة التي ينبغي أن تحمل هم المجتمع وألا تكون ضربا من البهلوانية الفارغة؛ فنحن، كما يقول ما زلنا غارقين في تخلفنا.
لنقف قليلا عند قصة "السقف" لقراءة ما تنطوي عليه سطورها كما دعانا إلى ذلك الشغروشني في تقديمه حين قال: إن الإبداع النابع من الذات العاشقة والمنخرط في جسد المجتمع لا يحتاج إلى تقديم، قدر احتياجه إلى قارئ واع لاكتشاف لا وعي النص ونسغه الثاوي تحت أديم حروفه ومعانيه.
ولا أعتبر نفسي ذلك القارئ الواعي لكن أطمح إلى أن أكونه، لأقول إن الشخصية المعاقة في هذه القصة هي ذات مخصوصة ورمز للوطن في الوقت نفسه. فرقية من الرقي والسمو والقدرة على التجاوز ظلت حاملة لشعلة الأمل بتجاوز إعاقتها المرتبطة بالحركة، إذ فقدت نتيجة عامل معين رجليها، لكن ذلك لم يحبطها، وبقيت تنتظر حصول المعجزة لتتحرك هي التي تمتلك كل مواصفات الجمال الأنثوي. وهي رمز الحياة العربية التي تتوفر على كل شروط النهضة لكنها غير قادرة على الحركة للخروج من جمودها رغم أنها تختزن طاقات تمكنها من تحقيق النهضة المطلوبة. مازالت جذوة الأمل مشتعلة تنتقل من جيل إلى جيل بغاية بلوغ الغاية المرجوة والشفاء من العجز الحركي، رغم أن السقف يعيق رفع النظر إلى السماء، لكنه سقف ممكن اختراقه
وإذا كانت قصة "السقف" ذات بعد رمزي كما بينته أعلاه، فإن قصة "الغول" اعتمدت على اللعبة السردية والمتمثلة في تعدد الأصوات واختلاف المنظورات بل وتضادها، إذ نجد صوت الزوجة وصوت الابن عبد القادر يتماهيان ويضادان صوت الزوج العائد من معركة ليست له بطلا تحت حماية الكولونيل؛ فما يراه هذا الأخير لا تقبل به الشخصيتان السابقتان، فليس هناك ما يبر العنف والقسوة في الأسرة والمجتمع، وإن كان الابن قد انخرط في مشروع قتل الأب، فإن ذلك كان بغاية القضاء على هذه الفعل المشين الذي لا يولد سوى الأمراض والعقد النفسية كما عند عبد السلام الذي تزلزل لما شاهد المكلفة بمساعدة الطلبة الجدد، وليسر إليها أنه قادم من بلاد جميلة لكن ها تفتقر للعدالة والديمقراطية والكرامة ففئة من الناس لا تريد ذلك لأنه يضاد مصالحها.
ويبقى الأمل قائما كما حملته رقية في "السقف" وكما حملته فاطنة وهي ترعى ابنها ليكون خلاصها وخلاص المرأة المغربية والعربية من عسف الثقافة الذكورية المتميزة بعنفها وإلغاء شخصية الإنسان الذي يتم تذويبه في تلك الثقافة رغم أنها عقيم لم تلد لنا سوى المشوه.
والبين أنها ثقافة تقف ضد نجاح المقاومة التي تستهلك ثقافة الآخر من حيث تريد التخلص منه فتؤبده. فمشروب كوكاكولا بقي قائما يسخر من الفعل ويسفهه لأنه لم يمتلك شرط تحرره.
ويمكن تلمس السخرية حتى في قصة "متوالية هندسية" التي تؤكد على أن كرامة الإنسان لا تستقيم بالصدقة.
وكخلاصة يمكن تأكيد ما جاء على حرف الشغروشني في تقديمه لهذه المجموعة، حيث قال: إن الأمر يتعلق بـ”إضافة إبداعية نوعية في مسيرة القاص لحسن حمامة المعروف بفاعليته الثقافية والإبداعية واهتماماته بقضايا المجتمع المدني”، وهو ما انعكس عبر ثنايا قصصه الممتدة عبر مجاميعه القصصية الست.
وحسب السغروشني، فإن المتن الحكائي للكاتب حمامة يستند إلى المرجع الذاكراتي سواء في بعده الفردي والجمعي، وهو الأمر الذي يستدمج المتلقي في صلب الحكايات ويدفعه إلى مشاركة شخصياتها وسارديها في انشغالاتها الحياتية والوجودية.



1630960958245.png

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى