يوسف القعيد - عبد الرزاق قرنح

لا تتوقف أمام الاسم، وتتعب نفسك فى السؤال عن كتابتى عنه؟ فهو الروائى الإفريقى التنزانى الحاصل على جائزة نوبل لعامنا، وكان حصوله عليها مفاجأة من خارج جميع التوقعات. خاصة أنه يوجد عدد كبير من الأدباء الذين يرشحون أنفسهم للحصول عليها. ويسعون من أجل إعطاء الانطباع تصريحا أو تلميحا.

ومع هذا فقد فاجأتنا لجنة جائزة نوبل وهو ما يحسب لها باسم من خارج التوقعات لم يخطر على بال أحد. خاصة من كانوا يتصورون أحقيتهم فى الحصول عليها. وينتظرون لحظة الإعلان عنها التى جاءت مبكرا هذا العام. فنوبل تُعلن عادة فى الأيام الأولى من ديسمبر. ولكن ها هى تُبكِّر شهرين وتُفاجئنا بهذا الاسم الذى لم يتوقعه أحد. أو يتخيل إمكانيات حصوله عليها.

من المؤكد أن مفاجأته بالجائزة كانت بلا حدود. خاصة أنه روائى من أصول إفريقية يعيش فى لندن، لم يترجم له الكثير من المؤلفات إلى لغات العالم المختلفة. يكتب بالإنجليزية رغم أصوله الإفريقية. وتُرجمت له ثلاث روايات إلى اللغة الفرنسية. وروايتان إلى اللغة الإسبانية. وخمس روايات إلى اللغة الألمانية. وهو ليس من الكُتّاب غزيرى الإنتاج. فكل ما كتبه ١٠ روايات فقط. ولم تكن بعيدة عن دنيا الجوائز قبل نوبل.

من رواياته: ذاكرة الرحيل، طريق الحج، دوتى، والفردوس التى وصلت إلى القائمة القصيرة لجائزة البوكر. ورواية الإعجاب بالصمت، وعلى شاطئ البحر. وصلت إلى القائمة الكبيرة لجائزة البوكر والقائمة القصيرة لجائزة كتاب لوس أنجلوس تايمز. ورواية: اللوجران التى وصلت إلى القائمة القصيرة لكتاب الكومنولث، وله رواية أخرى عنوانها: قلب الحصى.

وقد عمل أستاذا للغة الإنجليزية فى جامعة كنت. ورغم عدم اقتراب اسمه من نوبل من قبل ولو حتى كاسم تفكر به اللجنة التى تمنح الجوائز. فإنه كان أحد محكمى جائزة مان بوكر فى عام 2016.

وغياب ترجمة أعماله الأدبية إلى لغتنا ذنب نشترك فيه جميعا. ولا بد من البداية من مصر عاصمة الثقافة العربية. وفيها المركز القومى للترجمة التابع لوزارة الثقافة. وأيضا هناك جهات كثيرة تُترجم لدى أشقائنا العرب سواء فى بيروت أو سوريا الشقيقة أو الكويت أو الإمارات العربية المتحدة أو دول شمال إفريقيا.

ومع هذا لم يلتفت أحد فى كل هذه المراكز لاسمه ويُفكر فى ترجمة أحد أعماله إلى اللغة العربية. وعندما ننظر إلى قصة حياته وهجرته المبكرة جدا إلى إنجلترا. سنكتشف -كما كتب مايك فيليبس. وترجم عبد الرحيم يوسف فى عدد أخبار الأدب:

- ان الهجران والتخلى هما الموضوعان اللذان يتخللان كتاباته كلها. ويربطان قصصها بالحب المأساوى والتاريخ والسياسة فى ساحل شرق إفريقيا. الراوى هو رشيد – ولاحظ دلالات الاسم – أصغر أبناء معلم فى جزيرة زنجبار خلال الأعوام التى شهدت التحول من الاستعمار إلى الاستقلال السياسى. لكن العلاقة مع بريطانيا علاقة ظلية تماما مثل علاقة الظل بصاحبه. خاصة فى مسار السرد. كذلك فإن الثقافة السواحلية والإسلامية بجذورهما العربية تسيطران على مشروعه الروائى.

طبعا أخبار الأدب – التى أسسها جمال الغيطانى – ترجمت بعض فصول من رواياته مثل رواية: ما بعد الحياة التى صدرت عام 2020، وربما كانت من أواخر أعماله الأدبية المنشورة.لست فى حاجة لتذكير أحد بأن نوبل جاءت إلينا فى أواخر عام 1988، عندما حصل عليها نجيب محفوظ، ويومها كانت الفرحة غامرة. والقلوب عامرة. وكان فرحا صادقا صادرا من حبات القلوب. كأننا جميعا حصلنا عليها وليس نجيب محفوظ وحده.

قالت لجنة جائزة نوبل عن الفائز بها لهذا العام عبد الرزاق قرنح، صاحب رواية: الفردوس. التى ألفها عام 1994 يتميز بسرد للأحداث يخلو من أى مساومة لآثار الاستعمار. ومصير اللاجئين العالقين بين الثقافات والقارات. ليُعيد بذلك الروائى التنزانى تلك الجائزة إلى القارة الإفريقية. ويجدد إنجاز الروائى المصرى الكبير نجيب محفوظ.

وأضافت الأكاديمية فى بيانها الذى تُعلنه عادة بعد تحديد اسم الفائز:

- قرنح يكسر بوعى التقاليد ويقلب المنظور الاستعمارى لتسليط الضوء على منظور السكان الأصليين. إن تفانيه فى الحقيقة ونفوره من التبسيط مذهلان. رواياته تبتعد عن الأوصاف النمطية وتفتح أنظارنا على شرق إفريقيا المتنوع ثقافيا غير المألوف للكثيرين فى العالم. فى عالم جورنا الأدبى كل شىء يتغير من الذكريات والأسماء للهويات يوجد استكشاف لا نهاية له مدفوع بشغف فكرى فى جميع كتبه. فى معالجة عبد الرزاق لتجربة اللاجئين تم التركيز على الهوية والصورة الذاتية. وتجد الشخصيات نفسها فى فجوة بين الثقافات والقارات. بين حياة كانت وحياة آتية. إنها حالة غير آمنة لا يمكن حلها أبدا.

أُكمل من عندى ربما كانت الكتابة هى المخرج الوحيد للمبدع من مثل هذه الحالات النفسية. قد تُمثِّل حالة من حالات الخلاص الفردى من الأزمات الداخلية. أو ربما كانت وسيلة من وسائل المواجهة للوضع الإنسانى الذى يمر به الروائى.

مبروك قرنح ولبلده الأصلى تنزانيا جائزة نوبل للآداب لهذا العام.
أعلى