د. علي خليفة - مسرحية فورميو للشاعر اللاتيني ترنتيوس «185 ق.م159 – ق.م»

المسرحيات الكوميدية التي وصلتنا عن الكتاب اللاتين أغلبها لها أصول من مسرحيات إغريقية، وأعاد هؤلاء الكتاب اللاتين صياغتها، وأحيانًا كانوا يدمجون خيوط أكثر من مسرحية إغريقية في مسرحية واحدة، ولا عجب لهذا أن نرى المكان الذي تجري فيه أحداث هذه المسرحيات اللاتينية الكوميدية في مدينة أثينا التي ازدهر المسرح الإغريقي فيها.
والأمر الآخر الذي أذكره هنا أن معظم هذه المسرحيات الكوميدية
التي وصلتنا عن الكتاب اللاتين – وهي من تأليف بلاوتوس وترنتيوس –
عن قضايا اجتماعية، وأمور عاطفية، وقلما تقترب من الحوادث السياسية، بخلاف المسرحيات الكوميدية الإغريقية القديمة، لا سيما تلك التي كتبها أرسطوفان، فقد كان فيها جرأة كبيرة في معالجة القضايا السياسية والشخصيات السياسية في ذلك الحين، كما نرى في مسرحيات أرسطوفان، مثل: مسرحية "السحب"، ومسرحية "السلام"، ومسرحية "المال"، ولا شك أن تلك الجرأة من كتاب الإغريق في تناول قضايا السياسة في عصرهم تعكس الحرية الكبيرة التي كان يتمتع بها اليونانيون آنذاك، واختفت آثارها –إلى حد كبير– في الدولة الرومانية؛ ولهذا عالج كتاب الكوميديا الرومان القضايا الاجتماعية والعاطفية في مسرحياتهم، وقلما كانوا ينقدون الأوضاع السياسية في عصرهم.
وعلى الرغم من أن مسرحيات ترنتيوس وبلاوتوس التي وصلتنا تهتم بعرض الأمور العاطفية بين الرجل والمرأة – كما نرى في مسرحية "كنز البخيل"، ومسرحية "كاسينا"، ومسرحية "الحماة"، ومسرحية "فورميو" – فإن حضور المرأة فيها على خشبة المسرح ضعيف جدًّا، وغالبًا ما يتم الحديث عن كثير من النساء فيها، دون أن يكون لهن حضور على خشبة المسرح، وعلى سبيل المثال نرى أن مسرحية "كاسينا" عنوانها عن امرأة وأحداثها عنها، ومع ذلك فلا تظهر كاسينا في أحداث هذه المسرحية، وأيضًا نرى الفتاتين اللتين تجري عنهما الأحداث في مسرحية "كنز البخيل" وفي مسرحية "الحماة" لا تظهران على المسرح.
ونرى في مسرحية "فورميو" فتاتين يتعلق بإحداهما أنتيفو ويتعلق بالأخرى ابن عمه فايبريا، وتدور الأحداث في هذه المسرحية عن كيفية نيل كل واحد منهما لمحبوبته، والحيل التي يقوم بها فورميو صديق أنتيفو وفايبريا من أجل ذلك، ومع ذلك فلا تظهر هاتان الفتاتان في هذه المسرحية، بل تظهر فيها امرأتان لهما دور ثانوي فيها.
وليس عندي تعليل لهذه الظاهرة سوى أنه من المحتمل أن يكون إظهار حال العاشقين على المسرح آنذاك كان مرفوضًا أو غير مستحب، وربما كان ذلك لأسباب أخرى.
أما عن مسرحية "فورميو" فإننا نرى فيها حدثين متوازيين، وتفك العقدة فيهما مع نهاية المسرحية بفضل ذكاء فورميو وسعة حيلته وفصاحة لسانه وقدرته على الإقناع والسفسطة، وكذلك بفضل خدمات العبد المخلص جيتا.
والحدث الأول في هذه المسرحية عن حب أنتيفو لفتاة ماتت أمها،
ولا يعرف على وجه التحديد والدها، ويتفتق ذهن فورميو عن حيلة تسمح لأنتيفو بالزواج من هذه الفتاة، وإقناع والد فورميو بهذا الزواج عند عودته من سفره، وتدور هذه الحيلة عن ادعاء فورميو في مجلس القضاء أنه صديق والد هذه الفتاة وأن أنتيفو قريب لها، ويجب عليه حسب القانون الروماني أن يتزوج منها؛ لأنها صارت يتيمة، وتنجح هذه الحيلة، ويتزوج أنتيفو من هذه الفتاة.
أما الحدث الثاني في هذه المسرحية فهو عن حب فايبريا ابن عم أنتيفو لجارية تتعلم العزف على الموسيقى في إحدى المدارس المخصصة لذلك، ويحاول أن يحصل عليها، ولكن النخاس الذي يملكها يرغب في بيعها لضابط معه نقود، وقبل أن يشتريها هذا الضابط يستطيع فورميو أن يحتال على والد أنتيفو بادعائه أنه سيخلصه من زواج ابنه لتلك الفتاة التي تزوجها في غيبته بأمر المحكمة، ويقول له: إنه سيتزوجها بدلاً منه مقابل مبلغ كبير من المال يأخذه منه، ويحصل فورميو على هذا المبلغ من المال، ويعطيه لفايبريا، ويشتري به فايبريا حبيبته الموسيقية.
ويرضى والد أنتيفو عن زوجة ابنه حين يعرف أن والد هذه الفتاة هو أخوه والد فايبريا، وكان قد تزوج أمها في بلد آخر، وتسمى باسم آخر فيها.
ولا يكتفي فورميو بهذه الأعمال التي قام بها – بمساعدة العبد جيتا – بل إنه يقنع زوجة والد فايبريا بأن ترضى عن زوجها بعد علمها بأنه كان قد تزوج غيرها دون علمها، ويقول لها: إنها ماتت، ولا يجب أن تضعها في اعتبارها، ومع نهاية المسرحية يقدم كل من فيها – عدا فورميو – تقديرهم وشكرهم لفورميو لخدماته لهم.


تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى