عبدالكريم العامري - عربة موتى

الشخوص:

1- قاطع التذاكر (الموظف)

2- المسافر

3- المرأة

4- مجموعة روبوتات

شباك التذاكر:



الموظف: لم يبق الا قطار الموتى. عليك الانتظار يومين آخرين

المسافر: انتظرت كثيرا وما سمعت منك غير هذا الكلام

الموظف: لا يهم انتظر

المسافر: مللك الانتظار

الموظف: (غاضبا) قلت انتظر وكفى

المسافر: متى يأتي القطار الآخر؟

الموظف: ليس قبل يومين

المسافر: انا بحاجة الى مساعدة منك.. ساعدني أرجوك

الموظف: اساعدك؟ كيف

المسافر: احجز لي مقعدا في هذا القطار

الموظف: قطار الموتى؟

المسافر: لا يهم موتى أم احياء.. المهم أن أصل

الموظف: هذا مخالف للقانون

المسافر: لكنه عمل انساني

الموظف: لا يمكنني ان اتحايل على القانون

المسافر: اعطيك سعر تذكرتين.. لا بل اربعة.. وبالسعر الذي تريده

الموظف: رشوة؟

المسافر: ليست كذلك.. اعتبرها هدية

الموظف: ومن قال لك اني اتقبل الهدايا

المسافر: لكنك لا تقبل ان تجعلني في موقف حرج

الموظف: وما شأني بك.. أنا أطبق القانون

المسافر: جد لي منفذا

الموظف: هل تحرضني للتمرد على القانون

المسافر: بل اشجعك ان تكون انسانا

الموظف: ماذا؟

المسافر: اقصد ان تساعدني

الموظف: اذهب وعد بعد يومين

المسافر: كل يومين تخبرني ان اعود بعد يومين متى يحين موعد اليومين

الموظف: (دون ان ينظر له) بعد يومين

المسافر: توسل اليك.. ساعدني

الموظف: كيف

المسافر: ان تقطع لي تذكرة في هذا القطار

الموظف: هذا قطار مخصص للموتى وليس للأحياء

المسافر: اعتبرني ميتا

الموظف: لكي اعتبرك ميتا عليك أن تأتيني بشهادة وفاة أولا

المسافر: من أين أجيء لك بشهادة وفاة

الموظف: تلك مشكلتك

المسافر: دلني على طريقة أخرى لأشغل هذا القطار

الموظف: أنا؟

المسافر: ليس سواك من يعينني ويخلصني من الانتظار

الموظف: انتظر خير لك من أن تموت

المسافر: ولكني تأخرت زوجتي هناك ستضع مولودا

الموظف: لا شأن لي بذلك

المسافر: ألك زوجة؟

الموظف: كانت

المسافر: طلقتها؟

الموظف: هي واحدة من ركاب هذا القطار

المسافر: ها فهمت.. قطعت لها تذكرة في قطار الموتى باعتبارها ميتة (بتوسل) افعل لي مثلما فعلت بها وخلصني يا سيد

الموظف: (بتعجب) افعل بك ماذ1ا؟

المسافر: مثلما فعلت بزوجتك

الموظف: كيف؟

المسافر: تلك شغلتك

الموظف: (صارخا) ماذا تريدني أن افعل؟

المسافر: مثلما فعلت بتلك المسافرة أطن انها الآن تجلس في مقعد مريح حيث لا ضجيج ولا نظرات.. أنت تغار عليها أليس كذلك.. ها حقا أنت تغار عليها لهذا فأنت أرسلتها بقطار الموتى حيث لا أحد يعاكسها.. أتظنن أنى سأعاكسها.. لا يا سيد.. لا.. اطمئن، سأكون جثة بلا حراك وسأغمض عيني طيلة الرحلة وكأني غير موجود في العربة.

الموظف: (غاضبا) قلت لك كفى.. ان كنت تريدني ان أعتبرك ميتا فعليك أن توقف لسانك الثرثار هذا..

المسافر: ماذا؟ (ضاحكا) هل تمازحني يا سيدي.. حسنا اقبلها منك.. مزحة لطيفة..

الموظف: هل جئت لتسخر مني؟

المسافر: بل جئتك لتساعدني.. زوجتي تحتاجني هناك وولادتها عسيرة .. انظر (يخرج برقية من جيبه) برقية جاءتني منها تطلب مني الحضور فورا..

الموظف: فورا؟

المسافر: فورا..

الموظف: اطو برقيتك وغادر المحطة حالا

المسافر: أتطردني.. أنت تمثل الحكومة وتطردني.. هذا يعني ان الحكومة تطرد المواطن.. هل يعقل هذا...؟

الموظف: انت تعرقل عملي...!

المسافر: انا اعرقل عمل الحكومة.. ومن انا كي اعرقل عملكم يا سادة.. ما انا الا ورقة ربحتم من خلالها بالمناصب وقذفتموها في القمامة.. من انا بالنسبة لكم.. مواطن بسيط من الدرجة العشرين قال لكم نعم فقلتم له لا.....

الموظف: ثرثرتك هذه ستجرنا الى عاقبة لا نعرف مداها..

المسافر: انا اثرثر.. لا يا سيد.. ما انا بثرثار.. لست سوى مسافر أهله بحاجة اليه..

الموظف: ماذا تريدني ان افعل

المسافر: خدمة بسيطة لمواطن بسيط تحقق فيها رغبتي في رؤية أول طفل لي.. احجز لي مكانا في هذا القطار

الموظف: قلت لك لا يجوز ذلك.. هذا قطار موتى

المسافر: احشرني معهم فأنا واحد منهم، لكن الموت أجّلني الى أجل غير مسمى..

الموظف: (يصرخ بصوت عالٍ) افتحوا لهذا المجنون الميت باب العربة العاشرة، وخلصوني منه!


(اظلام)


(العربة العاشرة في قطار الموتى)



(أجساد لفت بالأكفان تملأ المكان.. المسافر في منتصف العربة.. كل جسد يحمل تأريخا.. ضوء خافت..)

المسافر: خمس ساعات ولم يتحرك القطار.. ماذا ينتظرون، حرب أخرى كي تمتلئ العربات بحصادها.. (يحاول فتح النافذة) كل النوافذ مغلقة والأبواب أيضا.. (يضرب النافذة بيده) افتحوا النوافذ أكاد أن اختنق.. افتحوا النوافذ.. سأموت في هذا المكان النتن.. لم أعد احتمل هذه الرائحة الخانقة.. (يصرخ) أغيثوني يا ناس!

(امرأة من تحت الكفن): لا أحد يستجيب لصراخك، اسكت يا رجل ودع الموتى يهنئون بنومهم الأزلي..

المسافر: (فزعا) من أين يجيء الصوت...؟

امرأة: قلت لك اسكت يا رجل قبلما يسمعك الحراس..

المسافر: الحراس؟

امرأة: قوم أشداء، تستفزهم الأصوات، ويغيظهم الأحياء..

المسافر: ما جئت كي استفز أحداً..

امرأة: يكفي أنك حي لتغيظهم..

المسافر: لا شأن لي بأحدٍ، ميتا كان أو حيّاً..

امرأة: ولهم شأن بك إن وجدوك محشورا بين رعيتهم الأموات..

المسافر: وانت؟

امرأة: محشورة هنا منذ أكثر من خمسين عاما.. ردّت لي الروح في هذه العربة فأبقوني هنا ليتأكدوا من موتي..

المسافر: ألم تفكري بالهرب؟

امرأة: لا مهرب من هذا المكان.. لديهم من الأجهزة ما يجعلهم يعرفون بكل حركة، أو همسة..

المسافر: هل تظنينهم عرفوا بوجودي؟

امرأة: لهذا قلت لك اسكت كي لا يسمعك الحراس!

المسافر: وماذا بعد؟

امرأة: ستكون أنيسي في رحلتي الطويلة.

المسافر: أنيسك؟ وزوجتي التي تنتظرني هناك..

امرأة: في عالم الموت، لا يحق لأحدٍ أن يفكر بالآخرين!

المسافر: لكنني حي..

امرأة: الى ان يجيء موتك ستكون رهينة المكان.

المسافر: مستحيل..

امرأة: المستحيل ان تخرج من هنا ثانية..

المسافر: انا لا اقبل بذلك أبدا

امرأة: لا حق للموتى الرفض، او القبول..

المسافر: هذه جريمة!

امرأة: ليست أكثر جرما مما رأيته أنا.. انهم يستنطقون الموتى ليعرفوا ما يضمره الأحياء.

المسافر: أنت تثيرين الفزع في نفسي.. ما علاقة هؤلاء بأولئك؟

امرأة: الموتى أكثر صدقا منهم..

المسافر: انت تتحدثين بلغة الموتى..

امرأة: حين تحشر مع الموتى، لا تتحدث الا بلغتهم.

المسافر: (ينظر الى ساعته)

امرأة: لا تنظر الى الوقت.. محظور هنا معرفة الوقت.

المسافر: الوقت توقف (يضرب بيده على زجاج الساعة) الساعة لا تعمل..

امرأة: لا تجعل عقلك يعمل أيضا.. ليتوقف فيك كل شيء، فالجميع هنا يخضعون لإرادة مجلس حكم القطار.

المسافر: مجلس حكم؟

امرأة: كل شيء هنا يسير وفقاً لإرادتهم.. لا حق لأحد ان يتفوه بكلمة..

المسافر: والقطار.. متى يتحرك؟

امرأة: (تصمت)

المسافر: هل سيبقى القطار جاثما في مكانه طيلة الوقت.

امرأة: (تصمت)

المسافر: أخبريني يا امرأة.. متى يتحرك هذا القطار اللعين؟

امرأة: قد يتحرك كل جماد في هذا الكون، الجدران.. الأشجار.. لكن قطارنا هذا لن يتحرك أبداً..

المسافر: لن يتحرك؟ كيف؟ وهذه الأجساد المتفسخة أتظل في عربتها الخانقة هذه..

امرأة: مرت على هذه العربة أجساد كثيرة، وكلما تفسّخت جيء بأجساد أخرى، هي دورة الأموات عشتها لحظة بلحظة.. عليك أن تتحمل ذلك وتهيئ نفسك لعالمك الجديد..

المسافر: سحقاً لهذا العالم النتن..

امرأة: أتيته برضاك، اما أنا فقد جيء بي قسراً بعد ان حملني الموت..

المسافر: كنت مضطرا، فزوجتي هناك تنتظر.. ما كنت أعرف أني سأسجن في هذه العربة النتنة..

امرأة: وماذا كنت ترجو من قطار لا يحمل الا الأجداث؟!

المسافر: لا علاقة لي بما يحمله.. المهم أن أصل.

امرأة: ومن قال لك أنه يصل...

المسافر: ألم تخبريني أنك عشت أعواماً هنا؟ اذن أنت تعرفينهم (مؤكداً) الحراس.. تعرفينهم أليس كذلك؟ توسّطي لي عندهم كي يخرجونني..

امرأة: لا ينفع ذلك..

المسافر: توسلي بهم.. من أجل زوجتي.. هي امرأة مثلك تنتظر زوجاً قذفته الظروف بعيداً عنها..

امرأة: قلت لك لا ينفع ذلك.. أولئك لا يحملون في صدروهم الا الحجارة.. لا قلوب لهم، ولا عواطف أو مشاعر.. قوم آليون، يحرّكهم مجلس حكم القطار بما يخدم مصالحهم..

المسافر: أيّ مصالح تلك في عالم كهذا ليس فيه الا الرائحة النتنة التي تكاد أن تخنقني..

امرأة: المهم انهم يشعرون بسيادتهم.

المسافر: سادة على الموتى.. أيّ جنون هذا؟

امرأة: خيرٌ من أن تكونَ سيد أحياء لا أمان لهم.. هم يقولون ذلك.. ولأجل هذا أدعوك الى أن تصمت، فالكلام هنا للسادة فقط.. هل تستطيع؟

المسافر: على ماذا؟

امرأة: أن تصمت..

المسافر: (يائسا) ما نفع الكلام في مقبرة كهذه..

امرأة: إيّاك ان تسمّيه مقبرة.. هذا قطار!

المسافر: لا أجد اختلافاً..

امرأة: ستجد صعوبة في التأقلم على المكان في أيامك الأولى هذه، لكنك حتماً ستتعود عليه.

المسافر: أتعوّد على ماذا؟ المكان المظلم، أم الرائحة النتنة، أم الأجساد الباردة الصفراء تلك..

امرأة: تتعود على ان تغلق فمك كي لا تثير المتاعب.

المسافر: ان كانت هناك متاعب فمتاعبي مع نفسي.

امرأة: حذرتك مرتين قبل ذلك، ولا علاقة لي بك في الثالثة..

المسافر: لنخطط معاً لنجد طريقة في الخروج من هنا.

امرأة: لا طرق للنجاة!

المسافر: ما تعودت على اليأس منذ ان أجبرت على استلام الوظيفة في تلك المدينة البعيدة فقد عرفت أشياء لم أكن أعرفها من قبل.. (مؤكدا) يجب ان أجد طريقة تنقذنا من هذا السجن..

امرأة: لا تشركني معك..

المسافر: هل أنتِ خائفة؟

امرأة: لو كنت رأيت ما رأيته أنا، ما فكرت بهذا..

المسافر: انت تشلّين تفكيري..

امرأة: وأنت تريد تدميري.

المسافر: هل أنت راضية بوجودك هنا؟

امرأة: هل يهمك هذا؟

المسافر: ليس أقل من اهتمامي بنفسي..

امرأة: حين تكون على مقربة من الموت، وهو ملاقيك، كن أكثر استعداداً له من تشبثك بالحياة..

المسافر: علينا أن نؤثث حياتنا كما نشتهي..

امرأة: بل كما يشتهون!

المسافر: ماذا يريدون مني؟

امرأة: قل أنت ماذا تريد منهم..

المسافر: أريدهم ان يوصلوني حيثما أريد..

امرأة: في هذا القطار؟

المسافر: عليهم ان يحرّكوا عجلاته..

امرأة: وعليك أن تصمت..

المسافر: الصمت ثانية.

امرأة: كل كلام قلته الآن مسجل لديهم!

المسافر: ليكن.. لم أخف منهم..

امرأة: أنت أحمق.. لديهم من وسائل الدمار ما يجعل فمك في مؤخرتك..

المسافر: لدي من القدرة ما يجعلني صلباً..

امرأة: من أجل ماذا؟

المسافر: زوجتي. وأهلي. وانت.. ألا يكفي ذلك؟

امرأة: سيبطشون بك..

المسافر: اتحداهم!

امرأة: أواثق انت؟

المسافر: (يصمت)

امرأة: أنا مثلك.. لي أحلام وأمانٍ، مثلك تماماً، كل حلم حلمته، أو أمنية تقت اليها خبّأتها في صدري..

المسافر: الى متى نخبئ أمانينا في الصدور.. أمانٍ لا أوّل لها ولا آخر..

امرأة: وسيلة الفقراء لحياة أفضل!

المسافر: حتى تلك يحاولون تشويهها..

امرأة: لم نر شيئا بعد.

المسافر: أكثر مما رأيت؟

امرأة: قد تلعن اللحظة التي ولدت فيها..

المسافر: لا تستطيعين ان تنالي من عزمي.

امرأة: لا مصلحة لي في ذلك.

المسافر: مصلحتك معهم.. اعتدت على حياة يحركونك فيها كما يشاؤون.. لم يعد العالم يشغلك أكثر مما في هذه العربة من أكفان وأجساد.. تعملين معهم.. صحيح.. من اجل ان يبقونك حية.

امرأة: لم تعرفني بعد.

المسافر: حديثك معي يكشف ما تضمرين. أنت توهمينني أن لهم قدرات خارقة، وأجهزة تنصت، ووسائل تدمير.. توهمينني أن لهم القدرة على التصرف بمصائرنا دون أن تكون لنا ارادة فيما نريد، أتظنينني صدّقت كل ما سمعته منك؟

امرأة: انت بدأت الحديث معي، أنت حر فيما تصدقه أو لا.. اما أنا فقد صدّقت حياتي طيلة السنوات التي قضيتها في هذه العربة، أستطيع الآن أن أحدد عمر موت كل جثة.. انظر (تؤشر الى واحدة) هذه عمرها خمسون، وتلك عمرها عشرون، وتلك عشرة..

المسافر: (هازئا) في ريعان الموت!

امرأة: مثلما للحياة عمر، وسنوات فللموت كذلك.. أنت لا تصدق، وربما لا تثق ان الموتى يتصرفون بحياتنا..

المسافر: غسلوا رأسك بأفكار غريبة.. ورضيت بالصمت.. وما عادت تشغلك حركة القطار.. لا بد أن يتحرك هذا الجسد الحديد.. لا بد ان تسخن تلك القضبان الباردة..

امرأة: لا بد ان تتحرك الجثث أولاً..

المسافر: ليس قبل ان يتغير هواء العربة.. سأكسر النافذة..

امرأة: (محذرة) لا تفعل..

المسافر: لن تمنعينني عن ذلك..

امرأة: سيزحف الدود الى المدينة، ويأكل الزرع، والضرع، ويملأ الأفواه، والانوف والعيون..

المسافر: لا يهم.. لا يهم.

امرأة: قبل قليل كنت تدافع عنهم هناك.. والآن...

المسافر: (يكمل) أحرّض الدود على القتل!

امرأة: وتموت أنت أيضاً..

المسافر: خير من أن أبقى وسط هذه العربة النتنة.

امرأة: انت اخترت حياتك هذه.

المسافر: والآن غيّرت الرأي.

امرأة: بهذه السهولة؟!

المسافر: (بصوت عالٍ) لن تجبرينني على البقاء..

امرأة: صه...! هم يسجلون كل كلمة تتفوّه بها!

المسافر: (بصوت أعلى) لن تخيفينني..

امرأة: ويسجلون كل حركة تقوم بها.. سيأتون عما قريب، وحينها لن ينفعك ندمك..

المسافر: لم أندم في حياتي على شيء، قدر ندمي على ما أنا فيه الآن.

امرأة: سترى العجب.

المسافر: ليس أعجب من هذه القمامة..

امرأة: رأسك يابس!

المسافر: رأسك نتن!!

امرأة: على الأقل انا أفكر من أجلك..

المسافر: من أجلي أنا.. (يضحك قليلا ثم يصمت)

امرأة: لماذا ضحكت؟

المسافر: لا أدري..

امرأة: ولكنك ضحكت..

المسافر: ضحك آه.. ضحكت.. ضحكة خرجت مني دون ارادتي.

امرأة: هذا تأكيد على أنك دون إرادة.

المسافر: كلمة مهملة في قاموس.

امرأة: خير لك ان تجلس، خذ كفنك من هناك (تشير الى جهة مقابل من العربة) وانتظر

المسافر: الى متى...؟

امرأة: الى أن تسترد ارادتك..

المسافر: في هذا القبر.

امرأة: هذه عربة.. حذرتك قبل هذا.. لا تسميها قبراً..

المسافر: العربات تسير وهذه.....

امرأة: (مقاطعة) واقفة.. أليس كذلك.. أنت تظنّها واقفة، وهي ليست كذلك..

المسافر: هل تظنينها تسير؟

امرأة: مثلما تراها أنت واقفة..

المسافر: جنون... هذا جنون!

امرأة: المتعة في الجنون!

المسافر: ولا عتب..

امرأة: ماذا؟

المسافر: (يهم بكسر زجاج النافذة) لا عتب على مجنون. المجنون يكسر النافذة!

(صوت ارتطام قوي يمتزج وصراخ المرأة)




(خيمة الأكفان)


(المسافر وسط الخيمة والأكفان تحاصره من كل جانب.. اصوات كأنها روبوتات تردد)

الأصوات: من يعكر صفو العربات.. يحبس منفردا في قبو الأموات.. وفقا للمادة الرابعة والعشرين..

المسافر: (يجلس القرفصاء)

(اشباح بوجوه ممسوخة كلاب وخنازير وقطط.. تدخل وتدور حوله.. الأصوات ما زالت تردد ما رددته في البدء)

المسافر: تبا لهذه القيود

الأصوات: عليك أيها الغريب أن تصمت..

المسافر: لم افعل ما يسئ لأحد..

الأصوات: اخترقت القوانين، وحق عليك عقاب المجلس.

المسافر: لم أفعل شيئاً.. كل ما رغبت فيه، هو أن ألتقي بزوجتي..

الأصوات: دخلت المكان الخطأ، وعليك ان تتحمل ما ارتكبت من أخطاء..

المسافر: وجدته قطاراً قد يوصلني اليها..

الأصوات: ليست كل القطارات سواء!

المسافر: لم أعرف ذلك!

الأصوات: والآن عرفت، وعليك دفع ثمن خطأك..

المسافر: ارموني خارجاً، ولن يضرّكم ذلك في شيء..

الأصوات: لا يمكن ذلك.. أنت اطلعت على أسرار مجلسنا..

المسافر: أعدكم لن أتفوّه بشيء..

الأصوات: لن نغامر في أمر قد ينسف كل ما بنيناه..

المسافر: أعدكم بشرفي!

الأصوات: لا نعرف من تكون، فكيف نصدّقك...؟

المسافر: قلت لكم بشرفي!

الأصوات: لا يعني في مجلسنا الشرف شيئاً.. أمامك طريق واحدة..

المسافر: شرط أن تخرجونني من هنا.

الأصوات: لست في موقف يسمح لك بوضع الشروط.. علينا تأهيلك أولاً..

المسافر: وعليّ ان أخرج من هنا..

الأصوات: من يدخل بإرادته، لا يمكنه أن يخرج الا بإرادتنا..

المسافر: هذا احتجاز!

الأصوات: وهذه أوامر قادتنا.. علينا بتأهيلك أولاً...


اظلام

(المسافر في داخل بالون شفاف متعدد الألوان يتضح انه يصرخ ولا يسمع صراخه.. يؤشر بيديه.. تدخل المرأة بثيابها البيضاء)

المرأة: (تنظر له.. تقترب منه) قالوا لي عليك تأهيله.. قبل ان نبدأ عليك بالتخلص من كل عيوب عالمك التي حملتها الى عالمنا..

المسافر: (ما زال يصرخ في الداخل ولا يُسمع صوته)

امرأة: الكذب والسرقة والحسد، أول سطر في عيوب عالمكم القميء..

المسافر: (يحاول أن يجد منفذا ويشق البالون ويخرج منه.. ينجح في ذلك.. يحاول الهروب لكنه يتوقف)

امرأة: كل خطأ تقع فيه يزيد من محنتك..

المسافر: معهم أنت!

امرأة: لا خيار..

المسافر: لنعقد اتفاقاً..

امرأة: معي؟

المسافر: معك..

امرأة: لا سلطة لي أبداً.. لست سوى أداة تنفيذ..

المسافر: لنهرب معاً..

امرأة: تحريض!

المسافر: ستعيشين حياة أفضل مما أنت عليه الآن..

امرأة: تحريض!

المسافر: وتتذوقين طعم الحرية..

امرأة: تحريض!!

المسافر: لا حياة لك بعد بين الأموات..

امرأة: تحريض

المسافر: كفى.. كفى.. مللتكم جميعاً..

امرأة: كل خطأ تقع فيه يزيد من محنتك.. كل كلمة تتفوه بها تُسجّل..

المسافر: اذن.. لا مخرج..

امرأة: لا مخرج.

المسافر: وعليّ ان أطيع...؟

امرأة: أن تطيع!

المسافر: وأرضى بما انا فيه؟

امرأة: وترضى بما انت فيه!

المسافر: ولكن.. الى متى؟

امرأة: حتى تتخلص من أدران عالمك..

المسافر: لست سيئاً كما تظنين!

امرأة: عالمكم سيء..

المسافر: لا وجود لعالم فاضل..

امرأة: عالمنا فاضل..

المسافر: الخير والشر في كل مكان.

امرأة: الا هنا!

المسافر: وماذا تسمّين ما تفعلونه بي؟

امرأة: نحن نؤهلك..

المسافر: شر!

امرأة: ونخلصك من الأخطاء..

المسافر: شر!

امرأة: لتكن مواطنا صالحاً..

المسافر: شر!

امرأة: أرأيت؟ كل شيء نفعله من أجلك تظنّه شرّاً.. علينا باستئصال الشرّ منك.. يداك وعيناك ولسانك وقلبك.. (اظلام)



(مكتب قاطع التذاكر)

(مكان خارج العربة، صوت قطار قادم يسمع من بعيد.. المسافر نائم على أريكة قريبة من قاطع التذاكر.. قاطع التذاكر يقترب منه ويصيح به)

الموظف: أما زلت هنا؟

المسافر: (ينظر له بتعجب) هذا انت؟

الموظف: فاتك القطار..

المسافر: (ينظر هنا.. وهناك) ماذا.. فاتني القطار أي قطار...؟

الموظف: القطار الذي رغبت في الصعود فيه..

المسافر: (بخوف) كلا.. كلا.. لا أريده.. لا أريد ذاك القطار اللعين.. أفضل ان اذهب سيراً على الأقدام من ان أدخل مختبر التأهيل ثانية..

(ينهض وسط دهشة قاطع التذاكر ويسير..)

الموظف: (يناديه من بعيد) هناك امرأة استقلت القطار تقول انها زوجتك..

المسافر: (يلتفت نحوه وتسقط من يده حقيبته صارخا)

زوجتي في القطار.. أعيدوها لي.. أعيدوا لي زوجتي.. أعيدوها...........


اظلام - ستار

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى