مصطفى فودة - قراءة فى ديوان مكاشفة للشاعر محمد الشحات

ينتمى الشاعر محمد الشحات الى شعراء السبعينيات فهو من مواليد 1954 محافظة الدقهلية عمل صحفيا بدار أخبار اليوم ، وقد صدر ديوانه مكاشفات عام 1995 عن الهيئة المصرية العامة للكتاب وهو الديوان الخامس للشاعر فى ترتيب صدوره .
والمكاشفة تعنى لغة الاطلاع او المعاينة أو الإظهار ولها دلالة عند الصوفيين بانكشاف الحقائق الالهية للصوفى بنور يقذفه الله فى القلب ، إذن عنوان الديوان يدور حول كشف وإظهار ما بنفس الشاعر وما به من معان باطنية للقلب وهو مدخل للقارئ أو تمهيد له لقراءة الديوان وهو ما سنجده أثناء القراءة .
يحتفى الديوان بمظاهر البيئة الطبيعة فى الريف مثل الشمس والرياح والنهر والشط والطيور والطواويس والخيول إحتفاءا كبيرا ويشغل مساحة غير قليلة من الديوان وربما يرجع ذلك الى نشأة الشاعر الريفية التى أثرت بلا شك على لغته وصوره فى الديوان وللخيول بالديوان دلالة مركزية فهى رمز للزهو والعزة والعدو لمسافات بعيدة كما أنها تقوم بالرقص وتستجيب للموسيقى ، وللخيول شأن كبير جدا فى الحياة العربية القديمة وفى الشعر العربى والجاهلى وقد اشار الشاعر الى وصف امرؤ القيس لحصانه فى معلقته وضمن بالنص البيت الشهير لوصف حصان أمرؤ القيس " مكر مفر مقبل مدبر معا / كجلمود ضخر حطه السيل من عل " وقد كتب الشاعرعن الخيل القصائد الثلاث الأولى من الديوان فضلا عن ذكرها فى مواضع متفرقة من الديوان .
لماذا
تميل الخيول الى الرقص
تحمل أقدامها
ثم تهبط فى خفة
لماذا تميل الخيول الى الركض
تزهو
بأن السماء لها
والأراضين ملك لأقدامها (ص10)
.................
وكم كنت أحلم
أن أرتمى فوق أعناقها
وأن ارتدى حلة المستحم
بأشواقه
ويتماهى الشاعر مع الخيول ويستخدها رمزا لاشواقه وأحلامه
أحب الخيول إلىّ
التى تتمايل فى رئتى
وتمرح مسرعة فى ربوعى
وترقص حين يراقصنى الشوق
كما يحفل الديوان بمظاهر الطبيعة الأخرى مثل الرياح والطيور والشمس والنهار وهى من مظاهر البيئة الريفية لنشأة الشاعر وإن كان الشاعر قد إستخدمها بدلالات تعبر عن اشواقه وأحلامه وآماله .
الرياح التى فى فؤادى
....
والطيور العائدات
ورائحة ارتحال الشمس
تصعد فى دمى بيت
كان النهار يجلس
والنهار يعاود الترحال (ص21)
كذلك للقطار فى الديوان دلالته المعهودة كوسيلة للسفر وله دلالات اخرى كالزمن والعمر والإغتراب ففى نص انقسام
القطار الذى يحتوى جسدى
ويرحل للبعد
يهبط بعضى
ويرحل عكس القطار الذى
يحتوى جسدى (ص31)
ويعبرالقطاركذلك عن فراق الاحباب
ويمضى القطار الذى
يحتوى جسدى
ويرحل بعضى (32)
تأثرالشاعر بالتراث
للتراث العربى والإسلامى تأثير كبير على الشاعر فى الديوان حيث وهو مارأيناه من أحتفاء كبير بالخيل وتضمينه - كما ورد سابقا - بيت أمرؤ القيس فى معلقته يصف فيه حصانه وهو البيت الشهير( مكر مفر مقبل مدبر معا / كجلمود صخر حطه اليل من علِ ) ص 14 ، كما قام الشاعر بتضمين بداية حديث شريف وهو ( الناس نيام إذا ماتو إنتبهوا ) ص42 ، وماالذى أستعيذ به ، تناص مع الآية القرآنية " فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم " ، كونى بردا وسلاما ص73 تناص مع الاية الكريمة ( يا نار كونى بردا وسلاما على ابراهيم ) ، استفت فؤادك ص75 تناص مع جزء من حديث نبوى ( استفت قلبك وإن أفتاك الناس وأفتوك ) ، القلب متسع إليكم يتناص مع جزء من حديث قدسى (ولكن وسعنى قلب عبدى المؤمن ) ، ارتل بعض أيات التوحد يتناص مع الاية الكرية ( ورتل القرآن ترتيلا ) ، كما يظهرتأثر الشاعر الدينى بنصه رجفة ص41 حيث يصور شعوره وهو يصلى الفجر وما ينتابه من رجفة الخوف من الله تعالى فصورها أبدع تصوير
حين توضأت
وأسبغت الماء على
ووقفتُ أصلى الفجر
انتابت قلبى رجفةخوف
حين رأيت الخيطين
الأبيض والأحمر
كذلك تأثر الشاعريالشعر المعاصر فى نصه ص 33 بقصيدة الاطلال لابراهيم ناجى
ورحت الاعبه
كطفلين
كان يلاحقنى
حين أسبقه
ويسبقنى حين أخلو إلى ظله
حيث تأثر الشاعر بالصورة الشعرية فى قصيدة الاطلال لإبراهيم ناجى فى البيت الشعرى ( وضحكنا ضحك طفلين معا / وعدونا فسبقنا ظلنا )
الحس الصوفى للشاعر
بالديوان حس صوفى واضح من استخدام بعض مصطلحات الصوفية كالحانة والعشق والكشف والمكاشفة بل عنوان الديوان مكاشفة به دلالة صوفية على الكشف عن الحقائق الالهية عند الصوفية
لا تساع الميادين
أخرج
أحمل بعضى الى حانة
باتساع عيونى
وللحانة معنى صوفى حيث هى مكان العشق الالهى عند الصوفيين مثل ابن عربى وابن الفارض .
رجفة العاشقين
وكنت أنا
غارقا
فى جمودى
.......
لأعبر ناصية القلب
ليصحو من غفوته ( ص60)
.........
أستعيذ به
حين تملؤنى
وتسكن فى رجفتى
أغنياتى ( ص70)
.......
أستفت فؤادك
واترك بوصلته
تسعى فى الملكوت
لعلك ترسو خلف الشط الآخر
...فاجعل قلبك مفتاح الأشياء
فهذه لغة صوفية روحانية ترنو للحب الإلهى .
الحب الوجدانى للمرأة
عبر الشاعرعن الحب أروع تعبير بصور عميقة وخلابة فى مواضع عديدة بالديوان
الرياح التى فى فؤادى
تصعد
حين القلب يخفق
.................
كيف حين أغازلها
لحظة الوجد
فتبدو كطفل حبا
.............
حين مرت على مهل
وألقت أنوثتها
فوق خطو الطريق
تساقط من وجهه
بعض ماء
وحلت به
رجفة العاشقين
اللغة والصورة الشعرية
اتسمت لغة الشاعر بالديوان بالسهولة واليسر وقربها من الفهم وعدم التعقيد فى العبارة الشعرية الا فى بعض دلالة بعض الالفاظ والتى رأينا بها مسحة صوفية وكما ذكرنا كانت لغة الشاعرة متأثرة ببيئته الاولى التى نشأ بها وهى البيئة الريفية حيث وردت مفردات تلك البيئة من شمس ونهر وطيور وعصافير وطاوس وخيول وشجرورائحة الزهر .
أما الصورالشعرية بالديوان فكانت يسيرة مفهومة لا عسر فيها ولا إغراب فقد اعتمدت الصورة الشعرية فيه على الاستعارة حيث كثرت الاستعارات أما التشبيه فكان أقل ومن أمثلة الاستعارات بالديوان ( تحبس فى عينها حلمها البعيد ، وأن ارتدى حلة المستحم بأشواقه ، وتركض بين حروف القصائد ، الرياح التى فى فؤادى (كناية عن قوة الحب واندفاعه ، كان النهر يجلس ( استعارة ) والنهار يعاود الترحال ، يفترشون أزقة قلبى ، تركت الموت يداعب أجفانك ومن أمثلة التشبيه ورحت ألاعبه كطفلين , فتبدو كطفل حبا ثم أمسك بى ، وهكذا كانت الصور الشعرية بالديوان صور مفهمومة وقريبة من التصور وليس بها إبهام او تعقيد .
الحزن والإغتراب
حفل الديوان بمظاهر الحزن والإغتراب وربما يرجع ذلك الى نشأة الشاعر الريفية ومغادرته قريته بإنتقاله الى القاهرة ومفارقتة الأهل والأصحاب والعيش فى مدينة غريبة وهى ظاهرة منتشرة بين الادباء القادمين من الأقاليم المصرية وقد كتب أحمد عبد المعطى حجازى ديوانا كاملا عن حزنه وغربته بمدينة القاهرة وهو ديوان مدينة بلا قلب ، ومن أمثلة حزن الشاعر بالديوان
إنها ساعة الحزن
ماعدت أدرى
أى وقت بات يسكننى
وأى مدينة
سأبوح فيها بإحتراقى
................
يدخل الحزن قلبى
ويجلس مبتهجا بارتيادى
ومن أمثلة إغترابه
أنا واحد من ثلاثة
غريب
ومغترب
ومتهم باتباعى المواقيت (ص98 )
التجربة الشعرية فى الديوان
كان ديوان مكاشفة خطوة أخرى فى مسيرة الشاعر الشعرية بعد دواوينه الاربعة وهو ينتمى الى قصيدة التفعيلة عبر فيه عن نفسه وآماله وأحلامه وبييئته بطريقة مستقلة لم يتشبه بأحد من الشعراء فى ذلك الوقت ولم يلتحق بجماعة شعرية مثل أصوات وإضاءة وهى أشهر مجموعتين شعريتين فى السبعينيات فى ذلك الوقت ورغم أنه ينتمى شعريا الى شعراء السبعينيات فأنه ظل مستقلا مفارقا لهم فى كثير من توجهاتهم مثل ابتعاد شعره عن الاتجاه الايدلوجى اوالعبارات الصادمة و حفل شعره بالديوان بميزات جمالية واضحة فى استخدام وإظهار عناصر الطبيعة كما ذكرنا من قبل وكذلك البعد الوجدانى والصوفى فى قصائده بطريقة بارعة عبرت عن موهبة شعرية كبيرة جديرة بالقراءة والتقدير .
( قراءة مصطفى فودة )

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى