مصطفى فودة - قراءة في كتاب شعر العامية المصرية للشاعر جمال بخيت

هذا كتاب قيم جدا صدر من الهيئة المصرية العامة للكتاب عام 2016 وتقديم د أحمد مجاهد ، ورغم إيمانى وحبى الشديد للغة العربية الفصحى وجمالياتها إلا اننى أحب العامية المصرية العذبة الجميلة التى شربت من ماء النيل فاكتسبت عذوبته وتكلمها المصريون فاكتسبت خفة الدم والرشاقة وأعتبر أن العامية المصرية إبنة مدللة وخفيفة الدم للعربية الفصحى .
يقول ا /أحمد مجاهد فى مقدمته " اعتمد الناقد أحمد بخيت فى هذا الكتاب على الانطباعات التى تخلفها الاعمال الأدبية على صفحة روحه ، ويقول عن الشاعر أيضا " التجوال فى مملكة الشعر لا يمكن إلا أن يعطينا من خيرات الإحساس والفكر والجمال " ، والكتاب كبير الحجم يبلغ 442 صفحة ويتناول عددا كبيرا جدا من شعراء العامية ويبدأ بالشعراء بيرم التونسى وفؤاد حداد وفؤاد قاعود وصلاح جاهين وعبد الستار سليم ومحمد عبد القادر وابراهيم عبد الفتاح وهشام السلامونى ومحمد كشيك وصلاح الدين عبد الله وسمير عبد الباقى وشوقى حجاب والأبنودى ولم يقتصر الكتاب على تقديم شعر الشعراء المعروفين بل بل قدم مغامرات جديدة لشعراء لا يعرفهم أحد ولكن لهم نفس جميل وعزف منفرد على أوتار الخصوصية ، إذن نحن أمام كتاب ضخم وسيقتصر هذا التقديم لهذا الكتاب القيم على بإختيار بعض اشعار الشعراء التى أعجبتنى وأحببتها .
بدأ الكتاب بعبقرية بيرم التونسى الذى ولد فى الأسكندرية بحى السيالة فى مايو 1893، يقول المؤلف كانت المرأة فى حياة بيرم هى راحته وواحته وفتنته ونقطة ضعفه وقوته يقول بيرم وهو يتحدث إلى خالق الجمال
فى كل عام للورد أوان/ إلا النسوان /بقدرتك نابتين ألوان/أبيض وأحمر
وأنت اللى تعلم وأنا أجهل/فيه إيه أجمل/من دى الخدود اللى لا تدبل
ولا تتغير /لك صنعة فى العين والحاجب/ بها تتعاجب/ وتقول وجود الله واجب/مين به يكفر (والشاعر جمع هنا بين العاطفة الدنيوية والدينية وأنه اقتصر على وصف المرأة من الخارج ولم يصف صفاتها المعنوية وأرى أنه ليس عميقا وليس من جيد الشعر )
ثم ينتقل إلى فؤاد حداد ويقول هو إحدى الجواهر الفريدة ومن أشعاره المشهورة والتى غناها ولحنها الموسيقار سيد مكاوى
الأرض بتتكلم عربى / وقول الله /إن الفجر لمن صلاه /ما تطولش معاك الآه
الأرض بتتكلم عربى
ثم ينتقل الى فؤاد قاعود ويسميه الفيلسوف المعترض الذى يخشى الشهرة ويعتبرها شرا .
ياولدى قول شعرك بلا إعلان / وانشد بلا استئذان / وإن جيت فى عصر انحطاط / امشى لوحدك ع الصراط / والا فوق الأوان / الشعر أكبر م المكان والزمان / يا ولدى لا تطلب رضا السلطان / لاتمدحه لماله / ولا تصاحب رجاله /ليعملوك شاعر بلاط / ويصرفولك ربابة / تخدع بها بساط العقول والغلابة .
وينتقل إلى صلاح جاهين ويقول ظل جاهين فارسا للكلمة البسيطة ليستوعبها بائع الجرجير كما يتلقاها الفيلسفوف ويختار من رباعياته
يا طير يا عالى فى السما طظ فيك / ما تفتكرش ربنا مصطفيك / برضك بتاكل دود وللطين تعود / تمص فيه يا حلو ويمص فيك /دخل الشتا وقفل البيبان ع البيوت / وجعل شعاع الشمس خيط عنكبوت / وحاجات كتير بتموت فى ليل الشتا / لكن حاجات أكتر بترفض تموت ...عجبى
ثم ننتقل إلى محمود رضوان والى يصفه يتمكنه من أدواته الفية
تسرق بيوت / تسرق شطوط/ تسرق قناوى أو غناوى / أو مطر / تنسج خيوط العنكبوت /حوالين رقاب كل البشر / لكن لا يمكن قدرتك / تسرق وطن .
وينتقل إلى عبد الرحمن الأبنودى ويقول عنه الذى طارد مارد الشعر وتحداه أنه سيخرجه من قمقم الصمت فأخرجه وتحداه أنه سيأتى به من لغة البسطاء فأتى به رقيقا شفافا عبا صادقا وأختار له عدى النهار التى غناها عبد الحليم حافظ وألحان بليغ حمدى عقب هزيمة 67
عدى النهار / والمغربية جاية / تتخفى ورا ضهر الشجر / وعشان نتوه فى السكة / شالت من ليالينا القمر / وبلدنا ع الترعة بتغسل شعرها / جانا نهار ماقدرش يدفع مهرها / يا هلترى الليل الحزين / أبو الدموع الشقيانين / أبو الغناوى المجروحين / يقدر ينسيها النهار / أبو شمس بترش الحنين /أبدا /بلدنا للنهار / بتحب موال النهار / لما يعدى ع الدروب ويغنى / قدام كل دار . وهذه الكلمات من أروع ما قرأت وبها جماليات وتقنيات هائلة من مشهدية وتصوير وحركة .
- ولا يقتصر المؤلف على الشعراء المعروفين بل يعرف القراء على بعض الشعراء المغمورين وسأختار شجر الكافور من ديوان الولد الشايب لعمرو حسنى يقول حسبت بقلبى عجوز بتصابى / أنا قلت له ..فات الأوان يابا / وفردت منديلى / ريحت عليه راسى فى ضل كافورة / وشويتين / عدت خيول النوم على دماغى / ما بين غبار الحلم والشبورة / أنا شفت نفسى فتى جميل الصورة / والدنيا حلت توبها وقالت لى/ قدامك الدنيا عيك تختار / كل الصبايا بتستحمى / فى الهويس يا عريس / أنا شعرى أبنوسى ونهودى عجين /وأنا طيبة وشرحة كما البساتين/ وأنا لو تحصلنى تدوق التين / وتفك أحبالى .
وهذه المختارات نقطة صغيرة من بحر كبير اسمه شعر العامية المصرية للشاعر جمال بخيت أفاض فيه من روائع شعراء العامية المصرية حيث قال حرصت على شيئين ألا أقدم إلا الشعراء الذين تعجبنى كتاباتهم فلم أكن أحتاج سوى المحبة والثانى ألا أحاول ارتداء عباءة النقد ، إذن هو كتاب كتب بمحبة لشعر العامية المصرية ويستحق أن يقرأ بمحبة .
قراءة مصطفى فودة

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى