حوار ساخن مع الأديب حسين عبروس.. حاوره البشير بوكثير

أستاذ قدير ، وأديب أريب نحرير، وشاعر خنذيذ ليس له نظير، وصحفي متمرس تحرير،أشرف على الكثير من الصفحات الثقافية في الزمن الجميل.
غيور على التربية حتى النخاع، ومَصدرُ علمٍ وتوجيه وإشعاع، ورائدٌ في الحُجّة والإقناع ، واسع الصدر، ذائع الصيت عالي القدر، غزير الإنتاج كالبحر حتى حسده اللؤلؤ والدّر.
جمعتنا هذا المساء مصاريف الأقدار، فكانت المؤانسة والدردشة وهذا الحوار.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- بادئ ذي بدء أشكرك أستاذنا الفاضل حسين على قبولك إجراء هذا الحوار الحميمي التربوي والفكري . بِودّي لو تعرّف القراء الأعزاء على مسارك العلمي والمهني.
2- مارستم التعليم مدة من الزمن، كيف تقيّمون المضامين والمناهج في فترة السبعينيات والثمانينيات، ومضامينه بعد مرحلة -ماسمي زورا إصلاحات-؟
3- بودي سيدي لو تذكر لي من واقع تجربتكم التربوية التعليمية أهمّ المنجزات والمكتسبات التي تحققت خلال تطبيق المدرسة الابتدائية في السبعينيات و المدرسة الأساسية في بداية الثمانينيات؟
4-الكثير من أهل الاختصاص يتحدث عن فشل الإصلاحات التي شرعت فيها الوزارة الوصية منذ 2003م إلى اليوم. هل هذ الحكم صحيح؟ وماهي في رأيكم الأسباب المباشرة التي أدّت إلى فشل الإصلاح التربوي ؟
5- هناك الكثير من المفاهيم التربوية أثارت لغطا على الساحة التربوية فور ظهورها، ومن أهمها ماعُرف لدى رجال التربية ببيداغوجيا المقاربة بالكفاءات، ما رأيكم في هذه القضية؟
4- قضية أخرى أسالت كثيرا من الحبر ، وأثارت ضجة لدى كافة شرائح المجتمع ونخبته الفكرية والثقافية، وهي قضية تطبيق مناهج الجيل الثاني. ماهي نظرتكم ؟
6- مارأيك في منهجية الكتاب المدرسي في الجزائر؟
7- لديكم باع طويل في الكتابة للطفل، هلاّ حدثتمونا عن تجربتكم الإبداعية في هذا الميدان؟ وماهي الشروط الواجب توفرها في المبدع الذي يكتب للطفل؟ لأن الكثير يستسهل ركوب هذه الموجة.
8- واقع الثقافة في الجزائر، كيف ترونه ؟
9- لمن يقرأ الأستاذ حسين عبروس ؟
10-كلمة أخيرة:
الجواب.
- من الصعب أن يتحدث المرء عن نفسه، ومن الأصعب أن يلمّ في هذه العجالة بكل تفاصيل الرحلة في عالم الحياة المتداخلة بين المسار الدراسي والمسار التربوي والإعلامي والإبداعي.لقد التحقت بمعهد اللغة والأدب العربي في منتصف الثمانينيات ، وبعد التخرج عملت في مجال التعليم ،والإعلام، وامتدت الرحلة متشعبة في اتجاهات مختلفة بين العمل التربوي والإعلامي والإبداعي، فوجدت الأبداع يموت تحت وطأة التعليم نظرالعدم الحياة والمناخ المناسب له،وذلك لأن التعليم في جميع مراحله من الروضة الى نهاية الدراسات العليا هو عملية روتينية تسيطر عليها أفكار جامدة تصنعها قوانين الإدارة، وتنفذ قواعدها فئة تعادي الإبداع والحرية.وكذلك الإعلام يقتل النمواهب إلا لمن يملك قوة الإرادة والفن فلا يخلط بين العمل الصحفي الجاف وبين دافق الإبداع.
2- من حسن حظي في فترة السبعينيات والثمانينيات أنني كنت تلميذا وطالبا،ولم أدرك تفاصيل التعليم في مجملها غير أنني كنت أعيش غبطة لا نظير لها في البرامج المقررة علينا ونحن صغارا، من حسن حظي يضا أنني تعلمت في نظام دراسي يختلف عن النظام العام،وهو نظام التعليم الأصلي الذي كان يشرف عليه طاقم من خيرة رجال العلم والمعرفة،ومنهم الدكتور مولود قاسم وزيرا،والدكتورعبدالرحمن شيبان مديرا عاماوالدكتور محمد متولي الشعراوي مشرفا على البعثة التعليمية في الجزائر.
- لقد كانت مضامين التعليم العام نذاك مقبولة الى حد كبير، وكانت سلطة المدرسة قوية أ مام كل الهزات التربوية ،والإجتماعية والأسرية، والمناهج كانت في مستوى تطلعات المعلم والمتعلم.وأحمد الله أنني تعلمت العربية على أساتذة أكفاء من أبناء الوطن العربي ،ولا أذكر أنني تعلمتها على يد جزائري ،إلافي مرحلة التعليم الإبتدائي.،وأما عن الإصلاحات فلم أر لهاجدوى مالم تكن قادرة على تمكين المتعلم من فكّ مباهج أسرار الحروف قراءة وكتابة،وفهما ودراية،وتحوّلا من حالة المجهول إلى المعلوم من العلوم والمعارف، ولا معنى للإصلاحات التي لا تهتم بتكوين المعلم والأستاذ والإداري، لقد كان هناك خلل كبير في تلك الإصلاحات التي قادت المدرسة الجزائرية لى هاوية التعليم مدة ثلاثين سنة ،و التحول من التعليم العام إلى التعليم الأساسي،وبعد ثلاثين سنة اكتشف خبراء التعليم عندنا أنهم أخطأوا الطريق ولابد عليم من التخلي عن التعليم الأساسي والعودة الى النظام القديم .ولم تكن إصلاحات" ابن زاغو" بأحسن حال من سابقتها من الإصلاحات حيث استولى الفريق التغريبي على كل المقدرات >ن الإصلاحات،وظل الفريق المعرّب يركن البعض منه الى التخاذل والغياب تارة،وتارة خرى إلى المهادنة ومسك العصا من الوسط،وتارة ثالثة الدفاع المستميت من فئة قليلة تهاوت تحت تأثير فرارات "ابن زاغو"
-ولم تسلم المدرسة الجزائرية من كارثة إصلاحات الجيل الثاني التي تبنتها "بن غبريط" بكل ما فيها من أخطاء كارثية في المناهج والمقررات الدراسية التي لم تسلم منها اللغة العربية ولا المواد العلمية.وظل المجتمع في دائرة قوم تبّع لا يكترثون لششيئ إلا لما وصل عن طريق بعض وسائل الإعلام،وانقسم المجتمع ما بين الداعي للمحافظة والأصالة، وبين الداعي الى التطور والتحضّر على حساب قيم وأصالة المجتمع الجزائري، وظلت نظرتنا رافضة لكل ما يمارس على المدرسة الجزائرية من تجهيل ،ومن تسطيح للفرد الجزائري،وذلك سواء تعلّق الأمر بالتعليم العام أم التعليم الخاص. نحن في حاجة الى خبراء في التربية والتعليم وعلم التربية والنفس،وذلك من أجل النهوض بالتعليم في بلدنا، ومن أسباب فشل الإصلاحات عندنا يمكننا حصرها في النقاط الآتية:-
- النظرة السياسية القاصرة التي تركز على الكم لا النوع،وعلى ترضية بعض الأطراف على حساب المجتمع بكامله
- عدم منح الفرصة للكفاءات التربوية الجزائرية من المساهمة الرسمية والفعلية في عملية الإصلاح
- التخطيط التربوي الذي يهتم بالأرقام،ولا يهتم بالطرق والمناهج الرائدة كما هو الحال في المجتمعات والدول المتطورة.
- طرح تدريس اللغة الأمازيغية والفشل في كيفية تدريسها من حيث الشكل ومن حيث المضمون،وتسيس عملية التدريس ومحاولة خلق فواصل داخل المرسة الجزائرية.
- الانتقال الى التعليم الخاص وإلحاقه بوزارة التجارة،بدل إلحاقه فعليا الى وزارة التربية بعيدا عن الإشراف الإداري.
- غياب التكوين الخاص الذي يمس كل العناصر الفاعلة في العملية التربوية وإسناده الى مؤسسة جامعة التعليم المتواصل التي تخل فيها عملية الجدية والحزم في مجال التكوين.
- غياب عامل المحفّز والتشجيع في مجال البحث التربوي، والكتفاء بأسلوب التلقين والإستظهار، وعرض المصطلحات التربوية التي توقع المتأمل في وهم الإصلاح.
- الكتاب المدرس هو في الحقيقة تجميع وإعداد وليس تأليفا كما يظن البعض ممن توكل لهم هذه المهمة،ولذا يجب على من يتولاها أن يكون على كفاءة علمية وتربوية عالية،وأن يكون على وعي جمالي وذوق فني في عرض المادة المراد تدريسها، ولذا نجد ذلك القصور في عملية اختيار النصوص ،وفي عملية التصرّف فيها،وبترها كما حال الكثير من النصوص المأخوذة عن الأنترنت والمجلات، وعدم ذكرأصحابها والمراجع والمصادر التي أخذت منها
فغياب الجانب الفني والتربوي والعلمي من الكتاب المدرسي هو ضربة قاضية للعملية التعلمية
- أمّا عن سؤالكم عن تجربة الكتابة للطفل،فلا يمكننا تقييمها أترك المجال للنقد المتأمل للفعل الإبداعي،ورغم ذلك أقول: أن الكتابة للطفل هي من أصعب العمليات الإبداعية وخاصة إذا تعلق الأمر بكتابة القصة والنص الشعري الوجه للطفل،ومن أهم الشروط التي تتوفر في الكاتب لأدب الطفل.
- الموهبة الكبيرةالتي تمكن الكاتب من تجاوز حدود الكتابة العادية ،أو العملية التجريبية أو التطفلية
- الإلمام بثقافة الطفل شعرا ونثرا، والإطلاع على التجارب الكبيرة في العالم وفي الوطن العربي.
- التمكن من علم النفس التربوي والنفسي والثقافي الذي يخص الطفل.
- معرفة أسرار وجماليات النص فنية والجمالية،ومواكبة التجارب العلمية التي تجتاح حياة الطفل في العالم.، وللأسف ما أكثر المتطفلين على الكتابة للأطفال في هذا الوطن وفي هذا العالم. وهم في الحقيقة تجار،والبعض منهم يجرم في حق الطفولة.
- أمّا سؤالك عن واقع الثقافة في الجزائر فحدث ولا حرج في زمن الهرج والمرج،وفي زمن غياب المنابر الثقافية والإبداعية والنقدية، فثقافتنا عند الكثير . كلّ عام طبعة جديدة منقّحة من طبعات قديمة، فبلادنا تفقد منظومة ثقافية واضحة ممن تولوا منصة الثقافة ،وهم بعيدون كل البعد عن الثقافة وعن صناعة الثقافة،ويبقى الأمل في تلك التجارب الفردية التي يصنعها كل مثقف في عزلته.
الثقافة في عصرنا هذا هي ثروة المعرفة،وثورة الأبداع على الجمود والخمول،والتسطيح المعرفي الساذج ،ولذا على المبدع والمفكر والمثقف والفنان ان يساهم فيها بكل قوة،وعلى وزارة الثقافة ألا تنتظر موعد المعرض الدولي للكتاب من أجل أن تستنفر كل قواعدها.وألا تكون صورة الثقافة في جهة واحدة أومناسبة معينة.
أما عن سؤالك لمن تقرأ.أقول أنا أقرأ لكل ابداع وفكر جميل يعيد تشكيلي معرفيا وروحيا وإنسانيا وثقافيا،ولذا فأنا على اتصال دائم بالتراث القديم من عهد "امرئ القيس "شعريا الى يومنا هذا،ولن أغفل التراث السردي القديم والحديث،كما لن أفوّت الفرصة على تلك التجارب الحديثة للكتاب الجدد،وتجاربهم . أنا قارئ نهم لكل جميل الذي يصنع في الدهشة ويعيدني الى الينبوع الأصيل روحا وابداعا.
- الكلمة الأخيرة هي: إذا أردنا أن نصنع وطنا جميلا فعلينا بالعلوم والمعارف،وعلينا أن نبتكر سبل الجمال روحا ومادة، فلا يتحقق البناء بالجهل والكراهية ، والعدائية لما تركه الذين سبقونا الى الوجود. فمعظم الدول المتطورة كانت قاعدتها العلوم والمعارف.رعى الله كل مبدع جميل مخلص لله وللوطن. تحيتي لك صديقي الأستاذ بشير.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى