د. عمر محمد الشريف - حلف ضد الناتو .

هل نشهد في الفترة القادمة ميلاد حلف جديد يكون منافساً لحلف الناتو؟!. لا يبدو الأمر بهذه السهولة، إلا إذا أتحدت روسيا والصين من أجل هذا الهدف، وحتى في ظل اتحادهم لن يكون سهلاً بالمرة، فالناتو يضم الدول الأقوى عسكرياً واقتصادياً في العالم.

منظمة حلف شمال الأطلسي أو الناتو هو تحالف دولي يتكون من ٣٠ دولة من قارتي أوروبا وأمريكا الشمالية. تأسس الحلف في البداية ب ١٢ دولة فقط، وذلك عند توقيع معاهدة شمال الأطلسي في ٣ أبريل سنة ١٩٤٩م، وأنضم لاحقًا الأعضاء الجدد. والدول الـ ١٢ المؤسسة للحلف هي: الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وإيطاليا وبلجيكا وكندا والدنمارك وأيسلندا ولوكسمبورغ وهولندا والنرويج والبرتغال.

جميع الدول الأعضاء تمتلك جيوش باستثناء أيسلندا التي ليس لديها جيش نموذجي. تمتلك ٣ دول من أعضاء الناتو أسلحة نووية وهم: الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا.

تنص المادة الخامسة من المعاهدة على أن "أي هجوم مسلح ضـد طـرف واحـد أو أكـثر مـن أطـراف المعاهدة في أوروبا أو أمريكا الشمالية يعتبر هجوماً ضـد كافة الأطراف"، وأن "كل طرف" سيتخذ "الإجراءات التي يراها ضرورية ... لإعادة الأمن إلى منطقة شمال الأطلسي أو صـونه فيها".

وهذه المادة تعطي كـل عـضو مجـالاً واسعاً في اختيار كيفية الرد. وهي تشكل الأساس القانوني لترتيبات الأمـن الجماعـي التي يقوم عليها حلف شمال الأطلسي.

تم تأسيس حلف الناتو لردع أي تهديد توسعي من قبل الإتحاد السوفيتي في القارة الأوروبية عقب انتهاء الحرب العالمية الثانية. ولم يقف الإتحاد السوفيتي صامتاً حيال إنشاء حلف الناتو، إذ قام بتشكيل تحالف عسكري دولي وهو حلف "وارسو" مع سبع دول من أوروبا الشرقية في عام ١٩٥٥م، أي بعد ست سنوات من تأسيس حلف الناتو .

وتم تأسيسه كرد فعل على ضم ألمانيا الغربية إلى حلف الناتو، ورداً على مؤتمر باريس الذي قررت فيه الدول الغربية إعادة تسليح ألمانيا. وتكون الحلف من الإتحاد السـوفيتي، والمجـر، وتشيكوسلوفاكيا، وبولندا، وألمانيا الشرقية، ورومانيا، وبلغاريا، وألبانيا. وقد إنهار حلف وارسو بانهيار الإتحاد السوفيتي عام ١٩٩١م.

حالياً يبدو أن التقارب الروسي الصيني يتزايد في ضوء الأزمة الأوكرانية الراهنة، حيث نجد أن تصريحات وزير الخارجية الصيني حملت رسائل مهمة، ومنها وصفه لمستوى العلاقات حالياً بين بكين وموسكو في ظل العقوبات الاقتصادية المفروضة على موسكو، حيث قال:
"بغض النظر عن مستوى التهديد في الوضع الدولي، ستحافظ الصين وروسيا على إصرارهما الاستراتيجي، وتواصلان تعزيز علاقة الشراكة الشاملة والتعاون الاستراتيجى في العصر الجديد".

"العصر الجديد" استوقفتني، ولعله يقصد أن العالم بعد حرب أوكرانيا لن يكون كما كان قبله، وموازين القوى العالمية قد تتبدل. وبلا شك أن الصين حالياً ثقلت كفتها فى ميزان القوى العالمية، كأحد الأقطاب الفاعلين، والمؤثرين فى النظام العالمى. وإذا أتخذت الصين وروسيا خطوة تأسيس حلف سياسي جديد، ستجذب دولاً معروف عدائها لحلف الناتو على رأسهم كوريا الشمالية وإيران.

كوريا الشمالية داعمة لروسيا بكل قوة في أزمتها الحالية، وصوتت ضد قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة الذي اعتمد في ٢ مارس الجاري، وأدان العدوان الروسي على أوكرانيا، وطالب روسيا بالكف عن استخدامها للقوة ضد أوكرانيا. لتنضم كوريا الشمالية إلى أربعة دول فقط صوتوا ضد القرار إلى جانب روسيا. ترى بيونج يانج أن الولايات المتحدة الأمريكية لم تحترم متطلبات الأمن الروسي، وتعتبر أن واشنطن سبباً رئيسياً في الحرب على أوكرانيا.

وموقف إيران ليس ببعيد عن موقف كوريا الشمالية، فحمل المرشد الإيراني علي خامنئي الأزمة الحالية للولايات المتحدة الأميركية، وأعتبر أوكرانيا ضحية للسياسات الأمريكية، وقال: "إن جذور الأزمة في أوكرانيا تدخل أمريكا في الشؤون الداخلية لذلك البلد عبر صنع انقلاب ملون، وتحريك التجمّعات ضد الحكومات، وإزاحة هذه الحكومة ووضع تلك"، حسب تعبيره.

وعلى خلفية الغزو الروسي لأوكرانيا، يمكننا القول بأن العالم انقسم إلى معسكرين سياسيين، معسكر ندد بالغزو، وأنضم لدول حلف الناتو في العقوبات المفروضة على روسيا، ضم هذا المعسكر الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وألمانيا وفرنسا وكندا واليابان وأستراليا، بالإضافة إلى العديد من دول الإتحاد الأوروبي.

ومعسكر أخر فضل الوقوف على الحياد، وإن كان منهم من يميل لدعم روسيا، ويبدو أنه أكتفى بالحياد حفاظًا على مصالحه مع الغرب.

نجد دولاً في أمريكا الجنوبية، مثل البرازيل، ورئيسها بولسانارو الذي زار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قبل بدء غزو أوكرانيا، حيث التقى به في الكرملين في ١٦ فبراير الماضي.

وموقف بولسونارو من الحرب الجارية، هو الحفاظ على الحياد، وعدم الانحياز لأي طرف، ونقلت وسائل الإعلام البرازيلية تصريحاته حيث قال: "لا لعقوبات أو إدانة للرئيس بوتين … صوت البرازيل لا تحدده أي دولة، وهو ليس مرتبطاً بأي دولة. تصويتنا الحر سيكون في هذا الاتجاه. موقفنا مع وزير خارجيتنا كارلوس فرانكا هو الحفاظ على توازن، ولا يمكننا التدخل. نريد السلام لكن لا يمكننا السماح بأن نتأثر بالعواقب هنا في البرازيل".

وأعلنت الأرجنتين أنها لا تنوي فرض عقوبات على روسيا. كذلك امتنعت بوليفيا والسلفادور وكوبا عن التصويت ضد روسيا.

بالإضافة إلى فنزويلا حليفة روسيا، وأعرب الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو عن دعمه القوي لروسيا واستنكر نشاط الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي المزعزع للاستقرار، وشدد على أهمية محاربة حملة الأكاذيب والتضليل التي أطلقتها الدول الغربية بحسب وصفه.

وأشار أن الرئيس بوتين شاركه رؤيته للوضع فيما يتعلق بأوكرانيا، وأكد أن أهداف العملية العسكرية الخاصة تتمثل في حماية السكان المدنيين في دونباس، واعتراف كييف بجمهوريتي دونيتسك ولوغانسك، بحسب وصفه.

وموقف المكسيك ليس ببعيد عن موقف فنزويلا، حيث رفض الرئيس المكسيكي أندريس مانويل لوبيز أوبرادور، فرض أي نوع من العقوبات على روسيا، بما في ذلك حظر وسائل إعلام روسية. وقال : "لن نتخذ أي إجراء انتقامي ذا طابع اقتصادي، لأنه ينبغي علينا أن نحافظ على علاقات جيدة مع جميع حكومات العالم، ونريد أن نكون قادرين على التحدث مع الأطراف المتنازعة".

كذلك امتنعت باكستان عن التصويت ضد روسيا، رغم أن باكستان حليف تقليدي للغرب، وهاجم رئيس الوزراء باكستان عمران خان، السفراء الغربيين في إسلام أباد الذين حثوا باكستان على إدانة غزو روسيا لأوكرانيا، وسألهم: ماذا تعتقدون؟ هل نحن عبيد لكم ... نفعل أي شيء تقولونه؟".

وانضمت الهند العدو التاريخي لباكستان، لقافلة الممتنعين، ويبدو أنها أثرت على سريلانكا وبنغلاديش، فامتنعوا عن التصويت. ولم تنتقد الهند روسيا بشكل مباشر أبداً، وتتمتع بعلاقات جيدة مع كل من واشنطن وموسكو.

أما صربيا، فأكد رئيسها ألكسندر فوتشيتش، أن بلاده ترفض دعم العقوبات الغربية ضد روسيا، على الرغم من الضغوط السياسية الخارجية التي تمارس عليه، وأن العقوبات ضد روسيا ليست في دائرة المصالح الحيوية لصربيا.

لم تكن بعض أسماء الدول المدرجة في قائمة الممتنعين عن التصويت مفاجئة، كدول آسيا الوسطى مثل كازاخستان وطاجيكستان وقرغيزستان وأرمينيا. لأنهم حلفاء روسيا.

أما المفاجأة كانت في امتناع بعض الدول الأفريقية عن التصويت ضد روسيا، مثل الجزائر والسنغال ومالي والكونغو وجنوب أفريقيا والسودان وموزمبيق. يبدو أن روسيا صارت تتمتع بعلاقات جيدة مع بعض الأفارقة، أو أن بعض الأفارقة يرفضون السير في فلك الناتو.

كما أعلن المتحدث الرسمي لرئاسة الجمهورية المصرية أن اتصالًا هاتفيا جمع بين الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي والرئيس الروسي، بشأن سبل تعزيز مختلف أطر التعاون الاستراتيجية بين البلدين الصديقين من خلال المشروعات المشتركة التنموية الجارية بينهما، وأكدا الجانبان على متانة علاقات التعاون التاريخية والراسخة التي تجمع بين مصر وروسيا في مختلف المجالات. وفي ذلك إعلان أن مصر لن تنضم للدول التي تفرض عقوبات اقتصادية على روسيا.

فهل يستطع المناوئون لسياسات حلف الناتو تأسيس تحالف سياسي، حتى وإن لم يكن في جوهره تحالف عسكري ؟.
Écrire à Omar Mohamed ElSherif

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى