د. علي خليفة - مسرحية الضفادع للشاعر الإغريقي أرسطوفان "446 ق. م – 386 ق.م"

ربما لم تكن مسرحية "الضفادع" لأرسطوفان أفضل مسرحياته من ناحية الجودة الفنية، ولكنها مع ذلك أشهر مسرحياته، وفيها يقوم ديونسيوس إله الخمر الوثني عند اليونان برحلة للعالم الآخر كما تخيله أرسطوفان من مفهومه لعقيدة اليونانيين الوثنية آنذاك، وقد أرشده لهذه الرحلة ودله على ما يجب عليه اتباعه فيها هيراكليس، وصحب معه فيها أحد العبيد، وكان الغرض من هذه الرحلة إعادة أحد الشاعرين الكبيرين من كتاب المأساة: أيسخيلوس أو يوربيديس للحياة؛ لأنه لم يعد هناك شعراء كبار يكتبون المأساة بعد موتهما.
وتنقسم المسرحية من حيث بناؤها قسمين: القسم الأول منها نرى فيه استعداد ديونيسوس وتابعه للرحلة، ثم قيامهما بها في عالم الموتى، كما تصوره عقيدة اليونانيين آنذاك، ويركب ديونيسوس زورقًا يعبر به بعض المستنقعات، ويسمع خلال ذلك نقيق الضفادع، ومن هنا سُميت المسرحية باسم الضفادع. أما عبده فلا يسمح له بركوب الزورق، بل يسير على قدميه حول هذه البحيرة.
وخلال هذه الرحلة في عالم الموتى يشاهدان بعض المشاهد الغريبة لأناس يعذبون لجرائم ارتكبوها في حياتهم، وكذلك نراهما يقومان بكثير من المواقف الطريفة مع بعض سكان عالم الموتى. أما القسم الثاني من هذه المسرحية ففيه يقوم ديونيسوس بمتابعة المناظرة بين أيسخيلوس ويوربيديس؛ ليحكم من منهما أمهر من الآخر، ويستحق أن يكون سيد المأساة، ويعيده معه للحياة، ونرى عند ذلك مساجلة قوية بين الشاعرين، فيهاجم كل واحد منهما صاحبه في مسرحه، ويتحدث عن مزايا مسرحه.
وتنتهي المسرحية بانتصار أيسخولوس على يوربيديس؛ لأنه أكثر اهتمامًا من يوربيديس بالقيم والفضائل وأشد وَقَارًا في مسرحه ، وهذا مهم في التربية. أما يوربيديس فأكثر واقعية في عرض واقعه بما فيه من مظاهر للرذيلة، وأمهر في بناء المسرحية، ولكنه – في رأي أرسطوفان – أبعد ما يكون عن التربية القويمة للشباب.
وتعد هذه المسرحية من أقدم الأعمال الأدبية التي فيها تصور لعالم الموتى حسب عقيدة اليونانيين الوثنية آنذاك، ونرى بعد ذلك أعمالاً أدبية أخرى فيها تصور للعالم الآخر حسب معتقد كل أديب ممن كتبوا أعمالاً أدبية يعرضون فيها تصورهم لهذا العالم الآخر، "كرسالة الغفران" لأبي العلاء المعري، و"الكوميديا الإلهية" لدانتي.
وكذلك تعد مسرحية "الضفادع" من أقدم الأعمال الأدبية التي يتخللها نقد فني، ويبرز في هذه المسرحية قيمة أرسطوفان الكبيرة كناقد يحلل مسرحيات أيسخيلوس ويوربيديس، وإن كنا نرى تحيزه لأيسخيلوس لاعتبارات أخلاقية وليست فنية، فيوربيديس كما يبدو – حتى من نقد أرسطوفان له في هذه المسرحية – أعلى قيمة فنية في مسرحه من أيسخيلوس بكثير بما أدخله على المأساة من تطوير جعلها أقرب لتصوير الواقع، وفيها حركة وصراع محتدم، وليس فيها مساحة كبيرة لأناشيد الجوقة الغنائية، وليس فيها أيضًا الألفاظ الغريبة كالتي يستخدمها أيسخيلوس في مسرحه.
وكذلك تأتي أهمية هذه المسرحية في أنها تصور لنا حال المأساة في اليونان بعد وفاة كتابها الكبار الثلاثة أيسخيلوس وسوفوكليس ويوربيديس من تدنٍّ، وفيها أيضًا يذكر أرسطوفان عددًا كبيرًا من كتاب المأساة اليونانية ممن لم تصلنا مسرحياتهم، وهذه قيمة تاريخية مهمة لهذه المسرحية تضاف لمزاياها العديدة الأخرى.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى