أمل الكردفاني- دويتو العظماء: جان كوكتو وعايدة هلال

"لقد صنعا يومي كما يقولون"..

ماذا لو استمع الأديب الفرنسي الكبير جان كوكتو لمسرحيته "صوت الإنسان" بصوت عايدة هلال، الممثلة اللبنانية المصرية، كما استمعت أنا؟ ماذا تراه يقول عن ممثلة فائقة العظمة، وهي تمثل أصعب مسرحية يمكن لممثل أن يمثلها.
إن الأعمال الأدبية الخالدة لا يسهل تمثيلها إلا بممثلين خارقي القدرات.
مسرحية "صوت الإنسان" تتم عبر ممثلة واحدة تتحدث إلى حبيبها في التلفون حديث الوداع الأخير. امرأة تحاول التماسك بقدر المستطاع لتمنع عن قلبها التوقف عندما يتصل بها حبيبها السابق ليودعها الوداع الأخير. حديثهما كان طويلاً جداً لأكثر من ساعة، نسمع فيه صوت البطلة، ولا نسمع صوت الحبيب. نسمع جزعها، وصبرها وموتها البطيئ. الحوار (من الطرف الواحد) كان عملاً إبداعياً بحق. الحوار الذي يتم أيام التلفونات القديمة حيث تشتبك الخطوط مع بعضها البعض، ويتداخل أشخاص غرباء في اتصالاتنا الخاصة. كانت تلك التشابكات تهز المرأة العاشقة حد الفجيعة، فتعلوا نبضاتها ويتهدج صوتها كي لا ينقطع صوت حبيبها، كانت توترات عايدة هلال الصوتية، تكشف عن ممثلة قامة، ممثلة لا تمثل بل تتقمصها روح الشخصية كما يحدث للسحر الذين يتصلون بالآلهة. تتحول عايدة إلى عاشقة مفجوعة، امرأة تموت ببطء كلما اقتربت ساعة الصفر. وهذا ما حدث بالفعل. فحين انهى الحبيب الخائن اتصاله، لفظت المرأة آخر أنفاسها.
جان كوكتو الأديب والفيلسوف الأدبي، ملأ الحوار بالطبيعية، واكتفى بالقليل من الجمل الفلسفية التي تبدو ببراعة ناتجة عن امرأة تودع روحها. لم يكن في الحوار تكلف أو صناعة. وكان هذا في حد ذاته فلسفة قائمة بذاتها.
قدمت إذاعة البرنامج الثقافي المصرية هذه المسرحية، وكان تقديم المسرحية من قبل أنور لوقا ( 1927- 2003 ) وهو الكاتب والمفكر وأستاذ اللغة و الأدب العربي بجامعة ليون الفرنسية، وكان تقديمه عظيماً بقدر لا يقل كثيراً عن عظمة المسرحية وممثلتها، ليفتح عبرها باب التأويل الفلسفي لهذا العمل الأدبي الخالد رغم قصره. هذا إذا وضعنا في الاعتبار عنوان المسرحية الملهم: "صوت الإنسان" La voix humaine.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى