أمل الكردفاني- أخطاء في حوارات الحب

إنني كثيراً ما ألاحظ -اثناء مشاهدتي لبعض الأفلام- وجود أخطاء في حوارات الحب. غالباً ما لا أستطيع تمييز الخطأ على نحو دقيق لكنني أشعر بأن هذا الحوار الذي يبدو عاطفياً لو كان على الواقع فلن يقود بأي حال إلى النتيجة التي قاد إليها في الفيلم. المسألة ليست مجرد إحساس مجرد عن المنطق ولكن لأن أي حوار عاطفي بين رجل وامرأة هو عبارة عن أنساق ثقافية ونماذج أو برادايمات سيكولوجية وسوسيولوجية شكلت انفعالات متميزة لكل من الرجل والمرأة تجاه حديث الحب. وأحيانا يكون من البليغ جداً أن يدور حوار صامت، أو حوار لا علاقة له ببث اللواعج والشجون، لكنه يخفي ضغطاً وشحناً عاطفياً ما. بشكل عام هناك كلام يقلق المرأة ولا يجعلها تشعر بالارتياح ومن ثم لا تنقاد عبر هذا الكلام الذي من المفترض أن يقود إلى نتيجة بسيطة وهي مزيد من التقارب بين رجل وامرأة. هناك خطأ ما لا يستشعره الكاتب للحوار، ويبدو ان الممثلات لا يحبذن لفت انتباه السيناريست أو المخرج إلى الخطأ في هذا الحوار، هذا إذا افترضنا أن الممثلة تعرف أن هناك خطأ ما، خاصة عندما نعرف بأن التمثيل ليس محاكاة بقدر ما هو تشخيص. هل حقيقة يمكن للمرأة أن تهتم بكلام يقوله لها رجل إذا كان كان هذا الكلام مبتذل؟ هل يحتاج الفيلم لحوار أكثر عمقاً، أكثر رومانسية؟ هل يحتاج الحوار لأن يكتبه شاعر؟ ليس هذا ضرورياً ولكن من الضروري على كاتب الحوار أن يضع القواسم المشتركة عند النساء فيما يتعلق بردود أفعالهن تجاه الخطاب الذكوري، الخطاب الذي يعري فيه رجل عاطفته المختبئة. هل تنقاد المرأة بسهولة تجاه خطابات الحب التقليدية والمباشرة؟ هذه مسألة شائكة وربما تخضع لجدل تأملي. لكن كاتب الحوار يجب أن لا يضع المشاهد في حالة تساؤل حول هذه المسألة، بل يجب ان يقوده بسلاسة نحو النتيجة. هذا بالطبع إن لم يكن ذلك الوضع مقصوداً لغرض فني.
إن صافرة البداية مهمة جداً، وعندما تكتب حواراً عن حب سيبدأ في التو واللحظة فأنت -ككاتب- ستحتاج لطاقة أكبر مما لو كنت في منتصف الطريق أو نهايته. كيف سيقنع البطل المرأة بحبه؟ هذا سؤال سيجد عدة معالجات لإجابته، مثل المعالجات الكلاسيكية، كأن يدافع البطل الذي لا يعرف المرأة عنها ويضرب المعتدين الذي حاولوا التحرش بها، أو يصطدم بها فتسقط كتبها فيجثوا ويجمعها لها ليبدأ حوار يقود إلى حب، وأحياناً يمكن أن يختصر الحوار كل تلك الصعوبات الفنية إذا كان ذكياً، أي (1) إذا كان المدخل يبدو طبيعياً وليس مفتعلاً، (2) وإذا كان بطيئاً، أي يأخذ وقتاً بفضل عدة وقائع قبل أن يصل إلى ساعة الصفر (لحظة الاعتراف). (3) وإذا كان متدرجاً بسلاسة بحيث لا يحدث أي سوء فهم أو ذعر بين الطرفين أو عدم منطق منفر.
سأستخدم حواراً من إحدى قصصي القصيرة وسأحاول تعديله للكشف عن نقاط القوة والضعف في هذا الحوار:
مع ملاحظة مهمة وهي أن الحوار هنا عبارة خيال البطل، وهذا الفرق مهم جداً فخيال البطل يمكن أن يجعل البداية مقبولة، ويجعل هذا الحوار مفضياً إلى نتيجته. وسنرى ما إذا كان الحوار سيختلف لو أنه كان حواراً حقيقياً.
...
كان قلبه ينتفض، حين أوقفها وقال وهو متأكد من أنها لا تفقد ابتسامتها أبداً:
- هل تتذكرينني؟
كانت هناك قطرة عرق قد انجرفت من جبهته وابتلعها جفناه فشعر بالحريق، وبرغم ذلك تجاهل الألم حين رفعت رأسها قليلاً ثم حنته إلى جانبه الأيسر وتأملت ملامحه:
- الغاز.. أنبوبة الغاز..
ضحك وقال:
- بالفعل..
كانت الفتاة الأخرى التي ترافقها تبدو غاضبة بلا سبب، ربما كانت حقودة قليلاً، فهو بالكاد يلحظها.
قالت:
- نعم.. هل انقطع الغاز مرة أخرى..
طوح براسه وأجاب:
- (لا.. لقد جئت لمهمة سرية وخطيرة)..
صمتت قليلاً فأضاف:
- نعم.. سرية وخطيرة.. ولكن يمكنني إخبارك أنت وحدك إن كنت مهتمة..
قالت بمرح:
- أنت مخابرات؟
هز رأسه نفياً:
- لا لا..
ثم دفعها من كتفها بخفة وهو يهمس:
- تعالي..
مضت معه خطوتين، لكنه لم يتحمل فقال:
- جئت أبحث عنك.. منذ ذلك اليوم وأنا آتي إلى هنا علِّي أقابلك..
ضحكت بفمها الجميل وقالت بشك مفتعل:
- حقاً؟!!
قال:
- ألا تصدقيني؟
قالت:
- لا..
أخرج هاتفه واتصل على صديقه ثم فتح السماعة الخارجية وقال:
- أيمن..
- نعم..
- لماذا آتي كل يوم إلى هنا؟
- لتبحث عن الفتاة..
- اي فتاة؟
- الفتاة التي قابلتَها في محل أنابيب الغاز في حي الزهور..
أغلق الهاتف ثم رفع يده فالتفتت هي ورأت يداً تخرج من نافذة سيارة تقف على البعد.
عادت ونظرت إليه ثم قالت:
-صدقتك..صدقتك..صدقتك..صدقتك..صدقتك..صدقتك..صدقتك.. صدقتك..
...
لقد وضعت قوسين بين جملة:
(لا.. لقد جئت لمهمة سرية وخطيرة)..
لو كان الحوار حقيقياً، فمن السيئ جداً أن يستخدم الكاتب هذه الجملة، لكن الحوار هنا متخيل لدى بطل القصة، وبالتالي فهو يعتقد -نتيجة خياله- أنه سيقود حتما إلى النتيجة وهي تصديق الفتاة له.
أما لو كان كان الحوار يتم بين البطلين حقاً فمن الأفضل أن يبدأ بحذف ما سبق والبدء مباشرة بجملة:
- جئت أبحث عنك.. منذ ذلك اليوم وأنا آتي إلى هنا علِّي أقابلك..
إن الجملة الأولى تتضمن مغامرة أكبر، فقد تعتقد المرأة أن هذا الشخص أبلها، أو فيه شيء من الحماقة، أو ربما تشعر بالفزع، في حين أن العاشق الحقيقي لن يخاطر. كما أن الجملة الأولى حقاً تبدو سخيفة وطفولية (على الأقل بالنسبة لي). وتبدو الثانية جادة ورصينة ومباشرة ومختصرة ومكثفة. وتضع المرأة في صلب المعضلة مباشرة.
هناك ميزة لا يمكن إهمالها للجملة الأولى وهي أنها جملة تجسيرية، أي تعتبر جسراً يمهد للدهشة المتسائلة لدى المرأة، مع ذلك فإنني لو قصدت ذلك لمنحتها تفرداً أكبر، لكنني هنا أقصد أن تكون جملة بسيطة وساذجة رغم أنها تجسيرية، حتى تعكس القصة حقيقة الحوار الذي يدور فقط في خيال البطل.
إن الجمل التجسيرية يجب أن تكون عميقة.. ولنتخيل مثلاً أنها لم تكن:
(لا.. لقد جئت لمهمة سرية وخطيرة)..
بل كانت:
(- لا.. لقد جئت لأنني لم أعد أحتمل كتمان السر.. كان عليَّ أن أراك.. لأخبرك بالحقيقة)..
هذه جملة أفضل، ويمكنها أن تخلق تنويعات مستقبلية، أن تمهد لقضية خطرة بدون سذاجة.. فالجمل الجيدة تفرز تداعيات من الجمل التي تشكل حوارات أكثر سلاسة.
إن المدخل دائما يحتاج لقليل من الصبر سواء عند الكتابة او حتى في الواقع، أي حينما يحاول الرجل إظهار عاطفته لأنثى.
لكن.. في كل الأحوال لا بد من الحوار، لأن الحوار هنا سيؤدي (ككل) وظيفة تجسيرية بين مشاهد الفيلم. فإذا كان الفيلم رومانسياً، فلا يمكن أن يبدأ من علاقة متحققة مسبقاً. إن العلقات التي تشكلت بدون حاجة إلى مشاهد خاصة بها في الفيلم تعكس وظيفة أخرى، مثل الوظيفة الإجتماعية أو العلاقات المساندة لعلاقة ما لم تتشكل بعد..الخ.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى