إيتجار كيريت - شيركي.. ت: شادي عبد العزيز

هذا روفين شيركي، شخص رائع، رجل ذو خطة، شخص لديه الشجاعة ليعيش أحلاماً لا يجرؤ أغلبنا على مجرد الحلم بها، شيركي بالغ الثراء، ولكن ليس هذا ما أعنيه، لديه صديقة كذلك، عارضة أزياء فرنسية، تقف للتصوير عارية لحساب أفضل المجلات المصقولة في العالم (إذا لم تستمنِ قبالتها فلأنك فقط تعجز عن شرائها)، ولكن هذا لا يجعل منه الرجل الذي تتطلعون إليه كذلك، ما يجعل شيركي مميزاً، أنه يختلف عن العديد من مشاهير الناجحين، فهو ليس أذكى منك، ولا أوسم، ولا يتمتع بعلاقات أفضل، وليس أكثر دهاءً، وهو لا يفوقك حظاً أيضاً، شيركي يشبهك ويشبهني تماماً - أعني تماماً – من كل النواحي، وهذا ما يجعلك بالغ الغيرة، كيف بلغ شخص مثلنا هذا الحد؟، والأحمق هو من يبرر ذلك بالتوقيت أو الاحتمالات، سر شيركي أكثر بساطة بكثير: لقد نجح لأنه استغل عاديته حتى أقصاها بدلاً من إنكارها أو محاولة إخفائها، قال شيركي لنفسه: هذا هو أنا، وهذا كل ما في الأمر، لم يحاول المبالغة أو التقليل من ذاته، لقد قام فقط بمجاراتها، ناتيورال، اخترع أشياءً عادية، وأشدد على ذلك، عادية وغير مبهرة، وذلك ما تحتاجه البشرية بالضبط، قد تناسب الاختراعات العبقرية أناساً عباقرة، ولكن كم من العباقرة في هذا العالم؟، أما الاختراعات العادية فتصلح للجميع.

كان شيركي جالساً يوماً ما في غرفة معيشته يأكل زيتوناً محشواً بالفلفل الحلو، ولم يكن راضياً عن الزيتون المحشو، أحب الزيتون نفسه أكثر مما أحب حشو الفلفل الحلو، ولكنه فضل الفلفل الحلو على النواة الأصلية الصلبة والمرة كذلك، وهكذا خطرت له الفكرة – الأولى في سلسلة أفكار ستغير حياته وحياتنا – الزيتون المحشو بالزيتون، هل هناك ما هو أبسط؟، زيتونة تخلو من النواة، ومحشوة بزيتونة أخرى، استغرقت الفكرة فترة بسيطة لتشتهر، ولكن عندما حدث ذلك استعصى انصرافها عن الذهن، تماماً ككلب (البيتبول) عندما يطبق بفكيه على كاحل ضحيته، وبعد الزيتون المحشو بالزيتون، جاء الأفوكادو المحشور بالأفوكادو، ثم كانت مفخرته الحُلوة النهائية، المشمش المحشو بالمشمش، وفي أقل من ست سنوات، فقدت كلمة (حشو) أحد معانيها، وأصبح شيركي مليونيراً بالطبع، وانتقل بعد مكاسبه في الصناعات الغذائية إلى تجارة العقارات، دون بصيرة خاصة في ذلك المجال أيضاً، فقط تأكد من شراء عقارات غالية الثمن، ولكن خمنوا ما حدث، لقد ارتفع سعرها خلال عام أو عامين، وهكذا نمت ممتلكات شيركي بمرور الوقت، ووجد نفسه مستثمراً في كل شيء تقريباً، باستثناء التكنولوجياً، كان هذا مجالاً أرجأه لأسباب بدائية جداً لم يستطع مجرد التعبير عنها بالكلمات.

وكما هو الحال مع كل شخص عادي، غيّر المال شيركي، زاد امتلاء خديه، وزادت سمنته، وزادت عاطفيته، باختصار زاد كل شيء، لم يهيم به الناس، ولكنه لم يمقتوه كذلك، وهذا أمر يستحق الانتباه، ذات مرة في مقابلة تلفزيونية كانت شخصية إلى حد كبير، سأل المحاور شيركي إذا ما كان يرى العديد من الطامحين ليصبحوا مثله، "لا داعي لأن يطمحوا" كان نصف ابتسامته للمحاور ونصفها الآخر لنفسه حين قال ذلك، "إنهم مثلي بالفعل"، وامتلأ الاستوديو بتصفيق عاصف دوّى صادراً عن جهاز خاص اشتراه منتجو البرنامج خاصةً لمثل هذه الإجابات الصريحة.

تخيلوا شيركي في كرسيه ذي الذراعين على سطح حمام سباحته الخاص، يحرك ضجراً قطعة من الخبز الشامي في طبق من الحمص، ويشرب كأساً من العصير الطازج، بينما تتشمس صديقته ملفوفة القوام عارية على مرتبة هوائية، والآن حاولوا أن تتخيلوا أنفسكم في موضعه، ترشفون العصير الطازج، تقذفون حلوى ما للفتاة الفرنسية العارية، هذا سهل، أليس كذلك؟ والآن حاولوا تخيل شيركي في موضعكم، في موضعكم بالضبط، يقرأ هذه القصة، ويفكر فيكم هناك في قصره، ويتخيل نفسه جالساً جوار حمام السباحة في موضعكم، وفجأة، ها أنتم مرة ثانية تقرأون قصة، وهو هناك مرة ثانية، بالغ العادية، أو كما تحب صديقته الفرنسية أن تقول "تري ناتيورال"، يأكل زيتونة أخرى، لا يبصق حتى النواة، لأنها غير موجودة.



* عن صفحة هامش الترجمة

إيتغار كيريت

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى