علي حسين - دعونا نتفلسف.. الفيلسوف الذي أنجز أعظم الكتب فـي الفراش (2)

في العام 1633 ،كان رينيه ديكارت قد اتم الثامنة والثلاثين من عمره ، حين قرر ان ينشر اول كتبه وكان بعنوان "العالم" اراد من خلاله ان يجسد الرؤية التي استحوذت عليه قبل خمسة عشر عاماً، حين وجد نفسه جنديا غير متحمس للقتال ، فقرر ان يرحل الى فرانكفورت غير ان الشتاء :" اعاق رحلتي فاحتجزني في غرفة لايوجد فيها من احادثه ، لكني كنت سعيد الحظ ، فلم تكن عندي اية مشاعر او مخاوف تؤرقني ، لذلك قضيت وقتي وحيدا في غرفة دافئة ما اتاح لي حرية التفكير في آرائي الخاصة ومناجاة نفسي حيث زارني في ذلك العام حلم هبط عليَّ من السماء فسمعت قصف الرعد ، انه نداء الحقيقة ، أصخت اليه فتملك نفسي" .

وقد فسر هذه الرؤيا على انها وحي مقدس لمهمته في الحياة : كشف النقاب عن المهمة الأساسية للفلسفة ، لقد غيرت الأحلام التي راودت ديكارت في غرفته الدافئة، الفلسفة الغربية كلها الى الأبد، وقد سجل كتاب سيرة ديكارت انه في تلك الليلة "اسس العلم العجيب" وانه شرع في تاسيس فلسفة متكاملة .
الا انه في اللحظات الاخيرة يقرر اتلاف كتاب "العالم" بعد ان علم ان الكنيسة دانت العالم الايطالي غاليلو غاليلي الذي كان قد اصدر رسالة علمية تؤيد نظرية كوبرنيكوس قال فيها إن الأرض كوكبٌ صغير يدور حول الشمس مع غيره من الكواكب، وقال ديكارت لأحد مقربيه :"ليس من الحكمة ان يفقد المرء حياته عندما يكون بامكانه انقاذ حياته دون خزي " . كان غاليلو المولود عام 1564 قام بإثبات خطأ نظرية أرسطو حول حركة الكواكب ، وقام بذلك عن طريق التلسكوب الذي صنعه .حيث استطاع اظهار كون لم يعهده العالم ، عندها طلبت منه الكنيسة ان يتوقف عن نشر افكاره التي تتعارض مع الكتاب المقدس ، لكنه لم يمتثل للأمر ، لأنه كان مقتنعا بما يقوله . كان غاليلو احد مهندسي نظرية الشك ، وفي رسالته التي وجهها الى رجال الكنيسة ابتدأها بالكلمات التالية: "منذ سنوات وكما تعلمون اكتشفت في السماوات اشياء كثيرة لم نشاهدها من قبل"، وفي النهاية استدعي الى المحكمة التي عقدتها الكنيسة وهناك عرضت عليه ادوات التعذيب ، ثم طلب من نفي النظرية التي تقول أن الارض تدور حول الشمس ، فأذعن، لكن القصة لم تنته ، فقد همس اثناء خروجه من بناية المحمكمة " لكنها مع ذلك تدور" .كان غاليلو قد تجاوز السبعين من عمره حين فرضت عليه أقامة جبرية في منزله ليصاب بالعمى لكنه لم يصب باليأس فيقرر ان ينشر كتابه "عامان جديدان" وهو اول عمل عظيم في الفيزياء الحديثة على حد وصف نيوتن الذي كتب في مقدمة كتابه الشهير "حول حركة الأجسام " : " أنا لا أعرف كيف أبدو للعالم، غير أني أرى نفسي كصبي يلعب على شاطئ غاليلو ، الذي ترك لنا محيطا كبيرا من الحقائق " ، بعد خمسة اعوام يموت غاليلو في عزلته المفروضه عليه ، فيصدر البابا قرارا بمنع إقامة قداس له ، لأن اية كلمة عليه ستكون إساءة لسمعة الكنيسة .
كان غاليلو في شبابه قد درس ابيقور، وحاول ان يؤلف كتابا عن مفهوم السعادة، اراد ان يقول فيه ان واجب العلوم هي ان تنقذنا من النماذج الخاطئة للسعادة ، ستقوم الفلسفة كما يعدنا أبيقور بارشادنا الى علاجات ارقى ، والى السعادة الحقة .
في سن الخامسة والعشرين ، عثر على كتاب ارسطو "ماوراء الطبيعة" وقال لأحد مقربيه انه يسعى لطرد الأرواح الشريرة التي تسكن عالم ارسطو ، ويكتب في رسالة الى الاب كريستوفر كلافيوس ان الفلاسفة الاغريق يظنون ان الاجسام تتحرك بدافع من مشاعر ورغبات تشبه مشاعر ورغبات البشر ، ولهذا اسعى لان اقدم تفسيرا جديدا يوضح لنا كيف تتحرك الاشياء في هذا الكون، وحين يحذره صديقه من الخوض في هذه المسائل الشائكة يعود ليكتب اليه : "الانسان الذي يدعى عدم استعداده لتقبل الفلسفة بعد ، يشبه الانسان الذي يقول صغير جدا او كبير جدا على الحقيقة " . وفي نفس الوقت الذي اتجه فيه غاليلو الى التفسير العلمي للطبيعة ، كان الطبيب البريطاني وليم هارفي يقوم بدراسة الأوعية الدموية وانتهى الى المبدأ الذي بنى ديكارت عليه قراره في ان الجسم البشري ذو تركيب ميكانيكي ، وانه شبيه بالاجسام التي تركبها صناعاتنا .
************
توفيت امه بمرض السل بعد اشهر قليلة من ولادته ، وتوقع الأطباء موته المبكر ، لأنه ورث شحوب الوجه ومرض ضيق الصدر عن امه ، كان ابوه موظفا كبيرا في دائرة من دوائر البلاط الملكي ، وقد سلمه الى مربية منعته من الاختلاط بالأطفال واللعب معهم ، فنشأ نتيجة هذه العزلة بمزاج انثى ، رقيقا ميالا الى العزلة ما جعل اباه يناديه ساخراً :"فيلسوفي الصغير" ، ولما بلغ الثامنة من عمره ادخل المدرسة ، وكان معلموه ينصحونه بإراحة جسمه وتمرين عقله ، فاجازوا له البقاء في الفراش طويلا ، ما ساعده على الاهتمام بقراءة الادب الكلاسيكي او كما يخبرنا هو :"لأقوم بجولات فكرية في الماضي السحيق فآخذ بطرف الحوار مع النبلاء الطاعنين في السن"، ترك المدرسة بعد ان بلغ العام السادس عشر ، ليقوم بنزهات طويلة حيث سافر الى باريس وهناك ادمن لعب القمار ، واستغل موهبته في الرياضيات ليربح في المقامرة ، وخلال السنوات الست التي قضاها في باريس ظل نشاطه الفكري مشتتا ، ويخبرنا في الفصل الثالث من كتابه " مقال في المنهج " انه حاول ان يفكر في طريقة جديدة لجعل الفلسفة تقترب من هموم الناس :"مرت السنوات الست دون ان اتحيز الى اي جانب فيما يخص المسائل التي يناقشها المثقفون ، او دون ان اشرع في البحث عن اسس أية فلسفة اكثر يقينا من من الفلسفة المتفق عليها ، فالمثال الذي كان امامي للمفكرين الكبار الكثر الذين سبق ان خاضوا في هذا المشروع ، ولم تكلل جهودهم بالنجاح على حد علمي ، جعلني اتخيل ان الصعوبات ستكون كبيرة جدا لدرجة انني لن اجرؤ على البدء في مشروعي الفلسفي". ويخبرنا كاتب سيرته ان ديكارت بعد هذه السنوات عكف على وضع منهج لتوحيد العلوم ، وفي الوقت ذاته قام ببيع املاكه في فرنسا والتي ورثها عن ابيه لتدبير المال اللازم للعيش وذلك كما يقول من اجل "التحرر من التزام كسب الرزق من علمي"، ومكنه الفراغ من النوم لساعات طوال ، حيث كان يلازم فراشه حتى الظهيرة حتى عرف بالفيلسوف الذي ينجز أعظم الكتب في الفراش ، وكان يقدر قيمة ما يتمتع به من فراغ اتاح له العيش دون هموم على حد قوله ، وجعله بعيدا عن الصراعات حول المناصب والوظائف ، فرفض ان يصبح استاذا في الجامعة ، لان الجامعات كانت مراقبة من قبل الكنيسة ، وقرر ان لاتكون له اية ارتباطات اجتماعية والا يتزوج حتى لايعيقه ذلك عن انجاز ما تعهد به من الارتقاء بالفلسفة وفقا للحلم الذي لم يفارقه لحظة واحدة ، وحين سئل لماذا لايتزوج اجاب : "ما من جمال يقارن بجمال الحقيقة " ويعبر ديكارت عن نظرته الساخرة من الزواج بقوله :"عندما يبكي الزوج زوجته التي ماتت ، برغم ذلك فهو يشعر بسعادة خفية في اعماق نفسه لانه تخلص من سجن الزوجية" .
وبعد ثلاث سنوات من التجوال والسياحة يضع ديكارت كتابه الاول "مقال في المنهج" وقد اصبح هذا العمل فيما بعد واحدا من ابرز كلاسيكيات الفلسفة حتى يومنا هذا ، وبعد عشر سنوات عام 1647 نشر كتابه "تأملات في الفلسفة الاولى" الذي وضعته المحكمة ضمن قائمة الكتب المحظورة قراءتها على الكاثوليك .
************
يقال دائما ان الفلسفة الحديثة قد بدات مع ديكارت ، الذي ادرك منذ البداية ان الاحتياج العظيم في الفلسفة هو صياغة منهج دقيق للبحث ، ولأنه كان مولع بالرياضيات منذ الصغر ، فقد انتهى الى انه يمكن ابتكار منهج للفلسفة يشبه المنهج الذي يستخدم في الهندسة ، وفي كتابه " مقال عن المنهج " يضع لنا وبطريقة مبسطة اربع قواعد يحددها كالاتي:
1- " لا اقبل شيئا على انه حق ، ما لم اعرف بوضوح انه كذلك ، اي يجب ان أتجنب التسرع وعدم التشبث بالاحكام السابقة ، وان لا ادخل في احكامي الا ما يتمثل لعقلي في وضوح وتركيز يزول معهما كل شك".
2-" ان أقسم كل واحدة من المشكلات التي ابحثها الى اجزاء كثيرة بقدر المستطاع وبمقدار ما يبدو ضروريا لحلها على احسن الوجوه".
3- "ان ارتب افكاري ، فابدأ بالامور الاكثر بساطة وايسرها معرفة ، حتى اصل شيئا فشيئا ، او بالتدريج إلى معرفة اكثرها تعقيدا ، مفترضا ترتيبا حتى لو كان خياليا بين الامور التي لايسبق بعضها بعضا".
4- ان اعمل في جميع الاحوال من الاحصاءات الكاملة والمراجعات الشاملة ما يجعلني على ثقة من انني لم اغفل شيئا .
لقد كانت صياغة المنهج بالنسبة لديكارت خطوة اولية واساسية ، فقد كان يطمح إلى اكتشاف ما عساها ان تكون معرفة الاشياء الموجودة التي يمكن بلوغها باليقين ، وكان يعتقد ان الكثير من المعلومات التي حصل عليها زائفة ، ولم تكن لديه وسيلة لتميزها ، حتى وجد منهجا خاصا به ، وعندما اصبح لديه منهج بادر باستخدامه في التأمل الاول من كتابه "التاملات".
وذلك ما فعله بطريقة بارعة اذ شرع في الشك في كل شيء يمكن الشك فيه ، لكي يكتشف ما هو على يقين منه بصورة مطلقة ، لانه لايستطيع ان يشك فيه بدون ان يفترض وجوده ، لقد وجد ان الحواس تخدع الانسان باستمرار ، ولذلك من الافضل عدم الثقة بها ، لقد تذكر انه حلم في ليلة انه يرتدي عباءته ويجلس قرب النار ، بينما كان نائما في فراشه ، فربما يكون يحلم الان ، وقد لايكون على الاطلاق في المكان الذي يفترض نفسه فيه في الواقع ، لذلك وجد ديكارت انه من الممكن نظريا الشك في شهادة حواسه ، وذاكرته وافكاره ووجود العالم الخارجي ، لكنه وجد شيئا لايمكن الشك فيه ، وهو واقعة وجوده الخاص :"انا افكر اذن انا موجود" ، ويسأل ديكارت بعد ذلك "ما عساي ان اكون ؟" واجابته انه شيء يفكر ، اعني شيئا يشك ويفهم ويتصور وينكر ويريد ويرفض ويتخيل ويشعر، ان الذي يفعل ذلك كله لا بد ان يكون نفساً اي جوهرا روحيا يكون التفكير صفته الاساسية ، فلا يمكن ان تكون هناك افكار بدون مفكر ، ولايمكن لصفة مثل التفكير ان توجد ، اذا لم يكن هناك جوهر يلازمها .
قال اينشتاين وهو ينظر الى صورة رينيه ديكارت المعلقة بمتحف اللوفر " كنت اراه ينظر الي بعينين مثقلتي الجفون في تحفظ وبشيء من الكبرياء ، والابتسامة المرتسمة على شفتيه ابتسامة سخرية وازدراء صادرة عن رجل مهذب ، فكيف امكن لهذا الرجل ان يصوغ فلسفة العالم الحديث الذي نعيش فيه " . كان لدى ديكارت ازدراء خاص تجاه الفلسفة ، ويقول ان الفلاسفة المتنافسين يناقضون بعضهم بعضا دون سند من يقين في اي من الجانبين ، والفلاسفة يجهلون الرياضيات والعلوم ويؤسسون حججهم المنطقية على مراجع قديمة ، والنتيجة ان الفلسفة على نحو ما يدينها ديكارت "ظلت تدرس لقرون طويلة من قبل ابرز العقول دون ان تاتي بشيء لم يكن موضع خلاف" . ولم يكن ديكارت يطلب الاهتمام بدراسة الفلسفة بل كان يطلب الحقيقة والتخلص من المعتقدات الزائفة حتى يتمكن من الوصول الى الحقيقة :"كانت لدي رغبة شديدة في تعلم كيفية التمييز بين ما هو حقيقي وما هو زائف ، حتى اتبين ما يجب ان افعل ، واكون قادرا على ان اسلك طريقي في هذه الحياة بثقة وطمانينة" . ولكن هل يمكن للواحد منا التخلص من جميع المعتقدات التي اجتمعت لديه طيلة حياته ، واستخدام عقله فقط كاساس للايمان باي شيء ؟ هذا ما يقترحه ديكارت، ومن هنا يبدأ، ومن خلال الفلسفة بالاطاحة بكل المعتقدات والانفصال التام عن عالم العصر الوسيط الذي اراد ديكارت لاوروبا ان تسدل الستار عليه .
ويمكن القول بان الفلسفة الحديثة تبدا بكتاب ديكارت " التاملات " الذي يطلب منا صاحبه ان نتامل ونعرف الافكار الكاذبة والمشكوك فيها التي قبلناها طيلة حياتنا وان نتخذ القرار بأن الوقت قد حان لاسقاط كافة المعتقدات. ويستهل ديكارت التأملات بقوله :" لابد من التخلي عن كل شيء في حياتي تماما ومرة واحدة اذا اردت اثبات اي شيء راسخ ودائم في العلوم "، ويضيف " لقد حررت عقلي اليوم من كافة الهموم ، انا وحيد تماما ، واخيرا سيكون لدي الوقت لتكريس نفسي بجد وحرية للتخلص من جميع آرائي السابقة ، ولكن كيف يمكنني اثبات الحقيقة الراسخة والدائمة باستخدام عقلي فقط ؟" .
ان اجابة ديكارت عن هذا السؤال هي اجابة جميع فلاسفة المذهب العقلاني منذ افلاطون الذي قال في محاورة الجمهورية :"العقل كلي في جميع البشر ، وهو العنصر الاهم في الطبيعة البشرية ، وهو الوسيلة الوحيدة للمعرفة اليقينية ، وهو السبيل لتقرير ماهو صحيح وصالح اخلاقيا وما يشكل مجتمعا صالحا ".
ولكن كيف يمكنني ،باستخدام عقلي، واثبات حقيقة راسخة ودائمة اخفق الفلاسفة السباقون في اثباتها ، في كتابه "مقال في المنهج" يقول ديكارت :"من بين جميع من بحثوا عن الحقيقة ، لم ينجح سوى علماء الرياضيات في الاتيان باسباب واضحة ومؤكدة ". ويعتقد ديكارت بأن منهج الرياضيات باستخدام العقل وحده هو الذي مكن عالم الفلك البولوني كوبرنيكوس من احداث ثورة في علم الفلك بنظريته الجديدة عن الكون على اساس مركزية الشمس ، ومكن الايطالي غاليلو من تقديم البرهان على نظرية كوبرنيكوس.
************
في اواخر سني حياته يشتري ديكارت بيتا ريفيا بالقرب من مدينة ليدن ، وكان سكان القرية يشاهدونه يجلس طوال الوقت وهو يتامل ، وفي سجلات المدينة جاء وصف للفيلسوف الفرنسي الشهير :"كانت ملامحه تنم عن هيئة فيلسوف قصير القامة ، نحيف الجسم ، ضخم الراس ، شعره مرسل ، يكاد يبلغ حاجبية ، لحيته سوداء فاحمة ويلف رقبته بوشاح يقيه من البرد ، يلبس سترة داكنة وسرولا قصيرا وجوارب سوداء طويلة ، وقد جعله الخوف من المرض يدثر جسمة بالكثير من الملابس". في ذلك الوقت يتلقى دعوة من الملكة كرستينيا ملكة السويد للإقامة في بلادها ليعلمها الفلسفة ، فنراه يرسل لها خطاب اعتذار فهو يفضل :"تعريض جسمه الى اشعة الشمس على هذا الانعام الملكي ". لكن صاحبة الجلالة لم تقبل اعتذاره فتحاول بشتى الوسائل اقناع فيلسوف عظيم على زيارة بلادها ، وقد افلحت في النهاية على اقناعه ، فيصل السويد في تشرين الاول من عام 1649 ، وهناك تبدا معاناته مع البرد والاستيقاظ المبكر ، فالملكة كانت تعتقد ان الصباح الباكر هو خير وقت لدراسة الفلسفة ، فيضطر الى الذهاب الى القصر قبل شروق الشمس ، وهذا الاستيقاظ المبكر في شتاء بارد جدا يجعله يكتب :"يتجمد في هذه البلاد دم الانسان كما تتجمد المياه في الانهار ". واستطاع ان يقاوم هذا الجو لأسابيع لكنه في يوم من الايام يشعر بالم شديد في صدره ، فترسل الملكة طبيبها الخاص لفحصه ليكتشف اصابته بالسل ، وعندما يخبره بضرورة اجراء عملية سريعة لكي يواجه رفضا من الفيلسوف الذي يقول :"انك لاتستطيع سفك قطرة من الدم الفرنسي". ولم تمض سوى ايام، ففي صباح الحادي عشر من شباط عام 1950 يفتح ديكارت عينيه ويسأل بصوت خافت كم الوقت ؟ انها الساعة الرابعة صباحا يجيبه المرافق ، يحاول النهوض قائلا : الملكة بانتظاري، لكنه يجد صعوبة فيقع على الفراش وهو يهمس "الوقت حان لأن تفارقني الروح ، لكني روح حي ، انا ابحث عن الحقيقة " . وكان قبل موته بأشهر قد اقيمت ضده دعوى تتهمه بالزندقة ، وبعد وفاته بثلاثة عشر عاما، يضع الفاتيكان كتبه على لائحة الكتب المحرمة ، وينصح البابا رعاياه بعدم قراءة كتبه لأنها مخالفة لصحيح العقيدة ، وفي عام 1691 يصدر قرار ملكي يمنع تدريس اي شيء عن الفلسفة الديكارتية في اية مؤسسة في فرنسا .
عاش ديكارت ومات وهو يتحسر لأن العلم الطبيعي لم يحصل على استقلاليته بالقياس الى العلم الديني ، وموقفه من هذه الناحية لايختلف عن موقف غاليلو، الذي كان يؤكد انه، اذا ما حصل تعارض بين الكتاب المقدس من جهة وبين احدى نظريات العلم الحديث من جهة اخرى فينبغي ان نعيد تأويل الكتاب المقدس لكي يتماشى مع العقل.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى