حاتم السيد مصيلحي - الدور الأرضي:

لم يخل بيت منه، له ما يميزه عن سائر الأدوار، فهو أب وأم لسائرها، له باحته أوساحته الخاصة التي يتخذها الأطفال متنزها لهم، وملعبا ومرتعا للتسابق، ولعب الكرة، والوثب، على أرضه خططهم، وخطوطهم التباشيرية البيضاء، وعلى حوائطه تدون الذكريات، فمنها باهت لم يحققه الزمان؛ لتبدل الأحوال، ومنه زاه بارز يتجدد بتجدد الأيام، وقد وافق تطلعات أصحابه، وصادف نجاحهم، فتهفو النفوس لاسترجاعها على حوائطه، وتذكر مواقفه وشواهده، ومشاهده.

ساكنوه كبارا، أهل جود وكرم، ما مر عليهم أحد إلا وحظي بالسلام والدعاء وواجب الإكرام، لا يرون من الناس سوى رؤسهم، وبالكاد وجوههم إن اشرأبت الأعناق تطلعا أو تبركا، يتخذه الأطفال ذهابا وإيابا، وصعودا وهبوطا سكنا للراحة والترويح، أو ملجأ للحماية أو مهربا من عقاب، فيجدون من يحنو عليهم ويذود عنهم، فتهدأ أنفاسهم، وتنتظم دقات قلبهم..
وفي باحته تعلق الزينات في شتى المناسبات، وتذبح الذبائح، وتفرش المآدب، ويستقبل الضيفان.
فتتوزع بركته على سائر الأدوار التي لم تحظ بما حظي به الدور الأرضي، فكلما علت اعتزلت ونأت.

ولم يعد للدور الأرضي في زماننا وجود، وحل محله الميزان، ومن أسفله المحلات، فتباعد الناس، يستقلون المصاعد التي تسلمهم إلى شققهم غير عابئين بجار أو ملتمسين لذكرى، أو مسترجعين لمشهد، المناسبات لا بهجة لها، والبيوت يملؤها الهم ويسكنها الغم، وفارقها الحب والرضا.
فيا ترى ماسر الدور الأرضي؟ وما سر ساكنيه؟
ومالدور الاجتماعي الذي كان يؤديه؟

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى