علي سالم صخي - عن الشعر وألاعيبه

ربما كان الشعر لعبة بسيطة لا يتقنها إلا المتلذذ بوجع المساحة ، المساحة التي تتركها اللغة في ذاكرتك ، مخاض التجربة ، انك تكتب ما تكتشف و تكتشف ما تكتب لتكثف فيما بعد ، ربما تضيف أو تمزق .
الشعر هطول ، لغة ممطرة تحيلك الى طفل يستمتع بفوضى أشيائه ،يبعثر ترتيبها ،لذا هو يعنى فطريا باللااسلوب .
فكرة داخل صورة ، صورة داخل لغة ، لغة تتبلور في ضوء ، ضوء تكور في روح سائلة .
انك تصغي لحياتك وتحاول ترجمة ذلك بالكتابة ، لكن هذا يعتمد على مدى استغراقك في روح اللغة والتجربة ، على مدى تفكيكك للمشاهدة .
انك تمنح المفردة حياة تخلخل من خلالها اللغة ، تسكب الزيت على نيرانها لتتركها تتوهج .
في الشعر أنت الكاتب والقارىء في آن واحد ، أنت الخالق والمخلوق الذي ينظر الى أدق تفاصيل خلقه ، الذي ربما ينبهر به أو يطلب منك تغيير مفردة هنا أو هناك .
الشاعر لا يسكن ، الشاعر عابر يمحو ليضيف ، يهدم ليؤسس . الشاعر مسكون بالذهاب ، ذخيرته حياة اللماذا والكيف واللا ، هو جامع للشيء ونقيضه .
الشاعر كائن قلق ، متلذذ في الحفر ، بين فكي لغته تفور ذاكرة قادمة .
انه عامل النظافة المبتلى برفع الغبار عن اللغة والعالم سواء ، هو يجمع فضلات منتصف الليل وآخر النهار مما تلطخت به الأرصفة من آثار القلق والضجر والآه وما تبقى من زفير الحكايا ورذاذ الأسئلة العالق في الهواء ليقوم بتدويرها عبر ماكنة روحه وغربيل ذاكرته المؤطرتان بمخيلة معرفية متمرسة ليشعر بكينونتها بدمه قبل هطول ايحاءاتها على الورق .
انه انسان ، بعثر انسانيته على أرصفة الجمال .
...

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى