أ. د. عادل الأسطة - حالات: حالة حصار، لا شيء يعجبني

وأنت تعدّ لكتابة مقال تتكئ فيه إلى رؤى/ كوابيس/ منامات تبدأ الحرب. تتذكر ديوان محمود درويش "حالة حصار" (2002) وأسطره:
"كتبت عن الحبّ عشرين سطراً
فخيل لي
أن هذا الحصار
تراجع عشرين متراً" [هل كتب الشاعر ثانية: وداعاً أيتها الحرب].
لا تلتفت للإيطالية كثيراً، ولا تأخذ وتعطي في الكلام: هل الحرب لفظة مؤنثة أم أنها مذكر؟ وتتذكر بيت زهير بن أبي سلمى: وما الحرب إلاّ ما علمتم وذقتم
وما هو عنها بالحديث المرجّم
ولا تتذكر مصطلح "الحرب الباردة". وتقول لها: الحرب مؤنثة لا مذكر، فتضحك وتقول بصوت عال: الآخرون حمير، وتفرح الإيطالية لأنها عرفت ما لم يعرفه مواطنون عرب عاديون عن تأنيث مفردة ذهبوا إلى أنها مذكر.
"لو كانت الحرب مذكراً. لو كانت..." تقول "لما أنجبت حروباً منذ قتل قابيل أخاه هابيل". قابيل قاتل، وهابيل المسالم أهبل. هكذا تميز القاتل عن القتيل. من الاسم.
لماذا عدت إلى "حالة حصار"؟
كنتَ أردتَ أن تكتبَ عن حلم رأيته/ عن منام لم تنسه/ عن سائق الباص الذي لم يسأل عن الركاب الذين ينتظرون وينتظرون وينتظرون، والحافلة ملأى، فلا مقاعد خالية، وعن السائق الذي ربما كان يتبضع أو يلعب أوراق الشدة. [كان يفطر].
حين صحوتَ من المنام دونتَ المنام، وعدتَ إلى ديوان "لا تعتذر عما فعلت" (2003)، وقرأتَ قصيدة "لا شيء يعجبني":
"أما أنا فأقول: أنزلني هنا. أنا
مثلهم لا شيء يعجبني، ولكني تعبت
من السفر".
هكذا تبدأ الحرب، فتقرر أن تكتب عن الحرب. لقد خربطت الحرب مشاريعنا. هل يعقل؟ تقول. [وداعاً أيتها الحرب. محمود درويش].
لا تواصل كتابة "تأملات في واقع القصة القصيرة" لأن ثمة حلقة، هي الرابعة، لما تنشر، وقد تنشر عما قريب، ثم.. ثم إن الحرب بدأت، وها أنت تعود لمواصلة البحلقة في شاشات التلفاز. عادة كئيبة مملة والعالم العربي منذ عامين وأكثر يسبب لنا كوابيس كثيرة، وحين تعطل (الريسيفر) أو عطل ـ قبل ثلاثة أشهر ـ آثرتَ تركه على ما غدا عليه: لا ضرورة لمشاهدة ما يجري في سورية، ولا ضرورة لمتابعة فضائية الجزيرة. غدت الأخبار قاتلة ومملة. هل تعبتَ من السفر، فقررتَ النزول من الباص؟ هل الأخبار وما يرد فيها لا تعجبك؟
"أما أنا فأقول: أنزلني هنا. أنا
مثلهم لا شيء يعجبني، ولكني تعبت
من السفر". [تعبت من نشرات الأخبار].
"في المنام رأيتني أعود من القدس في حافلة [باص]. كان السائق يتناول فطوراً في منزله، وكنا ننتظر. المقاعد ممتلئة، والركاب ينتظرون حضرة السائق، وقبل أن نصل إلى نابلس، يوقف الحافلة ويهبط منها أمام محل بيع حمامات شمسية ليشتري واحداً لامرأة أوصته به. لم يحتج أحد سواك، فقد ظل الركاب صامتين. حين جاء الشرطي أخذ يسأل الركاب إن كنتُ صادقاً فيما أزعم، ولما أجابه أحد الركاب بالإيجاب تركني".
***
وأنت تعد لكتابة مقال تتكئ فيه إلى رؤى/ كوابيس/ منامات تبدأ الحرب، الحرب على غزة. هل تواصل كتابة المقال وتنسى ما يجري في غزة؟ تتذكر ديوان محمود درويش "سرير الغريبة" (1999)، وتتذكر قصة أكرم هنية "سحر الحب" (2001). هل ما أنجزته من دفاتر عن الأحلام/ الكوابيس/ الرؤى، كان عشرين سطراً؟ هل خيل إليكَ أن هذا الحصار تراجع عشرين متراً؟ هل تعبتَ من السفر؟
وتدون ما بقي عالقاً في الذاكرة عن غزة.
ما هي أخبار معين بسيسو الآن؟ ما هي أخبار القاص زكي العيلة؟ هل دك قبره وتطايرت عظامه؟ هل تحركت شواهد القبور في مقابر غزة؟ كيف أنت يا غريب عسقلاني؟
في رواية إميل حبيبي "المتشائل" إشارة إلى تمايل شواهد القبور في مقابر غزة. كان ذلك حين قام اريئيل شارون ـ ما هي أخباره الآن؟ ـ بحصار القطاع وهدم أحياء كاملة من المخيمات حتى يضعف المقاومة. آمن إميل حبيبي، بعد أن استمع إلى حكاية تمايل شواهد القبور، أن الأموات، أيضاً، يتحركون ـ شارون حي/ ميت ولا يتحرك.
في العام 1973 كتب محمود درويش قصائد ديوان "محاولة رقم 7"، وفيها أتى على غزة:
"وغزة لا تبيع البرتقال لأنه دمها المعلب
أتيت أتيت. سيروا في شوارع ساعدي تصلوا".
هل بقي ثمة أرض لأشجار برتقال في غزة؟ حين سألت أبا نزار ـ رحمه الله ـ وهو جار لك، وأصله من غزة، أجابك: كانت هناك بيارات برتقال في غزة. كانت. قبل فترة قرأت خبراً في جريدة عن أسعار الأرض هناك: أنها الأغلى في العالم. ثمة أمطار ذكورية تخصب أرحام النساء. تخاطب حسن البطل بعد قراءة هطول.
***
وأنت تعد لكتابة مقال تتكئ فيه إلى رؤى / كوابيس/ منامات، تبدأ الحرب. ماذا تفعل في الحرب؟ هل يعقل أن تواصل كتابة التأملات عن واقع القصة القصيرة؟ هل تسأل عن غريب عسقلاني ومحمد أيوب وزكي العيلة؟ [رحم الله زكي العيلة].
تفتح المذياع على إذاعة صوت النجاح فتصغي إلى أغان مختلفة. لا يأتيك صوت محمد عبد الوهاب أو نجاة الصغيرة أو شادية أو صوت أم كلثوم. تصغي إلى مارسيل خليفة يغني "أحمد الزعتر" ـ أنا أحمد العربي، فليأت الحصار. تصغي إلى السؤال الساذج: وين الملايين، والملايين مشغولون بحروبهم اليومية. تغلق المذياع، وتتابع أخبار الفضائيات. ساعة ساعة والأخبار هي الأخبار. تتابع الفضائية الألمانية قليلاً: ثمة مباراة ودية بين ألمانيا وهولندا/ بين الماكينات والطواحين. ولا تتابع. كل شيء يطحن القلب. ضجر ضجر، وتكرر السؤال: لماذا نقاتل الدولة الإسرائيلية؟ ولا رغبة في الكتابة. مساحة الدم تغطي فضاء الورق. هل تتصل بأكرم مسلم وتقول له: إن لم يكن هناك اعتراض على ج4 من تأملات في واقع القصة القصيرة فانشره. لا رغبة في الكتابة، "لا شيء يعجبني". هل تعبت من الكتابة أم تعبت من السفر أم تعبت من الحصار" "لا شيء يعجبني".

عادل الأسطة
2012-11-18

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى