د. محمد السيد علي - بدوية..

إلى كم أرى عينيكَ يبلوهما الكسرُ .... وحتامَ يا غربيُّ ينهبك الفكرُ
وحتام تزجيك المنى لمنازلٍ .... يفرُّ الفتى منها وينتابه الذعرُ
مواردُ لو جازت على ذي شجاعةٍ .... لكان لها منه فرار ولا كرُّ
أيا من سعى في محنتي بنصيحتي .... نصيحة مسلوب الحجا لهي الشرُّ
بليت بسيف من مآقٍ فضرني .... ومن لكَ بالسيف الذي ما له شفرُ
وما كنت أشتام الأذى من خيامهم .... فما كانت الأحباب يسعى بهم ضرُّ
أصابت فؤادي من سهام تشدها .... على وتر يُصمي وليس له ثأرُ
تبدت كفجر شق ليلا بنوره .... ولولا أذان الليل قلت: هي الفجرُ
وصفت بها حسن الملاح ولو بدت .... محجبة الخدين قلت: هي البدرُ
لها رقة الغزلان لو ذكر اسمُها .... تلفتت الأخرى وليس لها ذكرُ
منعمةٌ والروح منها لطيفة .... وألطف منها وجهها ولها بشرُ
أفكر فيها الليل ثم لأنثني .... عن الفكر أخشى أن يجرِّحَها الفكرُ
تُواري بحبٍّ إن فطنت تراجعت .... وقالت: ظنون ما بعقلك يا غمرُ
فقلت: لكِ الله! احتشمتِ تظنُنًا .... بأني خليٌّ من هواكِ لكِ العذرُ
تظنين أن العشق قول منمقٌ.... يدور على أذْنٍ لينتشي الفكرُ
وما الحب إلا وقدةُ القلب بالحشا .... أوائلهُ نارٌ وأبردُها الجَمرُ
وإن بقلبي من هواك سحائبًا .... إذا أمطرَتْها الخلقُ أغناهمُ القطرُ
أغالب فيك النفسَ والبعدَ والورى .... وعيشًا إذا عالجتِه ظهر الضجرُ
فأبقي لك الأشواق بكرا مكاتمًا ... وأبقى حصورا منك ما بقيَ الدهرُ
أيا قلعة أنت المليك وإنني .... أعاقب فيك الشعرَ ما نفد الشعرُ
بنيت بها أركانها من قصائدٍ .... تجيزينها همسا إذا انعدمَ الجهرُ
وما بيَ من عشقٍ وكلُّ مشاعري .... تضمَّنها الأوزانُ والشطرُ والبَحرُ
فلا عَزَبَت عن حاجبيك قصائدي .... ولا بارحٌ عن ناظريك بي النثرُ
لقد كان لي منك الرضا دون منةٍ .... ومنك الهوى، والأنسُ، والأملُ البكرُ
لياليكِ يا حسناء أشبهُ في الصفا .... بليلِ نُواسيٍّ وليس بها سكرُ
معاذ الهوى ما يسكرُ القلبُ في الفتى .... ولكن يذوبُ القلب تُشبهه الخمرُ
يُكلَّف بالطاعات عند أدائها .... يعاني فينسى ما العشاءُ وما الظهرُ
ويهذي بأوصافٍ لها في سجوده .... فتُرفَع عنه الواجباتُ ولا عذرُ
سُحِرت قديما من غرامٍ مُدلِّه .... فلما التقتْ عيني بها بَطَل السحرُ
وقابلتها قالت: سلوتَ، فقلت: لا .... لقد هتك الليلَ البهيمَ بك الفجرُ
إذا أشرقت شمسٌ ولاح ضياؤها ....على غُصُنٍ منه الأزاهر تفترُّ
ونوَّحَ بالأغصان عصفورُ بانةٍ .... يناجي فراشاتٍ يلاعبها زهرُ
وما ناست الأغصانُ فوق جذوعها .... وما حمل البحرُ الخلائقَ والبرُّ
فكوني على عهدي بذكرى فإنني .... سأذكركم حتى إذا قُضِيَ الأمرُ
فلا طيَّب اللهُ الليالي إذا مَضَت .... وليس لها من طيب سِيرتِك الذِّكرُ
وأولي سلاما منك عند تصرُّمٍ .... وأولي ابتساما منك إن حُتِم الهجرُ
وكوني بنا عند الفراقِ رفيقةً .... فكلُّ بلائي كاد يَسلبُه الدَّهرُ

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى