أدب ساخر أ. د. مصطفى رجب - افتكاسات في (فشرات) الأخبار

يحتوي إعلامنا على عناكب خفية لا يراها الناس كما يرون البغال والجمال والذباب ومندوبي المبيعات ومحصلي التذاكر، ولكن آثارها تظهر وتتجلى فيما تهجم به علينا هذه القناة أو تلك من تلك القنوات التي تكاثرت تكاثر الشياطين الزرق في الحمامات العامة،
وتفجؤنا تلك العناكب من حين لآخر بضيوف على الفضائيات ذوي ألسنة مِراض وأقفاءٍ عِراض، يخوضون في الشأن العام بكل بجاحة وهم أجهل من الجهل نفسه، ومن أفكار هؤلاء المرضى المتخلفين يتخلق رأي عام زائف حول كثير من قضايا الأمة، ولست أفتقر إلى شجاعة عرض أسمائهم ولكني أضن بوقتي وقلمي أن أنشغل أو أشغل أصدقائي القراء الكرام بأمثال تلك الشرذمة من المرتزقة البلهاء.
على أنني لا أقف بهذا المصطلح الشبابي الساخر (افتكاسات) عند حدود ما يتقيأ أزلام الضيوف في برامجهم الضحلة وأمام مذيعين ومذيعات جُوف يحاورونهم بانبهار كما لو كانوا يفهمون
وإنما أنطلق بمصطلح الافتكاس هذا إلى جانبٍ فنّيٍ، يحيرني كثيرا ولا تسيغه النفس، وهو هذا المنظر السخيف لمذيع ومذيعة يقفان جنبا إلى جنب حين تبدأ قراءتهما لنشرة الأخبار في القناة الأولى، ويقرآن العناوين وبعض الأخبار واقفيْن ثم يجلسان
أريد أن يتكرم أحد علينا بشرح (الفلسفة) العمييييييييييييييييييقة التي يعتمد عليها (الفكر الجديد) الذي افتكس هذه الافتكاسة ؟ وماذا عليهما وماذا على مشاهديهما من بأس لو أنهما كانا جالسيْن طوال القراءة ؟ ومااالذي يضير قارئ (فشرة) الأخبار لو قرأها جالسا ؟ هل سينتقض وضوء الذين أنجبوه ؟
الناحية الثانية أن لنشرة الأخبار في القناة الأولى أهمية كبرى لدى تسعين بالمائة من شعب مصر، ويجب ألا يزيد مداها الزمني عن ربع ساعة حتى ينصرف الناس إلى أشغالهم، أو إلى ما يتابعونه هنا وهناك.
أما أن تُثقَل بهذه التقارير الفضفاضة المملة الموغلة في التفاصيل، وأما أن يُستضَاَاف لها ضيوف يسرفون في التحليل والتعليق والحوار في أواسط النشرة، فهذا كله عبثٌ سخيف، وافتكاسات غريبة مريبة لا مسوِّغ لها.
.
وبائقة أخرى من بوائق الفضائيات في فشراتها الإخبارية، وهي بائقة شديدة الوطأة على نفوس الشرفاء من كل أنحاء مصر، فحين يراد أخذ رأي الناس في موضوع من الموضوعات أو موقف من المواقف أو قضية من القضايا، يخرج المراسلون بآلات التصوير فيعمدون إلى عينة من البشر تضم الفئات المنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة ممن يستسهل المراسلون مقابلتهم، ثم يتركون أولئك يتحدثون ولا يظهر لنا سؤال المراسل ولا وجهه ولا صوته ولا كيف سأله... فتنفجر تلك الفئات منفعلة مرة ومنفلتة مرة فيكون منظرها مضحكا حينا ومبكيا حينا آخر، فهل وجوه المراسلين عورة يجب أن تُستَر ؟ وهل يخشى محررو نشرات الأخبار على مشاهديهم من سماع أصوات المراسلين لأنها تثير الغرائز مثلا ؟؟؟
وهل هذه الفئات محل الاستجواب - في كل مرة- هي كل المجتمع المصري؟ إنهم جميعا من سكان القاهرة، ومن سكان قطعة واحدة من شارع واحد بالقاهرة ؟ أفهذه هي مصر؟ أم أن هذا تدليس خائب، وجهل وراءه مصائب؟

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى