عمارية حاكم - إشكالية المصطلح السردي ومعركة المفاهيم

الملخص :

المصطلحات هي مفاتيح كل العلوم، ولذا فهم المصطلح تيسر استيعاب المعاني والمقاصد وكما ورد في ترجمة ريما بركة فإن: «علم المصطلح هو العلم الذي يعني بدراسة المفاهيم الخاصة بمجال علمي أو تقني معين، والمصطلحات التي تعبر عنها، وهو يهدف قبل كل شيء إلى البحث عن مصطلحات تستعمل في مجال محدد، ودراستها وتحليلها ووصفها، وإن اقتضى الأمر إلى وضع مصطلحات جديدة للدلالة على مفاهيم استجدت».[1]

وعلى هذا الأساس فعلم المصطلح هو مجموع الممارسات والأساليب التي تستعمل لجمع المصطلحات ووصفها ومعالجتها وتقديمها وترتيبها حسب الحقل الذي تنتمي إليه، فعن السرد مثلاً؛ فإن المصطلح السردي سيكون مكانه هو حقل الأدب ويشمل كل الأجناس التي تنتمي إلى هذا الحقل ومن ذلك الأسطورة، الحكاية، القصة، الأقصوصة، الرواية، الشعر، الخطابة وحتى الخطابات اليومية، فإن مصطلحاتها تكون سردية لأن السرد يعتمد على الإخبار والتبليغ.

عرف المصطلح السردي في التراث فوضى في المفاهيم إذ «المصطلح هو شفرة الخطاب النقدي وطلعه المثمر الذي لولاه ما كانت المعرفة، وما وقع التواصل، إنه مازال حدّ التعريف ولبنة النظرية التي تستوي على بنائها به، وقد يكون أحد مثيراتها، ثم باكتنازه التصور يصير مطمحاً بلاغياً في غير حالة. إنه يوشك أن يصبح فارس النص الذي يقود قطيع الفكر فتنتظم من خلفه (جيوش) الكلام، وتفتح له قلاع الذهن والوجدان، فيدخل النص إلى معية المتلقي، دخول الفاتحين الظافرين وهو لا يحدوه روع، مادام على أمن من تصوره، وأمان من صوته الدال، فيقع التواطؤ والشيوع، وتقوم قيامة المعرفة».[2]

ولعل المتمعن في هذا القول يدرك أن المصطلح هو أساس وبؤرة المعرفة، إذ بتحديد المصطلحات تتضح الحقول المعرفية، من حقل الطب إلى حقل الاقتصاد، إلى حقل السياسة، إلى حقل الأدب وغيره من كل حقول الحياة الإنسانية وميادينها المتشعبة التي تلتقي في مشترك واحد لا محيد عنه، وهو اللغة، تلك الأداة التي تحمل وظيفة التواصل، وكذا وظيفة تحديد المجالات، وإن كنا نستعين باللغة في كل الميادين المعرفية فإن لكل ميدان لغته الخاصة المتخصصة.

وقضايا المصطلح ليست وليدة الحداثة أو التكنولوجيات الحديثة، ولا وليدة العولمة، فلقد وجدت هذه الإشكالية منذ عرف الإنسان العلم وبدأ يستقي من روافده، إنها سنة الحياة وإرادة الخالق وغاية الإنسان في التصنيف والترتيب والانتماء، ففي الحياة، يوجد الشاعر والناثر والصانع والتاجر والسياسي والاقتصادي والطبيب والمعلم والإداري؛ ولكل واحد من هؤلاء مجاله ولغته وبالتالي فلكل واحد مصطلحاته الخاصة بمجال تخصصه ومهنته ووظيفته...

وأمام هذا الزخم المعرفي المتعلق بكل مجالات الحياة الإنسانية، سعى بعض الباحثين إلى الوصف والتأصيل في قضية المصطلح، إذ حاول بعضهم إماطة الغربة عن المصطلح الواحد أو مجموعة من المصطلحات، كمصطلح (العلماتية semiotic) في كتاب مدخل إلى السيميوطيقا للمؤلفة سيزا قاسم وكذلك كتاب (البنيوية) إديث كريزويل في نسخته العربية التي قام بترجمتها (جابر عصفور) هذا المترجم الذي دأب باحثاً في إشكالية المصطلح، وهذا كله من أجل استجلاء واستقرار المصطلح الذي كان يعاني من الضبابية والاضطراب خاصة في مجال السرد.

فالمصطلح يشكل أداة النظرية في طرح فروضاتها؛ لأنه يرقى ليكون مثيراً متميزاً لتفجرها، وكأنه صار الفرض وتجليه في آن واحد، وتبقى له حرمته التي تحفظ للنص سياقه المعرفي كيفما بلغت درجة تعانق علمية النقد مع ذاتية الأدب.[3]

ويشكل المصطلح الدستور المعياري الأول الذي يحكم الوضع، وعلى هذا الاعتبار فإن هوية فلسفة العملية النقدية التي تعتمد على فك الدوال عن المدلولات، والتي يندرج حصرها المنطقي في أن هذه العملية تتم من خلال سلطة معرفية يدفعنا إليها النص المدفوع هو الآخر بسلطة أخرى تتصل بالأولى على فلك الدائرة الفكرية المجردة، وتنزع هذه السلطة إلى احتواء خطاب يعتمد شفرة التواصل، لا تكتمل إلا على مشارف المصطلح باعتباره المعيار الأمثل لاشتمال الوحدة المعرفية المتداولة، فيحقق بغية السلطة في منطقة التصور المصطلحي، وفي الانتماء إلى حقل دلالي تنشط فيه جذور فعالية هذه الشفرة.[4]

دون نسيان أن هناك ثقافات مختلفة تدخل في فعالية عملية التفكيك، قد تقتضي ترجمة المصطلح، وبالتالي تصبح العودة إلى أسس الوضع أمراً ضرورياً، وإلا عانى المصطلح في الغربة والاغتراب.

وتجدر الإشارة إلى أنه «ليس من مسلك يتوسل به الإنسان إلى منطق العلم غير ألفاظه الاصطلاحية، حتى لكأنها تقوم من كل علم مقام جهاز من الدوال ليست مدلولاته إلا محاور العلم ذاته، ومضامين قدره من يقين المعارف وحقيق الأقوال.[5]

إن الاهتمام بالمصطلح ضارب جذوره في أعماق التاريخ، فكما اهتم به الغربيون منذ زمن أرسطو والحضارة الأثينية، فقد كان للعرب هم كذلك اهتمامهم الخاص بالمصطلح، وخاصة مع اللغويتين القدامى أمثال أبي الأسود الدؤلي وعبد الله بن أحمد عباس وأبي عمر بن علاء والخليل بن أحمد الفراهيدي وأبي عمرو الشيباني، وسيبويه وغيرهم كثير، هؤلاء اللغويون «الذين نشطوا البحث تنظيراً وإجراءً، وأخذوامفردات اللغة من مظانها ومنابعها، ومن أفواه لم تخالط حمراء ولا سوداء، وبذلك تمكنوا من معرفة غريب القرآن، وشرح الحديث، وغطوا النقص في وضع التسميات والأمراض والأشياء».[6]

أما الآن ومع التراكم المصطلحي المنجر عن وسائل الاتصال والتكنولوجيات الحديثة فقد أصيب العرب بالعجز عن تفكيك المصطلحات الحديثة وما انفكوا يعتمدون على الترجمات الغربية الجاهزة، إعلاناً عن عجزهم وضعفهم وتثاقلهم عن مواكبة العصر وكل مستجداته وتطوراته، ولقد فسر الفاسي الفهري علّة عدم وضع العرب للمفردات الجديدة في معاجم وقواميس تستوعب كل جديد إلى «مسايرة المعجمي لظروف العصر وتطوراته، والاعتماد على الإرث، وإحداث قطيعة مع المادة الحية المتوافرة عند متكلمي اللغة».[7]

لقد برع القدامى في تفكيك مصطلحاتهم المتعلقة عصرهم، وذلك أنهم كانوا يأخذون اللغة من المتكلم الفصيح أي من الاستعمال الحي لتلك اللغة التي كانت مستعملة في عصرهم، في حين إن المحدثين يؤخذون اللغة من المثول التي تمثل لغة جامدة، على خلاف تلك اللغة الحية الغنية الدينامية.

وعلى حدّ تعبير عبد السلام المسدي: «فالمصطلح يبتكر فيوضع ويبث ثم يقذف به في حلبة الاستعمال، فإما أن يروج فيثبت، وإما أن يكسد فيمحى، وقد يدلى بمصطلحين أو أكثر لمتصور واحد، فتتسابق المصطلحات الموضوعة، وتتنافس في سوق الرواج، ثم يحكم الاستعمال للأقوى فيستبقيه، ويتوارى الأضعف».[8]

وعلى سبيل المثال؛ فإن صلاح فضل في تأسيسه لنظرية الشعرية عنون بحثه (نحو تصور كلي لأساليب الشعر العربي المعاصر)، فذكر مصطلح "تصور" مع العلم أن هذا المصطلح لا يمثل نظرية الشعرية، وكأنه استدرك الأمر، حينما نشر كتابه مرة أخرى مع إلحاق بعض الإضافات، حيث اتكأ على مصطلح (مصطلح الشعرية) منطلقاً من أصل الأصل.[9] إذ جعل عنوان بحثه الجديد (أساليب الشعرية المعاصرة).

وإذا كان لابد من تعريف السرد كمصطلح أولاً فإن لفظة السرد في أصل اللغة العربية تدل على التنظيم، فهو النظم والخرز المسرود إذا نظّم، وكل شيء وصلت بعضه ببعض قد سردته سرداً،[10] وعلى هذا الاعتبار فالسرد هو تقدمة الشيء إلى الشيء تأتي به متسقاً بعضه إثر بعض متتابعاً،[11] وتشير الدلالة المعجمية إلى الدقة والتأني والإحكام، ويقترب المفهوم الاصطلاحي للسرد من هذا المعنى، أي إن السرد هو تتابع الحديث والقراءة وإجادة سياقهما،[12] إنه تقديم حكاية أو رواية أو أقصوصة أو أي نص سردي معين في فصل محدد يمارسه فاعل معين في زمن مخصوص.[13]

ويؤكد هذا التتابع جيرار جينيت الذي يشير إلى أن السرد هو عرض لحدث أو لمتتالية من الأحداث حقيقية أو خيالية عرض بواسطة اللغة خاصة اللغة المكتوبة،[14]

وتمثل السردية الوريث الشرعي للكشوفات النقدية الخاصة بنظم الصياغة، وتتسع لمظاهر القس جميعاً،[15] وحسب تودوروف فالسردية فرع من أصل كبير هو الشعرية التي تعنى باستنباط النظم التي تحكمها والقواعد التي توجه أبنيتها وتحدد خصائصها وسماتها.[16] ويهتم السرد بمظاهر الخطاب السردي أسلوباً وبناءً ودلالة.[17]

والسرد هو المصطلح العام الذي يشتمل على قص حدث أو أحداث عن طريق عرضها بواسطة اللغة، لذا يمكننا القول إن السرد هو نقل حادثة من صورتها الواقعة إلى صورة لغوية تمثل نصاً يشمل اللفظ (الخطاب) والملفوظية (الحكاية).[18]

وعلى أساس اللفظ والملفوظية، وتتابع الحدث والمتوالية، والسارد والمسرود له، والراوي والمروى له، والمؤلف والقارئ، والمرسل والمرسل إليه، والخطيب والمخاطب، والمتكلم والسامع، تضاربت الآراء وتزاحمت الأفكار وتشعبت الدوال والدلالات والمداليل، وانجر عن كل هذا فوضى مصطلح ومعركة المفاهيم، ونوعت جهود النقاد المهتمين بالسرد، واختلفت اتجاهاتهم النقدية من:

$11. السردية الشكلية أو اللسانية التي تركز اهتمامها على المظاهر اللغوية للخطاب، وكل ما يتضمنه ذلك الخطاب من الرواة والأساليب والرؤى والعلاقات بين الراوي والمروي.[19]

$12. السردية الدلالية والسيميائيات السردية التي تهتم بمضمون أفعال السرد والمنطق المتحكم في ترابطها، أي إنها تنطلق في الاهتمام بالمحتوى السردي.

$13. السردية التوفيقية وهي تجمع بين الاتجاهين السابقين بحيث تعنى بمستوى الدلالة والصياغة معاً. [20]

وإذا كان السرد لا يمكن تحديده إلا من خلال النص أو الخطاب النقدي، فذلك أن الخطاب كمصطلح قد تعددت مفاهيمه هو كذلك، إذ يشير معناه اللغوي في اللغة العربية إلى مراجعة الكلام، إذ الكلام من المخاطبة، والخطاب يدل على توجيه الكلام نحو الغير للإفهام. يقول الجاحظ:" والمفهم لك والمتفهم عنك شريكان في الفضل، إلا أن الم فهم أفضل من المتفهم"[21]

أما عبد القاهر الجرجاني، فإنه ينطلق في تصوره للخطاب من تطور الناحيتين اللغوية والبلاغية، اللغوية باعتماده على الحدث اللغوي.[22]

أما البلاغية، فكان أساسها -كما هو معروف- هو نظرية النظم التي اهتمت بدراسة الوحدات اللغوية للجملة.[23]

ولأن الخطاب يمثل طاقة ذاتية،فقد لقي اهتماما في الدراسات الغربية، ترجم ترجمات متعددة منها: الحديث والكلام المتصل، والإنشاء، والأطروحة، والنص، والكلام ولغة الكلام ولغة المخاطبة وأسلوب التناول.[24]

ولقد تعدد مفهوم مصطلح الخطاب بانتقاله من اللغة إلى النقد الأدبي مع النقد الجديد ثم مع التاريخية الجديدة ثم الدراسات اللغوية الحديثة التي عرفت بتحليل الخطاب.[25]

ووفق هذا المسار البحثي فرق النقاد الجدد بين نوعين من الخطابات الأدبية(الخطاب الشعري والخطاب السردي) وانطلاقا من هذا الوعي الفكري، أخذ كل ناقد يدلو بدوله في ترجمة المصطلحات السردية الوافدة، الأمر الذي أحدث تراكما ومعركة في المفاهيم.

وانطلاقاً من التوجهات الثلاثة الآنفة الذكر، حدث كذلك اضطراب في المصطلح وزادت حدة المعركة المفاهيمية، أو لنقل الغموض في تبني المصطلح، فمن الشعرية إلى الأدبية، الجمالية، الانزياح، العدول، الانحراف، اللعب باللغة، الأسلوبية، ومن السيميائية إلى السيمانتيكية، العلاماتية، الدلالية، ومن البلاغية إلى الخطابية، الحجاجية، ومن التداولية إلى البراغماتية، السياقية، المقامية، النفعية، الذرائعية، القصدية، ومن المعنى إلى التأويل، التفسير، الفهم، التفكيك، التحليل، الهيرمينوطيقا،... القائمة طويلة لتبني فقط مفهوماً واحداً معيناً محدداً يعتمد عليه المتلقي إذا ما رام تحليل نص ما، أو رواية أو حكاية ...

.وبناءً على ما أنف ذكره، يعتبر المصطلح من منظور مفهومي أن مجموع مصطلحات مجال متخصص هو انعكاس تنظيم المعارف في هذا المجال، إذ المصطلحات تدل على مفاهيم متصلة بعضها بعضاً وفقاً لطرق مختلفة،[26] والمصطلحي هو الذي ينتقيها في تحضير معجمه وفقاً للأوصاف المشتركة والعلاقات التي تربط كل مصطلح بالآخر، أو تشارك فيها لتأدية الوظيفة نفسها.

وعلى هذا الأساس يتم العمل على مجال محدد حصرياً بتناول أشياء المعرفة بهذا المجال، لأن المصطلحات حاملة لمعرفة متخصصة ترتبط ارتباطاً عضوياً بمكونات المجال المعرفي الذي تنتمي إليه.

وتجدر الإشارة إلى أن هناك فرقاً بين المصطلح والكلمة، إذ الكلمات تنتمي إلى اللغة العامة، وتستقي قيمتها ليس من العالم الخارجي التي تدل عليه بل من العلاقة التي تربطها فيما بينها بمعزل عن عالمها الخارجي.[27]

وتعرف (ماري كلود لوم) المصطلحات في كتابها La terminologie : principes et techniques بأنها: «وحدات معجمية ينظر إلى معناها ضمن إطار مجال تخصص، أي ضمن مجال محدد من مجال المعرفة الإنسانية، وهو غالياً ما يربط بنشاط اجتماعي مهني».[28]

وتأكد (سيزا قاسم) على دور المصطلح في تحديد المنهج وتخليق النظرية الأدبية عندما جاء العلم مخاض السيميوطيقا وذلك بقولها: «وقد تولد اهتمامنا بالسيميوطيقا عندما بدأنا نتحرى عن منهج وأدوات تمكننا من وصف الإنتاج الأدبي، والإنتاج الأدبي متمثلاً في الأعمال الأدبية هو المادة التجريبية التي نتعامل معها –وصفاً دقيقاً علمياً- أما الدقة فتنشأ من ناحية التعرف على خصوصية المادة المدروسة التي تتكون منها الظاهرة التجريبية، ومن ناحية من التوصل إلى مصطلح محدد يحصر في تعريفه العناصر المختلفة التي تتكون منها هذه الظاهرة».[29]

ويسير المصطلح على صراط العلم المستقيم وهذا الذي قامت به (جوليا كريستيفا) حيث اتكأت في نظريتها التناصية (intertextualité) على تصور دي سوسير في بناء خاصة جوهرية لاشتغال اللغة الشعرية أسمتها (La paragrammatisme) التصحيفية، أي امتصاص نصوص (معاني) متعددة داخل الرسالة الشعرية التي تقدم نفسها من جهة أخرى باعتبارها موجهة من طرف معنى معين.[30]

إن درس المصطلح وإشكالاته عمل دؤوب ومستمر، لذلك لا يمكن حصر كل ما قيل وما سيقال حوله من مفاهيم وتعاريف يلتقي بعضها وينأى بعضها الآخر، خاصة في مجال السرديات ومصطلحاتها المتعددة، ذات المناحي الصائبة أحياناً، والبعيدة عن المرامي أحياناً أخرى، عكس المصطلحات العلمية الخاضعة للتجارب المخبرية كمجال الطب والصيدلة والرياضيات والفيزياء والكيمياء...

وعلى حد تعبير الدكتور محمد ثناء الله الندوي: «ليس من الغريب أن يجابهنا البحث عن إشكاليات المصطلحية العربية الحديثة بأوجه واضحة وأخرى معتمة للاضطراب والإشكاليات في أبعادها البنيوية والدلالية والجمالية، ولا أدل على ذلك من الجو المرتبك الذي يباغت الباحث وهو يجوب في قطر أو أقطار التعددية التسمياتية للعلم الذي ينظر في المصطلحات، فهناك «علم المصطلح» و«علم الاصطلاح» و«والمصطلحية» و«الدراسة المصطلحية» و«المعجمية الخاصة» و«المعجماتية المتخصصة» و«والمصطلحاتية» وغيرها من المقابلات التي وضعت من طرف الدارسين العرب لتكافئ ما عرف عند الغربيين باسم: (terminologie).[31] وكل هذا ناتج عن التفجر المعرفي وانفتاح المصطلحات والتسميات على دروب من المعرفة الإنسانية وتلاقح الآداب والعلوم الاجتماعية وتضافر طرح الإشكالات ومخاطباتها المنهجية المؤدية إلى الاتساع والغموض أحياناً وإلى الالتواء والفوضى التأويلية أحياناً كثيرة.

يقول أبو حيان التوحيدي: «إن الكلام عن الكلام صعب، قال: ولم؟ قلت: لأن الكلام على الأمور المعتمد فيها عن صور الأمور، وشكولها، التي تنقسم بين المعقول وبين ما يكون بالحس ممكن، وفضاء هذا متسع، والمجال فيه مختلف، فأما الكلام على الكلام فإنه يدور على نفسه ويلتبس بعضه ببعضه، ولهذا شق النحو، وما أشبح النحو من المنطق وكذلك النثر والشعر على ذلك».[32]

يدرك المتمعن في هذا القول الموجز لتحديد المصطلح، أنه يجب تحديد المجال والدوال والمدلولات للمصطلح الواحد كي نتفادى، أو نخرج على الأقل من إشكالية وضع مصطلح معين محدد ينتمي إلى مجال معين، وذلك أن كثرة الكلام، بعيداً عن المجال قد توقعنا في متاهات قد تبعدنا عن ماهية المصطلح المنشود.

ويلاحظ الدارس حين ينظر في تراث العرب المصطلحي، أن العرب فاقوا غيرهم في العناية بالمصطلح، إذ تعددت طرقهم المنهجية في هذا المجال حتى كادت تستنفذ جميع الاحتمالات تعميماً وتخصيصاً وإطلاقاً وتقييداً، ففي باب تخصيص الدلالة يقوم هذا الحقل بتحويل مجالها من المعنى العام أو الكلي إلى المعنى الجزئي ويسمى أيضاً بتقليص الدلالة، ويعني أيضاً قصر المعنى العام على بعض أفراده وتضييق شموله.[33]

ذلك أن مدلول الكلمة يتغير تبعاً للحالة التي يكثر فيها استخدامها، فكثرة استخدام اللفظ العام في بعض ما يدل عليه يزيل مع تقادم العهد عموم معناه، ويقصر مدلوله على الحالات التي شاع فيها استعماله فيكسب دلالته المركزية ظلالاً جديدة تؤدي إلى تخصيص معناها في أغلب الأحيان.[34]

ومن العرب القدامى الذين اهتموا بالمصطلح؛ ابن قتيبة، السيوطي، ابن دريد في باب الاستعارات، المبرد، الفارابي في شأن التخصيص، ابن فارس في باب العموم والخصوص، الثعالبي في فقه اللغة وسر العربية، والخليل بمعجمه العين، وسيبويه في الكتاب، وغيرهم من العلماء البارزين في علم المصطلح التراثي.

ولعل من نافل القول أن نختم بحثنا هذا بنتيجة مفادها أن المصطلح هو وسيلة للنظريات التي تنطلق منها النظريات حتى ولو كانت تلك المقدمات مجرد فروض علمية، لأن النظرية –كما هو معلوم- هي جملة تصورات مؤلفة تأليفاً عقلياً تهدف إلى ربط النتائج بالمقدمات، والمصطلح هو ما تم عليه التواطؤ والشيوع.

والمصطلحات السردية في الدراسات النقدية قد تشعبت مفاهيمها في الدراسات الأدبية العربية المعاصرة، لأنها لم تلتزم بحقيقة المصطلح وإرجاعه إلى جذوره الأصلية سواءً عن طريق الترجمة أو التأويل، لذلك حدثت معركة مفاهيمية في جلّ المصطلحات السردية التي يتضمنها حقل الخطاب الأدبي.

قائمة المصادر والمراجع

$11. البيان والتبيين .الجاحظ.تح: عبد السلام هارون.مؤسسة الخانجي. القاهرة. دط. دت. ج1/.

$12. المعجم العربي (نماذج تحليلية جديدة)، عبد القادر الفاسي الفهري، دار طوبقال، دار البيضاء المغرب، ط2، 1997.

$13. المعجم الأدبي،جبور عبد النور، دار العلم للملايين، بيروت، 1979، ط1

$14. السرديات (مقدمة نظرية) د. مرسل فالح العجمي، حوليات الآداب والعلوم الاجتماعية، جامعة الكويت، 2004 ع 206.

$15. الأدب وفنونه. د. عز الدين إسماعيل. دار الفكر العربي. بيروت. ط1/1976.

$16. السردية العربية.عبد الله إبراهيم. المركز الثقافي العربي. بيروت. ط1/1992.

$17. الشعرية. تودوروف. ترجمة شكري المبخوت ورجاء سلامة. دار توبقال للنشر.الدار البيضاء. المغرب. 1978.

$18. إشكالية المصطلح في الخطاب النقدي العربي الجديد، يوسف وغليسي. الدار العربية ناشرون. الرباط. ط1/ 2008.

$19. إشكاليات المصطلحية الحديثة، محمد ثناء الله الندوي، مجلة اصطلاحيات، مطبعة أميمة، فاس، المغرب، عدد1، 2011.

$110. البلاغة العربية. قراءة أخرى. د. محمد عبد المطلب. دار نوبار للطباعة. القاهرة. ط1/ 1995 .

$111. الامتناع والمؤانسة، أبو حيان التوحيدي، الليلة الخامسة والعشرون.

$112. علم المصطلح مبادئ وتقنيات، ماري كلودلوم، ترجمة ريما بركة، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، ط1، 2012.

$113. علم النص، جوليا كريستيفا، ترجمة فريدة الزاهي، دار طوبقال، المغرب، 1991.

$114. نظرية المصطلح النقدي، د: عزت محمد جاد، النصية المصرية العربية، د ط، 2002.

$115. قاموس اللسانيات، عبد السلام المشدي، عربي فرنسي، فرنسي عربي، الدار العربية للكتاب، تونس، د ط، 1984.

$116. قضايا الحداثة عند عبد القاهر الجرجاني. د. محمد عبد المطلب. الشركة المصرية العالمية للنشر. القاهرة. ط1/ 1995.

$117. فقه اللغة وخصائص العربية، محمد المبارك، دار الفكر، ط54، بيروت، د ت.

$118. مدخل إلى السيميائية السردية والخطابية. جوزيف كورنيش. جمال الحضري. الدار العربية ناشرون. الرباط، ط1 / 2002.

$119. مدخل إلى السيميوطيقا، سيزا قاسم، دار إلياس، القاهرة، د ط، د ت، ص17.

$120. مركز دراسات الوحدة العربية ع 20 بيروت، 2015.

$121. جمهرة اللغة.ابن دريد الأزدي (ت321)،مجلس دائرة المعارف العثمانية، ط1، حيدر آباد 1345هـ ج2.

$122. حدود السرد الأدبي ضمن طرائق تحليل السرد الأدبي (مجموعة مقالات مترجمة لمجموعة من المؤلفين) ترجمة: مجموعة من المترجمين، اتحاد الكتاب العرب، ط1، الرباط، 1992.

$123. لسان العرب.ابن منظور(ت711هـ) دار صادر ودار بيروت للطباعة والنشر، بيروت 1956 ج4.

$124. دليل الناقد الأدبي، د.مجان الرويلي، ود. سعد البازعي. المركز الثقافي العربي، بيروت ط2/ 2000.

$125. دلالة الألفاظ، إبراهيم أنيس، مكتبة الأنجلو المصرية، القاهرة، ط2، 1962.

$126. ينظر: تفكيك الشفرة السردية. دراسة تحليل الخطاب. د. نبهان حسون السعدون. عالم الكتب الحديث. اربد الأردن. ط1 / 2014.

[1][1]: علم المصطلح مبادئ وتقنيات، ماري كلودلوم، ترجمة ريما بركة، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، ط1، 012، 13.

[2]: نرية المصطلح النقدي، د: عزت محمد جاد، النصية المصرية العربية، د ط، 2002، ص08-07.

[3]: المرجع السابق (نظرية المصطلح النقدي)، ص10.

[4]: المرجع السابق، (نص المصطلح النقدي)، ص11.

[5]: قاموس اللسانيات، عبد السلام المشدي، عربي فرنسي، فرنسي عربي، الدار العربية للكتاب، تونس، د ط، 1984، ص09.

[6]: مركز دراسات الوحدة العربية ع 20 بيروت، 2015، ص82.

[7]:المعجم العربي (نماذج تحليلية جديدة)، عبد القادر الفاسي الفهري، دار طوبقال، دار البيضاء المغرب، ط2، 1997، ص19



د/عمارية حاكم
جامعة مولاي الطاهر- سعيدة – (الجزائر)
[8]: قاموس اللسانيات، عبد السلام المسدي، ص27.

[9]: نظرية المصطلح النقدي، الدكتور عزت محمد جاد، ص38

[10]: جمهرة اللغة.ابن دريد الأزدي (ت321)،مجلس دائرة المعارف العثمانية، ط1،حيدر آباد 1345ه ج2/ ص246.

[11]: لسان العرب.ابن منظور(ت711هـ) دار صادر ودار بيروت للطباعة والنشر، بيروت1956ج4/ ص195.

[12]: المعجم الأدبي،جبور عبد النور، دار العلم للملايين، بيروت، 1979، ط1 ص139.

[13]: السرديات (مقدمة نظرية) د. مرسل فالح العجمي، حوليات الآداب والعلوم الاجتماعية، جامعة الكويت، 2004 ع 206 ص13

[14]: حدود السرد الأدبي ضمن طرائق تحليل السرد الأدبي (مجموعة مقالات مترجمة لمجموعة من المؤلفين) ترجمة: مجموعة من المترجمين، اتحاد الكتاب العرب، ط1، الرباط، 1992ص71.

[15]: دليل الناقد الأدبي، د.مجان الرويلي، ود. سعد البازعي. المركز الثقافي العربي، بيروت ط2/ 2000 ص103

[16]: الشعرية. تودوروف. ترجمة شكري المبخوت ورجاء سلامة. دار توبقال للنشر.الدار البيضاء. المغرب. 1978 ص23.

[17]: الأدب وفنونه. د. عز الدين إسماعيل. دار الفكر العربي. بيروت. ط1 /1976 ص187

[18]: السردية العربية.عبد الله إبراهيم. المركز الثقافي العربي. بيروت. ط1 /1992 ص10

[19]: مدخل إلى السيميائية السردية والخطابية. جوزيف كورنيش. جمال الحضري. الدار العربية ناشرون. الرباط، ط1 / 2002 ص10

[20]: إشكالية المصطلح في الخطاب النقدي العربي الجديد، يوسف وغليسي. الدار العربية ناشرون. الرباط. ط1/ 2008 ص308

[21]: البيان والتبيين .الجاحظ.تح: عبد السلام هارون.مؤسسة الخانجي. القاهرة. دط. دت. ج1/ص11

[22]: قضايا الحداثة عند عبد القاهر الجرجاني. د. محمد عبد المطلب. الشركة المصرية العالمية للنشر. القاهرة. ط1/ 1995ص 194

[23]: البلاغة العربية. قراءة أخرى. د. محمد عبد المطلب. دار نوبار للطباعة. القاهرة. ط1/ 1995 ص194

[24]: ينظر: تفكيك الشفرة السردية. دراسة تحليل الخطاب. د. نبهان حسون السعدون. عالم الكتب الحديث. اربد الأردن. ط1 / 2014.ص09

[25]: المرجع نفسه.ص90

[26]: علم المصطلح مبادئ وتقنيات، ص46

[27]: المرجع نفسه، ص15

[28]: نفسه، ص18.

[29]: مدخل إلى السيميوطيقا، سيزا قاسم، دار إلياس، القاهرة، د ط، د ت، ص17.

[30]: علم النص، جوليا كريستيفا، ترجمة فريدة الزاهي، دار طوبقال، المغرب، 1991، ص78.

[31]: إشكاليات المصطلحية الحديثة، محمد ثناء الله الندوي، مجلة اصطلاحيات، مطبعة أميمة، فاس، المغرب، عدد1، 2011، ص14.

[32]: الامتناع والمؤانسة، أبو حيان التوحيدي، الليلة الخامسة والعشرون.

[33]: فقه اللغة وخصائص العربية، محمد المبارك، دار الفكر، ط54، بيروت، د ت، ص288.

[34]: دلالة الألفاظ، إبراهيم أنيس، مكتبة الأنجلو المصرية، القاهرة، ط2، 1962، ص107.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى