ناديا جبر - شعرية اللغة في نثر العصر الأموي

ملخص البحث :

يهدف البحث إلى دراسة اللغة الشعرية للنص النثري في العصر الأموي من خلال ظاهرة التداخل الأجناسي الذي يكشف عن الخصائص الشعرية في النثر, ويُظهر جمالياتها من خلال تجاوز الخطابين الشعري والنثري في النص, ويحقق هذا التجاور قدرة الأديب على الاستفادة من لغة الشعر, ليقارب نصه القصيدة في تموجات ألوانها وظلالها, وتعدد دلالاتها ومعانيها .

الكلمات المفتاحية :

اللغة، الشعرية، الرمز، الإيجاز ،الإيحاء ، التكثيف الدلالي ، المفارقة ، التداخل .

أهمية البحث ومشكلته:

تعدُّ ظاهرة التداخل الأجناسي من الظواهر الأدبية الفنية التي حازت على اهتمام الأدباء والنقّاد في العصر الحديث, وكان النص العربي الحديث (شعراً ونثراً) محور دراسة هذه الظاهرة وتحليلها, لإظهار جماليات تقاطع الخطابين الشعري والنثري في النص الواحد. واهتم الدارسون بدراسة النص النثري العربي الحديث, والكشف عن مهارة صاحبه في قدرته على الاستفادة من لغة الشعر ليمنح نصه الكثير من الخصائص الشعرية, ولكن أغلب هؤلاء غضوا الطرف عن النص النثري العربي القديم, ما خلا شذرات متفرقة في بعض طيات الكتب الأدبية والنقدية والتي التفت أصحابها إلى وجود تداخل أجناسي في النصوص النثرية العربية القديمة. ولكنها غير كافية, ومقصرة في إظهار قدرة الكتّاب والمبدعين آنذاك على إنتاج نصوص نثرية تمتاز بلغة أدبية فنية رفيعة.

ويحاول هذا البحث إظهار جماليات اللغة في النص النثري الأموي التي تسربلت بشعرية ظاهرة, إذ امتازت لغة النثر بالكثير من الخصائص الشعرية, ومن ثمَّ إعطاء هذا النص حقّه في الدراسة والتحليل حول هذه الظاهرة.

المقدمة :

الشعرية سمة من سمات النص الأدبي شعراً كان أم نثراً , فهي ليست حكراً على الشعر وحده, بل تتحقق في النثر أيضاً من خلال الصياغة الفنية للمعنى، و تقديمه بشكل بعيد عن التقريرية الجافة الباردة , أو عن الكتابة في درجه الصفر .وتعد اللغة الشعرية أبرز عناصر الشعرية، لأنها تظهر الاستخدام الفني للغة واستغلال طاقاتها التعبيرية .

وطالما أكد عبد القاهر الجرجاني أهمية نظم المفردة، وترابطها مع سابقها ولاحقها في نسق مترابط المعاني والدلالات، لتحقيق الجمال البلاغي في النص ([1])، أي إن (( جمال اللغة الشعرية يعود إلى نظام المفردات, وعلاقاتها بعضها ببعض, وهو نظام لا يتحكم فيه النحو, بل الانفعال و التجربة)) ([2]) وهذا يدفع المبدع إلى اعتماد لغة تقدم فكره ورؤياه ومشاعره من غير أن يتقيد بما يعيق عملية التعبير لديه, أي إنه يمكن أن تتحقق الشعرية في النص من دون الــــــوزن والقافية, فهما خاصة من خصائص الشعرية (عملية النظم) وليست كلها ((واللغة الشـــــــــعرية ذات طبيعة خاصة تعتمد اعتماداً كبيراً على الألوان و الظلال المختلفة التي تثيرهــــــا الكلمات))، ([3])وهذا يخلق تكثيفاً دلالياً يحققه كل من الرمز والإيحاء والإيجاز والمفارقة وغير ذلك مما يحول لغة النص إلى لغة موحية تمنحه جمالاً فنياً من خلال تشكيله الجمالي الفني, ومن ثم يجعله أكثر قبولاً وتأثيراً في الآخر, و يرضي إبداع صاحبه في التعبير عما يريد في فضاء من الحرية دون قيد يقيده وسنجد ذلك في الكثير من النصوص النثرية في العصر الأموي من الخطب والرسائل والتوقيعات والوصايا التي حققت تداخلاً أجناسياً مبدعاً بين الشعر والنثر.

1- الرمز و الإيحاء: تتحقق شعرية كل من الرمز والإيحاء في النثر في أنهما يقدمان المعنى بشكل غير مباشر, يعتمد التعريض لا التصريح, و يشف عن المعنى, ولا يقدمه بوضوح بل يحتاج كشفه إلى مزيدٍ من التأمل والقراءة والتحليل وربط العلاقات في النص بعضها ببعض للوصول إلى ما وراء الرمز و الإيحاء من دلالات خفية.

وبين الرمز والإيحاء لحمة قوية, فالرمز “يقوم على الإيحاء لا الوضوح, فهو تركيب لفظي أساسه الإيحاء بما يستعصي على التحديد و التقرير” ([4]) وقد يكون الرمز متحققاً في المفردة, أو التركيب, أو ربما في المعنى العام للسياق ككل وربما يكون في اللون أو الصوت أو غير ذلك وفق مقتضيات السياق التي يهدف المبدع من خلاله تقديم ما يرغب في قالب موح رامز لأمور قد لا يستطيع التعبير عنها بصراحة تامة، أو لا يرغب في تقديمها بشكل مباشر، وإنما يريد إبرازها في غموض شفيف بعيداً عن التقريرية الجامدة، وقد يبحث عن رموز لها فعلها وتأثيرها القوي في الأخر، كما هو (السيف) الذي يرمز إلى القوة والمقاومة والقتل والتحدي .

وقدمه الخليفة عبد الملك بن مروان رمزاً لسياسيته, و عنواناً لمنهج الحكم حين توليه الخلافة, ومما قاله في أولى خطبه:” من قال برأسه كذا, قلنا له بسيفنا كذا([5])”، لقد ترافق القول مع الحركة, فالرأس لا يقول على سبيل التجريد، و لكنه يتحرك, و جعل حركته ( كذا) رمزاً لعدم القبول, أو إشارة للإعراض عن الحاكم, فكانت حركته قولاً يقابله قول السيف من خلال حركته أيضاً, فالسيف لا يقول أيضاً، و لا ينطق، و لكن فعله هو قوله الذي يعد رداً على قول الرأس, و يقصد الخطيب بقوله (من قال برأسه كذا)، أولئك الذين يعرضون عنه, ولا يقبلون به, وربما هم رموز المعارضة للحكم الأموي, وإلا لما كان الرد على ذلك بقول السيف الذي يعني أشد العقوبات وهي القتل, حيث يراها أنجع الحلول لإخماد أصوات المعارضة, لأنه استلم الخلافة في غمرة النزاع والصراع حول السلطة “ولم ير بداً من إخماد الأصوات والحركات بالإكراه والتهويل…. وأطلق سنة الاستبداد والكتب كسنة عامة لحكمه, لا خيار للناس فيها ([6])”كذلك أوصى قواده و أمراءه بأن القوة هي التي تسوس الرعية, و السيف عنوانها.

ومما بعث به إلى الحجاج بن يوسف الثقفي يغلظ له أمر الخوارج مع قطري بن الفجاءة ” أما بعد : فإني أحمدُ إليك السيف” ([7]) و أن يحمد له أمراً, أي أن يتبعه و يلتزم به, فكان (السيف) مما أوحى له باتباع أقسى أنواع العقوبات, والابتعاد عن اللين إلى الشدة في أبعد منتهاها. وتوافق معه الحجاج الذي نهج طريق خليفته في اتخاذ السيف قانوناً و شرعاً، ومما كتب به إلى الوليد بن عبد الملك : “صرفتُ السيف إلى النطف المسيء” ([8]) فمن هو عرضة للشك أو الريبة , فليس أمامه إلا السيف , و لا خيار للناس سواه . كذلك يظهر السيف عند عتبة بن أبي سفيان و هو يتوجه لأهل مصر محذراً متوعداً :” يا أهل مصر : إياكم أن تكونوا للسيف حصيداً” ([9]), السيف رمز للموت, لا بل تأكيده، وكثرة وقوعه, وهذا ما أوحت به كلمة ( حصيداً) ،فالناس زرعٌ, وإذا اعترضوا أو ناهضوا الحكم, فالسيف يحصدهم حصداً, والحصاد يدل على الكثرة لكنه حصاد الأرواح, مما حمل النص شعرية التصوير من خلال ما أوحى به(السيف) و فعله, و بذلك جسد كل من الإيحاء والرمز غضب الخطيب الذي لا هوادة فيه, وصرامته في التعامل مع أهل مصر .

ومن خلال هذه الأمثلة نجد أن السيف رمزٌ من رموز السياسية الأموية, و هو شيء مادي محسوس واضح الدلالة, بعيد عن الغموض, لكنه أصبح أحد أدوات التعبير, وأهم أدوات السياسة أيضاً التي استخدمها الحكام والقواد والأمراء لإسكات أصوات المعارضة , وخاصة تلك التي ارتفعت في العراق, ولا سيما في الكوفة التي كانت “كالمرجل الذي يغلي ولا يكف عن الغليان”([10]) وهذا ما دفع الحجاج لمهاجمة أهل العراق بأقذع الكلام, لتترد “أهل العراق” في خطبه كثيراً, وتكون رمزاً للنفاق والخداع والمكر, وكثيراً ما كان يفتتح هذه الخطب بصيغة النداء “يا أهل العراق والشقاق والنفاق ([11]) ” “يا أهل العراق لا تذكرون حسنة و لا تشكرون نعمة”([12]) ,” يا أهل العراق ألم تنهكم المواعظ ؟” ([13])

فـ “أهل العراق “عند الحجاج رمزٌ للشغب والشقاق والإعراض عن ولي الأمر.

لذلك فهو يتوعد لهم بعقاب شديد كما في قوله في إحدى خطبه” إني لأنظر إلى الدماء ترقرق بين العمائم و اللحى” ([14]) فاللام (لأنظر) المستقبلية تقدم صورة افتراضية لمشهد دموي, أي إشارة إلى كثرة الدماء التي سيسفكها في العراق, و كلمات السياق كلها مشبعة بالموت, وقد شحنت بطاقة إيحائية لتشير إلى نظرته إلى مستقبل أهل العراق وقد وضع هذا الحل الدموي للحد من شرورهم ونفاقهم وقد لجأ إلى ذلك بقصد “إثارة الرعب والفزع في نفوس جمهوره “، ([15]) وإظهار قوته وكلمة (ترقرق)توحي بكثرة الدماء وكثافتها، وهذه إشارة إلى كثرة أعداد المقتولين بسيفه عله يزرع الخوف في نفوسهم، وبذلك يخفف من وطأة شقاقهم، ويحد من نفاقهم, وهنا أدى الرمز وظيفته في إثراء الدلالة, وإحداث تأثير فعال في الأخر .

ويتبدى الرمز بأشكال متنوعة ” فهناك الألفاظ المفردة, التي تعد مراكز في الرمزية, و الشكل الآخر تبدو فيه عبارة قصيرة, أي نواجه تركيباً لغوياً من كلمات رمزية عدة” ([16])، كما في قول الحجاج وهو يمعن في إظهار قوته حتى أمام الخليفة نفسه، فقد كتب إلى سليمان بن عبد الملك : ” إنما أنت نقطة من مداد، فإذا رأيت فيّ ما رأى أبوك وأخوك، كنت لك كما كنت لهما، و إلا فأنا الحجاج، و أنت النقطة, فإن شئت محوتك، وإن شئت أثبتك، “([17])النقطة من مداد هي رمز لما هو قليل جداً أو صغير الشأن, و قد جعلها المرسل ترمز للخليفة, و هو رأس الهرم في هيكل الحكم, وأما قوله “أنا الحجاج” فما هو إلا رمز للقوة و القدرة الكبيرة, ولعله توجس شيئاً لا يسره من الخليفة الجديد, فيطلب منه أن يبقيه في مكانه الذي ثبته فيه من سبقه في الحكم ( أبوك و أخوك ) ويهدده صراحةً بقوله : وإلا فأنا الحجاج، ويضع نفسه والخليفة على طرف محور واحد (أنا الحجاج و أنت النقطة)، لكنه ليس بشكل متناظر , أي نحن أمام طرفين لهذا المحور وهما القوة والضعف، والقوة تتغلب على الضعف، ولا شك أنه هو القوة والنقطة هي الخليفة، ومن ثم فالسياق كله يوحي بمدى شعوره بقوته وثقته بنفسه, وهو تمكين لسطوته ما بعده تمكين , و قدرة على الفعل , و صلاحيات مطلقة تجاوزت مكانته بوصفه والياً و قائد جيوش لمن هو أعلى منه في الرئاسة, و هو الخليفة عينه. فالرمز هنا قدم عبارات موحية, ثرية الدلالة مما أضفى شعرية ظاهرة في هذه الرسالة ومن جميل ما رمز إليه الحجاج – بعيداً عن البطش و التهديد – قوله في رسالة وصلته من يزيد بن المهلب وقد أعجب ببلاغة صياغتها : ” ما يزيد بأبي عًذر هذا الكلام “([18]) , إنه يشير إلى أن يزيداً ليس من كتب هذه الرسالة, فهو ليس ” أبو عذر ” هذا القول, أي ليس من ابتدعه, وهناك من سبقه إلى ذلك, فالحجاج يقدم رأياً نقدياً بهذه العبارة الرامزة الموحية.

وفي رسالة بشير بن أبي دلجة، وهو من كتاب الرسائل زمن هشام بن عبد الملك، إلى صديقه عياض في العراق، وهو من حاشية خالد القسري والي العراق, يعلمه فيها أن الخليفة هشاماً ينوي عزل خالد عن العراق, وتولية يوسف بن عمر الثقفي والي اليمن بدلاً منه ([19])، وجاء في الرسالة : ” قد بعثوا إليك بالثوب اليماني , فإذا أتاك فألبسه واحمد الله عليه” ([20]) ،فالثوب اليماني يرمز إلى الوالي الجديد, وقد لجأ إلى الرمز لضرورة سياسية, وهي الحفاظ على أسرار الخليفة والحكم وخوفاً من انتشار الأمر قبل إعلانه رسمياً وكذلك يوصي صديقه بإتباع هذا الوالي الجديد من خلال قوله ” ألبسه “وهي” رمزٌ للسمع و الطاعة “([21]) وقوله ” احمد الله عليه ” يوحي أن هذا الوالي الجديد أفضل من سابقه.

وقد أحالنا ما هو مادي (الثوب ولبسه) على ما هو مجرد معنوي ( الرضا والقبول والطاعة) ،أي إن الرمز أدى وظيفته في إيصال الرسالة بنجاح دون اللجوء إلى التقريرية المباشرة ” ومن هنا تنبع قوته, ويظهر تفوقه على الصورة التقريرية الباردة “([22])، ومن ثم قدم الرمز الفكرة, وصاغها بطريقة شعرية.

وخلاصة القول: إن الرموز السابقة التي اخترناها أظهرت أحد وجوه جمال اللغة الشعرية, وأدت وظيفتها على المستويين: المعنوي والجمالي الفني, ولم يكن استحضارها عبثاً لغوياً، وإنما توافق الشكل مع المعنى وتجاور الشعر مع النثر وفق آلية ناجحة .

2- الإيجاز : يعد الإيجاز ظاهرة أسلوبية استخدمها الأدباء والشعراء, وهو من عناصر اللغة الشعرية, لأن الشعر لا يحتمل التشعب والتفصيل, بل يعتمد اللمحة والإشارة ولذلك يخلق الإيجاز التكثيف الدلالي في النص الأدبي.

وهو كما عرفه النقاد ما “يدل بالقليل من اللفظ عن الكثير من المعنى” ([23]), مما يعني استخدام الألفاظ التي تكتنز معنى مكثف الدلالة, ولا يقدر على ذلك إلا أصحاب البيان والبلاغة والفصاحة, وهم كثر في هذا العصر من خطباء ومترسلين ووعاظ وحكماء وغيرهم .

ولم يكن الخلفاء الأمويون وقوادهم وأمراؤهم أقل شأناً في ميدان القول والفصاحة, بل ظهرت مهارتهم في البلاغة, فيما صدر عنهم, من ذلك ما جاء في خطبة عبد الملك بن مروان في مكة, وفيها قال: ” أيها الناس, إني والله ما أنا بالخليفة المستضعف, ولا بالخليفة المداهن, ولا بالخليفة المأفون, فمن قال برأسه كذا, قلنا له بسيفنا كذا “([24]) . إنه يرسم صورة لنفسه , و لمعالم شخصيته الإدارية و السياسية , فقوله إنه ليس بالخليفة المستضعف يعني أنه قوي , بعيد عن الضعف والهوان, لا يقبل أن ينال أحد منه, وليس هو بالخليفة المداهن, أي لا يقبل المهادنة واللين, لا يسلك طريق الدهاء, بل يعتمد سياسة صريحة واضحة تعتمد القوة والصراحة, كما أنه ليس بالخليفة المأفون, ويعني انه ليس ضعيف الرأي والعقل, بل لديه من الحكمة وسداد الرأي ما يجعله جديراً بالحكم والخلافة .

ولقد لخص ذلك كله مقدماً نفسه من خلال عرض نقيضها، وينفي عن نفسه ما يوجد في هذا النقيض من العيوب, كذلك لخصت عبارته الأخيرة سياسته وكشفت عن إيديولوجية عنيفة في التعامل مع الخصم أو المعارضة ومن ثم أدى الإيجاز وظيفته في توضيح دلالات متعددة من خلال تلك الجمل الاسمية التي وصفت فأوجزت ووقدمت صورة عن سياسة الخليفة الجديدة فاقتضبت مما أشاع ملمحاً من ملامح الشعرية في هذه الجمل الموجزة. وفي رسالة لعبد الملك وجهها إلى الحجاج كتب له فيها : ” أما بعد, فإني أحمد إليك السيف وأوصيك بما أوصي به البكري زيداً “([25]) , إنه يحدد له أساس التعامل مع الأعداء بالطريقة الناجعة ( السيف ) ويوصيه ألا يكثر من الكلام والصياح والثرثرة دون أن تقترن بالفعل, وأن يبقى في جاهزية تامة, واستعداد دائم لخوض الحرب الضروس لأن هذه وصية البكري زيداً([26]), فلم يشرح له ذلك كله, وإنما يلتزم الوصية وينفذ ما جاء فيها وهو عالم بها, واكتفى باليسير من اللفظ ليغنيه عن الكثير, لأنه وجد في هذه الألفاظ القليلة معاني كثيرة يريد إيصالها من خلال رسالته الموجزة التي كثفت دون إخلال بالدلالة. ونلحظ تداخل الوصية بالرسالة أيضاً إضافة إلى تداخل الشعري والنثري الذي حققه التكثيف الدلالي, أي إن هذا النص القليل الألفاظ أحدث تداخلاً أجناسياً وتداخلاً نوعياً في آن من أجل إبلاغ الرسالة.

وقد يفرض الموقف نفسه طبيعة بناء النص, فقد كان للسياسة وقعها في المراسلات ولا سيما تلك كانت بين الفرق المتعارضة, حيث المشاحنات في الإرسال و الرد, الأمر الذي لا يتحمل الإسهاب, وإنما يعبر عن موقف سياسي يناسبه الإيجاز في ذلك ومن المراسلات – بعيداً عن الإحصاء – رسالة الحجاج بن يوسف الثقفي إلى قطري بن الفجاءة وقد كتب فيها : “سلام عليك , أما بعد, إنك مرقت من الدين مروق السهم من الرمية! وقد علمت حيث تجرثمت ذلك أن عاص الله ورسوله ولولاة الأمر, غير أنك أعرابي جلف, تستطعم الكسرة , وتشتفي بالتمرة, لأمورٍ عليك حسرة, خرجت لتنال شبعة, فلحق بك طغام صلوا بمثل ما صليت به من العيش, يهزون الرماح, ويستنشقون الرياح, على خوف وجهد من أمورهم, وما أصبحوا ينتظرون أعظم مما جهلوا معرفته, ثم أهلكهم الله بنزحتين و السلام “([27]) .

لقد عرضنا نص الرسالة كاملاً لإظهار الإيجاز فيه, وفيه يتهجم المرسل على المرسل إليه, ويتهمه بضعف إيمانه, مصوراً ذلك بطريقة فنية ( مارق من الدين مروق السهم من الرمية ) فناسب التشبيه الإيجاز, فمروق السهم – على وجه الحقيقة – لا يستغرق زمناً, و إنما يتم بلمح البصر, ويحتاج إلى دقة متناهية, وهذا الزمن القصير والسريع الانقضاء يلائم حال المرسل إليه ( ابن الفجاءة ) فهو لم يتعمق الإيمان, ودقة الرمي تؤائم دقة تصوير الحجاج له بهذه الطريقة الفنية, وتتابعت الجمل بعده لمزيد من توضيح الصورة, فهو يعصي الله و ولي الأمر, لأنه من خصوم الخليفة ومعارضيه, ووفق نظرية التفويض الإلهي فالخليفة هو الموكل من الله بخلافة الناس وسياستهم, فهو ولي أمرهم, فمن عصاه عصى الله, كما أنه ينال من أصحابه الطغام الذين يتهالكون على الموت و(يهزون الرماح ), فلا يتركونها ساكنة, وإنما يحفزونها للقتال وسفك الدماء, فأهلكهم الله. وبذلك مثلث الرسالة أحد وجوه الصراع بين الحزب الحاكم وأحد الأحزاب المعارضة ( الخوارج) وتقاطع الديني فيها مع السياسي, لأن المرسل يرمي إلى النيل من خصمه السياسي بالطعن عليه في إيمانه, وهذه الحال لا تتحمل الانتظار أو التمهل ” وكان الدافع إلى الكتابة في هذا الموقف يتطلب الإيجاز”([28]), فأدى الإيجاز وظيفته في إيصال الرسالة بطريقة بلاغية, فيها من التأثير ومحاولة الإقناع, مما أحدث تداخلاً نوعياً بين الرسالة والخطبة, لأن المرسل حاول جهده تأكيد فكرته, وإيصالها إلى المرسل إليه بطريقة فنية موجزة, تضافر فيها الشكل مع المضمون, فأضفى كل من الإيجاز وجمالية التصوير والسجع مزيداً من الشعرية على النص فجاور الشعر النثر محدثاً تداخلاً آخر, هو التداخل الأجناسي, وكان لغاية سياسية هي النيل من الخصم والحط من شأنه.

ونجد في التوقيعات ميداناً رحباً للإيجاز, ليكون السمة الأسلوبية الرائدة فيه, و منها توقيع عبد الملك في كتاب الحجاج الذي أرسله يشكو فيه أهل العراق, فوقع له في الكتاب: ” ارفق بهم, فإنه لا يكون مع الرفق ما تكره, ومع الخرق ما تحب ” ([29])

إن قوله (ارفق بهم) توجز عنف سياسة الحجاج مع أهل العراق, وقد اختاره عبد الملك حاكماً للعراق ” لأنه شديد البطش, قوي الارتباط بالأمويين, ولا تؤثر فيه ميول العراق الموزعة بين الشيعة والخوارج ” ([30]) ومع ذلك فإن هذا الخليفة ذاته يطلب منه المهادنة والتخفيف من وتيرة عنفه مع الناس, فالسياسة الناجحة تكون بين(الرفق و الخرق) وهذا ما بينه التوقيع ليؤسس لعلاقة أفضل بين الأمير والرعية, وتكون صلة ناجحة بين الحاكم والمحكوم لتخفيف حدة الخرق, ومن ثم الحفاظ على عرش الخلافة من ثورة التمرد في العراق, فالكوفة (مركز الثورة المضادة ([31]) و التصعيد مع أهلها يعرض الحكم الأموي للخطر, وهذا ما يرمي إليه الخليفة من توقيعه, وبالتالي تجاور الخطاب السياسي مع الوعظي – الاجتماعي من أجل هذه الغاية, وأدى الإيجاز وظيفته من خلال هذا التكثيف الدلالي الذي قدمته تلك الجمل القصيرة, إضافة إلى تشكيله الفني الذي صاغه كل من الإيجاز و الطباق و الجناس ) الرفق – الخرق, ما تكره – ما تحب (ناهيك عن وقع الحروف وجرسها المتماوج بين الهمس والجهر, مما جعل التوقيع يتسر بل بشعرية ظاهرة. وفي توقيع آخر لعبد الملك في كتاب الحجاج الذي يخبره فيه بقوة ابن الأشعث نجد التكثيف الدلالي يوجز الحال التي وصل إليها الحجاج, ويرسم صورة مكثفة لما يجري على أرض الواقع, فقد وقع له:”بضعفك قوي, وبخوفك خلع”([32]) , لأن استقراء الأحداث الجارية والصراح الدائر بين جيش الأمويين بقيادة الحجاج, وجيش ابن الأشعث, دفعت الخليفة إلى مثل هذا التوقيع, مقدماً فيه فكرة السياسي والعسكري الذي أوضح السبب والنتيجة, فلعل تراخي الحجاج في القتال وضعفه كان سبباً في ازدياد قوة الخصم وتجرئه على خلع الخليفة, وهذا يظهر قوة المنطق لدى الموقع و تحليله السليم للوقائع الحاصلة على أرض المعركة بين طرفين متقاتلين, وقد تفوق أحدهما على الآخر لامتلاكه مقومات القوة مقابل الطرف الآخر الأضعف. ولعل هذه القراءة العسكرية والسياسية المكثفة من قبل الخليفة دفعته إلى هذا التوقيع الموجه إلى أقوى قواده ليشكل ضربه له تحفزه على المزيد من المقاومة والنهوض بقوة أكبر, فالحجاج لا يقبل أن يصفه أحدٌ بالضعف, والخليفة يعلم ذلك, لذلك أرسل إليه بهذا التوقيع الذي يحمل معاني كثيرة قدمها الإيجاز بنجاح, وكان أبلغ من التفصيل والإسهاب, وهو توبيخ مبطن, وحافزٌ في آن, أراد الخليفة من خلاله أن يمكن لسلطته ويهزم خصومه, ومن ثم حمل التوقيع قيمة سياسية, ظهرت في ثوب شعري.

وفي توقيع عمر بن عبد العزيز إلى عامله في حمص يرد فيه على كتابه الذي طلب فيه من الخليفة أن يأذن له ببناء حصن للمدينة, فوقع له : “حصنها بالعدل والسلام “([33]) إنه يدعوه إلى حسن الإدارة وإقامة العدل والأمن في المدينة, وهذا هو الحصن الحقيقي لها, فهي لا تحتاج للمال لبناء التحصينات, وإنما إلى حماية الناس وتحقيق الأمن لهم, و العدل بينهم, ليعم السلام, فغاية الخليفة أن يكون الناس في أحسن حال من الأمن والطمأنينة, وقد تكثفت هذه المعاني في هذا التوقيع الذي يدل على مهارة إدارية و سياسية لدى الموقع, وعلى مهارة بلاغية

3- المفارقة : المفارقة ظاهرة أسلوبية من ظواهر الشعرية, لما تنطوي عليه من طريقة بنائها وتشكيلها الفني الذي يحمل المعنى والدلالة و” لا بد لإقامة بناء المفارقة من وجود مستويين للمعنى في التعبير الواحد : المستوى السطحي للكلام على نحو ما يعبر به, والمستوى الكامن الذي لم يعبر عنه “([34]) ومن خلال الاحتكاك بين المستويين تتولد المفارقة ([35]), فهناك علاقة بين ظاهر الكلام وباطنه , أي بين اللفظ الحرفي ومعناه ودلالتـــــــه و” إن أهم ما يعول عليه في تجاوز المعنى الحرفي المباشر إلى المعنى الأسلوبي المفارقي هو السياق “([36]) , وهذا يقودنا إلى القول : إن المفارقة تقترب من ظواهر فنية أخرى, كالمجاز والاستعارة والكناية, لأن كلاً منها يتضمن مستويين للمعنى : مستوى سطحياً ظاهراً, ومستوى عميقاً خفياً ([37]), إضافة إلى ثنائية الدلالة التي تحملها هذه الظواهر الفنية .

ويضاف إلى ذلك في المفارقة في مظهر التصميم استنادها إلى التضاد والتنافر والمقابلة ([38]), وما تنطوي عليه من عناصر أخرى : الدهشة والسخرية والازدواجية في التعبير ([39]) وبناء على ذلك تعد المفارقة إحدى سمات اللغة الشعرية التي تمنح النص درجة رفيعة من الإبداع, وتفتح الأفق أمام المتلقي لمزيد من التأويل والتأمل .

ونجد صوراً للمفارقة في النصوص النثرية في هذا العصر, تدل على مقدرة بيانية وبلاغة عند أصحابها, وحضور بديهة, وسرعة خاطر, مما يبعد لغة تلك النصوص عن التقريرية المباشرة الجافة إلى لغة طافحة بالشعرية.

من ذلك ما قاله أحد خواص علي بن أبي طالب في وصفه : ” كان فينا كأحدنا… ونحن مع تقريبه إيانا, وقربه منا, لا نكاد نكلمه لهيبته, ولا نبتدئه لعظمته “([40]) .

سياق النص الظاهر واضح, لكن ما تولد عنه من دلالات يكشف أن هناك معاني قابعة في سياق الباطن, فالكلمات التي تدل على قرب الإمام من الناس, هي ذاتها تمنع اقترابهم منه, و هو قريب منهم, متواضع لهم, لكنهم لما يجدون فيه من الهيبة والعظمة تجعلهم ينكفؤون عنه مهابة وإجلالاً له, فهو وإن كان فيهم كأحدهم, لكن السياق يدل على أنه ليس كمثلهم, و إلا لماذا يكادون لا يكلمونه لهيبته, ولا يبتدؤونه لعظمته. و هنا يمكن أن نقول: إن الألفاظ ومعانيها أحالت على دلالات أخرى, ذلك أن ” المعنى والدلالة ليسا شيئاً واحداً, ولا يمكن أن تتأكد دلالة المعنى إلا عندما يرتبط بإشارة خاصة تجعله قابلاً للترجمة في العبارات المألوفة ” ([41]), واعتمادا على ذلك فإن المفارقة نهضت على الألفاظ المتماثلة, وتولدت دلالتها من خلال المعاني المتضادة.

وفي إحدى خطب الوفود نجد مفارقة لطيفة ومتمثلة في هذه المحاورة التي دارت بين عبد الله بن الزبير وأبي حاضر الأسيدي وقد وقف يخطب بين يدي ابن الزبير الذي أسكته قائلاً ” اسكت, فو الله لو وددت أن لي بكل عشرة من أهل العراق رجلاً من أهل الشام, صرف الدينار بالدرهم, قال: يا أمير المؤمنين إن لنا ولك مثلاً, أفتأذن في ذكره؟ قال: نعم, قال: مثلنا ومثلك ومثل أهل الشام قول الأعشى حيث يقول:

علقتها عرضاً, وعلقت رجلاً غيري, وعلق أخرى غيرها الرجل ([42]) أحبك أهل العراق, وأحببت أهل الشام, وأحب أهل الشام عبد الملك بن مروان “([43])

تظهر المفارقة في هذه العلاقات المتشابكة بين الأطراف, والتي تولد الدهشة, فنحن أمام ثلاثة أنساق:

النسق الأول : متمثل في قوله( مثلك و مثلك أهل الشام )
النسق الثاني : متمثل في بيت الشعر : ( الشاعر يحب المرأة وهي تحب رجلاً غيره وهذا الأخير يحب امرأة أخرى غيرها )
النسق الثالث : متمثل في قوله : ( أحبك أهل العراق, وأحببت أهل الشام, وأحب أهل الشام عبد الملك بن مروان)

وتظهر براعة الخطيب في قدرته على الربط بين هذه الأنساق الثلاثة, مما دل على حضور البديهة لديه وسرعة الخاطر, وهذا من أهم مقومات بناء المفارقة التي تولدت – عبر الأنساق الثلاثة – من خلال الألفاظ المتمثلة في معناها, ولكنها متضادة في دلالتها, فالمحبة عادة تتم بين طرفين أو أكثر, ويتبادل المحبون هذه المحبة, لكنها هنا تتم من طرف واحد, لأن الطرف الثاني يحب طرفاً ثالثاً, وهذا الأخير يحب طرفاً آخر, ومن ثم فإن ” تضاد التراكيب ولد مفارقة ” ([44]) وهذا التضاد ناشئ من المعاني, والدلالات التي يحيل عليها السياق ومن المفارقات ما يقدم على التضاد كما في قول سعيد بن عمرو بن سعيد و قد وفد على عبد الملك, فسأله الخليفة: ” كيف تجدك ؟ ((قال:)) أجدني قد ابيض ما كنت أحب أن يسود , و اسود مني ما كنت أحب أن يبيض , و اشتد مني ما كنت أحب أن يلين, ولان مني ما كنت أحب أن يشتد “([45])

إنه يقدم جملة من الثنائيات المتصارعة, التي تدل على تبدل حاله وقد كبر سنه , وهو يستنكر ما آلت إليه الأمور وفق مالا يشتهي وما لا يحب, وقامت هذه الثنائيات على الطباق والمقابلة, وأظهرت أن كل ما حدث مع الرجل يناقض رغبته, فيستنكره وهنا تكمن المفارقة, لأن ” التناقض في المفارقة.. فكرة تقوم على استنكار الاختلاف والتفاوت بين الأوضاع كان من شأنها أن تتفق و تتماثل , أو بتعبير مقابل تقوم على افتراض ضرورة الاتفاق فيما واقعه الاختلاف” ([46]) ،فهو غير راضٍ عن وضعه, وتحيلنا هذه المفارقة على أزمة نفسية يدل عليها السياق متمثلة في عدم قبوله لما هو فيه, فهو يفترض غير الحال التي وصل إليها في الواقع, وكأنه كان يتوقع غير ذلك, فقد فاجأه التقدم في السن إلى ما لا يحبه, ويمكن أن نقول إنها مفارقة زمنية, وتفهم دلالتها من المعاني المتضادة التي قدمت صورتين لهذا الرجل, الصورة الواقعية, والصورة الافتراضية التي كان يحب أن يكون عليها, وكلتا الصورتين تولى الزمن المفارقي رسمهما .

وفي موضع آخر يظهر الطباق جمالية المفارقة في قول أبي حمزة الشاري في إحدى خطبه التي يصف فيها شباب الخوارج, وقد قال عنهم : ” باعوا أنفساً تموت غداً, بأنفس لا تموت أبداً “([47]) . فكيف تموت هذه الأنفس, ولا تموت؟ هنا بؤرة المفارقة, إذْ بناها الخطيب مستمداً معناها من عقيدته الإسلامية التي تؤكد أن المؤمن الزاهد في الدنيا متيقن أنه سيموت يوماً ما, لذلك يقدم نفسه رخيصة ليكسب نفساً أخرى خالدة ( لا تموت أبداً ), وذلك حين ينال ثواب الآخرة التي سعى إليها من خلال زهده في الحياة الدنيا, وبذلك ” تنعقد بنية المفارقة على علاقة التضاد أو الازدواجية بين المنطوق اللفظي, وبين الدلالة المحمولة التي يرشحها السياق “([48]) و هذه الدلالة لا يمكن التوصل إليها إلا من خلال التعرف إلى فكر الخطيب وإيديولوجيته الدينية و المستمدة من مبادئ الدين الإسلامي, وهدف من خلال ذلك إلى الاعتزاز بهؤلاء والإعجاب بهم .

ومن صور المفارقة القائمة على التناقض ما يكون في اجتماع النقيضين في الشخصية الواحدة, أو ما يسمى ” عدم اتساق الشخصية مع نفسها “([49]) , أي أن يناقض قولها فعلها, ومن ذلك, ما عبر عنه عبد الله بن عباس في رسالة وجهها لأهل الشام كتب فيها: ” أتأمرون الناس بالتقوى, وبكم ضل المتقون؟ وتنهون على المعاصي, وبكم طهر العاصون؟ “([50]) فهو يدل على مخالفة أهل الشام أقوالهم في أفعالهم, وهذا تنافر في السلوك, والتنافر يولد المفارقة, والتي تكون حين ” تبنى الشخصية موقفاً قائماً على التضاد في الأقوال والأفعال “([51]), فهي تدعو لأمر, ولكن لا تفعله, وربما تفعل ضده, وهذا ما يزيد من درجة المفارقة, وهنا تؤدي المفارقة وظيفتها في إبراز أحد وجوه الصراع الســــــــياسي – الديني في العصـــــر الأموي , إذ أراد المــــــــرسل أن يهزأ بالمرسل إليه (أهل الشام) ويحط من شأنهم من خلال الطعن في سلوكهم الذي يناقض أقوالهم .

وتبنى المفارقة أيضاً من خلال التصوير الفني, كما هو في خطبة الحجاج بمكة بعد مقتل ابن الزبير, وقال فيها: ” ألا إن ابن الزبير كان من أحبار هذه الأمة, حتى رغب في الخلافة, و نازع فيها, وخلع طاعة الله, واستكن بحرم الله, ولو كان شيءٌ مانعاً للعصاة لمنع آدم حرمة الجنة, لأن الله تعالى خلقه بيده, وأسجد له ملائكته وأباحه جنته, فلما عصاه أخرجه منها بخطيئتـه, وآدم على الله أكرم من ابن الزبير والجنة أعظم حرمة من الكعبة “([52]) إن التشبيه التمثيلي ولد المفارقة من خلال استحضار حالين ماثل بينهما الخطيب, فحال ابن الزبير وقد اعتصم بحرم الله, ثم خرج منها لأنه عصاه, كحال ابن آدم عليه السلام وقد سكن الجنة ثم أخرجه الله منها, لأنه عصاه أيضاً, وقد لجأ الحجاج إلى ذلك ليسوغ قتله ابن الزبير الذي يتمتع بمكانة دينية وسياسية رفيعة لدى المسلمين, ليهدئ من روع الناس الذين استنكروا عليه فعلته, كما أنه أحدث نوعاً من الدهشة لدى المتلقي من خلال هذه الصورة من المشابهة, ليصل إلى غايته, وهي صرف الناس عن السياسة, وعدم تطلع أحدهم للخلافة مهما كانت منزلته, فهي حكرٌ على بني أمية, ومن يعصيهم ويتطاول على حقهم في الحكم, فقد عصى الله واستوجبت عقوبته, وكما تناول آدم الثمرة المحرمة التي نهاه الله تعالى عنها فخرج من الجنة, كذلك تطلع ابن الزبير إلى الخلافة فقتل لأنه أقدم على ذلك, كأن الخلافة هي الثمرة المحرمة على الناس كلهم ما عدا بني أمية, لأنهم خلفاء الله على الأرض, وهذه هي النقطة الجوهرية التي بنيت عليها المفارقة من خلال هذا التصوير الشعري, وليس فقط تسويغ قتل ابن الزبير, وهذا الحدث الكبير يحمل خلفه دلالة أكبر من تسويغ الفعل, أي إن ” فن المفارقة يأخذ تأثيره مما يختبئ تحت السطح, وهذا ما يكسب المفارقة عناية أصالة الفن العظيم وجرسه, الفن الذي يقول أكثر مما يظهر أنه يقول “([53])

والخطبة تقول : يجب ألا يطمع أحد في عرش الخلافة, وهذه هي الرسالة التي تريد لسلطة إيصالها إلى الرعية.

ومن تسويغ القتل إلى تسويغ اللعن والشتم في خطبة خالد القسري, حين أمره سليمان بن عبد الملك بشتم الحجاج ونشر عيوبه, بعد أن كان خالد قد مدحه, وأثنى عليه فقال في خطبته: ” إن إبليس كان ملكاً من الملائكة, وكان يظهر من طاعة الله ما كانت الملائكة ترى له به فضلاً, وكان الله قد علم من غشه وخبثه ما خفي على ملائكته, فلما أراد الله فضيحته أمره بالسجود لآدم, فظهر لهم ما كان يخفيه عنهم, فلعنوه, وإن الحجاج كان يظهر من طاعة أمير المؤمنين ما كنا نرى له به فضلاً, وكان الله قد اطلع أمير المؤمنين من غشه وخبثه على خفي علينا, فلما أراد الله فضيحته أجرى ذلك على يدي أمير المؤمنين, فلعنه, فالعنوه لعنة الله “([54])

إن هذه المطابقة الدقيقة بين الحالين, وعقد الشبه بينهما كان لتقديم الحجة الأكيدة, التي نوجب لعن الحجاج, وكانت اللغة الطيعة بين يديه هي أداته لصياغة هذه الخطبة, وتنفيذ ما يرمي إليه, و بذلك أحدث ” مفارقة لغوية استخدم الخطيب فيها الحيل اللغوية بأسلوب المراوغة, وبكيفية تقترب – في كثير من الأحيان – من مفهوم اللعب الذهني”([55]) , فهو يراوغ نفسه أولاً, ويراوغ الناس ثانياً, لأنه ممن مدح الحجاج, والآن – و لسبب سياسي- يلعنه تنفيذاً لأوامر الخليفة. ونضيف إلى هذه الحيل اللغوية حيلة التصوير من خلال التشبيه الذي أحدث بدوره مفارقة تصويرية, مما زاد في إثراء المفارقة ودلالاتها .

ونلحظ أن الخطيب بدأ بالحديث عن إبليس وسبب لعن الله له, بعد أن اطلع على خبثه وغشه, و ربطه بالحديث عن الحجاج وسبب لعنه, لأن الله اطلع الخليفة على غشه أيضاً بعد أن كان خافياً, وهنا تعظيم للخليفة, فهو على علاقة مقدسة مع الله وفق منظور الخطيب السياسي والديني, ومن خلال الربط بين الحالتين تتولد المفارقة، وفي هذه النقطة التي يلتقي فيها الطرفان المتقابلان أدهش الناس بهذه المقارنة, فكانت المفارقة هنا ” من أقوى أدوات كسر أفق توقع المتلقي, وذلك بأنها تقوم بالأساس على الدهشة “([56])

وفي كلتا الخطبتين نجد الأمر ذاته, وهو تضاد مقدمات الأحداث, أو أسبابها مع نتائجها” وفي هذا المنحى من التضادات يؤدي الحدث إلى خلاف ما هو متوقع بطريقة فجائية غير متوقعة “([57]) ،وقد نشأ هذا التضاد من المقابلة التي قابل فيها الخطيب – في الخطبتين معاً – بين حالين ليكون كلامه أكثر تأثيراً في المتلقي, وهنا ” تكمن جماليات المقابلة في خلق نوع من المفاجأة والغرابة “([58]), إضافة إلى ما تولده من دلالات خفية في النص.

ونجد في التوقيعات مجالاً رحباً لبناء المفارقة, لأن التوقيع يبتعد عن المباشرة في الرد على صاحب الرسالة, ويعتمد الإيجاز, ويتطلب” مقدرة على البيان, وسرعة خاطر وحضور بديهة “([59]) , وبذلك تتقاطع بنيته مع بنية المفارقة في كثير من الوجوه و من توقيعات الخلفاء ما وقعه معاوية بن أبي سفيان في كتاب إلى والي البصرة يسأله أن يعينه في بناء دار بالبصرة باثني عشر ألف جذع, فوقع له : ” أدارك في البصرة, أم البصرة في دارك؟! “([60]), إن هذا التوقيع– لا شك فاجأ المرسل إليه, و كسر أفق التوقع لديه, فكانت الدهشة أهم عناصر المفارقة هنا, إضافة إلى وجود ظلال طريفة و نوع من الفكاهة, وإن كانت فكاهة ساخرة, لكن ” الحسن بالفكاهة هو من صميم بنية المفارقة”([61]) وقد جاءت ممزوجة بالسخرية, وهنا ” سخرية المفارقة لا تعني الهجوم على نحو ما تفعل السخرية المجردة “([62]) فالخليفة الموقع يغمز للوالي أن البصرة ملك يمينه, وهي كلها بين يديه, أو كأنها داره, و ليست داره جزءاً من البصرة, و لعله أدهشه, فالوالي كان يتوقع غير ذلك, وجاءه الرد صادماً يهوي عليه بما لا يتوقعه والتوقيع جملة واحدة, حولها إلى جملتين من خلال تبديل مواقع الكلمات أو اللعب بها على نحو يصوغ منها مفارقة لطيفة .

ومن مفارقات الأفعال التي يقوم بها شخصية واحدة, ما كان في توقيع الوليد ابن عبد الملك في كتاب الحجاج الذي أرسله يدافع فيه عن نفسه بأن أهلٌ لما عهد إليه, كلفه به الخليفة, فوقع له الأخير: ” لأجمعن المال عيش من يعيش أبداً, وأفرقه تفريق من يموت غداً “([63])

يجعلنا سياق التوقيع إلى أن الحجاج أتهم أنه غير جيد في الحفاظ على بيت مال المسلمين, فجاء الرد على كتابه حاملاً خطاباً تعليماً وعظياً في كيفية جمع المال, وتفريقه في وجوه المشروعة, فالإنسان حين يستشعر الموت دائماً ويخاف عقاب الله, فإنه يسعى لإرضائه بإعطاء المال بشكل مستمر و تفريقه, وعدم تخزينه, لكن في وجوه ترضى الله تعالى, وهذا ما حاول الخليفة إيصاله إلى صاحب الرسالة, والتضاد بين الحدثين (الجمع والتفريق) يجمع بينهما الترابط في عمق نسيج النص في الوقت عينه, والشخصية عينها( الموقع )تقوم بذلك, ولا تقوم بعمل مستقلاً عن الأخر, وهذا الامتزاج بين الفعلين (لأجمعن, أفرقه ), والشخصية التي تقوم بهما صنع المفارقة, واللافت أنها شخصية مفارقيه أيضاً, لأنها تعمل كمن يعيش أبداً و يموت غداً, ولكنها ليست مريضة, أو مزدوجة, وإنما دلالة فعلها تشير إلى اتزانها, وأفعالها تستمدها من عقيدتها وشريعتها الدينية التي تدفع الإنسان إلى القيام بما يرضي خالقها فيما يتعلق بأمور جمع المال وإنفاقه.

خلاصة القول : إن ما أتينا على ذكره من صور المفارقة كما ظهرت في النصوص النثرية للعصر الأموي كانت نماذج منتقاة من بين صور كثيرة, ولكننا حاولنا استحضار ما وجد من أنواع المفارقة بعيداً عن الإحصاء والحصر لإظهار جمال هذه الأداة الأسلوبية التي تشكل جزءاً من بنية النص, و تمنحه درجة من الشعرية, وتحمل من المعاني والدلالات ما هو وثيق الصلة بالمنحنى العام لسياق النص والأحوال المحيطة به, والتي دفعت لإنتاجه, فكان وجودها في نسيج النص مظهراً من مظاهر التداخل الأجناسي بين الشعرية والنثرية, لأنها أصلاً سمة من سمات اللغة الشعرية.

الخاتمة:

لقد مثلت اللغة الشعرية في النص النثري الأموي أحد مظاهر التداخل الأجناسي بين جنسي الأدب الرئيسين: (الشعر والنثر)، وارتفعت بهذا النص إلى مستوى رفيع من الإبداع، وأظهرت قدرة الكتّاب والخطباء والمترسلين وغيرهم على توظيف الكلمة واستغلال طاقتها التعبيرية بشكلٍ فنيٍّ بعيداً عن الجمود والمباشرة في تقديم المعنى دون الابتعاد عنه، أو الإخلال فيه, إذ أدى الرمز وظيفته بمهارة ليكون للخطاب وقعه وتأثيره في الآخر من خلال التعريض لا التصريح، والتعريض أوقع من التصريح، وهذا من ركائز الشعرية التي ساهم الرمز بظهورها في النص النثري الأموي.كما خلق الإيجاز تكثيفاً دلالياً أثرى النص وجعله يتسربل بثوبٍ شعريٍّ, فاللغة الشعرية لا تحتمل التفصيل والإسهاب, ومن ثم أضفى ذلك على النص جمالية فنية ظاهرة، ومنحه قيمة معنوية وشكلية.

وتمثلت اللغة الشعرية في المفارقة أيضاً, إذْ جاءت مقاربة للتصوير الشعري لما تحمله من ثنائية المعنى والدلالة، فأرخت ظلالاً فنية على النص ومنحته إحدى سمات الشعرية .

وقد أدّت هذه الظواهر الشعرية وظيفتها على مستوى كلٍّ من الشكل والمضمون ،فوائم اللفظ المعنى وفق آلية ناجحة, مما أعطى النص النثري في هذا العصر قيمة فنية جمالية، وجعل له مكانة بين النصوص الأدبية.

المصادر والمراجع:

أدب السياسة في العصر الأموي:أحمد محمد الحوفي ،دار القلم ،بيروت،1965.
الأسس الجمالية للإيقاع البلاغي في العصر العباسي:ابتسام حمدان،دار القلم،حلب،سوريا، ط1، 1997
تاريخ الترسل النثري عند العرب في العصر الأموي:محمود المقداد،مكتبة الفرسان،الكويت،1997،ط1
تطور الصورة الفنية في الشعر العربي:نعيم اليافي،منشورات اتحاد الكتاب العرب،دمشق،1983.
بناء المفارقة في الدراما الشعرية :سعيد شوقي،جامعة المنوفية،مصر،بلآ.
البيان والتبيين:أبو عمرو بن بحر الجاحظ،تح:عبد السلآم هارون،ط 4ج 2،بلآ
جماليات الأسلوب (الصورة الفنية في الأدب العربي):نعيم اليافي،دار الفكر ،دمشق،سوريا،1996،ط1
جماليات التشكيل الفني في الشعر العربي القديم : سمر الديوب ،أرواد للطباعةوالنشر ،طرطوس،سوريا،ط1، 2013
جمهرة خطب العرب في عصور العربية الزاهرة:أحمد زكي صفوت،مكتبة مصطفى البابي الحلبي وأولاده،القاهرة ،مصر ،ط1 ،1937،ج2.
جمهرة رسائل العرب: أحمد زكي صفوت، مكتبة مصطفى البابي الحلبي وأولاده، القاهرة، مصر، ط1،1937،ج2.
الحداثة الشعرية :محمد عزام، اتحاد الكتاب العرب ،دمشق،1995.
حياة الشعر في الكوفة: يوسف خليف، دار الكتاب العرب، للطباعة والنشر، القاهرة ،1968
دلائل الإعجاز :عبدالقاهر الجرجاني، منشورات جامعة البعث، مطابع الروضة النموذجبة، حمص، سوريا،1989 ..
ديوان الأعشى :شرح وتحقيق :محمد حسن ،مؤسسة الرسالة، بيروت ،ط3،بلا.
الشعرية العربية(الأغراض والأنواع ):رشيد يحياوي، إفريقيا الشرق ،الدارة البيضاء , ط1 , 1991.
الظاهرة الشعرية العربية :حسين خمري، منشورات اتحاد الكتاب العربي دمشق ،2001
فن الخطابة وتطوره عند العرب: ايليا حاوي ، دار الثقافة، بيروت، لبنان ، بلا .
قراءة جديدة لشعرنا القديم :صلاح عبد الصبور ،دار العودة ،بيروت 1982
كتاب الوزراء والكتاب :أبو عبد الله محمد بن عبدوس الجهشياري : مصطفى الباب الحلبي أولاده ،القاهرة مصر_ ط1، 1938
مروج الذهب ومعادن الجوهر: أبو الحسن علب بن الحسين المسعودي ، اعتنى به: محمد هشام النعسان وعبد المجيد طعمة جلي ، دار المعرفة ،بيروت، لبنان ط1 ، 2005 ،الجزء الأول .
النثر الفني بين صدر الاسلام والعصر الأموي: مي خليف ،دار قباء للطباعة والنشر، القاهرة ، بلا .
النزعات المادية في الفلسفة العربية الاسلامية: حسين مروة ،دار الفاربي ،بيروت، لبنان ط6/ 1958/ج الأول +ج الثاني
المجلات :
مجلة فصول :مجلة النقد الأدبي، علمية محكمة تصدر عن الهيئة المصرية العامة للكتاب ، القاهرة ،مجلد7، العدادان الثالث والرابع ، 1987 .

[1] دلائل الإعجاز : عبد القاهر الجرجاني , منشورات جامعة البعث , حمص , سوريا , ط4 , 1989, ص 44.

[2] , 3 الحداثة الشعرية : محمد عزام , اتحاد الكتاب العرب،دمشق , ط1 , 1995 ،36 ،35.

[4] قراءة جديدة لشعرا القديم : صلاح عبد الصبور ,دار العودة،بيروت،1982، ص 129.

[5] جمهرة خطب العرب : أحمد زكي صفوت ,مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي ، القاهرة،ط1،1933،ج2.،2/142.

[6] فن الخطابة و تطوره عن العرب : إيليا حاوي ,دار الثقافة ،بيروت،لبنان،بلا.،242.

[7] , 8 جمهرة رسائل العرب : أحمد زكي صفوت ،مكتبة مصطفى البابي الحلبي،القاهرة،ط1،1937،2/237.

[9] جهرة خطب العرب : أحمد زكي صفوت،2/138،139.

[10] حياة الشعر في الكوفة : يوسف خليف،دار الكتاب العربي ،القاهرة،1968, ص 78.

[11] , 12 , 13 البيان والتبيين:أبو عثمان عمرو بن بحر الجاحظ ،تح عبد السلام هارون،ط4،ج 2/309،310،387.

[14] م .ن:2/308.

[15] النثر الفني بين صدر الإسلام و العصر الأموي : مي خليف ، دار قباء للطباعة و النشر , القاهرة , بلا ,167.

[16] جماليات الأسلوب , الصورة الفنية : فايز الداية , دار الفكر , دمشق , دار الفكر المعاصر , بيروت ط2 ,175 .

[17] جمهرة رسائل العرب : أحمد زكي صفوت ,2/251.

[18] البيان و التبيين : 1/378 ،( أبو عذر:( أول قائل له و هو من قولهم ) أبو عذر المرأة ( : أول من افتضها .

[19] , 20 الوزراء و الكتاب : أبو عبد الله محمد بن عبدوس الجهشاري , تح : مصطفى السقا , مطبعة مصطفى البابي الحلبي و أولاده , القاهرة , ط,1938,1 صـ62 ,63.

[21] تاريخ الترسل النثري عند العرب في العصر الأموي : محمود مقداد , مكتبة الفرسان , الكويت ط1 , 1997 , 501.

[22] جماليات التشكيل الفني : سمر الديوب,أرواد للطباعة والنشر،طرطوس،سوريا،ط1، 2013 ,104.

[23] دلائل الإعجاز : عبد القاهر الجرجاني , 356.

[24] جمهرة خطب العرب : أحمد زكي صفوت ,2/192 : قصد بالمستضعف : عثمان بن عفان و بالمداهن معاوية و بالمأفون يزيد بن معاوية

[25] جمهرة رسائل العرب : أحمد زكي صفوت ,2/152

[26] مروج الذهب ومعادن الجوهر :أبو الحسن علي بن الحسين المسعودي،اعننى به محمد هشام النعسان وعبد المجيد طعمة حلبي ،دار المعرفة،بيروت،لبنان،ط1،2005,2/59

[27] جمهرة رسائل العرب : صفوت , 2/177

[28] النثر الفني : مي خليف , 156

[29] جمهرة رسائل العرب : صفوت , 2/493

[30], 31 النزعات المادية في الفلسفة العربية الإسلامية : حسين مروة , دار الفارابي – بيروت ,ط1 ,1988 ,الجزء الثاني ,513 ‘

[32] جمهرة رسائل العرب : صفوت , 2/395

[33] م.ن :2/493

[34] المفارقة :نبيلة ابراهيم , مجلة فصول , مج7 , العددان الثالث و الرابع , ابريل , سبتمر , 1987 , ص 132

[35] , 36 بناء المفارقة في الدراما الشعرية : سعيد شوقي , 38 , 41

[37] م . ن : 42 , 53 , 56

[38] المفارقة : نبيلة ابراهيم , 139

[39] تطور الصورة الفنية في الشعر العربي : نعيم اليافي , 191

[40] جمهرة خطب العرب : أحمد صفوت , 2/374

[41] بناء المفارقة في الدراما الشعرية : سعيد شوقي , 39

[42] ديوان الأعشى : شرح و تحقيق : محمد حسن , مؤسسة الرسالة , بيروت ,ط3 ،بلا ، , 145

[43] جمهرة خطب العرب : أحمد صفوت 2/398

[44] بناء المفارقة : سعيد شوقي , 212

[45] البيان و التبيين : الجاحظ , 1/316

[46] بناء المفارقة في الدراما الشعرية : سعيد شوقي , 57

[47] جمهرة خطب العرب : احمد صفوت ,2/475

[48] بناء المفارقة : سعيد شوقي ، 57.

[49] بناء المفارقة ..: سعيد شوقي , 152

[50] جمهرة رسائل العرب : أحمد صفوت ,2/123

[51] المفارقة القرآنية , دراسة في بنية الدلالة : محمد العبد , دار الفكر العربي و القاهرة , ط1 , 1994 , 18

[52] جمهرة خطب العرب : أحمد صفوت,2/287

[53] بناء المفارقة : سعيد شوقي , 61

[54] جمهرة خطب العرب : أحمد صفوت , 2/332-322

[55] المفارقة : نبيلة ابراهيم ، 139 .

[56] , 57 بناء المفارقة : سعيد شوقي ، 3 , 107 .

[58] الأسس الجمالية للإيقاع البلاغي في العصر العباسي : ابتسام حمدان, دار القلم, حلب, سورية, ط1, 1997, 147.

[59] الأدب و السياسة : محمد الحوفي 397.

[60] جمهرة رائل العرب : أحمد صفوت , 2,492

[61] بناء المفارقة : سعيد شوقي ,61.

[62] المفارقة : نبيلة ابراهيم , 391.

[63] جمهرة رسائل العرب : أحمد صفوت ، 2 /294 .



- ناديا جبر : ماجستير في اللغة العربية و آدابها – كلية الآداب – جامعة البعث – حمص – سوريا
* مقال نشر في مجلة جيل الدراسات الأدبية والفكرية العدد 37 الصفحة 49.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى