د. مصعب قاسم عزاوي - مراجعات في فكر وليام موريس

تعريب فريق دار الأكاديمية للطباعة والنشر والتوزيع لملخص محاضرة قدمها الطبيب مصعب قاسم عزاوي باللغة الإنجليزية في مركز دار الأكاديمية الثقافي في لندن.


يعدّ المصمم والشاعر ورجل أعمال القرن التاسع عشر ويليام موريس أحد أفضل معلمي الاقتصاد الحديث. كان موريس أول شخص يفهم قضيتين أصبحتا حاسمتين في عصرنا الحالي. أولهما: دور المتعة في العمل. وثانيهما: طبيعة طلب المستهلك. تعد تفضيلات المستهلكين - ما نقدره ونطمح إليه بشكل جماعي ومستعدون لدفع ثمنه - من العوامل الحاسمة للاقتصاد ومن ثم نوع المجتمع الذي نعيش فيه. وحتى نحصل على ذوق جماعي أفضل، سوف نناضل من أجل الحصول على اقتصاد ومجتمع أفضل.

ولد ويليام موريس في عام 1834 في عائلة غنية. كان والده مصرفياً في مدينة لندن وعاشوا في منزل كبير في مقاطعة إسيكس. وتوفي والده وهو شاب (كان عمره 13 عاماً فقط) واتضح أنه شارك في مجموعة من مشاريع المضاربات المالية، وقد ضاع جزء كبير من ثروة العائلة، رغم بقاء بعض الاستثمارات الآمنة التي منحت الشاب موريس دخلاً مريحاً (وإن لم يكن ضخماً على الإطلاق) للحياة بشكل كريم.

شخصياً وسياسياً، كان موريس رجل دافئ على نحو غريزي وسخي. ولكن هذا الأمر جلب منظوراً مفيداً: لقد كان مدركاً تماماً أن هناك بعض المشكلات الرئيسية التي لا تنتج عن نقص الأموال، وأن المزيد من الأموال لن يحل تلك المشكلات. لذلك لا يمكن إقناعه أن النمو المالي في حد ذاته يمكن أن يكون علامة مؤكدة على التحسن، سواء في حياة الفرد أو الحياة الوطنية.

عندما كان عمره 18 عاماً، ذهب موريس إلى الجامعة. لم يقم بالكثير من العمل الذي كان من المفترض أن يقوم به، ولكن كان يمضي وقتاً رائعاً من منظاره. في اليوم الأول تقريباً، قام بتكوين صداقات مدى الحياة مع زميل طالب يدعى إدوارد بورن جونز، والذي مضى قدماً ليصبح واحداً من أنجح فناني العصر.

بعد التخرج، أمضى موريس بعض الوقت في التدريب كمهندس معماري. لكن في هذه المرحلة، لم تكن المهنة التقليدية مصدر اهتمامه الرئيسي. لقد رأى نفسه كفنان وشاعر. لقد كان ببساطة مهتماً بصنع الأشياء بما يرضيه، وربما من أجل الاستمتاع ببعض الأصدقاء. لم يكن يسعى لبيع لوحاته أو دفع مقابل كتابة قصائد. واعتاد أصدقاء موريس أن يطلقوا عليه اسم "توبسي" - بسبب مزاجه المتقلب وأحياناً الناري.

كان نموذجه المفضل ممثلة شابة ذات وجه جميل تدعى جين بوردين. وبعد عام تزوجا. ثم أصبح موريس مهووساً بمشروع بناء وتجهيز منزل عائلي في جنوب شرق لندن. وكان يطلق عليه اسم ريد هاوس، وقد تم تصميم كل شيء فيه – الكراسي، والطاولات، والمصابيح، وورق الحائط، وخزائن الملابس، والشمعدانات، والأكواب - من الصفر إما من قبل موريس نفسه، أو من قبل صديقه المقرب والمتعاون المعماري فيليب ويب. ورسم الأصدقاء الفنيين الجداريات على الجدران.

إن تجربة بناء منزله وتركيبه قد علمت موريس أول درس كبير له عن الاقتصاد. كان من الأسهل (وربما أرخص) طلب كل شيء من المصنع. لكن موريس لم يكن يحاول العثور على أسرع أو أبسط طريقة لإعداد المنزل. لقد أراد أن يجد الطريقة التي ستمنحه - وكل المشاركين في المشروع - أقصى درجات الرضا. وهو ما أشعل حماس موريس لفكرة القرون الوسطى فيما يتعلق بالحرفة. إذ بتلك الحرفة سوف يطور العامل الحساسية والمهارة، ويستمتع بالعمل، حينما لا يكون العمل ميكانيكياً أو مهيناً.

لقد اكتشف أن هذه الحرفة تقدم أدلة مهمة لما نريده بالفعل من العمل. نريد أن نعرف أننا قمنا بعمل جيد خلال اليوم. وأن جهودنا قد احتسبت نحو نتائج ملموسة نراها ونشعر بها بالفعل. وكان موريس يلاحظ بالفعل أنه عندما يحب الناس عملهم حقاً، فإن مسألة تحديد العائد المالي الذي تتقاضاه أنت يصبح أقل أهمية، على الرغم من أن موريس كان يعتقد دائماً - بالإضافة إلى ذلك - بأن الأشخاص يستحقون أجراً مشرفاً مقابل العمل الصادق. النقطة المهمة هي أنه يمكنك القول تماماً إنك لا تفعل ذلك من أجل المال فقط.

نعم يمكن أن يكون العمل مصدر سعادة الإنسان. لقد كانت نظرة ثاقبة في الوقت المناسب. وقد كان هذا عصر التصنيع الهائل، كان العمال يتدفقون إلى المصانع الجديدة، على الرغم من أن ظروف عملهم كانت مروعة في كثير من الأحيان. كانت حالة العمل اليدوي التقليدي في حال تقهقر كلياني. وكان الأمر الأكثر رفعة في المكانة آنذاك (كما هو الحال الآن) هو الجلوس على طاولة بدلاً من الوقوف على كور الحدادة أو على فرن صناعة الخبز.

وكانت المشكلة هي أن موريس - على الرغم من ذلك - لم يكن مجرد حرفي وعامل في رد هاوس، بل كان هو أيضاً العميل. بالطبع - ربما يشير المتشككون إلى أنه - يمكن أن يقضي وقتاً رائعاً لأن هذا كان مجرد سعي وراء هواية.

ومع ذلك كان هذا بالضبط ما لا يريد موريس القيام به. لقد كان مصمماً على إظهار أن مبادئ الحرف والعمل المُرضي (بالنسبة للعامل) يمكن ويجب أن تكون في صميم العالم الحديث، ويمكن تحويلها إلى مصدر لعمل تصنيعي وتجاري مجزي.

لذلك، في عام 1861، حينما كان لا يزال في منتصف العشرينات من عمره، بدأ موريس عملاً في الفنون الزخرفية: موريس، ومارشال، وفولكنر وشركاه؛ وهم الذين أحبوا أن يطلقوا عليه ببساطة "الشركة". وكان من بين زملائه بورن جونز الشاعر اللامع والرسام، والشخصية الكاريزمية دانتي غابرييل روسيتي، والمهندس المعماري فيليب ويب.

أقاموا مصنعاً لصنع ورق الجدران، والكراسي، والستائر، والطاولات. لقد كانوا فخورين جداً ليس فقط بتصاميمهم الأنيقة، بل بجودة الصنعة التي دخلت جميع منتجاتهم. لقد اعتقدوا أن المصانع يجب أن تكون أماكن جذابة، وكانوا حريصين على أن يأتي العملاء وغيرهم للقيام بجولة ويروا بأنفسهم بيئة صحية ممتعة يتم فيها إنتاج البضائع.

واجهت الشركة مشكلة تثقيفية للغاية. إذا قمت بتصنيع سلع عالية الجودة ودفعت لعمالك الأجور العادلة واللائقة، من ثم سوف تكون تكلفة المنتج أعلى. وسيكون من الممكن دائماً لمنافسيك تخفيض السعر، وتقديم سلع أدنى جودة يتم إنتاجها بطرق أقل إنسانية، مقابل نقود أقل.

إذا طلبت سعراً مرتفعاً نسبياً - لضمان احترام العمال، وجودة المواد وبالتالي صنع منتج يدوم طويلاً - فإنك تخاطر حقاً بفقدان العملاء.

لقد جلبت المصانع وآلات الثورة الصناعية الإنتاج الضخم. وكانت الأسعار أقل، ولكن كان هناك فقدان للجودة والاعتماد على العمل الروتيني المميت في ظروف كئيبة. وقد يبدو الأمر كما لو أنه من المحتم أن ينتصر السعر المنخفض. من المؤكد أن منطق اقتصاد السوق يفرض أن السعر الأقل سوف يفوز بالضرورة. فهل هو حقيقة كذلك؟

بالنسبة لموريس، فإن العامل الرئيسي هو ما إذا كان العملاء على استعداد لدفع الثمن العادل. إذا كانوا كذلك، يمكن أن يكون العمل مشرفاً. إذا لم يكن الأمر كذلك، فسوف يكون العمل بالضرورة – بأكمله - مهيناً وبائساً.

لذا، خلص موريس إلى أن الدعامة الأساسية للاقتصاد الجيد هو تعليم المستهلك. نحتاج بشكل جماعي إلى أن نكون أكثر وضوحاً بشأن ما نريده حقاً في حياتنا ولماذا، ومدى أهمية بعض الأشياء بالنسبة لنا، وبالتالي ما نحن على استعداد كي ندفع ثمنه.

وأصر موريس على أن أحد الدلائل المهمة على الاستهلاك الجيد هو أنه يجب عليك أن "لا تملك شيئاً في منزلك لا تعرف أنه مفيد أو تعتقد أنه جميل."

بدلاً من الوصول إلى الكثير من الحلول السريعة، تمنى موريس للناس أن يروا مشترياتهم كاستثمارات، وأن يشتروا سلعاً بشكل مقتصد. كان يفضل أن ينفق شخص على أدوات طعام معقدة مصنوعة يدوياً تستمر لعقود وتنمو لتصبح إرثاً عائلياً، بدلاً من أن يشتري كل جيل بديله الرخيص الخاص به، ليتم إلقاؤه بعيداً عند التغير في الموضة. بهذه الطريقة، يمكن للناس أن يشعروا بالفخر ويستمتعوا حقاً بالأشياء التي اشتروها. هناك بعض الشعور بالرضا والفخر عند شراء شيء تعرف أنه سوف يدوم ويمكن تسليمه للأجيال القادمة.

بالنسبة لموريس نفسه، لم ينجح العمل بشكل جيد للغاية. كان هناك طلب جيد على منتجاته من الأثرياء. وواصلت خطوط موريس لإنتاج الأثاث وورق الجدران والأقمشة والمصابيح بيعها لسنوات عديدة. لكنه لم ينجح في اقتحام الأسواق الأوسع والأكبر التي طمح إليها. إذ لم يكن هدفه هو توفير المزيد من الأناقة والرفاهية للأثرياء، بل كانت فكرته الكبيرة هي جلب مواد قوية ومصممة تصميماً جيداً ومنتجة بدقة لعامة المستهلكين.

وأحد آخر إبداعاته كان قصة منسوبة للمدينة الفاضلة تسمى أخبار من اللا مكان. وفي هذه القصة كان يتخيل كيف - من الناحية المثالية - سوف يتطور المجتمع. إنه يتعلم الكثير من الماركسية: هذا مجتمع له روابط اجتماعية قوية، حيث لا يكون دافع الربح هو المسيطر. لكنه يعطي نفس القدر من الاهتمام لجمال الحياة: الغابات الواسعة، والمباني الجميلة، وأنواع الملابس التي يرتديها الناس، وجودة الأثاث، وسحر الحدائق.

تدهورت صحة موريس في الستينيات من عمره. في صيف عام 1896، قام برحلة بحرية إلى النرويج. لكن الرحلة لم تؤت ثمارها، وتوفي بسبب مرض السل بعد بضعة أسابيع من عودته إلى المنزل.

يوجه موريس انتباهنا إلى مجموعة من الاختبارات المهمة مركزياً التي يجب أن يمر بها الاقتصاد الجيد.

• كم يستمتع الناس بالعمل؟

• هل يعيش الجميع على مسافة قريبة من الغابات والمروج؟

• ما مدى صحة النظام الغذائي المتوسط للفئات الشعبية؟

• إلى متى يتوقع أن تدوم السلع الاستهلاكية؟

• هل المدن جميلة (بشكل عام، وليس فقط في أجزاء قليلة مميزة)؟

وجهة نظره هي أن الاقتصاد مرتبط بشكل وثيق بتفضيلاتنا وخياراتنا. وأن هذه التفضيلات والخيارات مفتوحة للتحول. قد لا يكون من الضروري (كما اعتقد ماركس) إدخال المصانع والبنوك وجميع الشركات في الملكية العامة؛ وقد لا يكون من الضروري (كما ادعى ميلتون فريدمان وشركاه من منظري اقتصاد السوق المتوحش) تغول الشركات الكبرى ورأس المال على الأسواق. ولكن قد تكون المهمة الحقيقية في خلق اقتصاد جيد كما يوضح لنا موريس في تخليق نمط اقتصادي لا يقوم على الاستهلاك المحموم فقط لأجل الاستهلاك، وعلى مبدأ أن العمل الحق هو العمل الذي يشعر العامل فيه بالسعادة وتحقيق الذات.[/JUSTIFY]

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى