طيبي بوعزة - الحكاية الشعبية في الجزائر.. تحليل مورفولوجي لحكاية “ودعة مشتة السبعة”.

الملخص:

يرتبطُ موضوع البحث بالأدب الشعبي وبالحكاية الشعبية منه على وجه الخصوص التي تستمد مضامينها ومعانيها من صورة الإنسان الشعبي البسيط. استناداً إلى الطابع الشفاهي للأدب الشعبي واختلافه من منطقة لأخرى واختلاف المروي الواحد نفسه اتَّخذ البحث حكاية “ودعة مشتَّة السبعة” موضوعا له، معتمدين في ذلك على صيغتها المتداولة في منطقة “تيسمسيلت”، وهي موثَّقة في “موسوعة التراث الشعبي لمنطقتي تيارت وتسمسيلت” الجزء الثاني، إشراف وتحقيق الأستاذ علي كبريت. يهدف البحث إلى الكشف عن الوظائف المورفولوجية في الحكاية، وإبراز مواطن الجمال والابداع في الحكاية الشعبية من خلال تناص حكاية “ودعة” مع القرآن الكريم ولتحقيق ذلك يتَّخذُ البحث التحليل البنائي للحكايات لدى “فلاديمير بروب” منهجا له أو ما يُعرف بـ” التحليل المورفولوجي” أو “المنهج الصرفي”. وتجدُر الإشارة إلى أنَّ “النموذج العامليِّ و”التناص” لا ينتميان للمنهج المورفولوجي ولكنَّنا آثرنا التطرق إليهما لإثراء البحث.

الكلمات المفتاحية: الأدب الشعبي، الحكاية الشعبية، الوظيفة، التحليل المورفولوجي، النموذج العاملي حكاية ودعة، التناص.


مقدمة:

تتوفَّرُ الجزائر على تراث شعبي ضخم، يمثِّل فيه الأدب الشعبي الحيِّز الأكبر، نظرا لتنوع موضوعاته ومضامينه وأجناسه من أغاني شعبية وألغاز وحكايات بمختلف أنواعها… ومنطقة “تسمسيلت” عَرفت هي الأخرى أدبًا شعبيا مميزا، حازت الحكاية الشعبية منه قسما هاما باعتبارها تجسيدا للواقع المعاش وتوثيق لأحداث تاريخية مهمَّة وتصويرٌ لمظاهر اجتماعية وعادات وتقاليد راسخة في المجتمع الجزائري.

فالتراث الشعبي على اختلاف أنواعه وأصنافه يساهم في بلورة وتركيب الشخصية الجماعية وترسيخ معتقداتها من جهة والمحافظة على عاداتها وتقاليدها من جهة أخرى، فهي (الحكاية الشعبية) نوع من الأدب الشعبي، بل ربَّما النوع الأقدم، ذلك أنَّها تستوعبُ داخلها أنواعا أخرى من الأدب الشعبي، فهي واقع فني مكتمل يكشف في بناءه عديد الجوانب عن تاريخ شعب يمتد تاريخه وتراثه لفترات زمنية طويلة، وهذا هو السر الكامن وراء استمراريتها وقدرتها على التَّجديد والتَّجدُد.

لقد حظت الحكاية الشعبية باهتمامٍ كبيرٍ من الدارسين والمختصين، وترجع المحاولات الأولى لتحليل بنيتها التركيبية إلى الدراسات البنيوية ممثلة في أعمال الفرنسي “جوزيف بيدني” bedier” “Joseph، و”فلاديمير بروب” (Vladimir Propp)، هذا الأخير الذي أولى اهتماما كبيرا للحكاية الشعبية الروسية وعمل على تحديد عناصرها ووظائفها، وضمَّن آراءه في كتاب “مورفولوجية الحكاية الخرافية الروسية” سنة 1929م.

لقد حصر “بروب” عدد الوظائف في الحكاية الشعبية الروسية في إحدى وثلاثين وظيفة، على أنَّ مفهوم الوظيفة عنده هو “فعل شخصية قد حُدِّدَ من وجهة نظر دلالته في سيرورة الحبكة”[1] فالوظيفة التي يُعتدُّ بها تلك التي تقوم على أساس الفعل الذي يساهم في نسج الحبكة، وعليه ليس كل فعل وظيفة، وعلى العموم فقد فتح “بروب” باب الدراسات البنيوية للنص الحكائي فاستطاع أن يصل إلى هيكل بنائي للحكاية الشعبية بواسطة منهجه المرفولوجي، الذي سمحت طبيعة تكوينه بتطبيقه في دراسة الأنماط القصصية في الحكايات الشعبية الأخرى.

إنَّ مقام البحث وهدفه لا يسمحان بذكر الوحدات الوظيفية جميعها بشيء من التفصيل ولكنَّنا سنعرض بعضها في تحليل الحكاية موضوع البحث، وهو ما يتفق وما قال به “بروب” فليس من الضروري اجتماعها (الوظائف) في كل حكاية نظراً لتفاوت عددها من حكاية لأخرى[2]، لذلك سنركِّزُ في دراستنا لهذا النموذج على الوحدات الوظيفية الواردة فيه، ولتحقيق ذلك وجب تقطيع النموذج إلى وحدات ومن ثمَّ استخلاص الوحدات الوظيفية.

1- متن القصَّة:

كان يا مكان في قديم الزمان، عائلة تتكون من زوجين، وشاءت الأقدار أن تُرزق هذه العائلة من كل شيء سبعة “سَبْعْ مْكَاحَلْ سَبْعْ عْوَادْ، سَبْعْ كْلابْ سَبْعْ وْلادْ…”[3] وعندما كبُر الأولاد السبعة، حملت أمُّهم من جديد، وعندما أعلمتهم، قالوا لها: “رَانَا رَايحينْ إِلَا جَبْتِ طُفْلَة رَيْشِينَا بِالفُرَانَة الصَّفْرَا، وَلاَ جَبْتِي طْفُلْ رَيْشِينَا بالمَنْجَلْ نَنْجْلاَوْ”·، وغادر الأولاد البيت ومكثوا غير بعيد عنه، ينتظرون الإشارة، ومرَّت الأيام إلى أن وضعت الأم حملها، فكان المولود بنتا فطلبت الأم من الخادمة “ستوت” أن تخرج وتشير لأولادها بـ”الفُرَانَة الصَّفْرَا”، غير أنَّ الخادمة أشارت لهم بـ”المنجل”، ففهم الأولاد معنى الإشارة وغادروا بعيدا. بعد ذلك بدأت البنت تكبر والتي سمَّتها والدتها “وَدْعَة”، وكلَّما لعبت “ودعة” مع أقرانها “يْعَيْطُولْهَا: وَدْعَة مْشَتَةْ السَّبْعَة” وفي كل مرَّة تسأل والدتها عن السبب، فتمتنع عن اخبارها.

وذات يوم وبينما والدتها تحضِّر الأكل، رمت “ودعة” شيئًا بداخله، ولمَّا همَّت الأم باستخراجه أمسكتها “ودعة” وقالت لها:”مَانَطَلْقَكْشْ حتىَّ تخبريني بالصَّح”··، فاضطرَّت لإخبارها بالقصَّة كاملة. وفي اليوم الموالي حزمت “ودعة” أمتعتها وجهزَّت متاعها وقرَّرت الرحيل بحثا عن إخوتها حاولت الأم منعها دون جدوى، فقالت لها: “رُوحِي بَصَّحْ نَبْعَثْ مْعَاكْ الخادم والخادمة، وَعْطَاتْهَا المنجل يْكَلَّمْها وَيْوَرِيلْها الطريق”·، وفي الطريق دبَّر الخادمة والخادم حيلة وسرقا المنجل منها، و”لما وصلوا للعين الحرَّة والعين البَرْهُوشَة، دَارُوا ودعة في العين البرهوشة حتى رجعت خادمة والخادمة في العين الحرَّة ولات سيَّدة.” وعند عثورهم على الإخوة السبعة ادَّعت الخادمة أنَّها أُختهم، ففرح الإخوة بأختهم (المزيفة) ورحََّبوا بها، وجعلوا منها أميرة، بينما كانت “ودعة” (الأخت الحقيقية) ترعى الإبل، وكانت “كِي تَدِّي البَلْ ترعى بِيه تَقْعُد تَحْكِيلُوا في قصتها وتبكي، فيعود قَاعْ ذَاك البَلْ يبكي معاها ما عدا ناقة وَحْدَة وكانت طَرْشَة، كانت تأكل حتى تشبع”·· ومرَّت الأيام والشهور وقطيع الإبل يزداد نحالة، ما عدا الناقة الصمَّاء، ولاحظ الإخوة الحال السيِّئة التي صارت إليها الإبل، فأرسلوا أخاهم الأصغر يتقصَّى أحوال الإبل ” كي راح عْقَابْهَا سْمَعْهَا تَحْكِي للبَلْ وهو مْدَّاوَرْ بيها ويبكي، قالها: لاَزَمْ تحكيلي أنا ثاني، فحكاتلوا قاع القصَّة”···، وأخبرته أنَّ دليل صدقها هو المنجل الذي تحتفظ به الخادمة، فعاد الأخ الأصغر وأخبر إخوته، فحقَّقوا مع الخادم والخادمة واكتشفوا الحقيقة “وقالوا للخادمة والخادم لازم ترجعوا للعين اللي رَجَعتوها منها برهوشة ترجعوها هي حرة كيما كانت وانْتُوما كيما كنتوا.”

وعادتْ “ودعة” إلى هيئتها الأولى، وغمر الإخوة “ودعة” بالحب والحنان، وجعلوا من زوجاتهم خدما لها، وعاقبوا الخادمة والخادم وجعلوهما يرعيان الإبل مكانها. ومرَّت الأيام و”ودعة” سعيدة بين إخوتها، الأمر الذي أثار حفيظة زوجات الإخوة، فكادوا لها مكيدة “جَابُوا بيضة نْتَاعْ حْنَشْ وْدَارُوها وسط حَبَّة كَعْبُوشْ، وقالوا لي عزيزة على امْهَا وبُوهَا تاكل هذي البيضة بلا مْضِيغْ”···· فقالت ودعة: أنا. ومرَّت الأيام وتفقست بيضة الثعبان وبدأ بطنها ينتفخ شيئا فشيئا، وأصبحت كثيرة الشرب ودائمة العطش، عندها ذهبت النسوة إلى الإخوة وأخبروهم أنَّ أختهم قد اقترفت المحرَّم وأضحت حاملا، فاحتار الإخوة وأرسلوا أخاهم الأصغر ليتأكد “راح خُوهُمْ الصغير، دار وَاشْ قَالُولُوا فسمع حاجة في كَرْشِها تتحرك”، فغضب الإخوة غضبا شديدا وقرروا معاقبتها وطلبوا من الأخ الأصغر أن يأخذها للغابة ويقتلها “والدليل جِيبَنَا أَفْوَاْم الكلاب مْطَلْسِينْ بالدم” لكنَّ الأخ الأصغر رقَّ قلبه لأخته، فقام بجرحها من أصبع يدها، وجعل الدَّم على أفواه الكلاب وعاد لإخوته، وظلَّت “ودعة” مرمية على الأرض، حتى طال شعرها وانتصب في السماء معانقا الحشائش والأعشاب، إلى أن جاء رجل يبغي حصاد الحشيش “كي يضرب الرَاجَلْ المنجل تقول هي: اسْتْحَاضْ بِِيَا يْسْتحاضْ ربي بِيكْ”، فاستغرب الرجل وسألها إن كانت من الإنس أم الجن؟ قامت “ودعة” وروت له قصَّتها، هدَّأ الرجل من روعها، و”ذْبَحَلْهَا نَعْجَة وْشْوَاهَا على النَّار وكَثَّرْ فيها الملح وقالها كُولِي بْلَا ما تشربي الما، ومن بعد جَابْ إناء كبير فيه الما وعلقها من رجليها، وعَادْ يخلط في الما وكي عطش الحْنَشْ نزل للما”، همَّ الرجل بقتل الثعبان لكنَّ “ودعة” طلبت منه أن يكفَّ عن ذلك، وأسمت الثعبان “كاس” ووضعته في كيس، وتزوجت الرجل وأنجبت طفلا أسمته “حب حب الرمان”، وبعد مدَّة استأذنت زوجها للبحث عن إخوتها أذن لها الزوج، وفي الطريق طلبت من ابنها أن يسألها بإلحاح عن قصة “ودعة مشتة السبعة” عند وصولهما إلى غايتهما، ولدى وصولها واجتماعها بإخوتها (وهم لا يعرفونها) طلب الولد من والدته أن تحكي له القصة، فوافقت شرط أن يجتمع الجميع حولها، وبدأت تروي الحكاية ولما انتهت “قالت: اسْكُتْ يا حَبْ حَبْ الرُّمَانْ وخْرُجْ يا كاس”، تعرَّف الإخوة على أختهم “ودعة” وندموا أشدَّ الندم على فعلتهم، وقرَّروا الانتقام من نسائهنَّ، فقاموا بحفر حفرة كبيرة وأضرموا النار بها، وطلبوا من زوجاتهم القفز فوقها، فسقطنَّ جميعا إلاَّ زوجة الأخ الأصغر، لأنَّها لم تكن حاضرة، وعاش الجميع حياة سعيدة.

2- تحليل الحكاية:

تتطلبُ عملية تحليل الحكاية الوقوف على الوحدات أو المقاطع التي تتكون منها، لذلك سنعمد إلى تقطيع الحكاية موضع الدراسة إلى وحدات حتَّى تسهُلَ عملية التحليل، مراعين في ذلك مفهوم الوحدة في الحكاية الشعبية، فهي التي تشمل “أصناف الوظائف المرتبطة فيما بينها حسب علاقة منطقية تشكل مقطعا”[4] ، يُضاف إلى ذلك أنَّ تقطيع الحكاية يكون وفقًا لمجموعة من الاعتبارات أهمها: تغيُّر مجرى الأحداث والمكان، وتغير الشخوص ووظيفتها في الفعل الحكائي.

- الموقف المبدئي (الحالة الاستهلالية):

الموقف المبدئي أو الحال الاستهلالية هو ما تُفتتح به الحكاية، فهو تمهيد يعطينا لمحة عامة عن حياة الشخوص والمكان والزمان، وعادة ما يتم خلاله التَّركيز على تعداد أوصاف الشخصية التي تتقمص فيما بعد دور البطل، “والاستهلال ليس وظيفة، وعلى الرغم من أنَّ هذه الحالة لا تُعد وظيفة إلاَّ أنَّها تمثل عنصرا مورفولوجيا مهمًا”[5] ، ذلك لكونه متغير من حكاية إلى أخرى، فتوافره في مطلع الحكاية يبيِّن ويفسِّر الخلفيات التي ستبني عليها الأحداث فيم بعد .

تُستهل الحكاية بتقديم عرضٍ موجزٍ للظروف التي سبقت ميلاد “ودعة”، فيتحدَّث الراوي عن الأم التي رُزقت بسبعة أولاد ذكور، وامتلاك هذه العائلة من كل شيء سبعة (الأحصنة الكلاب، البنادق…) كان للإخوة والأم حلم واحد، أن تُرزق العائلة بفتاة، وحدث أن حبلت الأم، وبعد تأكدها من الحمل نقلت الخبر السَّار لأولادها.

مثل هذا الموقف المبدئي للحكاية لا يشكل وظيفة ولا يحمل أيَّ قيمة، لكنَّه يثير في المتلقي عديد الاحتمالات ويفتح الآفاق أمامه واسعة للوظائف الأساسية اللاحقة.

- الوحدة الأولى: ودعة ورحلة البحث عن الإخوة.

تبدأ أحداث الوحدة الأولى من ولادة “ودعة” ومغادرة إخوتها البيت في اللحظة ذاتها التي أوهمتهم الخادمة فيها أنَّ المولود ذكر، وسُؤال “ودعة” المتكرر لأمها عن سبب مناداة الأولاد لها بـ”ودعة مشتة السبعة”، ومع رفض الأم المتكرر أمام اصرارها الدائم، لجأت لاستعمال القوة معها، فاضطرَّت الأم لإخبارها بالقصَّة كاملة، فعزمت “ودعة” على البحث عن إخوتها رفقة الخادم والخادمة اللَّذان دبَّرا لها مكيدة، وكيف انتهى بها المطاف راعية لإبل إخوتها، ليكتشف هؤلاء الحقيقة في الأخير.

تقوم هذه الوحدة على جملة من الوظائف، هي:

1- الرحيل: وهو رحيلين، الرحيل الأول يظهر في رحيل الإخوة بعد أن أوهمتهم الخادمة أنَّ المولود ذكر، والثاني هو قرار “ودعة” البحث عن إخوتها، بعد أن علمت الحقيقة، وأدركت سرَّ مناداة الأولاد لها بـ”ودعة مشتة السبعة”.

2- المنع: محاولة الأم ثني “ودعة” ومنعها من الرحيل، ومع اصرارها على الرحيل لم تجد غير أن تُرسل معها الخادم والخادمة لمساعدتها و”المنجل” الذي يوضِّح لها معالم الطريق.

3- خرق المنع: وهنا تدخل شخصية جديدة تمثَّلت في المعتدي على البطل أو ما يعرف بشخصية الشرير، وهو في الحكاية الخادم والخادمة، وقيامها بخرق الاتفاق الذي أبرمته مع والدة “ودعة” وهو مساعدتها.

4- وظيفة الاستخبار: الحيلة التي دبَّرتها الخادمة مع الخادم للتخلص من “ودعة” قبل وصولها للمكان الذي يقيم فيه إخوتها.

5- وظيفة إطلاع: سرقة الخادمة “المنجل” من “ودعة”.

6- وظيفة خداع: يحاول المعتدي خداع ضحيته للتمكن منها أو من أملاكها، وفي غالب الأحيان يتقدَّم المعتدي بمظهر يخالف مظهره العادي[6] ، وهي في الحكاية وضع الخادمة لـ”ودعة” في البِركة (البرهوشة) لتصير خادمًا ودخولها إلى البِركة (الحرة) لتصبح حُرَّة وسيِّدة.

7- وظيفة تواطىء عفوي: تُخدَع الضحية بسهولة وتقوم بإعانة عدوها بكل عفوية. فـ”ودعة” لم تشك لحظة في ما يمكن للبِركة أن تُصيِّرها إليه، ولا بالأمور التي تخطط لها الخادمة.

8- وظيفة إساءة: يؤكد “بروب” على الدور الأساسي لهذه الوظيفة، فهي التي تُكسب الحكاية حركيتها باعتبار أنَّ الوظائف السابقة ليست سوى تمهيدا لها، فحدوث هذه الوظيفة يؤدي إلى حدوث حالة افتقار. ووظيفة الإساءة في الحكاية هي ادعاء الخادمة أنَّها “ودعة” لدى وصولها إلى الإخوة، أمَّا وظيفة الافتقار، تظهر في الحالة التي آلت إليها “ودعة”.. راعيةً للإبل.

9- وظيفة وساطة: تكتسي هذه الوظيفة أهمية بالغة في حركية الحكاية واستمراريتها، حيث يتم إدراج البطل في السياق، بعدما تفشى خبر الإساءة، فيُوجَّه إلى البطل أمر أو يُطلب منه طلب والبطل عند “بروب” نوعان:[7] أبطال فاعلون وأبطال ضحايا.

وعلى هذا الأساس فإنَّ معنى البطولة لا ينحصر في القيام بأفعال خارقة للعادة، بل إنَّ البطل هو الشخصية التي لها مساس رئيسي بوظيفة حدوث الإساءة أو تقويمها[8] . وإذا ما عدنا إلى متن الحكاية نجد أنَّ شخصية البطلة هي “الأخ الأصغر” الذي كلَّفه باقي الإخوة بالتَّحري واكتشاف سبب نحالة الإبل.

10- وظيفة بداية الفعل المضاد: قبول البطل الضحية القيام بمهمة التحري والاستكشاف.

11- وظيفة المنح: تتمحور هذه الوظيفة حول امتحان البطل عن طريق اختبار، وهذا لمنحه الكفاءة التي يفتقر إليها أي القدرة المادية على الإنجاز، مثل: اكتساب البطل بعض الأسرار والخفايا، وهي المعرفة التي تمكنه من التخلص من العقبات، وهي في حكاية “ودعة” سؤال الأخ الأصغر لها عن فحوى الحكاية التي ترويها للإبل والتي تسبَّبت في نحافتهم.

12- وظيفة رد فعل البطل: اقتناع الأخ الأصغر بما روته “ودعة” واخبار إخوته بالأمر.

13- وظيفة علامة: تتمثل في “المنجل” الذي أخبرتهم “ودعة” عنه والمكان الذي يجدونه فيه.

14- وظيفة انتصار: اكتشاف الإخوة للحقيقة.

15- وظيفة التعرف على البطل: التعرف على البطل الحقيقي.

16- نزع القناع عن المعتدي أو البطل المزيف: ادخال الخادمة والخادم في البِركة “البرهوشة” ليعودا خادمين كما كانا في الأول.

17- وظيفة تجلي: تدخل “ودعة” البِركة “الحرَّة” فتعود إلى حالتها الطبيعية، وتصبح سيدةً.

18- وظيفة عقاب: معاقبة الخادمة والخادم بأن يُصرفا لرعي الإبل وخدمة “ودعة”.

19- وظيفة تتويج: عودة “ودعة” إلى إخوتها، الذين أحاطوها بالعناية والاهتمام.

- النموذج العاملي للوحدة الأولى:

سبق وأن أشرنا في ملخص البحث أنَّ النموذج العاملي ليس أداة اجرائية من أدوات المنهج المورفولوجي لـ”بروب”، بل يعود إلى “غريماس” الذي استوعب منهج “بروب” في تحليل الحكاية الشعبية وأعاد النظر في بعض المفاهيم الوظيفية، وصاغها “صياغة جديدة موسومة بالاختزال والتجريد الرياضيين.”[9]

المرسل - موضوع ذو قيمة - المرسل إليه

الرغبة في لقاء الإخوة) - (البحث عن الإخوة) - (الإخوة)

المساعد - الفاعل - المعارض

(الأخ الأصغر- المنجل) - (ودعة) - (الخادمة والخادم)

- الوحدة الثانية: ودعة وزوجات الإخوة.

تبدأ أحداث هذه الوحدة الثانية لحظة انتهائها في الوحدة الأولى مباشرة، فبعد أن وجدت “ودعة” إخوتها وحقَّقت الهدف المرجو من رحلتها، حاول الإخوة بدورهم تعويضها عن الضرر الذي لحق بها، غير أنَّ “ودعة” تقع مرة ثانية فريسةً لمكر زوجات إخوتها، اللواتي دبَّرن لها مكيدة تدفعهم في ذلك غيرتهن الشديدة فاهتدين لحيلة، حيث قامت نساء الإخوة بتحضير أكلة شعبية (الكعبوش) ووضعنَّ داخلها بيضة ثعبان، وطلبوا من “ودعة” أن تبلعها دون مضغ، مستغلات في ذلك سذاجتها وعفويتها، فأكلت وسرعان ما فقست البيضة في أحشائها وبدأ بطنها ينتفخ أخبرت الزوجات الإخوة بأنَّ “ودعة” تحمل طفلا غير شعري، فقرر الإخوة معاقبتها وقتلها وأوكلوا المهمة للأخ الأصغر مرة ثانية، هذا الأخير الذي رقَّ لحالها، فجرحها من إصبع يدها كدليل لإخوته على هلاكها، وبقيت “ودعة” مرمية في الحقول، حتَّى جاء رجل ساعدها في التخلص من الثعبان، ليتزوج بها وينجبا طفلا، أسمياه “حب حب الرمَّان”.

من الوظائف الموجودة في الوحدة الثانية:

01- وظيفة خرق المنع: ظهور معتدي يحاول النيل من “ودعة” وهو زوجات الإخوة.

02- وظيفة الاستخبار: تتجلَّى في بحث الزوجات عن الطريقة المثلى للإيقاع بـ”ودعة”.

03- وظيفة إطلاع: حصول الزوجات على معلومات وتفاصيل الخطَّة، فحضَّرنَّ الأكلة المفضلة لـ”ودعة”، وكذا معرفتهنَّ مقدار حبها الكبير لوالديها.

04- وظيفة خداع: تقديم الزوجات الأكل لها، وطلبنَّ منها أكله دون مضغ، بل ابتلاعه مباشرة.

05- وظيفة تواطئ عفوي: “ودعة” لم تشك في الأكل الذي قُدم لها، ولا في نيَّة زوجات إخوتها.

06- وظيفة إساءة: بعد أن أكلت “ودعة” أضحت حاملاً، يُضاف إلى ذلك القرار الذي اتخذه إخوتها بقتلها، وتكليفهم للأخ الأصغر مرة أخرى، لكن في هذه المرَّة طلبوا منه قتلها.

07- وظيفة وساطة: الأخ الأصغر لم يقتلها بل قام بجرحها من إصبع يدها، ووضع الدم على أفواه الكلاب تمويها لإخوته. كما يظهر في هذه الوحدة بطل آخر يتمثَّل في الرجل الذي ساعد “ودعة”.

08- وظيفة تقويم الإساءة: تخلص الرجل من الثعبان.

09- وظيفة تتويج: زواج الرجل من “ودعة”.

- النموذج العاملي للوحدة الثانية:

المرسل - موضوع ذو قيمة - المرسل إليه

(زوجات الإخوة) - (كشف الحقيقة ) - (التخلص من ودعة)

المساعد - الفاعل - المعارض

(الأخ الأصغر- الرجل) - (ودعة) - (زوجات الإخوة)

- الوحدة الثالثة: ودعة والعودة إلى حضن الإخوة.

احتفاظ “ودعة” بالثعبان في كيسٍ، وأسمته “كاس” ورُزقت بولد أسمته “حب حب الرمان”، ومن ثمَّ عاودتها الرغبة في البحث عن إخوتها، واتَّفقت مع ابنها على خطة، ولمَّا وصلت لإخوتها أنكروها ولم يتعرفوا عليها هم وزوجاتهم، فجلست ثم بدأت تروي قصة “ودعة مشتة السبعة” بعد الحاح كبير من ابنها (تنفيذ الخطة)، وهكذا تفطَّن الإخوة للأمر وعرفوا أختهم وقاموا بمعاقبة النسوة إلاَّ زوجة الأخ الأصغر التي كانت غائبة وقت تدبير وتنفيذ المكيدة.

وظائف الوحدة الثالثة:

01- وظيفة الرحيل: رحيل “ودعة” عن زوجها وعودتها لإخوتها، وهي في نفس الوقت وظيفة العودة باعتبارها ستعود إلى نفس المكان الذي انطلقت منه.

02- وظيفة وساطة: تظهر في الخطة التي رسمتها “ودعة” وابنها الذي يلعب دور الوسيط.

03- وظيفة انتصار: كشف “ودعة” لحيل ومكر زوجات الإخوة.

04- وظيفة تقويم الإساءة: استرجاع “ودعة” لمكانتها بين إخوتها.

05- ينزع القناع عن المعتدي أو البطل المزيف: فضح زوجات الإخوة.

06- وظيفة عقاب: حفر حفرة كبيرة وإضرام النَّار فيها وسقوط النسوة بداخلها.

07- وظيفة تتويج: عودة “ودعة” إلى حضنِ إخوتها من جديد.

- النموذج العاملي للوحدة الثالثة:

المرسل - موضوع ذو قيمة - المرسل إليه

(البحث عن الاخوة ) - (العودة إلى الإخوة) - (الانتقام من زوجات الإخوة)
المساعد - الفاعل - المعارض
(الابن، الثعبان) - (ودعة) - (/)

لقد خضعت الحكاية لثلاث مراحل، استهلت بحالة من الأمن والاستقرار ثم اضطراب وتغيير ثم استقرار متبوع بتغيير ثم استقرار نهائي، وهذا ما يؤكده “تودوروف” بقوله: “إنَّ القصَّة المثالية هي التي تبدأ بوضعية هادئة تجعلها قوة ما مضطربة ينتج عن ذلك حالة اضطراب ويعود التوازن بفعل قوة موجهة معاكسة[10]. ويمكن توضيح ذلك في الجدول الآتي:
استقرار - اضطراب - استقرار - اضطراب - استقرار نهائي
الموقف المبدئي (الاستهلالي) حيلة الخادم والخادمة للتخلص من ودعة.اجتماع شمل “ودعة” وإخوتهاحيلة زوجات الإخوة ومحاولة قتلهم لها.عودة “ودعة” من جديد لحضن إخوتها.

3- اختبارات “بروب” في حكاية ودعة:

الاختبار مصطلح استخدمه “بروب” في تناوله للحكاية الشعبية، وفي الوظيفة الثانية عشرة بالضبط، ويظهر ذلك في الاختبار الذي يخضع له البطل للحصول على أداة سحرية، وجاء بعده “غريماس” الذي قسَّم الاختبار إلى ثلاثة أنواع: الاختبار الترشيحي، والرئيسي، والتمجيدي[11].

ومن خلال تحديد الوظائف وتصنيفها يظهر لنا جليًا أنَّ حكاية “ودعة مشتة السبعة” تشتمل على ثلاثة اختبارات هي:‏

- اختبار ترشيحي: يتمحور حول شخصية الفاعل والمانح، ويتجلَّى في الوحدة الأولى في منح الأم لـ”ودعة” الخادمة والخادم لخدمتها ورعايتها، بالإضافة لـ”المنجل” كوسيلة مساعدة لها للبحثِ عن إخوتها.

- اختبار رئيسي: يحدث فيه الصراع الأساسي والفاصل في الحكاية،‏ ويظهر في الوحدة الثانية في استيلاء الخادمة على ممتلكات “ودعة” وتحويلها إلى خادمة، وادِّعاء الخادمة أنَّها “ودعة” أمَّا في المقطع الثالث فيتمثَّل في المكيدة التي دبَّرتها زوجات الإخوة للإيقاع بها.

- اختبار تمجيدي: يحدث فيه التعرُّف على البطل ومكافأته.‏ ويظهر في المقطع الثاني في اكتشاف الإخوة لحقيقة “ودعة” التي كانت ترعى إبلهم وإعادة الاعتبار لها وإحاطتها بالحب والحنان وفي المقطع الثالث فضح “ودعة” للمكيدة التي دبرتها زوجات الإخوة، ومساعدة الرجل لها وعودتها من جديد لحضن إخوتها ومعاقبة الإخوة لزوجاتهم.

4- الدوافع:

المقصود بالدوافع عند “بروب” هي “أسباب وأهداف الشخصيات التي تجعلها تقوم بأفعال مختلفة”[12]، والدوافع في الحكاية الشعبية هي التي تُكسبها الحيوية والواقعية، الأمر الذي يُلفت انتباه المتلقي.

والدوافع التي أثَّرت على أفعال الشخوص في حكاية “ودعة”:

1- دافع فعل “اصلاح الضرر”: ففي اللَّحظة التي علمت فيها “ودعة” بالحقيقة من أمِّها وسرَّ مناداة الأولاد لها بـ”ودعة مشتة السبعة” قرَّرت البحث عن إخوتها في محاولة منها لإصلاح الضرر الذي لحق بهم جرَّاء كذب الخادمة عليهم وإيهامهم أنَّ المولود ذكر. فهذا الدافع أساسي في الحكاية لأنَّه السبب الرئيس لرحيل “ودعة” وتعرضها لكل تلك الأحداث.

2- دافع فعل “الغيرة والحسد”: الشخصية الشريرة في الوحدة الأولى هي الخادمة التي تُكن لـ”ودعة” مشاعر الحسد والبغض، وهذه المشاعر هي التي دفعت بها إلى الكذب على الإخوة والاستيلاء على ممتلكات “ودعة” وانتحال شخصيتها، ويظهر هذا الدافع أيضا عند زوجات الإخوة بسبب احتفاء الإخوة بـ”ودعة”.

3- دافع فعل “الفضول وحب الاستطلاع“: يتجلَّى في تساؤل الإخوة عن سبب نحالة الإبل وضعفها، الأمر الذي تطلَّب منهم ارسال الأخ الأصغر، الذي هاله أن يرى الإبل مجتمعة حول الخادمة، فدفعه الفضول لمعرفة ما ترويه لهم، وكذا فضول الرجل وحب استطلاعه للكشف عن مصدر الصوت الذي سمعه وهو يقص الحشيش.

4- دافع فعل “الشفقة والتعاطف”: شكّلت هذه الوظيفة نقطة تحوّل حاسمة في مجرى الأحداث فالأخ الأصغر رقَّ قلبه لأخته، ولم يستطع القيام بما أٌمِر به، فاهتدى لحيلة أنقذ بها أخته، واشفاق الرجل عليها عندما علم بقصتها.

5- دافع فعل “المساعدة”: قيام الرجل بمساعدة “ودعة” واخراج الثعبان من بطنها، وتكفَّله بها.

6- دافع فعل “العقاب”: عقاب الإخوة الخادمة.

7- دافع فعل “الانتقام”: انتقام الإخوة من زوجاتهم.

وفي ما يلي جدول توضيحي للشخوص والدوافع والأفعال:
الشخوص الداوفع الأفعال
ودعة - اصلاح الضرر - رحلة البحث عن الإخوة.
الخادمة - الغيرة والحسد - السرقة
زوجات الإخوة - الغيرة والحسد - المكيدة
الإخوة - الفضول وحب الاستطلاع - التعرف على ودعة الحقيقية
الأخ الأصغر - الشفقة والتعاطف - تراجعه عن قتل أخته(ودعة)
الرجل - المساعدة - استخراج الثعبان والزواج بـ”ودعة”.
الإخوة - العقاب - معاقبة الخادمة.
الإخوة - الانتقام - رمي زوجاتهم في الحفرة.

5- التناص في حكاية ودعة:

تبرزُ مشاعر الحسد والغيرة في متن الحكاية، هذه المشاعر التي اكتوت بها زوجات الإخوة وأجَّجتها “ودعة” نظرا للمكانة الرفيعة التي احتلتها في قلوب إخوتها، “لكن بعد كل ما صْرَالْهَا مَاتَسْلَكْشْ مَرَة ثانية مَنْ نْسَا الخَاوَة، قالوا كيفاه خَوَاتْهَا يَبْغُوها قَاعْ هَاك، لازم نْدِيرُوا حاجة بَاهْ نَتْخَلْصُوا منها للأبد” وفي المقابل نجد في قصَّة سيدنا يوسف – عليه السلام – الوارد ذكرها في القرآن الكريم قوله تعالى: “إِذْ قَالُوا لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَىٰ أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ”[13]. فالنسوة وإخوة يوسف هنا في مقام واحد، مقام الحاسد المبغض (المعتدي) و”ودعة” و”يوسف” في مقام الضحية.

كل هذا ونار الحسد والغيرة تضطرم في صدورهنَّ، والشيطان يُزيِّن لهنَّ فعلتهنَّ، فدبَّرنَّ مكيدة لها “جابوا بيضة نتاع حنش، وداروها في وسط حبة تاع كعبوش” والأمر نفسه مع إخوة يوسف جاء في القرآن الكريم قوله تعالى: “اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضًا يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُوا مِنْ بَعْدِهِ قَوْمًا صَالِحِينَ قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ لَا تَقْتُلُوا يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ فِي غَيَابَتِ الْجُبِّ يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ.”[14]

لقد طلب الإخوة في الحكاية من الأخ الأصغر قتل “ودعة” فكان القتل هو الهدف، والدم هو دليل ذلك، بينما في قصَّة سيدنا يوسف كان القتل تبرير لعدم عودة يوسف معهم والدم دليل براءتهم، فتشابهت القصَّتان في هذه الجزئية أيضًا، ففي الحكاية نجد أنَّ الأخ الأصغر “كي داها غَاضْتُ وما قْتَلْهَاشْ جْرَحَلْهَا اصبعها الصغير وطَلَسْ أفوام الكلاب بالدم وقالهم راني قتلتها” وفي القرآن الكريم نجد قوله تعالى “وَجَاءُوا عَلَىٰ قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ”[15]، ويمكن توضيح هذه المفارقة في المخطط الآتي:

قتل ودعة - دليـل - الدم - تبـريـر - براءة الإخوة من دم يوسف

صدق إخوة يوسف

صدق الأخ الأصغر

والأخ الأصغر حاضر في القصتين، فهو في حكاية “ودعة” من تابعها وهي ترعى الإبل وأول من اكتشف أنَّها الأخت الحقيقية، وهو الذي تركها لتعيش عندما طُلب منه قتلها، وهو في قصَّة سيدنا يوسف “وَلَمَّا دَخَلُوا عَلَىٰ يُوسُفَ آوَىٰ إِلَيْهِ أَخَاهُ قَالَ إِنِّي أَنَا أَخُوكَ فَلَا تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ”[16]. فالحب الذي يجمع “ودعة” وأخاها الأصغر هو ذاته الحب الذي يجمع يوسف وأخاه الأصغر.

وفي الحكاية تناص آخر مع قصَّة سيِّدنا يوسف في القرآن الكريم، يتجلَّى في اجتماع “ودعة” وابنها مع إخوتها في آخر الحكاية وهم لها منكرون، حتى إذا طلب منها ابنها أن تحكي له حكاية “ودعة مشتَّتة السبع” وانصياعها له وانتهائها من الحكاية، تفطَّن الإخوة إلى الحقيقة، وفي قصَّة سيِّدنا يوسف نجد قوله تعالى: “قَالَ هَلْ عَلِمْتُم مَّا فَعَلْتُم بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنتُمْ جَاهِلُونَ (89) قَالُواْ أَإِنَّكَ لَأَنتَ يُوسُفُ قَالَ أَنَاْ يُوسُفُ وَهَذَا أَخِي قَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا إِنَّهُ مَنَّ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ.”[17] فإخوة يوسف لم يتعرَّفوا عليه إلاَّ بعد أن سألهم عمَّ فعلوه مع أخيهم يوسف، عندها فقط أدركوا أنَّه يوسف.

ويمكن أن نلخص أوجه التماثل بين الحكايتين في الجدول الآتي:
القصَّة القرآنية (قصة سيِّدنا يوسف) حكاية ودعة مشتَّة السبعة
يوسف - ودعة
الإخوة - زوجات الإخوة
الغيرة والحسد - الغيرة والحسد
الأخ الأصغر - الأخ الأصغر
الدم على قميص يوسف - الدم على أفواه الكلاب
عودة يوسف إلى أبيه - عودة ودعة إلى إخوتها
عدم تعرف الإخوة على يوسف - عدم تعرف الإخوة على ودعة


- خاتمة:

بعد تحليل مورفولوجي لحكاية “ودعة مشتة السبعة” يُمكن تلخيص أهم النتائج المتوصل إليها فيما يلي:

- الحكاية الشعبية شكل من أشكال التعبير في الأدب الشعبي، ذات محتوى اجتماعي ثقافي، ولها بنية شكلية مميَّزة.

- حكاية “ودعة مشتة السبعة” حكاية شعبية لها تاريخها في التراث الشعبي الجزائري، وهي منتشرة في مناطق عديدة وإن تغيَّرت تسمياتها، فالأحداث والشخوص واحدة.

- تقترب الحبكة الفنية للحكاية الشعبية في الجزائر إلى حد كبير من النموذج الوظائفي لـ”فلاديمير بروب”.

- توفر معظم وظائف “بروب” في الحكاية وتفاوت درجة حضورها في وحدات الثلاثة للحكاية.

- رحيل البطل (ودعة) إراديًا هو النقطة الفعلية لبداية الأحداث التي اتخذت منحى تصاعدي.

- إنَّ فعل الشر الناجم عن شخصيات نسائية له رمزية مهمة لا يمكن إغفالها، وهو تعبير عن نظرة الإنسان الشعبي البسيط للمرأة.

- النهاية السعيدة في الحكاية تعبير على قدرة الإنسان في تغيير مصيره بالإصرار.

- وجود تماثل وتشابه بين قصَّة يوسف – عليه السلام – و”ودعة” وهو تناص يهدف إلى أداء وظيفة وتبليغ رسالة وإبراز الصراع التاريخي الخفي بين الخير والشر.

- قائمة المصادر والمراجع:

- القرآن الكريم.

- المصادر:

- كبريت علي، موسوعة التراث الشعبي لمنطقتي تيارت وتسمسيلت، دار الحكمة، الجزائر 2007م، ج02.

- المراجع:

– ابراهيم الخطيب، نظرية المنهج الشكلي -نصوص الشكلانيين الروس- الشركة المغربية للناشرين المتحدين ومؤسسة الأبحاث العربية بلبنان، ط01، 1982م.

– تزفيطان تودوروف، الشعرية، ترجمة: شكري مخبوت ورجاء بن سلامة، دار توبقال للنشر المغرب، ط02، 1990م .

– عبد الحميد بورايو، التحليل السيميائي للخطاب السردي – نماذج تطبيقية- دار الغرب للنشر والتوزيع، الجزائر (د/ت).

- فلاديمير بروب، مورفولوجيا الحكاية الخرافية، ترجمة وتقديم: أبوبكر باقادر، محمد عبد الرحيم نصر، النادي الأدبي الثقافي بجدة، المملكة العربية السعودية، ط01.

- محمد القاضي، قاموس السرديات، دار الفارابي، لبنان، ط01، 2010م.

- محمد الناصر العجمي، في الخطاب السردي “نظرية غريماس”، الدار العربية للكتاب، تونس د ط، 1991م.


[1]- مورفولوجيا الحكاية الخرافية، فلاديمير بروب، ترجمة وتقديم: أبوبكر باقادر، محمد عبد الرحيم نصر، النادي الأدبي الثقافي بجدة، المملكة العربية السعودية،ط1، ص77.

[2]- ينظر: مورفولوجيا الحكاية الخرافية، فلاديمير بروب، ص79.

[3]- موسوعة التراث الشعبي لمنطقتي تيارت وتسمسيلت، اشراف وتحقيق: علي كبريت، دار الحكمة الجزائر، 2007م، ج02 ص45. مكاحل: جمع مكحلة وهي البندقية، عواد: الأحصنة.

كل مقاطع الحكاية الواردة في البحث مقتبسة من المصدر نفسه. الفرانة الصفرا: قطعة قماش توضع على رأس المرأة ذات لونٍ أصفر، ريشيلنا: أشيري لنا بمعنى أعطينا إشارة، المنجل: أداة تستعمل لحصاد القمح، ننجلاو: نذهب دون رجعة.
· ما نطلقكش: لن أتركك، الصح: الحقيقة.
بصَّح: ولكن، يكلمها: يحدثها، يوريلها: يبين ويوضح لها
· البل: الإبل، قاع: كل، كرشة: لا تسمع.
·· عقابها: وراءها، مداور: مجتمع حولها.
··· حنش: ثعبان، داروها: وضعوها، كعبوش: أكلة شعبية جزائرية تصنع من الدقيق والتمر، مضيغ: تبلعها مباشرة دون مضغ.

[4]- التحليل السيميائي للخطاب السردي – نماذج تطبيقية- عبد الحميد بورايو، دار الغرب للنشر والتوزيع، الجزائر (د/ت) ص07.

[5]- فلاديمير بروب، مورفولوجيا الحكاية الخرافية، ص83.

[6]- نظرية المنهج الشكلي ـ نصوص الشكلانيين الروس ـ ابراهيم الخطيب، الشركة المغربية للناشرين المتحدين ومؤسسة الأبحاث العربية بلبنان، ط01، 1982م، ص68.

[7]- المرجع نفسه، ص68.

[8]- المرجع نفسه، ص68.

[9]- في الخطاب السردي نظرية قريماس، محمد الناصر الجمعي، الدار العربية للكتاب، تونس، د ط، 1991م، ص ص 24-25.

[10]- الشعرية، تزفيطان طودوروف، ترجمة: شكري مخبوت ورجاء بن سلامة، دار توبقال للنشر، المغرب، ط02، 1990م ص68.

[11]- قاموس السرديات، محمد القاضي، دار الفارابي، لبنان، ط01، 2010م، ص16.

[12]- فلاديمير بروب، مورفولوجيا الحكاية الخرافية، ص152.

[13]- القرآن الكريم، سورة يوسف، الآية08.

[14]- القرآن الكريم، سورة يوسف، الآية 9-10.

[15]- القرآن الكريم، سورة يوسف، الآية18.

[16]- القرآن الكريم، سورة يوسف، الآية69.

[17]- القرآن الكريم، سورة يوسف، الآية 89-90.




* طيبي بوعزة طالب دكتوراه (ل م د) سنة أولى تخصص: اتجاهات النقد المعاصر في الجزائر
إشراف: د كبريت علي جامعة ابن خلدون – تيارت-

- مقال نشر في مجلة جيل الدراسات الادبية والفكرية العدد 34 الصفحة 89.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى