ستار جاسم ابراهيم - النـوادر والأفاكـيه في التـــأريخ..!

تندرج النادرة في التاريخ ضمن اخباره المتواترة والموثقة في الكتب المختصة بنقلها.. وقد تنقل شفاهاً ضمن محفوظات المرء للأستشهاد بها وبما يلائم ذائقة المتكلم والمتلقي، في سرد حادثة أو ما يشبه قصة حدثت في زمن المتكلم هذا مستعيناً بالنادرة التاريخية تأكيداً لما يذهب اليه وما يرمي من ترسيخ لمعنى أو توكيد لمبنى ينشده ويدخله في واعية متلقيه.
والنوادر أو الطرف أو المواقف الحادة (المتشنجة نتيجة الغضب أو سطوات السلطة وعنجهيات القوى الغاشمة أو غيرها)، التي حصلت في ما مضى من الزمان، أو المتخيلة أو المشتهى تخيلها، على انها حصلت فعلاً وواقعاً، غير ان القارئ الحصيف أو المتمعن يجد كثيراً من الخلل في قسم ليس بالقليل في هذه النوادر، ويجد البعض منها لم تبتعد عن الفبركة والتزويق من تلاعب بالالفاظ، وتحميل النادرة الواحدة بالمحسنات اللفظية من جناس وطباق وغيرهما. وانك لواجد بعض من لا يعطي النادرة التاريخية احقيتها من المهابة والرصانة التي تتمتع بها النادرة ذات المدلولات المعقولة والتي تجد لها بعض الانسجام مع اختلاف الزمان واختلاف انماط الناس وتفكيرهم ومزاجهم.
وهناك من يضعها ملصقة على ابواب التفكه والتندر والتظرف استجلاباً لطراوة الاحاديث بعد يباسها، أو التخفيف من حدّة قد تحصل بين اناس متضادين بالفكر أو المعتقد. الا ان الحقيقة تسفر عن وجهها لتقول: لولا اهمية تلك النادرة او الطرفة أو الافكوهة، لما تجرأت على ان تحتل هذه المكانة الواسعة من صفحات التاريخ.
وما يحصل في أيامنا هذه من احداث دامية لو ادركها السيد (شكسبير) لسجلها درامياً ناهيك عما يحدث من كوميديا بيضاء وسوداء ، الا مجموعة متناقضات حادة سيسجلها التاريخ ضمن نوادر سيحار اين يرصفها وأيّان يركنها.؟.!
قال ابو العباس السفاح مؤسس الدولة العباسية، يوماً لخالد بن صفوان بعد ان استتبت الامور لدولته:
ـ يا خالد. قد أكثر الناس في وصف محاسن النساء، فأيهن اميل اليك؟
ردّ عليه خالد قائلا:
ـ اعجبهن يا امير المؤمنين التي ليست بالضرع الصغيرة ولا الفانية الكبيرة، وحسبك من جمالها ان تكون فخمة من بعيد، مليحة من قريب. اعلاها قضيب واسفلها كثيب "تل صغير" ، كانت في نعمة ثم اصابتها فاقة فاترفها الغنى وادبها الفقر.
بدءاًَ. أن اول ما يتبادر إلى الذهن هو متى قال ابو العباس السفاح هذا.. في أي يوم.. في أي شهر.. في أي سنة.. في ليل ام في نهار؟ لان ما تراه جميلاً قد لا يراه الاخر كذلك، ولهذا قيل لو تساوت الاذواق لبارت السلع. وهذه النادرة تذكرنا بالسيدة (عزّة) التي قصدت "معاوية بن ابي سفيان" في حاجة لها. لكن معاوية داعبها بقوله:
ـ انت عزة التي شبب بها كثير.
ـ نعم . انا هي
ـ لكنك لست كما وصفك الكثير في شعره.
ـ لأنك لا تنظر الي كما ينظر كثير.
و الاسئلة نفسها التي اثيرت آنفاً تثار هنا، ويمكن ان نضيف ما مصلحة معاوية في كل هذه المداخلة وما نفعه منها؟ وهو من عرف بـمؤسس الدولة الاموية وعرف بالدهاء، وهو القائل لو ان بيني وبين الناس شعرة ما قطعتها فان شدوا ارخيت وان ارخوا شددت حتى عرفت شعرة معاوية بين الناس.
على ان النادرة التاريخية ليست وقفاً على النكات الضاحكة أو تخلو من معان ومغازٍ، وفي تواريخ الامم كم هائل من المواقف المؤلمة يستشهد بها حين الاحتياج اليها، وتحسب وتندرج ضمن الندرة التي نوهنا عنها أكثر من مرة، وتضيف عليها الأيام ما يثقلها الما على الم. فالفرنسية مثلا والتي تحمل اسم "مدام رولان" والتي يقال انها نطقت بالجملة التاريخية المأثورة عنها، والتي تناقلتها الاجيال ولا تزال والتي اطلقتها وهي في طريقها إلى الآلة الجهنمية الرهيبة هي المقصلة التي اخترعتها مخيلة الدكتور "كيوتين" ، اثناء الثورة الفرنسية سنة 1789، جملتها تقول:
ـ ايتها الحرية، كم من الجرائم ترتكب باسمك، ونعود لتنهال الاسئلة التي لا تنتهي، هل حقا ان مدام رولان هي التي كانت وراء اطلاق هذه المقولة المدوية على مر الليالي وكرور النهارات؟ أهي من تأليفها أم هي من تأليف الرواة، أم من المتأثرين بمشاهدة قطع رقبتها الجميلة المرمرية بهذه المقصلة الشنيعة، قد تثبت القوابل من الأيام هذه المقولة وقائلها الحقيقي أو ربما قائلتها الحقيقية، وقد لا تثبت شيئا، وما كل ما يعرف يقال وما كل ما يفكر ايما انسان في مكان يسجل ويوثق وكثير من القصص والحوادث واخطر القضايا مررت بشتى الحجج ولفلفت وغرزت في تلافيف التكتم ودهاليز المصالح العامة والخاصة واقبية الخوف المعلوم والمسكوت عنه.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى