زين المعبدي وبشرى نوري وعتيقة رابح - ثلاث قراءات نقدية في ومضة الشاعر الناقد الأردني أيمن دراوشة

نص الومضة:

""ولك قلب كالشمس من تحتها الدجى، في رباك تاهت بي السبل"".

أيمن دراوشة

القراءة الأولى / زين المعبدي - مصر

جنون الذات هو المعادل لجنون الواقع ورؤية المبدع تقوم على الوعي بهذه الحقيقة، بل إنَّ هذا الجنون يحيل الخلل العلائقي إلى وسيلة للتوحد مع العالم وهذا التوحد ينتج خطًّا دِلاليًا يعتمد على المفارقة الممتدة بين الصورتين الواضحتين.

في نص دراوشة الشمس بنورها ووهجها تحدث مفارقة بين الدجى (الظلام) تجعل المعنى يتوهج مما يثير حفيظة المتلقي

وتحديد المكان مرتين

أولهما:

القلب/ وهو أهم أسباب الحياة واستمرارها وكذا هو مصدر الخصوبة والعاطفة للكائنات الحية.

الربوة أو الرُّبا/هو مكان أيضًا مرتفع خصيب تكون فيه النباتات في أبهى نضارتها، لنجد المزاوجة بين (القلب) و( الرُّبا ) في إيحاء للخصوبة والنضارة، والجملة بها الكثير من المعاني فأولها التقديم والتأخير الذي يزيحنا إلى الضياع أمَّا ثانيهما فتجسيد السبل/ على شكل دابة تاهت بالمتحدث (وهذا ظاهريًا)

ولا زال دراوشة يربطنا بالتراث الدِلالي في تناصيه مع قول الله تعالى:

""وآويناهما إلى ربوة ذات قرار ومعين"" سورة المؤمنون آية ٥٠

لنجد النص كله في مفارقة ذات طرفين!

طرف معاصر:

وهو الجزء الأول

ولك قلب كالشمس من تحتها الدجى/ فقد شبَّه القلب بالشمس التي تعلو الظلام بنورها واستقرارها وثباتها فهي معروفة وتعلم وجهتها بقدرة مسخرها

تحتها/ ظرفية توحي بالمكان والإسقاط من أعلى لأسفل وجاءت الواو(ولك) زائدة للتشويق ولفت الانتباه وإعطاء النص جرس موسيقي ذي شجن ونغم مطربين.

ثم الطرف الثاني من المفارقة، طرف التيه والضياع حيث الوجهة غير المعلومة، وإضافة الرُّبا الذي أكسبها نكهة تراثية كأنه يحرص على إظهار القلوب السليمة النقية من جانب والقلوب المريضة من جانب آخر.

وتتفق المفارقتان في العلو (الشمس والربوة) فالإسقاط عمودي

وكذا بين التيه والدجى فكلاهما ضياع، فالدور الأنطولوجي البديعي ليس دور تزييني، بل يفوق ذلك ليصل مستوى الخلق والتشكيل للمعنى رغم اتفاق وتجانس بعض المفردات

ليتضح لنا أن الإجادة الفنية عند الكاتب مؤسسة على حسن الشكل ومن ثم حسن المعنى.

----------------------------------------------------------

القراءة الثانية / بشرى نوري علي - العراق

تحت شمسك وبين رباك، قمر منير، آهلة هداية للقاصي..

أمَّا من يدانيك.. فهو في انشغال تام!

كيف يجمع مزيدًا من الضياء المنبثق من حروفك؟!

بحر النص عميق.. لذا من أراد خوضه فليتعلم السباحة بإتقان ويأخذ معه نجادة إنقاذ؛ خوفًا عليه من الغرق في جمالية الرصف والإتقان البارع في توظيف الحرف ليأتي منسجماً متوافقاً مع حالة شعورية اسمها. إبداع

ربما هذه الحالة لكونها خاصة جاء التكثيف في بيت مكتمل الأركان؛ ليمنحنا تصورًا كاملًا عن المقدرة في مزاوجة الشعور بين الوضوح والتيه !

لك قلب / قد تدل بإيحائها إلى قلم الكاتب عندما شبهه بأنه ساطع كالشمس، فلا أحد يستطيع أن يغفل عنه أو يتجاهله، فهو يكتب بقلم مداده ذهب سطورًا مضيئة..

من تحتها الدجى/ فيها انزياح إلى علو منزلة الكاتب أو المخاطب الغائب..

إذا ركنا وأيقنا أن لفظة القلب / إسقاط تام لخصوبة وثراء الكاتب في نتاجه الأدبي.

فلا قلم يعلو عليه، والكل بعده مجرد أقلام متشبعة بالحبر الأسود، فلا حرف يعلو بها ولا نجم ساطع يتعلق بسمائها.. وهذا ما دللت عليه لفظة الدجى / في إشارة إلى ظلام مما يكتب غيره مقارنة بقلمه..

في رباك/ أراه يشير بإصبع الاعتراف والشهادة، فهو من فرط جمالية ما يسطر، يأخذنا التيه فلا نقوى على الإحاطة التامة بمدلول ذلك السطوع وتلك القدرة بعين القاصر، فأسقطنا نجادتنا وأعلنَّا الغرق ..

----------------------------------------------------------





القراءة الثالثة / عتيقة رابح - الجزائر

تبدأ الومضة بشطر يشكل صدمة، كيف يكون الدجى بعد إشراق الشمس الظلمة الحالكة من فوقها السطوع؟

والبيان مفارقة بديعة ترمز للظروف القاسية المحيطة بالشمس وعلى الرغم من هذا لم تتغير كونها شمسًا مضيئة مازال قلب المعنية ينبض بالطيبة والوضوح والنقاء يلمع كما الشمس في محيط مليء بالمشاكل والإعتام.

"في رباك تاهت بي السبل"

صور نفسه مثل الراعي الذي يرعى قطيع مشاعره في تلال الشمس وبما أن التلال تحيطها ظلمة حالكة صورها الكاتب بالدُّجى فإنَّ الطرق لإيصال قطيعه ستتوه به رغم أن المعروف عن الربوة أنها خضراء معمورة بالخير، وهذا يرمز إلى عسر الجمع بينهما بسبب الظروف المحيطة بالبطلة رغم السعي الحثيث للبطل نحوها.

ومضة تحمل مفارقة فجة محيطة بالرمز وتحمل عنصر الصدمة والمفاجأة، إنها مبهرة حقًّا.

----------------------------------------------------------

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى