أ. د. عادل الأسطة - الفلسطيني في الرواية الأمريكية: فتاة نابلس مثالا

في ربيع هذا العام كتب إلي الشاعر راشد عيسى يسألني إن كان مر علي رواية عنوانها " فتاة نابلس " للمؤلف سعادة بك موره لي ، ولما بحثت عنها في مكتبة بلدية نابلس وجدت منها جزءا من أربعة أدرجت على صفحتي صورة غلافه وصورت للشاعر الصفحات الأولى منه .
تفاعل جمهور القراء ودارسي الرواية الفلسطينية مع المنشور ، فعرفت أن الأجزاء الأربعة متوفرة في مكتبة الجامعة الأردنية ، وعرفت من الصحفي جميل ضبابات أن هناك رواية لمحام أمريكي عمل مستشارا في الخليج ( DEAN DILLEY ) عنوانها " Nablus Girl " صدرت في العام ٢٠٢٢ ، ووعد جميل أن يعرفنا بمحتواها ولم يتمكن من ذلك ، فما كتب عنها بضعة أسطر فقط ، وهنا تبرع محمد أبو عرقوب المقيم في أميركا أن يوفر لي ولجميل نسختين منها ، إهداء لي كوني درسته في العام ٢٠٠٢ في جامعة النجاح الوطنية ، فهذا واجب الطالب لأستاذه ، ووعد أنه سيحضرهما شخصيا في زيارته القادمة لفلسطين ، ولم تتأخر الزيارة ، وعندما أهداني نسختي طمح أن أخربش حولها في الفيس بوك ، ولم أخيب أمله فهو وعد وأوفى ، وشرعت أقرأ كل يوم فصلا من فصول الرواية وأكتب انطباعاتي وما تستثيره في ذهني ، فالرواية حديثة الصدور وهي عن نابلس وأهلها وجامعتها ومشافيها وشوارعها ، وهي تقدم تصور السارد ، ولعله المؤلف ، لعالم أعرفه منذ سبعين عاما ، فنابلس هي مكان الولادة والنشأة والإقامة . إنها الماضي والحاضر وإن لم أعد إلى يافا فسأدفن فيها . عدا ما سبق فقد قرأت صورتها في روايات سحر خليفة وسير أدبائها مثل فدوى طوقان وعلي الخليلي وكتبت عنها الكثير في نصوصي القصصية والروائية ومذكراتي عن عملي في الجامعة ، وبدت لي رواية ( DILLEY ) رواية ثرية لإجراء مقارنات بينها وبين أدبياتنا .
ليست رواية " فتاة نابلس " أول رواية بالإنجليزية أقرأها تأتي على فلسطين والفلسطينيين ، وإن كانت الأولى عن مدينة نابلس . كان غسان كنفاني في كتابه " الأدب الصهيوني " ١٩٦٦ أول من عرفنا على صورة العربي / الفلسطيني في الرواية المكتوبة بالإنجليزية ، وكنت شخصيا قرأت بالألمانية رواية ( ثيودور هرتسل ) " أرض قديمة جديدة " ١٩٠٢ ، بل إني لم أكتف بما قرأته في كتاب كنفاني . لقد اقتنيت رواية ( آرثر كوستلر ) " لصوص في الليل " وروايتي ( ليون أوريس ) " الخروج / اوكسودس " و " الحاج / The Haj " ووظفت هذه الروايات في العديد من دراساتي .
عندما شرعت في قراءة " فتاة نابلس " تذكرت رواية " الحاج " ، وكانت الدهشة تعتريني . إنها الدهشة نفسها التي ألمت بي في العام ١٩٩١ ، وكان السؤال هو :
- ما هي مرجعية هؤلاء الكتاب في كتابة بعض التفاصيل عن الفلسطيني ؟
لم يكتب ( أوريس ) عن المدينة الفلسطينية ، ولكنه كتب عن البدو ، أما ( ديللي ) فيكتب عن نابلس ودبي والقاهرة أيضا ، وربما تتضاءل الدهشة عندما يقرأ المرء سطرا أو سطرين عن حياته على الغلاف الأخير لروايته " إنه محام من واشنطن مع خبرة طويلة في الشرق الأوسط " وإنه عمل مستشارا في دول الخليج . إنه إذن لم يكتب عن الشرق الأوسط من فراغ ، فثمة خبرة ودراية ومعرفة ، وكونه عمل مستشارا فلا شك أن كثيرا من المعلومات التي تخص البنوك والشركات والتعاملات فيها كانت من مجال عمله .
ما لفت نظري حقيقة هو ما كتبه عن مدينة نابلس والنابلسيين والجامعة فيها وإيراده أسماء بعض شوارعها ، فهل زار المدينة أم أنه في الكتابة عنها اعتمد على الشخصيات الأمريكية التي زارت نابلس وعملت في جامعتها وكان لها حضور في الرواية ؟
وكعادة الروائيين عموما فإنه صدر روايته بالكليشيه التقليدية " هذا الكتاب عمل خيالي . الأسماء والشخصيات والأماكن والأحداث هي من نتاج خيال الكاتب أو استخدمت وهميا . أي تشابه مع أحداث حقيقية أو محلية او شخصيات واقعية ؛ حية أو ميتة ، هو بالصدفة تماما " .
وتتبع الشخصيات الفلسطينية كلها في الرواية يتطلب حيزا واسعا ، فهي عديدة يكتب تارة عنها كنماذج وطورا كشخصيات تخص مكانا بأسره ، فعائشة مثلا هي فتاة من أسرة نابلسية ثرية وهي في الوقت نفسه " a Nablusi woman " . إنها تمثل ذاتها ولكنها تجسد في صفاتها صفات المرأة النابلسية .
من الشخصيات الرئيسة في الرواية عائشة وهالة وابنها أمير . هؤلاء يحضرون أكثر من غيرهم ويمكن أن يعدوا شخصيات رئيسه ، بل إنهم كذلك ، وهم ينتمون إلى فئات اجتماعية تتفاوت طبقيا ، والعلاقة مثلا بين أمير وعائشة الطالبين الجامعيين لا يمكن أن يكتب لها النجاح . تعتقد بهذا هالة وتؤمن به أيضا عائشة التي حين تتصور الرجال الذين عرفتهم أو مروا بمخيلتها أن أمير خارج حساباتها مع أنه حلو .
هالة امرأة محبطة بسبب سجن أبيها في إيران وعائشة لا تريد البقاء في نابلس ، فلا أسرار فيها و ... وطموح أمير أكبر من التخرج من جامعة بائسة . إن جل ما يطمح إليه الأخيران ، ومثلهما سارة أخت أمير ، هو الهجرة من المدينة . إنها مدينة يمتاز أهلها بالغيبة والنميمة ، التعليم في جامعتها بائس ورديء واساتذتها لا يتطورون ومشفاها المذكور وسخ واطباؤها بؤساء التطبيب لديهم سيء وهم في الغيبة والنميمة أسوأ من الممرضات . إن رجال المدينة يرتعبون من المرأة بشكل عام وينظرون إلى من تعمل في مستوطنة نظرة سلبية ، فهي تتعاون مع الاحتلال وتفقد عذريتها ، وأما نساء نابلس المعتدات بجمالهن فهن يغرن من المرأة اليهودية ويشعرن بالأسى حين توصف بالجمال . إن الحديث عن جمالها يجعلهن في المرتبة الثانية .
وعموما فإنني أعتقد أنه لأمر مجد أن يناقش أساتذة الأدب الإنجليزي في جامعة النجاح الوطنية الرواية وأن يبدوا آراءهم فيها ، بل وأكثر من ذلك أن يستقبلوا كاتبها لمناقشته فيما كتبه .
الكتابة تطول والمساحة محدودة .


١٢ / ٧ / ٢٠٢٣
( مقال الأحد لدفاتر الأيام الفلسطينية ١٦ / ٧ / ٢٠٢٣ )

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى