د. عبدالجبار العلمي - عن "زقاق المدق" لنجيب محفوظ

هذه إحدى روائع نجيب محفوظ ، وقد كانت تدرس في كلية الآداب في الجامعة المغربيةهي والثلاثية ، ولولا قيمة " زقاق المدق " سواء على مستوى البناء أو الدلالة ، لما كانت مجالاً للدراسة والتحليل فى أعلى المستويات الدراسية . قرأت الرواية ، وهي تعج بالشخصيات الطريفة النابعة من قاع زقاق المدق في القاهرة المعزية ، وأرى أن الشخصيات هي المهيمنة فيها ، وليس العناية بالفضاء الروائي . وقارئ الرواية لم يعن بدراسة الشخصيات التي لا يمكن أن ينساها قراء نجيب محفوظ ، كنظيرتها في أعماله الروائية الأخرى .منهم الدكتور بوشي - المعلم كرشة - زيطة والشيخ رضوان الذي يمثل أحد الأنماط في شخصيات نجيب محفوظ التي تمثل الرضى بالواقع والقناعة مثل حسين في " بداية ونهاية " .ومن يقرأ لنجيب محفوظ سيصادف هذا النمط من الشخصيات إلى جانب المتسلق إلى الطبقة الأعلى كحميدة في الزقاق ، وحسنين في "بداية ونهاية" ومحجوب عبدالدايم في " القاهرة الجديدة " وسرحان البحيري " في " ميرامار " ورؤوف علوان في " اللص والكلاب " وغير هذه الشخصيات التي أفرزتها الظروف الاجتماعية والاقتصادية في مراحل معينة من المجتمع المصري . ليست الرواية تقريرا صحفيا ، بل رواية فنية تقوم على مكونات الخطاب الروائي الحديث ، ويعني فيها الروائي بدراسة الشخصيات دراسة دقيقة عميقة ، وتصور بكثير من الصدق مرحلة الاحتلال الإنجليزي لمصر وظروف الحرب العالمية الثانية، وأن لا نجاة لمن يطمح إلى تحسين وضعيته الاجتماعية عن طريق التسلق غير المشروع التي تدفع إليه الأنانية. والملاحظ أن الشخصيات الناجية في رواياته هي الشخصيات الغيرية كما يرى الدكتور عبدالمحسن طه بدر في كتابه القيم عن روايات نجيب محفوظ الموسوم ب: " الرواية والأداة " .
كم أتمنى أن يتيح لي الوقت والجهد العودة إلى الحياة بين أولئك الشخصيات التي أتقن نجيب محفوظ تصويرها داخليا وخارجبا لأستمتع بالفن الرفيع والكتابة الروائية المتقنة التي لم نعد نصادف في المشهد الثقافي والأدبي العربي مثيلتها في الإمتاع والمؤانسة إلا نادرا ...
الإضافة القيمة للصديقة العزيزة الكاتبة الروائية عائشة العلوي لمراني :
نجيب محفوظ أسس دولة الحارات بعيدا عن الإديولوجيا والسياسات والتكتلات دولة الإنسان يدبر أمر يومه بالقليل الأقل فرد يذوب داخل الحارة وحارة تتشعب داخله، زقاق المدق كانت اختيارا موفقا في المقررات الدراسية فتحت أمامنا عوالم كنا نتعالى عنها ونحسبها تفاصيل بسيطة في عالم الشعارات الكبيرة، فقال لنا نجيب محفوظ إذا لم ننزل إلى القعر لن نعرف طريقنا إلى القمة، شكرا جزيلا صديقي العزيز على إثارة الحنين إلى زمن يأبى أن يطوى.
تأييدي لإضافتها:
شكرا صديقتي العزيزة عائشة العلوي لمراني ، زميلة الدراسة في كليتنا العتيدة بظهر المهراز بفاس المحروسة ، على إضافتك القيمة. وكما تذكرين أن الأساتذة كانوا يقررون الكتب الجيدة المؤثرة المناسبة التي من شأنها أن تفتح أعين طلبتهم على واقعهم عربيا ومحليا . فضلا عن إطلاعهم على الأساسي لتعميق ثقافتهم وإغناء رصيدهم الأدبي قديما وحديثا . لا أنسى شخصيات الثلاثية : سي السيد أحمد عبدالجواد - ابنه المناضل الوطني فهمي وكمال وزنوبة وخدمة وعائشة والأم الرؤوم الخادمة لأسرتها بكل تفان وإخلاص ورضا . كما أن أنسى شخصيات زقاق المدق الذين كانوا يرفعون علينا ، ونحن نعيش ظروف الغربة ومصاعب الدراسة وبرودة الطقس في فاس في فصل الشتاء الذي كان طويلا آنذاك كما كنا نحس به . لقد تعرفنا بفضل أساتذتنا المتفتحين على الثقافة الحديدة على المسرح الذهني عند توفيق الحكيم ، وقرأنا آنذاك بتوجيهاتهم كتاب " مسرح الحكيم " للدكتور محمد مندور وعلى الأجناس الأدبية المختلفة من خلال كتاب " الأدب وفنونه" للدكتور عز الدين اسماعيل ، فتعرفنا على الشعر و على الرواية والقصة القصيرة والمسرحية والمقالة الأدبية ، وعلى الأدوات الإجرائي التي يمكن أن تساعدنا على درس و تحليل هذه الأنواع الأدبية. وكانت السنوات التي قضيناها ونحن نتلقى العلم على أساتذة أدباء وباحثين متمكنين من علمهم وأدواتهم المنهجية ، هي نقطة الانطلاق إلى الاطلاع على عالم الثقافة والأدب في مختلف مجالات واجناسه. فلهم منا تحية محبة وجلال وتقدير وعرفان بجهودهم . تحيتي صديقتي عائشة العلوي الأمراني ، شاكرا لك أيضا إثارة هذه الذكريات الجميلة من زمن غابر ، لكنه عصي على النسيان.
إضافة أخرى للأستاذة الأديبة الروائية عائشة العلوي لمراني :
عبدالجبار العلمي: إنه زمن الشغف بالثقافة في كل تجليلتها، وكما كان لنا حظ الدراسة في حضرة أستاذة كانوا أعلام فكر كان لنا حظ التتلمذ في المدرسة الوطنية التي اعتبرت التعليم نضالا من أجل وطن نستحقه ويستحقنا، وقد تعرفت على الإبداع الروائي لنجيب محفوظ في المرحلة الابتدائية من خلال روايتيه التاريخيتين ( كفاح طيبة ورادوبيس ) كما قرأنا الأيام وكتابات المتفلوطي ، وفي المرحلة الإعدادية والثانوية قرأنا له رواياته التالية، بالإضافة إلى روايات يوسف السباعي وإحسان عبد القدوس ، وعزز العلاقة بالكتابة الروائية الأفلام المقتبسة من الروايات مثلا : الوسادة الخالية، لا انام ، رد قلبي ، زقاق المدق، دعاء الكروان، بين القصرين، اللص والكلاب ... واللائحة طويلة.
شكرا جزيلا على الفائدة والمتعة ، في واقع تغيرت مبادئه وقيمه، وذائقته الفنية والجمالية


363848683_8185007791528201_5452904709047731988_n.jpg

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى