د. خالد محمد عبدالغني - صورتا الجسد الأنثوي والذكري في قصص "الأحمر" لمرفت ياسين

يظهر لنا ذلك التباين الواضح بين صورتي الجسد الأنثوي والذكري وكأنها الطريقة المثالية التي اتخذتها الأنا – الأنثوية - للانتقام من الذكر - الثقافة الذكورية بعامة والتي قد تمارسها المرأة ضد نفسها وجنسها - الذي يمارس عدوانا ظاهرا تجاه المرأة.
في هذه المجموعة البديعة "الأحمر " لمرفت ياسين( )".التي بدأتها في نصفها الأول بقصص قصيرة جدا معتمدة على خصائص "الأحلام" آخر أشكال السرد التي ابتدعها نجيب محفوظ في أحلام فترة النقاهة( )" ومعتدة أيضا على لغة رمزية مكثفة وصورة خيالية غاية في البهاء وكأنها تكتب قصيدة النثر المعاصرة ولعل ما دفعها لذلك في عملها الأول هذا هو ذلك الاحتشاد والتركيز الذي يغلب على البدايات دائما مواكبا كذلك لقلة الخبرة والمران ولطزاجة وعفوية الأخطاء المبكرة.
وصورة الجسد الأنثوي في أغلبه فاتنا قويا دافعا كصورة محفزة للخيالي لإثارة الرجل ففي قصة تنويعات راقصة على جسد منهك :" بدأت تتحسس أجزاء جسدها وهى تتمايل أمامه، وتقارن جسدها بجسد سنية، تلك النحيلة لم تكن أكثر جمالاً منها، تلمس شفتيها بغنج تميل عليه تلثم شفاهه، وتعاود رقصتها بحركات مثيرة، وهى تتراقص له ، لا يعرف ماذا ألم بها ، وكأن مسحة من الجمال والاغراء تلبستها في هذه الليلة شديدة الصقيع ؛ جعلتها تنهض من فراشها
ـ ـ هــاوريك انك تقدر ..
تتراقص أمامه، تتأوه، يصرخ جسدها من شدة الرغبة، يا لها من أنثى مفعمة بالحياة ". وفي قصة من وراء ستار تصف المرأة :" .تنظر لصورتها في المرآة، تزيح إيشاربآ من القطن عن شعرها الحريري الأسود تاركة إياه يتدلى ثقيلا إلى خصرها، تتأمل وجهها الأبيض بعينيها العسليتين وأنفها الصغير الدقيق، وفمها الرقيق بشفتين ورديتين كبيرتين تتحسسهما بطرف سبابتها بشبق، تنزل بيديها تتحسس جسدها النحيل وهى حاسرة قميصها الأحمر ترفعه لما فوق أردافها وهى تتبختر بحسرة أمام مرآتها" وفي قصة نظرة :" تتحسس أسفل ظهرها ، بحركة دائرية تتلوى ، تسرى ارتعاشة في جسدها كله ، موقظة تلك الرغبة المكتومة التي حركتها نظرته المسلطة على مؤخرتها .. ترفع قدماً وتنزل أخرى ومع كل حركة تزداد رجفة المؤخرة الذكية أكثر فأكثر وتتابع دقات قلبها ويـسرح خيالها في أن تتمايل لتبرزها كما تفعل بطلات البورنو برقصة ماجنة، فتجعله يئن من رغبته فيها، مستنكرة نظرته التي حركت جسدها من سباته العميق، وأيقظت الأنثى برغباتها المكتومة من جديد . . . !!
وفي أغلب القصص تظهر تلك الصورة للرجل مشوشا مريضا عاجزا وقاصرا فتعبر المؤلفة عن ذلك مثلا :"لم يرها منذ حادث السير الذى تعرض له وأرقده عاجزاً مشلولا طريح الفراش، وعبثاً تحاول زوجته معه ، فعقله وروحه مفتاحهما مع تلك الجارة ... يتأمل زوجته ". وفي قصة أخرى :" فقد أصيب بشلل وأصبح طريح الفراش بعد تعرضه لحادث سير ..
فعادت وحيدة تـتقلب في فراشها ومع أذان كل فجر
تنتظر خلف شباكها ....!!
وفي قصة قميص فوشيا جاء الرجل هكذا :" فيغلق عينيه ليستمتع مع صاحبته التى اختارها لترتدى القميص هذه الليلة، انتابته نوبات المرض وبدأت صحته تتدهور يومآ تلو الآخر إلى أن رحل".
وفي قصة صندوق الأسرار :" ، تلك الضحكات التي كان يصارع بها ذلك الألم الذى ينهش جسده . ."
وفي قصة أيام تبدأ الرحلة منذ وفاة الرجل :" تنهض من سريرها ترتدي ملسها الأسود الذي ما برحته منذ وفاته . تقذف بهمومها .. تبتهل داعية أن يطيل الله في عمرها لتطمئن عليهم ... تذرف دموعها "الله يرحمك" .
فالباعث الاول لسلوك الاستعراض - الذي قامت به المرأة في الاشارات السابقة - والتجمع والتدلل والتزاوج هو الصورة المرئية لفرد أخر من نفس النوع ويستشهد جاك لاكان فى مقالته عن مرحلة المرآة بمثال أنثى الحمام التى تمثل لها رؤية أحد أفراد نوعها الشرط الأساسى لنضج أعضائها التناسلية تشريحيا. هذا التأثير ينتج من الادراك الحسى للصورة وليس الوجود الفعلى لأحد الأفراد من نفس النوع ويثبت ذلك تجربة الطائر الذى ينشأ بمعزل عن أقرانه فنجده قادرا على النمو بشكل طبيعى إذا تم إمداده بمرآة يرى فيها صورته. هذه الملاحظات توضح أن وظيفة الغريزة الجنسية فى الحيوانات لا يمكن فهمها بمعزل عن آليات الخيالي. وهذا ما تحقق فيما تذكره المؤلفة مرفت ياسين بقولها :" يصف خصلات شعرها . . . وعودها الملفوف .
نظرة عينيه سيمفونية غزلية رائعة العبارات .
تحسسته . . . قبلته . . . احتضنته . انها هنا رأت نفسها في عينيه وفي كلماته .
وفي قصة أخرى تقول واصفة الرجل :" مازال في وضعه مفتح العينين . . .
وريقة وريقة تتسرب من بين يديه ". وهنا العين وما يمكن أن تحققه مرحلة المرآة التي سوف نشرحها في تكوين الأنا لدى الإنسان .ففي قصة صولو تصف المؤلفة المرآة وعلاقتها بالمرآة:" بابتسامة معتادة وقفت أمام الحائط الزجاجي بحجرتها . . . تتبختر . . . روتين دام عشرين سنة . . حملقت كثيراً . . هالات سوداء حول لؤلؤتين مضيئتين . . . أعواد بيضاء تغزو سواداً حالكاً
هرعت . . .
صرخت . . .
كسرت المرآة . ".
والصورة الخيالية التي تتكون في الذهن تؤثر في سلوك الإنسان فقامت المرأة بتمزيق صورتها في في قصة نشاز :"مدت يدها . . تحسست مكتبها الخاص . . . سحبت مظروفها من أحد الأدراج . . . تناولت الصور . . .
تقلب فيها . . . تتأملها . . . تستعرض حياتها .
وصلت للنهاية . .
مزقت الأخيرة . . ."
وفي قصة فراغ تسيطر على المرأة صورة ذهنية من خلال التذكر لماضيها الجميل والأسى الذي عاشته في حياتها الزوجية " تتحرك ..تفتح خزانتها ...تتأمل الملابس الصغيرة المقاس التي تملأ دولابها، وعلب المساحيق التي جفت ، تتذكر رقتها التي اختفت عندما استعمرها بسلوكه السيكوباتي وأخذ يغرس فيها فأسه فلم تنبت ولم تثمر ."
ولقد تعطلت الغريزة الجنسية في هذه القصة لإن الغريزة الجنسية لا تقوم على وجود الشريك الجنسى أو وجود الفرد المخالف فى الجنس، بل تعتمد على شئ آخر أكثر أهمية ، شئ يدخل فى علاقة وثيقة مع أسميه نمطاً أى صورة…. فالآلية الدافعة لممارس الغريزة الجنسية تتبلور بشكل أساسى فى علاقة من الصور – أو بالمصطلح الذى نتوقف عن قوله – فى علاقة خيالية وهنا نجد هذه الوظيفة الخيالية قد تعطلت.
وهذه الوظيفة الخيالية هي ما حركت الفتاة لمشاعرها الجنسية عند رؤية أحد الشباب يغتسل في النيل:" يبدو مثلى وحيدا ، جاء يستأنس بالنيل ، ويغتسل من همومه ، يـفــتح ذراعيه كأنما يحتضن البراح على مدد البصر ، كل ما أخشاه أن يلتفت فيرانى ، يستمر فى تحسس أعضائه وكأن قوة غريبة فى الماء تثير رغبته وتسيطر عليه فيستسلم لها .
رجفة تنتابني وكأن تلك القوة تزحف نحوى ، فتوقظ بداخلى رغبة مكتومة لأتحسس جسدى مثلما يفعل ، أضع يدى على صدري ،أنفاسى تعلو قليلا ، أخشى أن يلتفت فيفقدنى متعة التلصص ، لكنه يجلس فاردآ قدميه لتلمس كعوبه الماء ، جسده فارع الطول، و ملون بطمى النيل ،لم يستمر فى جلسته طويلا ، ينزل النيل يسبح مبتعـدآ يسير فى اتجاه الشرق ".
وفي قصة في مرآة الانكسار نطالع الصورة المرآوية للجسد الممزق للفتاة بعد عميلة الختان فتقول المؤلفة :" أغلق كيس الدواء المرسوم عليه الكأس والثعبان وينصرف الأحفاد كل إلى بيته الملاصق لبيت الجدة وأدخل حجرتي وأتركها لعدوداتها التي سممت بها أذني طوال عمرى وكأنها تنسى أنها امرأة تتعامل بعدائية معي ، جلبت حلاق الصحة ليقتص جزء منى بمشرط غير عابئة لصراخي ورعبي ، وهى تمسك بي هي واخواتها الثلاثة ، وترمقني بنظرة احتقار وكراهية شديدة .
وعندما نزلت أولى القطرات منى وأنا واقفة قبالتها كشرت عن أنيابها وانهالت عليا بالنصائح الأشبه بالتهديدات والترهيب من الذكور" .
فالعنف الموجه نحو أشياء وأشخاص أخرين يمكن تتبعه عن طريق دافع تدمير الذات . إن غريزة الموت يتم تحويلها تجاه العالم الخارجى وتأتى إلى دائرة الضوء كغريزة للعدوان والتدمير ونود التأكيد ان هناك لحظة حماية النفس فى هذا " التحول للخارج" الخاص بحافز الموت . وهى آلية اسقاطية ترضي حافز تدمير الذات عن طريق الاحلال " بهذه الطريقة . فإن الكائن العضوى كان سيدمر شئ أخر سواء كان حياً أو ميتاً ، بدلاً من تدمير نفسه – والأم هنا بدلا من تدمير ذاتها تدمر الفتاة - هو " فمن خلال العبرية الخيالية. فبالنسبة للطفل في مرحلة المرآة ذي الهوية المركبة في معادلة عبرية ، فإن التمزيق المتخيل لشخص آخر يمد اللاشعور المناسب لتشويه الذات . فإن القتل والانتحار يمثلان نفس الشئ . فى مرآة الخيال .
وفي قصة لذة الألم تقول المؤلفة :" تتملكه شحنة عالية من الغضب وهو يتذكر جسدها الذي يخلو من الحياة ، وهو يحاول الضغط عليه بقوة لتتأوه ليتأكد أنها ليست جثة ماثلة تحته ، يستشيط أكثر لرفض شفتيها التجاوب مع شفتيه وحالة الغثيان التي تنتابها كلما حاول تقبيلها وعينيها المغلقتين إمعانا في موات الجسد الذى ينهض مسرعاً عندما ينتهي ليسمح للماء في محو أثاره عن جسدها . تظهر في شخصية الرجل السادية التي قد تختفي وتنبعث بواسطة دافع مازوخى أساسي : ومن أجل أن تبقى الخيالات السادية ، فإن اهتمام الذات فى الشخص الذي يعانى الإخضاع لابد أنه بسبب احتمالية كون الذات خاضعة لنفس الإخضاع -- من العجيب حقاً أن الناس تستطيع التفكير فى تجنب هذا البعد وتستطيع كذلك التعامل مع الميل السادى كمثال نقي وبسيط للعدوان الاولي. وتعبر مرفت ياسين عن ذلك :" تعيشه المرأة في المجتمع سواء كانت طفلة أو شابة أو عجوز. كنت أبكى وأنا أنظر للمرآة ، أبحث عن تلك الطفلة التي حبستها داخلي . . كنت أتحين اللحظات لأخلع غطاء الرأس وأفرد شعري ".
وفي قصة طيف نورا بدأ تظهركراهية الجسد الممزق – بمعنى كراهية أجزاء وأعضاء بعينها من الجسم :" عندما رأيت قطرات دماء في ملابسي الداخلية صرخت باكية أخبر أمي فقطبت جبينها واكفهر وجهها وزاد عبوسها .
وصرت أكره تلك المنطقة التي تسبب لي الألم دائماً ومعهودة بنزول قطرات دموية ".
ويتكرر رفض الجسد في قصة الاحمر التي تثمل ليلة الزفاف :" أنا داخل جدران قاتمة لا يبدو لجسدي داخلها لون ..
أفرد ذراعي .. أبحث عن يد كانت تحتويني ... أيدي كثيرة تمتد .. إلي وجهي ... أخري إلي رأسي ... ثالثة إلي ....
بينما أخيراً يد تفترسني تقهقرت كل الأيادي ... !

د. خالد محمد عبدالغني



363831471_599466672092933_7771449138971987149_n.jpg

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى