أ. د. عادل الأسطة - يوميات العدوان على غزة.. ملف - الشهر الثاني(31..60)

تابع -2-

31- كنا طيبين وسذجا: "خيرا تعمل شرا تلقى"

في اليوم الثلاثين للحرب الدائرة الآن في غزة تذكرت ما افتتح به المؤرخ الإسرائيلي ( إيلان بابيه ) كتابه " الفلسطينيون المنسيون : تاريخ فلسطينيي ١٩٤٨ " عن المستوطنين الأوائل لحظة وصولهم إلى يافا :
" وفر السكان الفلسطينيون لأولئك القادمين الجدد بعض وسائل الراحة من مبيت وطعام ، ولم يكتفوا بذلك بل قدموا لهم أيضا النصائح في مسائل الزراعة والحراثة ؛ وكانت معرفة أهل صهيون بهذا الموضوع ضئيلة إن لم تكن معدومة ...
لم يقابل المستوطنون تلك المعاملة الكريمة بالمثل ؛ ففي المساء ، أي وقت انصرافهم لكتابة مدوناتهم الأولى في دفاتر يومياتهم على ضوء الشموع ، أشاروا إلى المواطنين الفلسطينيين كغرباء يجولون في الأرض التي هي ملك للشعب اليهودي ، وطلع بعضهم بفكرة فحواها أن الأرض كانت خالية ، وزعموا أن السكان الذين وجدوهم هناك ليسوا سوى غزاة أجانب ... " .
وهكذا كنا مثل مجير أم عامر . أجرنا الغرباء فلما تمكنوا فعلوا فينا ما يفعلونه الآن : غرباء يجب تهجيرهم إلى ايرلندا أو إلى الصحراء كما تردد أمس ، وما تردد أمس على لسان وزير التراث الإسرائيلي ( عميحاي الياهو ) كان أخطر وهو استخدام القنبلة الذرية للقضاء على المقاومة في غزة .
كانت أمهاتنا يطلبن منا أن لا نقسو على أقاربنا ، فالقسوة تبعث الحقد والحقد يولد الكراهية والكراهية تدفع إلى العنف والعنف يجعل الحياة بلا معنى وبلا قيمة .
أمس ليلا ، بعد أن قطعت الاتصالات عن غزة ، اشتد قصفها ، وعندما يشتد القصف يكون الإسرائيليون موجوعين . هل كان ما ورد على لسان مراسل فوكس نيوز المرافق للقوات الإسرائيلية هو السبب . طهرت القوات الإسرائيلية عدة مبان ؛ مبنى مبنى ، ثم وقعت في كمين أعد لها ، فقتل منها عشرون جنديا . إذا عرف السبب بطل العجب ، يقول مثلنا .
صارت الضفة أيضا محاصرة ومقطعة الأوصال ، وبلغ أمس عدد المرتقين فيها شهداء مائة وواحدا وخمسين فلسطينيا .
وأمس سخر كثيرون من موعد عقد مؤتمر القمة العربية في ١١ / ١١ وفي ١١ / ١١ سيلقي سماحة الشيخ حسن نصرالله في الساعة الثالثة عصرا خطابا ثانيا وهات تعليقات واجتهادات .
في العام ١٩٧٦ حوصر مخيم تل الزعتر في لبنان وارتكبت القوات اللبنانية بحق أهله مجزرة . قبل سقوط المخيم وتهجير من تبقى من أهله تداعى الزعماء العرب لعقد مؤتمر قمة لوقف المجزرة ، فكتب الشاعر مظفر النواب :
" صرح نفط ابن الكعبة أن يعقد مؤتمر
بالصدفة والله بمحض الصدفة كان سداسيا
أركان النجمة ست بالكامل
يا نجمة داوود ابتهلي
يا محفل ماسون ترنح طربا
يا اصبع ( كيسنجر ) :
إن الاست الملكي سداسي " .
هذه المرة ليس هنري كيسنجر هو وزير الخارجية الأمريكية ، بل هو ( أنطوني بلينكن ) ، وهو ، مثل الأول ، يهودي الديانة وإن كان ، مثله أيضا ، أمريكي الجنسية . هل نستبدل اسما باسم ؟
القتلى من الضحايا المدنيين بالمئات وكذلك الجرحى والدمار شامل والطائرات تغير وتلقي القنابل الفوسفورية والارتجاجية والمقاومون يخرجون من تحت الارض فأين ستهربون ؟ أين ستهربون ؟
في أمثالنا الشعبية مثل يقول " خيرا تعمل شرا تلقى " وهناك مثل يهودي فحواه " لا تعمل خيرا حتى لا تندم " . وفر السكان الفلسطينيون لأولئك القادمين الجدد بعض وسائل الراحة من مبيت وطعام ، وها هم أحفادهم يدمرون مأوى أحفاد أجدادنا ويمنعون عنهم الطعام والماء والدواء .
أمس قرأت في صفحة صالح حماد نعيه للدكتور الفلسطيني سويلم العبسي من مخيم الشاطيء ، فقد مات بالجلطة الدماغية الثانية ، بعد فقدان نجله بسام ودمار بيته .
المجد لغزة والزوال للمحتلين
خربشات عادل الاسطة
صباح ٦ / ١١ / ٢٠٢٣
اليوم الحادي والثلاثين للمقتلة وحرب الإبادة .


***

32- أمهاتنا وأمهاتهم :

انتهى أمس اليوم الحادي والثلاثون للحرب وارتفعت أعداد القتلى والجرحى والعمارات المسواة بالأرض ، وأعداد اللاجئين والغارات الجوية والدبابات والآليات المحروقة والمعطوبة ، وازدادت معاناة الفلسطينيين في أماكن إقامتهم بسبب الازدحام وشح الماء وقلة الطعام ونقص المواد الطبية . ويبدو أن الدولة العبرية تريد أن تقتل الفلسطينيين بالقنابل وبتجويعهم أيضا ، هذا عدا عن قتلهم نفسيا ؛ قهرا وحزنا وكمدا .
صار الحصول على ربطة خبز ، بعد معاناة ساعات ، إنجازا ، وصار كذلك الحصول على المياه الصالحة للشرب . إنها النكبة الثانية أو الثالثة أو الرابعة أو الخامسة أو السادسة - إن عددنا ما جرى في حزيران ١٩٦٧ وأيلول ١٩٧٠ والحرب الأهلية في لبنان ١٩٧٥ وحرب بيروت ١٩٨٢ . والجيل الذي ولد بعد النكبة الأولى في المدارس والجوامع بين الأعوام ١٩٤٨ و ١٩٥١ يعيش الآن سنوات عمره الأخيرة مشردا في المدارس وقد يموت فيها .
في الأيام الأخيرة شاهدت شريط فيديو لأم يهودية تودع ابنها الذاهب إلى الجبهة . إسم الأم سارة الباز والابن أفياتار . تحث الأم ابنها على الذهاب وتأمل أن يسهم في تحرير الأسرى ليتمكن الجيش الإسرائيلي بعد ذلك من إبادة الفلسطينيين في غزة كلهم ، والحرب كما يريان هي حرب بين الأخيار اليهود والأشرار الفلسطينيين الذين يجب أن يبادوا .
ليس شريط سارة وأفياتار الشريط الوحيد ، فثمة محادثة هاتفية بين جندي إسرائيلي في الجبهة في غزة وأمه يخبرها فيها عن الأوضاع . يبدو الجندي مرهقا فتشجعه الأم وتحثه على الصمود ويعلمها هو أنه اتصل بها كما لو أنه يودعها ، فقوات النخبة من سرايا القدس بالمرصاد .
الأمهات الإسرائيليات يجلسن في بيوتهن بعيدا عن أرض المعركة والأمهات الفلسطينيات يعشن الموت واللجوء والتشرد والفقر وقد دفن منهن المئات ، وقسم منهن يصرخن من هول ما يرون ويصرخن لتقاعس الأنظمة العربية والقيادة الفلسطينية في رام الله ويشتمن ويصررن على الصمود ورفض حياة الذل والإهانة .
" زماننا هذا خرا وأهله كما ترى ،
إلى ورا إلى ورا بحيث لا تجد لخير خبرا "
قال شاعر مملوكي يصف زمانه حيث الفقر والجوع والاضطرابات الداخلية والفتن و .. و ... .
ومن أطرف أشرطة الفيديو التي يشاهدها المرء شريطا تسأل فيه صحفية طفلا يقارب العاشرة من العمر نجا من الموت عن رأيه في الحياة فيجيبها ببساطة وتلقائية :
- قصدك الحياة في الحرب ؟
فترد عليه بنعم .
- زي الخرا .
الحياة في غزة كما رآها الطفل في الشهر الماضي خرا .
بعد حرب حزيران ١٩٦٧ كتب كاتب إسرائيلي شارك فيها على الجبهة الأردنية رواية عنوانها " والله يا أمي إني أكره الحرب " صور فيها بشاعة الحرب وما جرته من قتل وجرح وإعاقات وفقدان . وكنت كتبت عنها مقالا في جريدة الأيام الفلسطينية في ٢٦ / ٣ / ٢٠٢٣ وأنا أناقش كلمات اغنية كارول سماحة " ستنتهي الحرب " التي عزتها لمحمود درويش ، وليت الحرب لم تقم منذ ١٩٤٨ ولم يتكرر حدوثها .
أول أمس كتبت أربعة أسطر قلت فيها إن سكان غزة لن يشكلوا خطرا على نظام أو بلد أو على غلاف غزة إن عادوا إلى مدنهم وقراهم التي هجروا منها في العام ١٩٤٨ . هل كنت أمزح أم كنت أرد على من يطلب توطينهم في سيناء أم كنت سيسيا / من أتباع الرئيس المصري السيسي؟
يخزي العين فالمرء أحيانا ينقط فصاحة .
ما يجري في غزة الآن هو عار الإنسانية كلها . نعم إنه عار الإنسانية كلها ، وفي سبعينيات القرن ٢٠ قرأت قصيدة عن الضمير لشاعر ليبي يرد فيها البيت الآتي الذي طالما رددته:
" مات الضمير وشيعوا جثمانه
ما عاد في الدنيا ضمير يذكر "
لطالما رددت في السنوات الأخيرة رأيا حول الحل البادي في الأفق للصراع الفلسطيني العربي الإسرائيلي هو أننا ذاهبون إلى جنوب أفريقيا.
الأوضاع في غزة لا تطاق ولا تحتمل وكان الله في عون أهلها وفي عوننا نحن أيضا ، فالقادم أخطر .
المجد لغزة والزوال للمحتلين
خربشات عادل الاسطة
٧ / ١١ / ٢٠٢٣

صباح اليوم الثاني والثلاثين للحرب الفلسطينية - الإسرائيلية التي لا تنتهي .

***

33- تنتهي الحرب أو لا تنتهي.. والحرب القادمة :

في الأيام الأخيرة أدرج أكثر من ناشط فيسبوكي المقطع الشعري الذي غنته كارول سماحة ونسبته لمحمود درويش:
" ستنتهي الحرب
ويتصافح القادة
وتبقى تلك العجوز تنتظر ولدها الشهيد
وتلك الفتاة تنتظر زوجها الحبيب
واولئك الأطفال ينتظرون والدهم البطل
لا أعلم من باع الوطن
ولكني رأيت من دفع الثمن "
والحقيقة أنني ذهلت من إعادة الفلسطينيين تحديدا نشر هذا المقطع ، لأنه ببساطة لا يتناسب وما يجري إطلاقا ، فما يجري ليس حربا بين جيشين في ميدان معركة بعيدا عن السكان المدنيين العزل الذين تهدم بيوتهم بالطائرات على رؤوسهم ، فتقتل العجوز والفتاة وزوجها والأطفال أيضا ، وليس هناك وطن بقي أصلا لبيعه ، ومن دفع الثمن ، حتى مساء أمس هم المدنيون المذكورون ، وسيدفع كثير من القادة في نهاية الحرب الثمن وأغلب الظن أنهم لن يتصافحوا ، فهم الآن يطالبون بإبادة المحاربين كلهم ورؤوسهم قبل من يسير وراءها ، والمشهد يبدو قاسيا جدا ولا أحد يعرف إلى أين نحن ذاهبون . ( ربما تنتظر الأمهات الإسرائيليات أبناءهن ) .
مدينة غزة كما كتب الشاعر Wallid Hallis المقيم فيها تساق للذبح ، والإسرائيليون يدكونها جوا وبرا وبحرا ، والموت يأتي أهلها " بكل سلاحه البري والبحري والجوي " وتبدو المدينة مثل هيروشيما ، بعد أن ألقيت عليها في نهاية الحرب العالمية الثانية قنبلة ذرية .
كان ملخص وصف الحالة هناك أمس هو : الإسرائيليون يبيدون المواطنين والمقاومون يبيدون الدبابات والآليات ، ومع هذا فقد كان هناك فسحة لابتسامة ما - فسحة لدعابة ما هو عنوان مجموعة قصصية لي كتبتها عن اجتياح مدينة نابلس في العام ٢٠٠٢ - .
أول أمس كتبت عن الطفل الغزي عبد العزيز الذي انتشل من الأنقاض وهو أشعث أغبر وقال إن الحياة خرا .
أمس بدا عبد العزيز فرحا مسرورا مبسوطا ، فلقد تحمم وحلق شعر رأسه وداعبه الصحفي معتز عزايزة بأن ألبسه درعه وخوذيته الخاصين بالصحفي ووضع الكاميرا حول عنقه ، وسأله :
- كيف الوضع اليوم ؟
فأجاب :
- حلو !!
عبد العزيز عموما طفل غزي ، وكثيرون يرون في أهل غزة قدرة عجيبة على تجاوز الواقع دون أن تنال منهم الصعاب .
أمس أصغيت إلى حوار أجراه صحفي مع رجل خليجي - أغلب الظن أنه كويتي - فقال إن أهل غزة سيعيدون تعميرها وستعوض نساؤها الضحايا الذين ارتقوا ، وأمس أيضا شاهدت شريط فيديو لشاب غزي يسير بين ركام حيه ويتذكر كيف كان وينهي كلامه بعبارة واحدة " حنعمرها " .
ما أحزنني شخصيا أمس هو ما قرأته في صفحة الدكتور زياد أبو الهيجاء عن خالد مشعل ، ولعل الوقت لا يسمح الآن في الخوض في علاقة فتح بحماس وموقف الأولى مما يجري .
لم تنته الحرب وأجمل الأمهات ارتقت دون أن تعرف إن كان ابنها سيعود مستشهدا ، وأغلب الظن أنه هو هذه المرة من سيذرف على أهله دمعتين ووردا ولن ينزوي في ثياب الحداد . هل لاحظتم ما حدث مع مراسل الجزيرة وائل الدحدوح ؟ فقد ابنه وبعض أفراد أسرته وتابع عمله فلا وقت للدموع والانزواء .
صباح الخير يا غزة والمجد لك والزوال للمحتلين
خربشات عادل الاسطة
٨ / ١١ / ٢٠٢٣

صباح اليوم الثالث والثلاثين للمقتلة وحرب الإبادة .


***

34- ثقب أسود من التناقض الداخلي : ورطتنا ورطة .

" ثقب أسود من التناقض الداخلي " هو وصف أطلقه ( موشيه ياتوم ) الطبيب النفسي الذي يعالج (بنيامين نتنياهو ) على مريضه ، ويرى الطبيب أن ( سجموند فرويد ) عالم النفس الشهير الذي قال " إن العقلانية ستسيطر على المشاعر الغريزية " لم يلتق بنتنياهو ؛ لأنه لو التقى به لربما غير قوله ف ( غاندي ) الرجل الذي نبذ العنف سيقول عنه نتنياهو إنه الرجل الذي اخترع القبضة الحديدية .
والطبيب الذي انتحر هو في نظر معارفه المقربين " مثال للشخصية المتكاملة تماما " ولكنه أصبح مكتئبا تماما " بسبب افتقاره التام إلى التقدم في إقناع رئيس الوزراء بالاعتراف بالواقع " .
" السرقة في نظر نتنياهو فداء ، والفعل العنصري حرية ، ونشطاء السلام إرهابيون ، والقتل دفاع عن النفس ، والقرصنة شرعية ، والفلسطينيون أردنيون ، والضم تحرير " ولا نهاية لتناقضاته .
لم يحتمل الطبيب البارز هذا فانتحر .
هل نستغرب ما يحدث في غزة إذن ؟
قبل أربعة أشهر من الإطاحة بالرئيس المصري السابق حسني مبارك التقى به نتنياهو وطلب منه أن يوطن سكان غزة في سيناء ، فظن الرئيس أن الأمر دعابة ، ولكن نتنياهو عاد وكرر طلبه فدهش الرئيس .
وقبل أشهر تقريبا زار نتنياهو الأردن وطلب من الملك عبدالله إعداد مخيمات لاستقبال فلسطينيين من الضفة الغربية ، فرفض الملك .
ما اقترحه نتنياهو على الرئيس والملك كرره إسرائيليون في أثناء الحرب الدائرة حاليا ، ووجهة نظرهم أن الأردن استقبلت مليون لاجيء سوري ، فلماذا لا تستضيف أيضا ملايين اللاجئين الفلسطينيين ؟
أخفق الطبيب بإقناع مريضه بالاعتراف بالواقع ، ومن يصغي إلى بعض خطابات رئيس الوزراء الإسرائيلي يلحظ اقتباسه من العهد القديم ؛ من سفر اشعيا وغيره ، وهذا كله هو ما يحدث في غزة حيث يبيد الأخيار الأشرار الغوييم .
عندما قرأت مقال الكاتب ( مايكل ك. سميث ) أول أمس ، عن انتحار الطبيب النفسي - وقد ترجمته غانية ملحيس Ghania Malhees - أدرجته على صفحتي وكتبت كلمتين " ورطتنا ورطة " ولم أتفاجأ إذ أرى أن عقلية عدونا عقلية خارجة من الكتب القديمة ولا تعيش في القرنين ؛ الأخير والحالي . إنها لمفارقة لافتة بين هيئة نانتياهو وتفكيره . يرتدي البدلة ويظهر بمظهر الرجل العصري ولكنه محكوم بأسفار العهد القديم .
كان نزار قباني هجانا بأننا " لبسنا قشرة الحضارة والروح جاهلية " ولا أعرف إن كان كتب شيئا عن أبناء العمومة الذين لم يراعوا العمومة فينا منذ دير ياسين ١٩٤٨ حتى غزة ٢٠٢٣ . وليس ما يجري في غزة الدليل الوحيد فما يحدث في القدس والضفة الغربية تطبيق لما يدور في الرؤوس الصهيونية الحاكمة.
ما زال الطيران الإسرائيلي في اليوم الثالث والثلاثين للمقتلة يدمر المباني على رؤوس ساكنيها ، وكلما مر يوم ازدادت معاناة الناس هناك وازدادت شهية ( دراكولا ) للدم ، وما زالت الصور والفيديوهات وبعض تقارير مراسلي الإذاعات ووكالات الأنباء تقدم القليل من الكثير ونحن ...
في الضفة الغربية ارتقى منذ ٧ / ١٠ / ٢٠٢٣ ، بداية الحرب ، أكثر من ١٦٠ فلسطينيا ، والحبل على الجرار ، كما يقولون . هل سنكون الفصل الثاني من الحرب الدائرة ؟
ورطتنا ورطة وكان الله في عون أهل غزة وفي عوننا ، فمن عقلية تعيش في الماضي تتواصل الحروب وكما قال محمود درويش " أمن حجر شحيح الضوء تندلع الحروب ؟ " .
المجد لغزة والزوال للمحتلين
خربشات عادل الاسطة
٩ / ١١ / ٢٠٢٣

اليوم الرابع والثلاثون للمقتلة وحرب الإبادة .

***

35- إسرائيل : جيش له دولة

منذ نهاية حرب حزيران ١٩٦٧ تقريبا أخذ بعض الكتاب الفلسطينيين يصفون دولة إسرائيل بأنها ليست دولة لها جيش وإنما هي جيش له دولة .
في الأيام الأخيرة لم يبق مكان في فلسطين التاريخية لم يعسكر . صارت الحرب في كل مكان ولم تعد مقتصرة على الجبهة في الجنوب ؛ جبهة غزة . اشتباكات على الحدود الشمالية ، منذ اليوم الثاني للسابع من أكتوبر ، واجتياحات لمدينة جنين ومخيمها ولأطراف مدينة نابلس ، واقتحامات لمخيمات عديدة في الضفة الغربية ، وملاحقات لفلسطينيي فلسطين ١٩٤٨ ، إن أبدوا تعاطفا مع أهل غزة ، واعتقال قسم منهم وفصل قسم آخر من وظيفته و ... و ... .
وأنا أشاهد هذا كله تساءلت إن بقي هناك مواطنون في الدولة العبرية يمارسون حياتهم اليومية ، سوى كبار السن والقيادات السياسية والصحفيين والأطباء .
يقاتلون في غزة ، ويقاتلون في جنوب لبنان وفي جنين وفي نابلس وفي مخيم بلاطة وعسكر ومخيمات الخليل و .. و .. . صارت الدولة كلها ساحة حرب ، وهي كذلك منذ ١٩٤٨ ، تعيش منذ ٧٥ عاما حروبا متواصلة تتخللها هدنات تطول أو تقصر ، فما إن تنتهي حرب وتهدأ الجبهات حتى تشتعل من جديد . لم يستقروا ولم يهدأوا ولم يهنأ لهم بال بما سرقوه ، وقد صدق توفيق زياد حين قال بعد هزيمة حزيران ١٩٦٧ إن من يسرق غيره يعيش العمر خائف .
أمس ذكرني الكاتب الفلسطيني توفيق فياض Tawfik Fayad المقيم في تونس برواية ( يزهار سميلانسكي ) " خربة خزعة " ، وكان توفيق هو من نقلها إلى العربية .
كنا في محادثة هاتفية أتينا على الحرب ويحيى السنوار وروايته " الشوك والقرنفل " وما أكتبه عن راويها المولود في العام ١٩٦٢ ، وقد طابقت بين المؤلف والراوي ، واقتبست من قصيدة أمل دنقل " لا تصالح " أسطرا تأتي على من سيولد ليشعل النار يستولد الحق من أضلع المستحيل .
ذكرني توفيق بما ورد في رواية سميلانسكي وبمشهد الأم التي تحمل طفلها والتفاتة أحد الجنود إليه وتخمينه أن الحرب لم تنته ، فهو يراها في نظرات الطفل . قال لي توفيق إن سميلانسكي كان ذا رؤية تحمل نبوءة ، وها هي النبوءة تتحقق . جيل يسلم الراية لجيل .
في الحرب الدائرة حاليا هناك أكثر من شريط فيديو يتكلم فيها الأطفال الذين خسروا بعض أقاربهم وبيوتهم . أحدهم فقد أخاه فطلب من قريب له أن يجنده في سرايا القدس لينتقم لأخيه ، وثان جلس على أنقاض بيته وصار يتحدث عن طفولته المقتولة الضائعة وعن إصراره على الدفاع عن حقه و .. و .. و .
وأمس وجدتني أقارن بين يحيى السنوار ومحمد دحلان . كلاهما ولد لاجئا وكلاهما انتمى للفدائيين ، سار الثاني في ركاب أوسلو فلم يحقق شيئا وأربك الأول الدولة الإسرائيلية وجعلها تقف على رجل واحدة وصار رأسه أهم مطلب لإسرائيل في اجتياحها غزة .
هل حقق مخيم جنين الذي ارتقى فيه أمس ١٤ شابا مطلب " وحدة الساحات " ؟
واصلت إسرائيل أمس قصف غزة بلا رحمة ولم تميز بين مقاتل ومدني ؛ فالأول غير باد لها . هل دخلت الدولة في مرحلة الجنون ؟
حرب في الجبهات وحرب تجويع وحرب في وسائل التواصل الاجتماعي ، وكل شريط فيديو يظهر ضعف الدولة أو يدعو إلى المقاومة يحذف . وأنا أنظر في صفحتي لم أعثر على شريطين شاركتهما من صفحات أخرى ؛ الأول لمراسل صحفي تابع لوكالة فوكس نيوز يحكي فيه عن معركة قرب مخيم الشاطيء سقط فيها ٢٠ جنديا إسرائيليا ، والثاني لامرأة تتحدى الاحتلال وتشتم الرئيس الفلسطيني والرؤساء والملوك العرب و .. و .. وأمس شاهدت شريط فيديو يري ملاحقة الشرطة الإسرائيلية للمواطنين الفلسطينيين في الداخل بحجة تأييد المقاومة .
وأمس تساءلت إن كانت الحروب السابقة - باستثناء حرب ١٩٧٣ وحرب ١٩٨٢ - مجرد بروفات للحرب الحالية .
الأوضاع الإنسانية في قطاع غزة كما نشاهدها عبر الفضائيات ونسمع عنها من مراسلي الإذاعات وما نقرؤه في وسائل التواصل الاجتماعي تدفعنا إلى نعت الإسرائيليين بما نعتونا به : حيوانات بشرية ، وما يجري هو فصل آخر من " حيونة الإنسان " .
صباح الخير يا غزة ويا جنين .
خربشات عادل الاسطة
١٠ / ١١ / ٢٠٢٣

صباح اليوم الخامس والثلاثين للمقتلة وحرب الإبادة .

***

36- صامدون هنا " رغم هذا الدمار الكبير " :

على الرغم من مشاهد هجرة مئات من أهل غزة باتجاه الجنوب ، ومنهم مراسل قناة الجزيرة وائل الدحدوح ، إلا أن هناك من يتشبث ببيته حتى لو هدم على رأسه ، وقسم من هؤلاء يطلب عبر شريط فيديو أن لا نبالغ فيما نسمع ونرى من مشاهد نزوح ذاهبا إلى أن نسبة النازحين لا تزيد عن الخمسة بالمائة ، وإحدى نشيطات الفيس بوك كتبت على صفحتها :
" مش طالعة من جباليا "
وأضافت :
" إحنا بجباليا ما طلعناش
وطول عمري رأسي والحيط
واحد "
وترى " أن الحياة موقف عز " .
فيما كتبت سما حسن التي نزحت قبل أسبوعين تقريبا :
" التشريد من جيل لجيل
الظهر انحنى "
وقد أرفقت مع منشورها صورة كهل عجوز محني الظهر " والشعر شاب
وخلص العمر
والنكبات ما خلصت
بتسلم من جيل لجيل : النزوح والتشرد " Sama Hasan
في تناص ساخر مأساوي مع عبارة تسليم راية الثورة من جيل لجيل .
الدبابات الإسرائيلية وسط غزة ولا يفت هذا من عضد الناطقين باسم المقاومة في الخارج في مؤتمراتهم الصحفية ، فالحرب حرب شوارع ؛ من شارع لشارع والدبابات التي تتبختر في النهار يهاجمها المقاومون في الليل بشراسة . هل يذكر هذا بما حدث في نهاية ستينيات القرن ٢٠ وبداية سبعينياته ؟
مراسل الجزيرة في الدولة العبرية إلياس كرام يقول في تقريره لفضائيته إن إسرائيل تريد صورة انتصار وهمي وهذا ما يحققه وصول الدبابات إلى حيث وصلت ، ولا مراعاة لمدنيين ولا لمشافي ولا لنازحين مسالمين ، فجثث قسم منهم ملقاة في قارعة الطريق بعد أن تم قصفهم .
" كم مرة ستهاجر الثورة ؟!"
تساءل محمود درويش في " مديح الظل العالي " واحتلال غزة أيضا يتكرر ، ويمكن أن نغير في سطر الشاعر ليغدو :
" كم مرة ستحتل غزة ؟! "
في العام ١٩٥٦ في أثناء العدوان الثلاثي على مصر احتلت غزة ، وفي حرب حزيران ١٩٦٧ احتلت غزة ، وها هي تحتل للمرة الثالثة ، وفي كل احتلال تقاوم ، فتلهم مقاومتها الأدباء ليكتبوا عن عذابات سكانها وبطولاتهم ؛ معين بسيسو وهارون هاشم رشيد ومحمود درويش وسميح القاسم وكتابها اللاحقين وما أكثرهم ، وتكثر الإشاعات والرؤى والأساطير أيضا ، ويكثر أيضا العذاب ويكبر ويعظم الألم وتزداد الحسرة على بيوت بناها أصحابها باذلين تعب العمر فيها ، ثم ... وأما عن الفقدان والخسارات البشرية وموت الأحلام فحدث ولا حرج .
في فلسطين روايتان تتصارعان ؛ رواية أبناء المكان ورواية القادمين من أوروبا ، وفي فلسطين الآن صراع بين الروايتين التاريخيتين ؛ والروايتان تستمدان مرحعيتهما من الواقع والكتب القديمة ، وحلها يا حلال .
هل كان المعري في قوله :
" في اللاذقية فتنة ما بين أحمد والمسيح
هذا بناقوس يدق وذا بمئذنة يصيح "
هل كان يلمح إلى ما ستشهده فلسطين في القرنين العشرين والحادي والعشرين بين الصهيونية والفلسطينيين ؟ بين العابرين والمقيمين ؟
أمام القصف الجنوني لمدن قطاع غزة وأمام مشاهد النزوح يقول بعض الفلسطينيين يخاطبون بعض العرب :
" لا تقولوا إن الفلسطينيين باعوا أرضهم "
هل تتذكرون قصيدة إبراهيم طوقان " نعمة " التي خاطب فيها قبل ١٩٤١ أهل بيروت ؟
المؤامرة دولية وجوليات الفلسطيني يتحدى ، بمقلاعه ، العالم والأسلحة الأمريكية .
صباح الخير يا غزة
خربشات عادل الاسطة
١١ / ١١ / ٢٠٢٣

صباح اليوم السادس والثلاثين للمقتلة وحرب الإبادة .


***

37- طلة أبو عبييدة وطلة الحكام العرب والمسلمين :

أمس أطل علينا سماحة الشيخ حسن نصرالله ، وأطل أيضا أكثر من ٢٠ رئيسا وملكا عربيا ، وأطل في ساعات المساء أبو عبييدة .
لم يكتب نشطاء وسائل التواصل الاجتماعي عن سماحته الكثير ، إذ أحبط خطابه السابق كثيرين وكسر أفق توقعهم ، لأنه لم يدخل الحرب بالمقدار الذي أرادوه هم . للشيخ حساباته وللفلسطينيين المنتظرين حساباتهم ، وثمة فارق بين الحسابين ، ولهذا لم يول كثيرون خطابه اهتمامهم .
في المقابل فقد كتب كثيرون من ناشطي الفيسبوك عن الزعماء العرب ومؤتمرهم . سخروا من الحكام وخطاباتهم ولغتهم واستهزأوا بهم وشتموهم وأبدوا عدم ثقتهم بهم وبمؤتمراتهم وخونوهم ، واقتبسوا مقطع مظفر النواب " قمم قمم .. معزى على غنم " ، وأدرج بعضهم رسم كاريكاتور ساخر لناجي العلي ، وتلاعبوا بدال " قمة " فكتبوه مرة قمامة وثانية لمة وثالثة خمة ، بل إن النشطاء نعتوا الملوك والرؤساء بالعجز وطالبوهم بأن يروحوا على بيوتهم وأن ينضبوا ، وقالوا عما توصلوا إليه " تمخض الجبل فولد فأرا " ، وفوق ذلك مدحوا قاعة المؤتمر وهجوا من حضر إليها ، وتساءلوا بخبث لماذا تم اختيار يوم السبت موعدا ولم يختاروا يوم الجمعة .
في ساعات المساء ، ما إن علم الفيسبوكيون أن أبا عبييدة سيتحدث في السادسة حتى أخذوا ينتظرون مرحبين آملين أن يثلج صدورهم بأخبار مفرحة عما يدور في جبهات غزة .
تغزل كثيرون بأبي عبييدة ووصفوه بالبليغ المتفوه المقنع المتمكن من اللغة الفصيحة البليغة ، بل إن دكتورا جامعيا من الأردن ، هو خليل الزيود ، مدح فصاحة لغة خطاب أبي عبييدة وأشاد به خطيبا مفوها ، وأتى بعض النشيطين على إعجاب النساء به وفتوى أحد شيوخ المسلمين الناصة على أنه لا يجوز للنسوة الاستماع إليه خوفا من فتنتهن به ، كما لو أنه نصر بن سيار الرجل المسلم الذي نفاه وال عربي من مدينته لافتتان النساء به .
حين سئلت إحدى المعجبات بأبي عبييدة عن السبب ، فالرجال كثيرون ، أجابت :
- لأنه زلمة في زمن عز الزلم فيه .
هل اقتصر أمر أبي عبييدة على النساء ؟
صار أبو عبييدة واحدا من ثلاثة رؤوس في قطاع غزة تسعى الدولة العبرية إلى اغتيالها ؛ يحيى السنوار ومحمد ضيف وهو .
لغته . إيجازه في الكلام . طريقة إلقائه . حركة اصبع يده . حطته ولونها الأحمر . تلثمه . صار هذا كله لافتا.
لقد غدا في ظل قصف الإسرائيليين الدموي لمدينة غزة البلسم الشافي ، وقليلون من ربطوا بين اسمه واسم وزير الإعلام العراقي في فترة سقوط مدينة بغداد محمد الصحاف ، وقليلون أيضا من رأى فيه شبيها للمذيع المصري في العام ١٩٦٧ أحمد سعيد . وبالتأكيد فإن هناك فارقا كبيرا واختلافا بينا واضحا . أبو عبييدة غالبا ما يدعم أقواله بحقائق وبالصور التي تلتقط للاشنباكات ، وهكذا فإنه ، بخلاف الصحاف وسعيد ، لا يقول إلا بما هو متحقق منه .
غطى ظهور أبي عبييدة على أحداث كثيرة جرت أمس في اليوم السادس والثلاثين لبدء المقتلة ، كحصار المشافي ومنها مشفى الشفاء ، وغطى على مشاهد لجوء بعض الغزيين وذهابهم إلى الجنوب ؛ تهديدا وخوفا وجوعا وعطشا و .. و .. .
واللاجئون النازحون عموما ليسوا كثيرين ، فما كتبته هيا فريج عن مخيم جباليا ، وما قاله محمد عبد العزيز الرنتيسي عن محيط مشفى الشفاء والبناية التي يقيم فيها ، يؤكد أن قسما كبيرا من أهل المدينة ما زالوا فيها وأنهم يفضلون الموت على الرحيل فالهجرة .
ما لفت الأنظار أمس هو ما كتبته سما حسن Sama Hasan على صفحتها ويخص ارتفاع أسعار الطحين ارتفاعا جنونيا . هناك تجار حرب يستغلون حاجة الناس إلى الطحين فيرفعون سعر الشوال أربعة أضعاف .
صباح الخير يا غزة والمجد لك .
خربشات عادل الاسطة
١٢ / ١١ / ٢٠٢٣

صباح اليوم السابع والثلاثين للمقتلة وحرب الإبادة


***

38- تيه أهل غزة أم ... ؟

إن كان محمود درويش رأى في الخروج الفلسطيني من بيروت في العام ١٩٨٢ هجرة أخرى " هي هجرة أخرى " كما ورد في قصيدة " مديح الظل العالي " ، فإن أشرطة الفيديو التي تشهد على ما يحدث في قطاع غزة تقول " هي نكبة أخرى أكبر وأشد وألعن " .
مؤخرا أنجزت مقالة عنوانها " أثر النكبة في الأدب الفلسطيني " تتبعت فيها صورة المجتمع الفلسطيني بعد ١٩٤٨ في نصوص أدبية ، وأجزم أن ما قرأته أقل قسوة بكثير مما شاهدته وأشاهده من أشرطة فيديو تصور ما يلم بالفلسطينيين في قطاع غزة الآن .
بعض ما أشاهده من أشرطة فيديو يشيد بالمقاومة وقليله يهاجم قيادات حركة حماس ويحملها ما آلت إليه أحوال الناس . ثمة أشرطة لكادر أحد المشافي يغنون وينشدون على الرغم من قسوة أوضاعهم ، وثمة أشرطة لأسر تشتتت وأطفال بلا آباء وأمهات يبكون ويبحثون عن بعضهم ولرضيع تحمله امرأة لا تعرف أهله وتحاول أن ترضعه هي المرضعة فلا يتقبل حليبها القليل أصلا بسبب سوء التغذية ، والكتابة مش مثل السماع .
أحد السائقين من أيام طلب رأيي فيما يجري فآثرت الصمت وقلت له باختصار :
- أهل غزة الذين بدأوا هجوم ٧ أكتوبر أدرى .
أصر السائق أن يبدي رأيه فقال ما قاله سماحة السيد حسن نصرالله بعد حرب ٢٠٠٦ في لبنان :
- لو كنت أعرف أن النتيجة ستكون تدمير الضاحية لما اختطفت الجنديين .
والكلام كثير ووجهات النظر متعددة .
عندما شاهدت المرأة تحمل الرضيع مجهول الأبوين أدرجت شريط الفيديو على صفحتي وكتبت " عائد إلى حيفا " ، ولا أظن أن رواية غسان كنفاني أو فكرتها تخفى على أي قاريء لما أكتب ، ومع ذلك لا بأس من إيجاز .
في خضم الخروج الكبير من حيفا في ١٩٤٨ نسيت العائلة طفلها الرضيع في المنزل فربته عائلة يهودية وصار خلدون الفلسطيني يحمل الاسم دوف . صار الفلسطيني ابنا لعائلة يهودية ، والحمد لله أن رضيع غزة بيد امرأة فلسطينية ، علما بأن احتمال أن يعثر الجنود الإسرائيليون ، في المنازل المهدمة التي يدخلون إليها ، على رضيع فلسطيني مات أهله ، ممكن ووارد ، ويمكن أيضا أن يربوه زارعين فيه فكرة أنه طفل لأسرة يهودية قتلتها حركة حماس في هجومها على غلاف غزة في ٧ / ١٠ / ٢٠٢٣ .
والتاريخ يعيد نفسه .
حدثت النكبة الأولى في ربيع ١٩٤٨ وكانت الأجواء في الأشهر الأولى منها صيفية . الآن ترك أهل غزة بيوتهم وملابسهم والشتاء على الأبواب ونأمل من الله ألا يكون شتاء هذا العام مطيرا شديد البرودة وألا تثلج السماء كما أثلجت بعد ١٩٤٨ فيما عرف بسنة الثلجة . عندما لا تمطر السماء يصلي الناس صلاة الاستسقاء ، ومنذ صباح الأمس وأنا أتساءل إن كانت هناك صلاة أخرى لحبس الأمطار . صلاة حبس الأمطار مثلا .
أحيانا أقرأ في صفحات بعض النشطاء في غزة فأعرف منها أن القلوب بلغت الحناجر ، وقسم من أصحابها يتمنى لمن يغبط غزة على صمودها ومقاومتها أن يعيش ما يعيشه الناس فيها .
الأوضاع قاسية وصعبة وأعرف أنني أكتب وأنا أعيش في وضع مريح ، بخلاف ما يعيشه عاطف ابوسيف الذي يقيم في مخيم جباليا ويكتب من داخل الحدث في ظروف قاسية صعبة قاتلة .
أمس قرأت عن مشروع جديد نشر عنه في جريدة العربي وهو تخفيف الكثافة السكانية في غزة بتهجير قسم من أهلها إلى الدول الأوروبية . أدرجت محتوى المشروع وكتبت أن الأنسب هو أن يهاجر الإسرائيليون إلى أوروبا ، فثقافتهم أقرب إلى ثقافة الأوروبيين من ثقافة الفلسطينيين . هل ينقص أوروبا حماس ؟ وهل ينقصنا أن يحارب المهاجرون منا إلى هناك بححة أنهم حمساويون ؟!
حالة تعبانة يا ليلى ودبرها يا مستر دل بركن على إيدك تنحل . هل سيدبرها مستر ( بلينكن ) ؟
صباح الخير يا غزة !!
خربشات عادل الاسطة
١٣ / ١١ / ٢٠٢٣

صباح اليوم الثامن والثلاثين للمقتلة وحرب الإبادة .


***

39- الفضيلة الأولى في زمن الحرب

صباحا أرسل إلي صديق شريط فيديو لتوزيع المساعدات التي وصلت إلى غزة يظهر هجوم الأطفال على الشاحنة للحصول على عبوات الماء وتحصيل ما استطاعوا منها لهم ولذويهم .
على ظهر الشاحنة شرطة يحملون بنادق ويحاولون توزيع العبوات . لم يتم التوزيع بطريقة منظمة ، فثمة فوضى لافتة .
الصديق الذي أرسل إلي الشريط ضد الحرب منذ بدايتها وهو لا يؤيد سياسة حركة حماس أصلا . إنه يدافع عن المشروع الوطني الفلسطيني الساعي إلى حل سلمي ينجز الدولة الفلسطينية من خلال القيادة الفلسطينية التي سارت في طريق أوسلو ، وهو يجاهر بآرائه ولا يخفيها ، فيكتبها على صفحته مع أنه يقيم في غزة ولحظه فقد ذهب قبل ٧ / ١٠ / ٢٠٢٣ إلى القاهرة ليتعالج .
صديقي يطالب منذ بداية الحرب بوقفها خوفا من أن يؤدي استمرارها إلى تدمير غزة كلها وتهجير مواطنيها ، وهو حريص على الأرواح التي تزهق والخسارات التي لا تعوض ، ويحزنه مشهد الدمار ومشاهد الجرحى والموتى وشتات العائلة ووقوف الناس بالدور أمام المراحيض لقضاء حاجتهم ، وكلما رأى أشرطة تظهر الخراب الشامل للبشر والحجر تحسر على شقى العمر الذي ذهب في لحظة .
وأنا أشاهد الشريط تذكرت قصة غسان كنفاني " الصغير يذهب إلى المخيم " وما كتبه فيها عن الفضيلة الأولى في زمن الاشتباك ، ولطالما تذكرت هذه القصة وكتبت عنها ، فمنذ وعينا على هذه الفانية ونحن نعيش زمن الاشتباك ، وقد فرق غسان في بداية قصته بين دال الحرب ودال الاشتباك " أثناء الحرب قد تهب نسمة سلام يلتقط فيها المقاتل أنفاسه . راحة . هدنة . إجازة . تقهقر . أما في الاشتباك فإنه دائما على بعد طلقة . أنت دائما تمر بأعجوبة بين طلقتين ، وهذا ما كان ، كما قلت لك ، زمن الاشتباك المستمر " .
في القصة يعثر الطفل ، وهو ذاهب إلى سوق الخضار ليلتقط منها ما قد يطعم العائلة ، على خمسة قروش ، وكان لها قيمتها ، فيهرب بها حتى لا يتقاسمها مع غيره وحتى لا يأخذها منه الشرطي الذي لاحظه . وفي القصة يكذب الجد على الحفيد ويسرق نقوده التي عثر الحفيد عليها وتغيب الأخلاق وتصبح الفضيلة الأولى أن تبقى على قيد الحياة . لنقرأ النص كما ورد في القصة :
" كان ذلك زمن الاشتباك . أقول هذا لأنك لا تعرف : إن العالم وقتئذ يقف على رأسه ، لا أحد يطالبه بالفضيلة .. سيبدو مضحكا من يفعل .. أن تعيش كيفما كان وبأية وسيلة هو انتصار للفضيلة . حسنا ؛ حين يموت المرء تموت الفضيلة أيضا . أليس كذلك ؟ إذن دعنا نتفق بأنه في زمن الاشتباك يكون من مهمتك أن تحقق الفضيلة الأولى ، أي أن تحتفظ بنفسك حيا ، وفيما عدا ذلك يأتي ثانيا ، ولأنك في اشتباك مستمر فإنه لا يوجد ثانيا . أنت دائما لا تنتهي من " أولا " .
هل يعني ما سبق أن الأخلاق تتراجع ؟ وهل تراجعت الأخلاق في غزة في الحرب ؟
فيما يكتبه الكتاب ونشطاء وسائل التواصل الاجتماعي في غزة نقرأ عن ارتفاع أسعار الطحين والمواد الغذائية الأخرى . كتب هذا الروائي عاطف ابوسيف في يومياته التي ينشرها في صحبفة العربي ، وكتبت عن هذا Sama Hasan أيضا ، وقاله محمد الأسطل مراسل إذاعة أجيال ويقوله يوميا في تقاريره للإذاعة المذكورة ، ولكن في المقابل فإن المرء يقرأ الكثير عن التكافل الاجتماعي واستضافة عائلات جنوب القطاع للقادمين من شماله ، ويقرأ أيضا عن تضحيات وبطولات عز نظيرها . تضحيات الكادر الصحي وإخلاصهم وتفانيهم وتضحيات الأبناء من أجل سلامة الآباء .
في يوميات عاطف أبو سيف كتابة مدهشة عن تفاصيل الحياة اليومية في مخيم جباليا ؛ عنه وعن غيره . مما يرويه مثلا أن مواطنا ذهب يبحث عن كيس طحين حتى لا يبيت أبوه جائعا ، علما بأن الخطر يحدق بالمكان . يعود الرجل بكيس الطحين فيحذره المواطنون من مواصلة الطريق لأن الدبابات الإسرائيلية والقناصة يطلقون النار على كل ما ومن يتحرك ، ويصر الرجل على الا يبيت أبوه جائعا فيقنصه قناص إسرائيلي .
هل الفضيلة الأولى في زمن الحرب هي أن نبقى على قيد الحياة وفيما عدا ذلك يأتي لاحقا .
إنها الحرب !!

مساء الخير يا غزة
خربشات عادل الاسطة

١٤ / ١١ / ٢٠٢٣

مساء اليوم التاسع والثلاثين للمقتلة وحرب الإبادة

***

40: أ- التغريبة الفلسطينية الثامنة :

لمحمود درويش ديوان شعري عنوانه " محاولة رقم ٧ " أصدره في العام ١٩٧٤ ، وقد لفت العنوان أنظار بعض الدارسين وتساءلوا : لماذا الرقم ٧ ؟ واجتهدوا في تأويلاتهم ، فقد يكون الرقم ٧ لأن الديوان هو السابع في مسيرة الشاعر الشعرية ، وقد يكون دلالة على عدد الثورات التي خاضها الشعب الفلسطيني منذ بدأ الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي . ويمكن لمن يريد أن يتعمق في هذا أن يعود إلى دراسة الناقد الفلسطيني يوسف اليوسف التي تناول فيها الديوان .
في الأيام الأخيرة كثر تشبيه لجوء أهل شمال قطاع غزة إلى جنوبه بأنه التغريبة الفلسطينية الثانية ، وقد قالتها امرأة فلسطينية في شريط فيديو وهي متجهة نحو الجنوب ولا عجب ، فمن منا لم يشاهد مسلسل التغريبة الفلسطينية الذي كتبه وليد سيف الشاعر صاحب ديوان " تغريبة زيد الياسين " / تغريبة بني فلسطين ؟!
لم أكن أشاهد أشرطة فيديو تصور مآسي ما يجري في قطاع غزة يبثها موقع " صوت المواطن " ولا أعرف من يقف وراءه ؛ موقع اختار له لازمة لافتة تتكون من السطر الآتي :
" يا سنوار ويا هنية الشعب هو الضحية " ( " يا مشعل ويا هنية الشعب هو الضحية " ) .
وهذه الأشرطة تختلف عن كثير من أشرطة شاهدتها يبدي فيها المتحدثون المنكوبون بعائلاتهم وبيوتهم تأييدا للمقاومة وتقديم أنفسهم أيضا فداء لها ، طالبين أيضا أن تستمر في القتال وقصف أماكن العدو الإسرائيلي وبلداته بالصواريخ .
هل تستغل بعض الجهات والفصائل المناهضة لحماس ما يمر به المواطنون خدمة لموقفها ؟
لا أريد أن أقدم إجابة وأعلن موقفا ، علما بأن بعض المحللين السياسيين الذين أصغيت إليهم طالبوا الرئاسة الفلسطينية والفصائل أن تفعل ما فعله الإسرائيليون الذين ، منذ بداية الحرب ، شكلوا حكومة وحدة وطنية ، وأن يتم التفاوض حول الأسرى ومستقبل القضية الفلسطينية من خلالها . هل سمعت هذا من عريب الرنتاوي ؟ لم أعد أذكر .
هل هجرة مواطني شمال غزة إلى جنوبها هي التغريبة الثانية للفلسطينيين ؟
في العام ١٩٦٧ في أوج هزيمة حزيران هاجر كثيرون من أبناء الضفة الغربية إلى الأردن وهناك أقيمت مخيمات النازحين ؛ البقعة وشنلر وغيرهما .
وفي العام ١٩٧٠ / ١٩٧١ هاحرت الثورة الفلسطينية من الأردن إلى الشام ولبنان .
وفي العام ١٩٧٦ هجر أهالي مخيم تل الزعتر من بيروت وأقاموا في مناطق جديدة .
وفي العام ١٩٨٢ رحلت الثورة الفلسطينية من لبنان إلى تونس وليبيا واليمن وهلم جرا .
وبعد غزو العراق في العام ١٩٩١ طرد الفلسطينيون منه وأقاموا لهم مخيمات على الحدود العراقية الأردنية .
وفي الربيع العربي في ٢٠١١ دمر مخيم اليرموك في سورية وعاش أهله النكبة من جديد .
والآن ؟!
في مقاطع أشرطة الفيديو التي شاهدتها اليوم شريط فيديو لمسنة فلسطينية محدودبة الظهر تستند في مشيتها على عكاز ويمسك بها أحد أحفادها وذكر عنها الآتي:
هذه العجوز تعيش النكبة مرتين .
في كتاباتي تحت عنوان " في غزة لي أصدقاء ولي ذكريات " أتيت على سيرة ابنة عمي أم هشام التي ولدت في النكبة الأولى في المدارس التي آوت اللاجئين وقلت إنها الآن تقضي بقية عمرها في مركز إيواء اللاجئين في إحدى مدارس وكالة غوث اللاجئين .
مساء الخير يا غزة والمجد لك والله المستعان .
خربشات عادل الاسطة
١٥ / ١١ / ٢٠٢٣

مساء اليوم الأربعين للمقتلة وحرب الإبادة .

***

41: أ - أخبار الصباح في اليوم الحادي والأربعين للمقتلة وحرب الإبادة :

أحزمة نارية . تجريف . قصف بيوت ومساجد على رؤوس سكانها ومن فيها . اجتياحات في كفر دان ومخيم الفارعة . قتلى وجرحى وإخفاق استخباري إسرائيلي حيث لم يلق القبض على قيادات حركة المقاومة ولم يعثر على الرهائن ولم يجدوا أنفاقا تحت المشافي والهجرة من الشمال نحو الجنوب تزداد ، علما بأن مراسل إذاعة أجيال محمد الأسطل يقول إن الجنوب ضاق بالسكان ولا يوجد متسع فيه لقادمين جدد .
هل أخطأ محمد ضيف حين نعت ما قامت به حركة حماس في السابع من أكتوبر ب " طوفان الأقصى " . إنه الطوفان حقا .
ماذا يفعل العواجيز مثلي في الحرب ؟
يفتشون في النصوص القديمة كما يفتش عنها ( بنيامين نتنياهو ) و ( بن غفير ) و ( سموترتش ) والحاخامات في العهد القديم .
في أمثالنا الشعبية مثل يقول " شر البلية ما يضحك " وأنا بحثت عن مسرواية إميل حبيبي " لكع بن لكع " لكي اقرأ فيها عن حالتنا السيزيفية العبثية . لا أحد يتعلم والبرابرة الجدد جاؤوا . انتظرهم محمود درويش ومات قبل أن يرى قدومهم البربري . هل أتفاءل مثل معين بسيسو الذي رأى أن الفلسطن الأوائل أجبروا شمشون الإسرائيلي على جر الطاحون ؟
" - بدور : إن وسواسا يراودني على حياتي
حتى يدهمني الشعور بالعبث .
يمتليء صدري بالفزع
من هزلك الجاد ، يا أيها المهرج .
- المهرج : بدور .. !
- بدور : هل تظل ذاكرة الشعب
عذراء
من جيل إلى جيل
جتى ولو لم يبق مغتصب ،
عبر الزمن الغاصب ،
إلا واغتصبها وأثخنها بالجراح
وأهدر دمها
وأخذها سبية
وباعها في سوق النخاسين ؟
هل حقا ؟!
- المهرج : ألوم نفسي ...
- بدور : لا تلم الضحية ..
أتذكر ؟
- المهرج : قد يكون أن أكلة لحوم البشر ،
العصريين ،
- بالشوكة وبالسكين -
يلتهمون ، معها ، الذاكرة .
ربما !
- بدور : هل قيض لهذا الشعب المبتلى ،
الممتحن ..
المطوح ، المضرس ، المغدور ،
أن يعود على التجربة
من أولها ؟
هل ينسى ؟
- المهرج : لا ينسى وطنه !
- بدور : حتى الوطن ؟!
لا ، لا ينسى وطنه .
ولا المغتربون المغربون ،
ينسون الوطن .
فالوطن لا ينسى " ( إميل حبيبي ، لكع بن لكع ، ١٩٨٠ ، صفحة ١٣١ و ١٣٢ .
صباح الخير يا غزة
خربشات عادل الاسطة
١٦ / ١١ / ٢٠٢٣

اليوم الحادي والأربعون للمقتلة وحرب الإبادة .

==

41: ب - الاستغلال والسرقات : تجار الحروب ولصوص الأوطان

في قراءتي ليوميات الروائي عاطف ابوسيف من قلب الحدث التفت إلى رفع التجار في غزة أسعار المواد الغذائية ، مستغلين تناقصها وحاجة الناس إليها .
وليس الروائي وحده من لفت الانتباه إلى هذا ، فقد سبقته سما حسن Sama Hasan والناشط رياض عواد Riyad Awad على الرغم من أن الأخير يقيم في القاهرة ، وزيادة على من ذكرت أسماؤهم أكثر من الحديث عن رفع الأسعار محمد الأسطل مراسل إذاعة أجيال الذي يقيم في خان يونس .
والطريف أن ما يكتب ويقال عن القصف وإمكانية النجاة من الموت كثير ، فأنت في غزة لا تعرف متى تأتي منيتك . قد تمسي أنت وعائلتك أحياء وتصبحون نسيا منسيا ، فلا ينفع مال ولا بنون ولا عقار ولا شيء ، والأطرف أن الأموال التي تملكها في ظل نفاد المواد الغذائية التي تحتاج إليها تصبح بلا جدوى.
الناشط رياض عواد كتب عن ليلة الخميس في غزة قبل ٧ / ١٠ / ٢٠٢٣ وطقوس العائلات الغزية فيها ، وتحسر على غيابها منذ اندلاع الحرب ، فلا نش ولا مكسرات ولا سرور ولا .. ولا .. ولا .. . وكتب عن " شقى العمر " الذي غدا أكوام ركام تنعق فيه الغربان .
الكاتب طلعت قديح الذي غادر إلى الجنوب كتب فقرات قصيرة جدا عن الحياة اليومية وعبر عن غضبه مما آلت إليه الأوضاع . ومما كتبه ويلفت النظر ، لا لجدته وإنما للدلالة على غياب الأخلاق لدى جيش يزعم أنه جيش أخلاقي ، هو ما يشبه السرقات ، وليس هو الوحيد الذي كتب ذلك . مثلا بعض النازحين إلى الجنوب كان يضع في حقيبته مبلغ ٥٠ ألف دولار هي تحويشة العمر ، وحين مر بالقرب من جنود الاحتلال صرخ عليه جندي طالبا منه أن يضع حقيبته التي يحملها على ظهره على الأرض وأن يواصل المشي . هكذا ذهبت الخمسون ألف دولار في لحظة واحدة . وهناك من فقد ابنه وتمنى لو أن ابنه الذي قتل يعود إليه ويأخذ من يعيده إليه حيا مبلغ ال ٣٥٠ ألف دولار التي كان يخفيها في سيارته.
ما كتبه طلعت قديح ذكرني بروايتين قرأتهما عن النكبة الأم - أي ١٩٤٨ ؛ الأولى هي رواية ( ايثيل مانين ) " الطريق إلى بئر السبع " والثانية هي رواية الكاتب الإسرائيلي ( عاموس كينان ) " ١٩٤٨ " .
في الروايتين كتابة عن سلب جنود العصابات الصهيونية أموال الفلسطينيين المنكوبين الذين أجبروا على ترك مدينتهم اللد .
كم رواية فلسطينية كتبت عن ظاهرة سرقة أموال الفلسطينيين وذهب نسائهم في النكبات ؟
هل غاب هذا عن رواية سعاد العامري " بدلة إنكليزية وبقرة يهودية " ومن قبل عن رواية إميل حبيبي " الوقائع الغريبة في اختفاء سعيد أبي النحس المتشائل " ؟
في الأخيرة يروي سعيد عن المرأة اللداوية ثريا عبد القادر مقبول التي زارت ، بتصريح ، اللد بعد هزيمة حزيران ١٩٦٧ ، لتبحث عن ذهبها الذي خبأته في عام النكبة في الجدار " حكاية الثريا التي رجعت تسف الثرى " .
" ولكن ، حين مدت الأم الثكلى ، الثريا ، يدها لتطول مصوغات عرسها ، ناولها رجل القيم على أراضي إسرائيل " شهادة بالذهب " وأخذ الذهب وذهب ، وأما الثريا فأخذت " شهادة الذهب " وذهبت عبر الجسور المفتوحة ، راجعة لتسف الثرى في مخيم الوحدات ، ولتدعو بطول البقاء لذوي القربى ولأولاد عمهم " .
حالتنا سيزيفية - أي والله !
مساء الخير
خربشات عادل الاسطة
١٦ / ١١ / ٢٠٢٣

اليوم الحادي والأربعون للمقتلة وحرب الإبادة .


***

42: أ- نكبة ١٩٤٨ في الذاكرة:

ذكرتني أشرطة فيديو النازحين من شمال غزة إلى جنوبها بنكبة العام ١٩٤٨ وذيولها ، فكتبت بناء على طلب الكاتب المصري سيد محمود مقالة طويلة لم أنشرها بعد عن أثر النكبة في المجتع الفلسطيني من خلال الأدب ، متتبعا بعض نصوص كتبت ما بين العامين ١٩٤٨ و ١٩٦٧ ، وقد أطلق على أدب تلك الفترة مصطلح " أدب النكبة " .
لم أعش لجوء العام ١٩٤٨ الذي عاشته عائلة أبي وعائلة أمي حين هجرتا من يافا . ولدت في العام ١٩٥٤ طفلا ثالثا . ولدت كما ولد أخواي الأكبر مني سنا في خيمة من خيام اللاجئين ، فلم تكن غرف الباطون التي بنيت في العام ١٩٥٨ أنشئت ووزعت على سكان الخيام .
وأنا أشاهد نزوح سكان شمال غزة إلى جنوبها تذكرت لجوءنا في حرب ١٩٦٧ من المخيم إلى البلدة القديمة في نابلس للاحتماء ببيت خالتي ، وبعد انتهاء الحرب والسماح للمواطنين بالتنقل غادرنا البلدة القديمة إلى مخيم عسكر القديم مشيا على الأقدام ؛ أنا وأمي وإخوتي ، وشاهدنا جيش الاحتلال الإسرائيلي بأسلحته من دبابات ومجنزرات ومررنا بالقرب منها لم تطرف لنا عين .
ما بين ١٩٤٨ وحتى بداية سبعينيات القرن ٢٠ عشنا في المخيم في بيوت لا ماء فيها ، وكنا نذهب إلى عيون ماء عامة أقامتها وكالة غوث اللاجئين في مناطق محددة من المخيم نتزاحم للحصول على الماء ونتخاصم ونتشاجر . أما الكهرباء فقد عرفناها في العام ١٩٦٦ .
منظر تزاحم نازحي شمال غزة على الماء للحصول عليه ليس غريبا عني فقد ألفته في مراهقتي لأنني كنت المسؤول عن توفير الماء لأهلي ، فأخواي الأكبر مني سنا استنفدا مهمتهما ، فانقطعا عن القيام بتوفير الماء منذ تركا المدرسة ، في سن مبكرة ، وصارا يتعلمان مهنة .
في بدايات المخيم أقامت وكالة غوث اللاجئين حمامات عامة ليستحم الناس فيها ، وأقامت أيضا مراحيض عامة ، إذ خلت أكثر البيوت منها ، فالبيوت أصلا بنيت بعد عشر سنوات كما ذكرت .
كثير من مشاهد لجوء بعض الغزيين وذهابهم إلى الجنوب توقظ في ذاكرتي مشاهد خبرتها في الطفولة وغالبا ما قرأت عنها في القصص والروايات والقصائد والسير الذاتية لبعض الأدباء .
في أشرطة الفيديو التي تصور عملية النزوح مقاطع تصور كبار سن يتجاوزون الثمانين عاما مروا بتجربة اللجوء الأولى وها هم يمرون بالتجربة نفسها من جديد . مروا بها أطفالا يافعين وها هم يمرون بها عواجيز محنيي الظهور هدتهم سنوات المنفى . كم هي قاسية وصعبة حياة هؤلاء . ظلوا يحلمون ٧٥ عاما بالعودة إلى بيوتهم في مدنهم وقراهم التي هجروا منها في العام ١٩٤٨ ، وشاءت الأقدار أن يعيشوا نكبة جديدة وهجرة جديدة . كم حدث هذا من قبل ؟! حدث هذا في ١٩٦٧ أيضا.
" طال المؤقت " كما كتب محمود درويش في قصيدته " نزل على بحر " وطال ظل النخل أيضا وطالت نباتات البعيد.
هل سيزرع اللاجئون الجدد الأشجار من جديد ليؤرخوا من خلال طولها طول هجرتهم ؟
مشاهد اللجوء وتبعاته قاسية مرعبة وهذا العالم قاس . قاس جدا .
حتى المؤقت لم يدم . حتى المخيم الذي أقيم في العام ١٩٤٨ ليكون مؤقتا لم يبق ، فلقد دمره الطغاة من قبل والغزاة الآن على رؤوس سكانه . حتى المؤقت يا محمود درويش لم يدم . هل تتذكر قولك :
" أفلا يدوم سوى المؤقت يا زمان البحر فينا ؟ " ؟
صباح الخير يا غزة والمجد لك .
خربشات عادل الاسطة
١٧ / ١١ / ٢٠٢٣

فجر اليوم الثاني والأربعين للمقتلة وحرب الإبادة.


=====

42: ب - الحنين إلى الانتصار

هناك شاعر فلسطيني اسمه علي فودة ارتقى شهيدا في حرب بيروت ١٩٨٢ ، وهو يوزع جريدة صدرت إبان الحرب على المقاتلين .
لعلي فودة ديوان عنوانه " فلسطيني كحد السيف " . أقام علي في الأردن ثم ضاق ذرعا بالنظام الأردني وملاحقة المخابرات الأردنية له فغادر عمان إلى بيروت وفيها أصدر رواية عنوانها " الفلسطيني الطيب " وما إن وصلت نسخ منها إلى عمان وقرأتها المخابرات الأردنية حتى منعت توزيعها وسحبت النسخ المتبقية من الأسواق ، بل وطلبت من أبو علي صاحب الكشك الذي باع النسخ أن يسترد النسخ المبيعة منها ممن باعها لهم .
وعلي فودة هو صاحب كلمات الأغنية الشهيرة التي يغنيها مارسيل خليفة " إني اخترتك يا وطني" .
علي الفلسطيني اللاجيء التعيس في حياته الذي عاش نكبة العام ١٩٤٨ وهزيمة حزيران ١٩٦٧ وأحداث أيلول ١٩٧٠ والحرب الأهلية في لبنان ولم يعش انتصارا واحدا كتب مقطعا يعبر فيه عن حنينه إلى انتصار " بقلبي أريحا ، وكنا نحن ولو مرة لانتصار " .
تذكرت عليا وقصته وأنا أقرأ في صفحات وسائل التواصل الاجتماعي ما يكتبه نشطاء كثيرون عن الملثم أبي عبييدة وانتظارهم ظهوره كأنه المهدي المنتظر ، فإن تأخر في الظهور تساءلوا ، وإن رأوا مشهدا يفرح انتظروا أن يسمعوه منه ، وكتب قسم من هؤلاء عبارات مثل " ما أحلى هالطلة " و " بنصدق أبو عبييدة " وسرعان ما ينقلون على صفحاتهم فقرات خطابه القصير الذي لا يتجاوز بضع دقائق ، وقد كتبت عن طلته قبل أيام.
صار ظهور أبي عبييدة يبعث الأمل والطمأنينة لكثيرين ، ولا أقول للفلسطينيين كلهم ، فقليل منهم يتحسب من أن يكون ظاهرة صوتية ، وقد كتبت هذا من قبل أيضا.
هذا الانتظار للرجل وهذا السرور بما يقوله وهذا الفرح الجارف بظهوره ليس أكثر من حنين مكبوت إلى انتصار في ظل هزائم عديدة عاشتها الأمة العربية خلال العقود السابقة.
اليوم مثلا بعد مشاهدة أشرطة فيديو عن قنص محتلين عبر عديدون عن ثقتهم بأن النصر لا محالة قادم ، وكانت كلمتهم توحي أكثر مما تفصح ، ما جعلني أمعن النظر في طبيعة المفردات في مرحلة يعيش فيها الكيان قلقا متزايدا ويبدو قادته متوترين . القنص القنص . قنصوهم . خذلوهم وهربوا .القنص من نقطة الصفر و ... و ... والرقابة شديدة والخوف من الاعتقال أو السجن أو .. أو .. أو..
أطرف شريط فيديو شاهدته اليوم هو الشريط الذي يعتقل فيه مجندو الكيان والدة الشهيد القواسمة الذي قام بعملية الأنفاق أمس ١٦ / ١٠ / ٢٠٢٣ . المرأة عجوز تنيف عن الثمانين عاما محدودبة الظهر تستند في مشيتها على عكاز ويمسك بها جندي يقودها إلى المجنزرة . هل تذكرت قراقوش في زمن صلاح الدين الأيوبي؟
لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم وهو الغالب على أمره .

مساء الخير
خربشات عادل الاسطة
١٧ / ١١ / ٢٠٢٣

مساء اليوم الثاني والأربعين للمقتلة وحرب الإبادة .

***

43- كلما توجعوا قصفوا المدارس والمشافي :

عندي إحساس شبه يقيني أنهم كلما توجعوا واصطيدوا وكانت الخسائر كبيرة قصفوا المدارس والمشافي وقتلوا العشرات بلا أدنى رادع أخلاقي ، واليوم قصفوا مدرسة الفاخورة والقتلى بالمئات . ثمة تواز طردي ، فلأول مرة يتم الإعلان عن مصرع ستة جنود وجرح سبعة في يوم واحد .
قالوا إن قيادات حركة حماس في أنفاق تحت المشافي ، فاقتحموا الأخيرة ولم يعثروا على مبتغاهم وجعلوا أنفسهم مسخرة للآخرين الذين صوروهم يشهرون المسدسات في وجوه الأطفال الرضع أو يضعونها لهم في ظهورهم خلف الحفاضات ليقولوا ألقينا القبض على الإرهابيين ، وكل طفل فلسطيني في نظرهم إرهابي ولهذا أحرقوا قبل سنوات محمد خضير في الضفة الغربية وعائلة دوابشة .
إنهم يخمنون فقد خانتهم وسائل بحثهم وعملاؤهم من أصحاب كرت " العشرين شيكل " على رأي الساخرين وزاد الطين بلة أن رئيس وزرائهم السابق السجين بتهم أخلاقية ( يهودا أولمرت ) قال إنه متأكد أن القيادة موجودة في مخيم خان يونس ، وهكذا ارتفعت نداءاتهم لأهل الجنوب بالإخلاء تمهيدا لمواصلة المقتلة وحرب الإبادة .
أشرطة الفيديو التي تصور ما يجري تظهر أن هناك إعدامات ميدانية للنازحين نحو الجنوب ، ولا أحد ينجو والضفة لا تنجو أيضا ، فاليوم عم مدينة نابلس إضراب شامل لارتقاء خمسة شباب من مخيم بلاطة قصفتهم طائرة إسرائيلية في أحد بيوت المخيم رأت فيهم صيدا ثمينا .
إلى أين نحن ذاهبون ؟
منذ سنوات قبل السابع من أكتوبر ٢٠٢٣ كنت أخمن أن الأوضاع في فلسطين تسير على غرار ما جرى في جنوب أفريقيا . سيزداد القتل وتزداد العنصرية والانغلاق إلى أن تنفجر الأوضاع في فلسطين التاريخية كلها ولا مفر ، وأظن أن ما يجري هو البداية .
في ستينيات القرن ٢٠ كتب محمود درويش :
" أهني الجلاد منتصرا على عين كحيلة
مرحى لفاتح قرية
مرحى لسفاح الطفولة "
وليس هناك من سفح للطفولة أكثر مما يجري : قتل وتجويع وإخلاء مشاف وهدم بيوت وشتات جديد يفوق الشتات القديم .
مساء الخير يا فلسطين والرحمة للشهداء والعار لقتلة الأطفال والمدنيين ، ولا حول ولا قوة إلا بالله .
خربشات عادل الاسطة
١٨ / ١١ / ٢٠٢٣

اليوم الثالث والأربعون للمقتلة وحرب الإبادة


***

44- غزة المثخنة بالجراح تضحك أيضا :

على الرغم من قسوة الأوضاع في غزة ومن " هرسها هرسا " كما كتب لي صديق فيسبوكي ، إلا أن بعض أبنائها ما زالوا قادرين على الضحك . الشاعر المرحوم علي الخليلي أصدر ديوان شعر عنوانه " الضحك من رجوم الدمامة " . كان ذلك بعد مقتلة مخيم تل الزعتر في العام ١٩٧٦ ، ولم تكن الدمامة كما هي الآن في غزة رغم بشاعة ما جرى في حينه .
في غزة وبين ركام المباني المهدمة والشوارع التي ما زال قسم منها صالحا يجر حمار شاب غزي العربة ويبتسم الشاب قائلا إن الحمار هو وسيلة النقل الباقية .
وفي غزة يبتسم الصحفيون لرغيف الخبز الساخن الخارج لتوه من موقد الحطب ويفتون الرغيف من أجل العدس بعد أربعة أيام من عدم تناول الخبز ويبتسم أيضا إن أكل تفاحة بعد أربعين يوما من القتال والحصار . وفي غزة عاد للكراتين مجدها وارتفع سعرها من شيكل إلى أربعة أو خمسة وتنوولت المناقيش على الفحم وعقب أحد الشباب قائلا :
- تستحق غزة في هذه الأيام جائزة نوبل للاختراعات .
وهناك يطبخ رجل بالطناجر الكبيرة مستشهدا بقوله تعالى عن الإطعام في اليوم ذي المسبغة أو الإطعام في يوم عطلة .
وفي غزة تتضاءل الأمنيات الآن وتتقزم ، فالمرأة التي تبدو ابنة نعمة كانت تتمنى أن ترى ابنها طبيبا ، ولكنها اليوم تتمنى أن لا تراه ميتا مقطعة أشلاؤه . هذه صارت أمنيتها الوحيدة ، ولا أعرف إن كان الروائي عاطف ابوسيف الذي كتب عن زياراته العديدة لبيت الصحافة عرف أن مؤسسه بلال جادالله استشهد في الحرب التي كانت أيضا مجزرة لعشرات الصحفيين والأطباء ؛ عاطف الذي أدهشني بيومياته التي ينشرها في جريدة العربي وبلغ عدد حلقاتها عشرا نشر آخرها اليوم . اهتمام بالتفاصيل وقدرة على الوصف ودقة ملاحظة وذاكرة تختزن المشاهد التي يراها . وما يدهش أكثر هو أنه ، في ضوء انقطاع النت وحياة القصف ، يجد متسعا من الوقت لتدوين ما يرى . وحين أقارن بين ما يكتبه وما يكتبه غيره من الكتاب الباقين هناك ألحظ خاصية الروائي وقدرته على الوصف .
مشاهد الخيام وحياة اللجوء في هذا اليوم المطير يضاعفان الحزن وربما ما يقلل منه قليلا جدا ما يبث من أشرطة الصيد وتعليقات مدرجي الأشرطة أو المعقبين على ما شاهدوا . الصيد وفير والغلال كثيرة والاصطياد في عش الدبابير .
غزة حزينة وحياة أبنائها الآن هي الحزن ذاته ، ومثلها جنين ومخيمها ، ولم تمض هذا النهار الغيوم لنستعير من محمود درويش قوله :
" مضت الغيوم وشردتني
ورمت معاطفها الجبال وخبأتني " ، فلا جبال هناك لترمي معاطفها .
مساء الخير يا غزة
خربشات عادل الاسطة
١٩ / ١١ / ٢٠٢٣
اليوم الرابع والأربعون للمقتلة وحرب الإبادة .

***

45- المأساوي والهزلي معا :

المرئي مما يصل من غزة المذبوحة من الوريد إلى الوريد يجمع بين المأساوي والهزلي ، فأنت لحظة تشعر بحزن عميق وبعجز كبير وفي لحظة ثانية تكاد تتفجر من الضحك كأنه ضحك مثل البكاء وهذا هو شبيه بشر البلية .
أشرطة الفيديو التي تعرض تري كم الخراب الشامل والدمار الرهيب الذي ألم بالبشر والحجر والاسفلت . مبان بأكملها سويت بالأرض . أحياء كاملة لم يبق منها إلا الركام والسواد وتحولت إلى ساحة معركة يترصد فيها المقاوممممون الدبابات والآليات الغازية التي ما إن تصطاد حتى تنسيك للحظة وحشة المكان وخرابه ونعيق الغربان فيه ، والأقسى مما سبق رؤية مناظر الأطفال والنساء والشباب والشيوخ المدماة وجوههم أو المبتورة أيديهم . " أريد أن أرى يدي " يصرخ طفل فقد يده اليسرى ويبكي . وتقف عجوز محنية الظهر في طابور وبيدها ابريق ماء تنتظر دورها حتى تقضي حاجتها في المرحاض ، ويشرب شاب من ماء السماء عله يرتوي في زمن شحت فيه المياه العذبة فيسأله آخر قريب منه إن كانت المياه حلوة .
يتساءل رياض عواد Riyad Awad إن كانت الكتابة يمكن أن تقوم مقام الصورة ويرى أنها لا يمكن أن توصل الرسالة التي توصلها الصورة ، فأتذكر ( جان جينيه ) الذي زار صبرا وشاتيلا في أيلول ١٩٨٢ صباح المذبحة وما كتبه . إن الصورة التي يلتقطها المصور لا يمكن أن تعبر تعبيرا تاما عن المشهد كما يراه المرء بنفسه . الصورة لا تبعث الرائحة التي يشمها من كان شاهدا وهي لا تري اختلاط الغبار بالدم .
هل كان لا بد مما كان ؟
يكتب الناقد الغزي طلعت قديح إن السجناء الفلسطينيين في سجون الاحتلال لو رأوا ما جرى في غزة لآثروا البقاء في السجن على تحريرهم .
هل هدأت جبهة القتال في جو اليوم المطير الذي تتلبد فيه الغيوم وتحجب نور السماء ؟
يدرج حنظلة حنظلة شريط فيديو لواعظ مصري هو هشام البيلي يهاجم " أبو عبييدة " طالبا منه السكوت ، فالجهاد بالسكوت أفضل من الجهاد بالسيوف ويقوم بحركات تمثيلية يغطي فمه بطرف الحطة ويتقنع تارة كما أبو عبييدة وشتان بين الثريا والثرى ، ويرد عليه واعظ سعودي هو توفيق الصايغ وينعته ب " لكع بن لكع " - أي لئيم بن لئيم ولا ينسى أن يستشهد ببيتي شعر حتى يكتمل المشهد ، ويسخر من حركات الواعظ المصري . يكتب حنظلة " المملكة العربية السعودية " .
هل غابت السخرية عن المشهد ؟
وهل غاب الشيخ الواعظ الناصح الأمين أفيخاي درعي أيضا ؟
يعقب أفيخاي على اختطاف السفينة باقتباس آية من القرآن الكريم ( وأما السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر ) وترد اليمن عليه ببقية الآية ( فأردت أن أعيبها ) ، وليس بعيدا عن السفينة تظهر المخيلة الشعبية وتحضر سرعة البديهة لتحور في السؤال الذي يوجه للفتاة الجميلة حين تعجب بها والدة شاب تريد تزويجه
- متزوجة ولا محجوزة ولا شو وضعك ؟
- لا أنا مخطوفة !
كما لو أنها فتاة مخطوبة .
وأما الأمير الأردني الحسين بن عبدالله بن الحسين بن طلال بن عبدالله الأول فيرتدي بدلته العسكرية ويضع المسدس على وسطه ويذهب إلى رفح رفقة ٤٠ شاحنة لإنشاء مشفى ميداني أردني قرب مدينة خان يونس التي تنتظر الدبابات الإسرائيلية لكي تفعل بها ما فعلته في شمال القطاع وفي مدينة غزة .
لوحة سريالية وحالة سيزيفية عبثية منذ ١٩٤٨ .
كنا نكتب عن حق اللاجئين الفلسطينيين بالعودة إلى بيوتهم في مدنهم وقراهم التي هجروا منها في العام ١٩٤٨ وصرنا نخشى من التهجير إلى الصحارى العربية ، ولأن اليهود الصهيونيين رؤوفون رحيمون بنا فإنهم يطالبون بتوزيع سكان قطاع غزة بالتساوي على مائة دولة في العالم .
حلها يا حلال !!
مساء الخير يا غزة !
خربشات عادل الاسطة
٢٠ / ١١ / ٢٠٢٣

اليوم الخامس والأربعون للمقتلة وحرب الإبادة ولما ينقض النهار .

***

46- الحرب التي تثقل غزة وخلفها عار الإنسانية:

اقترح إسرائيلي أن تقوم دولته بضخ مياه البحر الأبيض المتوسط في الأنفاق لتنتهي الحرب، واقتراحه شبيه بأمنية رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق (إسحق رابين). أن يصحو صباحا ويعلم أن البحر ابتلعها، وفي أمطار اليومين الماضيين كادت السماء تستجيب وتحقق له أمنيته، ولكنها أبت فصلى الجنود الإسرائيليون هذا الصباح في مباني جامعة الأقصى حمدا لله على نجاتهم من الطوفان ، وعقب قاريء شاهد صورتهم وهم يقرأون كتابهم السماوي متسائلا:
- هم يصلون لله ونحن نصلي له أيضا، فلماذا يتقاتلون؟
وتقصف مدفعية إسرائيلية جامعا فتتهاوى المئذنة ويضحك جندي بصوت عال فرحا بالمشهد ولا تفعل السماء شيئا.
وأما أنا فتذكرت قصيدة محمود درويش "في القدس" والسطر الذي يتساءل فيه:
- أمن حجر شحيح الضوء تندلع الحروب؟
أمس أصغيت إلى شريط فيديو يعود إلى سبعة أشهر مضت، يتحدث فيه ( موشيه يعلون ) وزير الحرب الإسرائيلي الأسبق مبديا دهشته من طروحات الوزيرين (سموتريتش) و(بن غفير) العنصرية ويرى أنها ستؤدي إلى ما لا تحمد عقباه. إنهما ينطلقان من عقيدة توراتية وينشدان الحرب التي يريان فيها حرب القيامة المنتظرة. لا يريد الأول أن تلد زوجته في غرفة تلد معها فيها امرأة عربية، وهذا ذكره بالهولوكست وبالنظرة نفسها والشعارات نفسها التي عانى منها اليهود، وهي نظرة يرفضها لأن له أقارب وأهلا عانوا في ألمانيا .
واليوم وأنا في الحافلة سمعت عن ثلاثة اقتحامات لمخيم بلاطة للاجئين في نابلس، فقلت: أولاد الحرام لا ينامون ولا يتركون الناس تنام. من أين لهم كل هذا الجيش؟ جيش في الجنوب وجيش في الشمال وجيش في الوسط وجيش في...، والطريف هو أن الطائرات ألقت منشورات تطلب فيها من السكان أن لا يساعدوا "الإرهابيين" حتى يجنبوا مخيمهم الدمار.
ومشاهد الحرب تعمم وفي كل يوم تعرف عن آلاف المآسي والأمنيات الكبيرة والصغيرة التي تبعثرت ، وكل يوم يشعر المرء بالعجز وينتظر مستقبلا غامضا قد يقود إلى مجهول مشابه لما صار إليه أهل غزة.
موت بالجملة. عائلات بأكملها تباد وقد ينجو منها طفل كان يلعب قريبا من منزله أصابته شظايا القصف وحين يصلى على خمسين نفرا من عائلته يلقي عليهم نظرة الوداع الأخير ليعيش عمره وحيدا مغتربا في هذا العالم القاسي الذي لا يرحم.
وتسأل طفلة نجت من الموت عن أمها وأخواتها وتبكي ويبكي رجل فقد أهله كلهم ويكاد يجن ، ونحن من بعيد نرى الأشرطة فنحزن كثيرا أو قليلا ونحتقر أنفسنا لعجزنا.
"لا كلام" يجيبني الناقد طلعت قديح حين أسأله عن وضعه وأوضاع الناس، وأشرطة الفيديو تري حجم ذبح القطاع كله ، ونشرات الأخبار منذ أمس وحتى الآن تتحدث عن هدنة واتفاقية تبادل أسرى والناس يسيرون حفاة عراة جوعى.
في يوميات الروائي عاطف ابوسيف التي نشرت اليوم عن الأيام القليلة التي مضت تقرأ عن وجبات الطعام التي تشح وعن الجردل الذي صار مبولة في غرفة النوم في مراكز الإيواء، فأية حركة خارج الغرفة قد تجعلك في مرمى النيران، وبيت أخته حيث يريد أن يبيت بعيد عن مركز الإيواء دقيقة مشي قد يفقد خلالها حياته.
مثقلة غزة بالجراح ومثقلة قلوب أهلها بالأحزان وممتلئة حياتها بالأتراح. إنها الحرب تثقل القلب حقا وفيها وبها خلف أهل غزة عارنا وعار العرب وعار الإنسانية، مع الاعتذار للشاعر المصري المرحوم أمل دنقل.
مساء الحياة يا غزة ولعلك مثل طائر العنقاء، بل لعلك هو!!
خربشات عادل الاسطة
٢١ / ١١ / ٢٠٢٣

اليوم السادس والأربعون للمقتلة وحرب الإبادة .

***

47: أ - هدنة مع المغول

إن تم توقيع اتفاقية تبادل الأسرى بين المقاومة الفلسطينية ودولة الاحتلال فإن وسائل التواصل الاجتماعي ستحفل بإدراج مقطوعات من قصيدة محمود درويش " هدنة مع المغول أمام غابة السنديان " من ديوان " أرى ما أريد " ١٩٩٠ ، وقد كتبها في أوج انتفاضة ١٩٨٧ قبل عقد مؤتمر مدريد الذي نجم عنه اتفاق أوسلو في ١٩٩٤ .
هل ستتكرر الحكاية ويتم عقد مؤتمر دولي يتلوه اتفاق سلام ؟ .
" كل حرب تعلمنا أن نحب الطبيعة أكثر : بعد الحصار
نعتني بالزنابق أكثر ، نقطف قطن الحنان من اللوز في
شهر آذار . نزرع غاردينيا في الرخام ، ونسقي نباتات جيراننا
عندما يذهبون لصيد غزلاننا . فمتى تضع الحرب أوزارها
كي نفك خصور النساء على التل ...
من عقدة الرمز في السنديان ؟"
هل هناك في قطاع غزة منذ ٧ / ١٠ / ٢٠٢٣ من فك خصور النساء حتى في البيوت ؟
انتظروا إدراج مقاطع من القصيدة !!
صباح الخير يا غزة والمجد لك
خربشات عادل الاسطة
٢٢ / ١١ / ٢٠٢٣

اليوم السابع والأربعون للمقتلة وحرب الإبادة :

***

47: ب - موسم الهجرة إلى الشمال أم موسم الهجرة من الشمال ؟

لا أحد من قراء الرواية العربية لم يقرأ رواية الطيب صالح " موسم الهجرة إلى الشمال " ( ١٩٦٦ ) أو لم يقرأ عنها .
كان الصراع في الرواية يتركز على شمال الكرة الأرضية وجنوبها ، وهو ما عرف بالغرب والشرق في الرواية العربية ، وأراد الطيب صالح أن يجعله بين شمال متقدم ومتحضر ومستعم_ر وجنوب متأخر وبسيط ومستعم~ر .
منذ بداية الحرب الفلسطينية - الإسرائيلية صارت مفردتا الشمال والجنوب كثيرتي الاستخدام ، ففي جنوب فلسطين انقسم قطاع غزة إلى شمال وجنوب ، وطالب الإسرائيليون في عدوانهم سكان الشمال بمغادرة بيوتهم إلى الجنوب .
بعد ستة وأربعين يوما من المعارك الضروس وهدم أحياء كاملة في شمال غزة على رؤوس من يقيم فيها توصل الطرفان ؛ الفلسطيني والإسرائيلي إلى هدنة واتفاقية تبادل أسرى من بنودها حرية الحركة للمواطنين الفلسطينيين بين الشمال والجنوب باتجاه واحد اختلف في تحديده ، فأكثر من عمم بنود الاتفاق كتب إن الحركة من الشمال إلى الجنوب - أي من مدينة غزة ومحيطها إلى خان يونس ورفح .
شخصيا أصبت بالدهشة ، فالأصل أن يعود النازحون اللاجئون إلى بيوتهم أو ما تبقى منهم ، وشممت في ذلك رائحة ضعف للمقاومة ، فاستفسرت وعدت إلى موقع الجزيرة وأصغيت إلى مذيعيها فأكدوا وكرروا أن الحركة بالفعل من الشمال إلى الجنوب لمن يرغب .
الكاتبة والمترجمة غانية ملحيس Ghania Malhees كتبت لي متسائلة ومبدية دهشتها ورأت العكس معتمدة على الصحيفة الإسرائيلية ( هآرتس ) وترجمت بنود الاتفاق كاملة ونشرتها .
أخشى ما أخشاه هو أن يفرط الاتفاق إن كان هناك لبس .
في الساعات الأخيرة لما قبل تنفيذ الاتفاق اشتدت المعارك في القطاع ، وهذا ما يحدث غالبا عموما ، ليثبت كل طرف أنه الأقوى ، وعلى مدنيي قطاع غزة أن يدفعوا الثمن الباهظ . مقابر جماعية ودفن جثث بالمئات وجرحى بالآلاف وبتر أعضاء وفقدان أبناء وآباء وأمهات . آباء أصيبوا بالجنون لفقدانهم أبناءهم كلهم ، وأمهات يصرخن ويبكين ويلطمن وينادين أبناءهن واحدا واحدا ولا من مجيب .
صارت غزة مدينة يباب . مدينة ثكلى جعل البعيدون عنها من سكانها أساطير . وكثير من أبنائها يريدون أن يحيوا حياة بسيطة هادئة عادية ، وكثيرون ممن تشتتوا ينشدون الهدنة مع المغول أمام غزارة الأمطار . إنهم كما كتب محمود درويش يحبون التفاصيل
" شكل مفاتيح أبوابنا
أن نمشط حنطتنا بالرموش ، ونمشي خفافا على أرضنا
أن نقدس ساعات قبل الغروب على شجر الزنزلخت
والحروب تعلمنا أن نرى صورة الله في كل شيء ، وأن
نتحمل عبء الأساطير كي نخرج الوحش ..
من قصة السنديان "
مساء الخير يا غزة
خربشات عادل الاسطة
٢٢ / ١١ / ٢٠٢٣

مساء اليوم السابع والأربعين للمقتلة وحرب الإبادة .

***

48: أ- في الحرب ليس على المطرب أن يعرب :

أسماء فتحي من إذاعة أجيال قرأت في بداية البرنامج في الثامنة والنصف قصيدة الشاعر المصري أمل دنقل " لا تصالح " . صارت " أكل الرؤوس سواء ؟ " : " أأكل الرؤوس سواء ؟ " ويبدو أنها متأثرة بالجوع في غزة ، ويمكن الإشارة إلى أربعة أخطاء أخرى .
أهل غزة ينشدون الهدنة ويدهم في النار .
لم يكن المرحوم أبو عمار حين يخطب يعرب ، ولم يكن أحد يلتفت إلى أخطائه في القراءة ، استثني محمود درويش والمهتمين باللغة وأنا " لا تسقطوا الغصن الأخضرو من يدي " .
الصديق الفيسبوكي Iyad Alrjoob لا تروق له الأخطاء .
اتحاد الكتاب العرب في اجتماعه يناقش المصطلح المناسب للتعبير عن المجازر الدائرة حاليا . هذا ما قاله الشاعر مراد السوداني رئيس اتحاد الكتاب الفلسطينيين .
أما محمود درويش فكتب في " مديح الظل العالي " في ١٩٨٢ :
" لغة تفتش عن بنيها
تموت ككل ما فيها
وتلقى في المعاجم " .
في بداية الحرب أكثر النشطاء الفيسبوكيون من اقتباس رأي لمريد البرغوثي في الجامعة العربية : لا تعلموا أولادكم مفردات بذيئة كجامعة الدول العربية " ، وقد كتبت عن هذا من قبل وضمنت كتابتي بيتي شعر للشاعر عبد الكريم الكرمي آبو سلمى .
غالبا ما كنت أكرر عبارة " الناس في إيش وعادل الأسطة في إيش " وفي برقية Sama Hasan اليومية من خان يونس ما يخبر أن غارات الطائرات الإسرائيلية الليلة كانت الأعنف منذ بداية الحرب .
صباح الخير يا غزة ومعذرة لهذا الترف اللغوي
خربشات عادل الاسطة
٢٣ / ١١ / ٢٠٢٣

اليوم الثامن والأربعون للمقتلة وحرب الإبادة .

***

48: ب - إسرائيل تضرب كفا بيد وتعدل الطاقية بالثانية :

في ٢٥ / ٩ / ٢٠٢١ كتبت فقرة تحت عنوان " كتابة الأدباء الفلسطينيين عن الرموز الأردنية " وفي " ٦ / ١١ / ٢٠٢٣ " كتبت فقرة أخرى تحت عنوان " تبييض الوجه أمام الشعب " .
تساءلت في الأولى عن كتابة الأدباء الفلسطينيين عن الرموز الأردنية في نصوصهم وإن كان أحد الدارسين تتبعها ، وأتيت في الثانية على ما ورد في رواية الكاتب الفلسطيني إبراهيم نصرالله " زمن الخيول البيضاء " عن فوزي القاوقجي .
منذ أيام وأنا استحضر مثلنا الشعبي " بضرب إيد كف وبعدل بالثانية الطاقية " ورأيت أنه ينطبق أحيانا في هذه المقتلة وحرب الإبادة على الجانب الإسرائيلي .
تهاجم الدولة العبرية القطاع وتدمر بيوته ثم تدخل إليه بدباباتها لتواصل الإجهاز على ما بقي منه لتسويته بالأرض بحثا عن المقاومين الذين يمكثون في باطنها في الأنفاق التي لم تصل إليها القوات الغازية .
في هجومها لم تراع إلا ولا ذمة ولم ترحم طفلا أو شيخا أو امرأة ، فالكل مستهدف حتى يرفع المقاومون الإعلام البيض لتبييض وجه بيبي وغالانت وغانتس .
حاصرت المشافي وفتشتها ودمرت سيارات الإسعاف ، واتخذت من المشافي مربطا لخيولها الحديدية - لندن مربط خيولنا - واعتقلت الأطباء وأرغمت اللاجئين والجرحى والكادر الطبي على التوجه نحو الجنوب مشيا على الأقدام . بحثت عن السننوار وضييف فلم تعثر عليهما ولم تعثر على مقاومي النخبة ولا حتى على شرطة مدنيين يحرسون أحيانا بعض المشافي .
الطريف أن الدولة نفسها لم تعارض تزويد الطائرات الأردنية للمشفى الأردني في جنوب غزة ببعض احتياجاته ، بل وسمحت لأربعين شاحنة أردني تنقل معدات مقهى ميداني باجتياز معبر رفح ليتم إنشاء مشفى أردني . كأنما تريد أن تعدل الطاقية بعد أن ضربت مشافي شمال القطاع بيدها الحديدية .
والدولة التي قطعت عن القطاع الغذاء والدواء والماء والكهرباء والاتصالات هي نفسها التي صورت أشرطة فيديو لجنودها يمدون بعض المواطنين بعبوات الماء ليشربوا .
هل حقا كان القاوقجي يستحدي زعماء العصابات الصهيونية بانتصار شكلي ؟
التاريخ ابن كلب . إنه ماكر ، وهو يكرر نفسه كما يقول الماركسيون تارة على شكل ملهاة وطورا على شكل مأساة ، فماذا إذا اختلطت الملهاة بالمأساة ، كما يحدث الآن وكما نشاهد مناظر الدمار والخراب والفتى الكوميدي الغزي عبود الذي كتبت عنه سابقا جنبا إلى جنب ؟
هل يكرر الغزيون الآن :
" اشتدي أزمة تنفرجي
قد أذن ليلك بالبلج "
و
" ولرب نازلة يضيق لها الفتى
ذرعا وعند الله منها المخرج
ضاقت فلما استحكمت حلقاتها
فرجت وكنت أظنها لا تفرج " .
مساء الخير
خربشات عادل الاسطة
٢٣ / ١١ / ٢٠٢٣

اليوم الثامن والأربعون للمقتلة وحرب الإبادة .

***

48: ج - سرقوا " الدحية " والآن يسرقون " الطبل " : صاروا فلسطينيين

في ٢٥ / ٩ / ٢٠٢١ كتبت تحت عنوان " غنينا فقلدونا وغنوا فقلدناهم " وقصدت أن الإسرائيليين صاروا في أعراسهم وحفلاتهم يغنون " الدحية " وأننا في أعراسنا صرنا نغني بالعبرية " لاما لو " .
في الحرب الدائرة شاهدت أشرطة فيديو لإسرائيليين ، إن أنجز جيشهم هدفا ، يوزعون الحلوى ، وهذه عادة فلسطينية بامتياز تحدث إن حقق الفلسطينيون أمرا جللا وأوجعوا عدوهم .
عندما اجتاح الجيش الإسرائيلي قطاع غزة وحقق إنجازا على أرض الواقع احتفل الإسرائيليون . غنوا ورقصوا ودبكوا مستعيرين منا فولكلورنا ، فلم يغب الطبل والضرب عليه . لقد صار الإسرائيليون في أغانيهم وطعامهم ولباسهم فلسطينيين ، وبدلا من يؤسرلونا فلسطناهم ، فلماذا لا ينصهرون بنا ويصبحون جزءا منا ، كما حدث مع الصليبيين الذين غزوا فلسطين وبلاد الشام قبل قرون وظلوا في البلاد ولم ينصرفوا من أرضنا ؟
نصف اليهود المقيمين في فلسطين جاؤوا من اليمن والعراق ومصر والمغرب ودول عربية أخرى ، وكان هؤلاء يتحدثون العربية ويصغون إلى أم كلثوم ومحمد عبد الوهاب وناظم الغزالي وفريد الأطرش واسمهان وليلى مراد .
المشاركون في الحفل الراقصون على أنغام أغان عربية والقارعون الطبل يقولون في أغنيتهم إنهم جعلوا مقاومي غزة كباب ، وسخروا من الشهداء الذين يحلمون بالحوريات اللاتي وعدهم بها القرآن . غنوا قائلين لقد أرسلناكم إلى الحوريات اللاتي وعدكم بها نبيكم وجعلناكم كبابا .
لطالما كررنا المثل " القوي عايب " ولكن ماذا لو انسحبوا من غزة مدحورين ؟ هل سيواصلون الغناء ؟ وماذا عن قتلاهم من الجنود ؟ هل صاروا كبابا أيضا ؟
إنها الحرب قد تثقل القلب !!
غدا تبدأ الهدنة ويستريح المقاتلون ويتنفس أهل غزة الصعداء قليلا .
مساء الخير يا غزة
خربشات عادل الاسطة
٢٣ / ١١ / ٢٠٢٣

مساء اليوم الثامن والأربعين للمقتلة وحرب الإبادة .

***

49- هدنة مع المغول أمام ما تبقى لنا من غزة :

انقضت الساعات الست الأخيرة من اليوم التاسع والأربعين للمقتلة وحرب الإبادة باستمرار القتال ، وحسب اتفاقية الهدنة التي كثر الحديث عنها فإن من المقرر أن تهدأ الجبهات المشتعلة لالتقاط الأنفاس وتفقد الأحوال وتبادل الأسرى وإدخال المساعدات ، وسيبحث الغزيون في الأنقاض عن المفقودين لانتشالهم أحياء أو أموات وليزداد عدد الموتى والجرحى في القطاع المنكوب منذ حل شعب الله المختار بأرض فلسطين .
هل سيتفشى الطاعون فيرحل الجنود ؟
في الأيام الأخيرة اقترح الضابط الإسرائيلي المتقاعد ( جيورا آيلاند ) اقتراحا وحشيا ، كتب أول أمس عنه الصحفي الإسرائيلي ( جدعون ليفي ) مقالا . فحوى الاقتراح هو موت غزة بتشديد الحصار حتى تتفشى فيها الأمراض ، فتكون هذه القاضية وتحل مشكلة غلاف غزة إلى الأبد .
حل أشبه بالحلول النازية حقا ، ولكن التاريخ قال لنا العكس ، فعندما غزا نابليون يافا وعكا ووقف على أسوار الأخيرة فتك الطاعون به وبجنوده وبأهل المدينة معا ، فانكفأ وجنوده مهزومين مدحورين ، ولم يغب هذا عن ذهن الفلسطينيين ، فقد كتب عنه كل من علاء حليحل في روايته " أورفوار عكا " ٢٠١٤ ويحيى يخلف في روايته " راكب الريح " ٢٠١٦ .
هل دخل وقف إطلاق النار حيز التنفيذ ؟ وهل سكتت المدافع ؟
كنت كتبت من قبل عن تفريق غسان كنفاني بين زمني الحرب والاشتباك . إن توقفت الحرب فها هي الهدنة ليلتقط المتحاربون أنفاسهم ، أما المواطنون في غزة فمنذ ١٩٦٧ ، بل ومنذ ١٩٤٨ ، وهم يعيشون زمن الاشتباك .
الآن سيواصل الغزيون اشتباكهم اليومي مع الحياة وبقايا المعارك . وأول تعليق قرأته من غزة ل Sama Hasan :
" هدنة بعدها حرب
كل وعبي بطنك مشان بعد هيك أضربك "
صباح الخير يا غزة
خربشات عادل الاسطة
٢٤ / ١١ / ٢٠٢٣

اليوم التاسع والأربعون للمقتلة وحرب الإبادة

***

50- [1] "والذي هدم قرانا لا يعيدنا إليها "

قبل يومين كتبت تحت عنوان " موسم الهجرة إلى الشمال أم موسم الهجرة من الشمال " حيث كان هناك اختلاف حول بنود الهدنة بين حركة المقاومة في غزة ودولة الاحتلال الإسرائيلي . هذا الاختلاف جعلني أتساءل ولا أجزم ، وقد كدت اعتمد على ترجمة غانية ملحيس لبنود الاتفاق كما وردت في صحيفة ( هآرتس ) الإسرائيلية ( Ghania Malhees ) ، ولعدم يقيني قلت : انتظر ، فإن غدا لناظره قريب .
في صباح اليوم قرأت عن استعداد لاجئي الشمال للعودة إلى بيوتهم ليتفقدوها فحمدت الله وقلت إن الترجمة هي الصحيحة ، ولكن ما إن بدأ سريان الهدنة وأخذ بعض اللاجئين يتجهون شمالا حتى أطلق جنود الاحتلال الإسرائيلي الرصاص عليهم فقتلوا اثنين وأصابوا عشرة وسمحوا لأهل الشمال بالهجرة إلى الجنوب الذي على ما يبدو لن ينجو ، فهناك إسرائيليون يطالبون بتوزيع سكان قطاع غزة على مائة دولة ويأملون بأن تحول طائراتهم خان يونس إلى ملعب كرة قدم .
شخصيا تذكرت ما كتبه إميل حبيبي في " المتشائل " عن نكبة العام ١٩٤٨ ونصه :
" وانسلت شكرية التي ماتت ابنتها من الباب الشرقي وهي تحمل طفلتها على يديها ، وقبل أن تغيب في السوق العتم سألتها :
- إلى أين ؟
قالت :
في الصباح ادفنها في عكا وأتوكل .
وانسل آخرون من الباب الجنوبي ليضيعوا في أزقة عكا القديمة . فسألت :
- لماذا ؟
فقالوا :
- ما عندنا ادون سفسارشك ، والذي هدم قرانا لا يعيدنا إليها .
وأما الباقون فحملوا خرقهم وأولادهم وخرجوا من الباب الشمالي الكبير حيث حملوا في سيارات ضخمة حملتهم ، كما أخبرني معلمي فيما بعد ، إلى الحدود ، حيث ألقتهم شمالا ، وتوكلت . "
الذي هدم بيوتنا قرانا لا يعيدنا إليها .
هل كانت الهدنة " فاصل ونواصل " كما كتب بعض ناشطي الفيسبوك ؟ وهل هي استراحة المحارب ؟ هل هي فترة الاستراحة بين شوطين كانت النتيجة فيهما ٣ إلى ١ ؟
في الصباح تحدث زياد النخالة الأمين العام لحركة الجهاد وقال إن المعركة لم تنته ، وإن التبادل القادم سيكون تبييض السجون كلها ، بل وذهب إلى ما هو أبعد من ذلك فقال إن الدولة العبرية ستتحمل تكاليف إعادة الإعمار .
بعد الحرب العالمية الثانية ظلت ألمانيا تدفع لليهود تعويضات ما ارتكبه النازيون بحق اليهود . هل سنصبح نحن يهود القرن الحادي والعشرين ؟
اليوم بدأنا نشاهد مناظر الدمار والخراب في القطاع المنكوب الذي حولته الطائرات الإسرائيلية إلى مكان غير صالح للعيش فيه ، وعن بكاء أهله حظهم وندبهم وفقدانهم وتشردهم فحدث ولا حرج .
لا غالب إلا الله وهو المستعان به ، فماذا يخبيء أبو إبراهيم ؟
مساء الخير
خربشات عادل الاسطة
٢٤ / ١١ / ٢٠٢٣

اليوم الأول للهدنة في حرب العام ٢٠٢٣ .

***

[2] - يوميات الحرب الفلسطينية - الإسرائيلية من غزة: عاطف أبو سيف وأبو الخيزران

منذ بداية هذه المقتلة وحرب الإبادة أخذت أتابع ما يكتبه أدباء غزة الذين يقيمون فيها علني أعثر على كتابة من قلب الحدث، فقرأت لأكثر من أعرف برقيات قصيرة لا تتجاوز بضعة أسطر يومية. وصرت يوميا أكتب يومياتها من الخارج ، وأنا أعيش في ظروف مختلفة تماما عن الظروف التي يمرون بها ، فلا أعاني مما منه يعانون، وهو فظيع وكثير ومتعدد؛ حالة الرعب والدمار الرهيب الذي ألم بالبشر والحجر والأسفلت وانقطاع الماء والكهرباء والهجرة الداخلية والإقامة في مراكز الإيواء جماعات جماعات وقلة الطعام ونقص المواد الغذائية والمساعدة في إنقاذ من يمكن إنقاذه في أثناء تسوية مساكن من الحي ولمعارفهم بالأرض، وفأجاني الروائي عاطف ابوسيف بكتابة سلسلة حلقات بلغت اليوم ١٣ حلقة دون فيها يومياته فأدهشني بقدرته على سرد تفاصيل التفاصيل حقا، ويبدو أن الروائي الحقيقي فيه هو ما مكنه من ذلك، وقد ساعده أنه في زيارته لأهله في مخيم جباليا، هو المقيم في رام الله بحكم كونه وزير ثقافة، كان يصطحب معه حاسوبه (اللابتوب).
ظلت الدهشة تلازمني وأنا أقرأ ما يكتب لأسباب عديدة منها:
- أنه على الرغم من الدمار الشامل وخوف الناس ورعبهم وموتهم وجراحاتهم لم يتساءل عن جدوى الكتابة ولم ينل منه اليأس.
- أن لديه من الجلد والصبر الوقت ليسرد تفاصيل تحتاج إلى ذاكرة هادئة مستقرة غير قلقة في وقت يغلب القلق فيه على كل من يقيم في غزة.
- أنه ابن المكان الملم بتفاصيله، وهذا ما بدا من قبل في رواياته العديدة "حياة معلقة" و"الحاجة كريستينا" و"مشاة لا يعبرون الطريق" و"الجنة المقفلة"، وهي الروايات التي قرأتها له ، ولو لم يكن على دراية تامة بالمكان لما تمكن من وصفه هذا الوصف الدقيق.
- أنه كاتب غير منفصل عن حياة ألناس يعيش في برج عاجي؛ كاتب متعال متقوقع لا يخالط الآخرين ويتحدث معهم. لقد كتب عن جيرانه كما كتب عن أهله، وكتب عن الخباز وبائع الخضار واللحم والقهوة وذكرهم بأسمائهم.
رصد عاطف في يومياته الحياة رصدا دقيقا وكتب عن حياته هو وابنه ياسر وعن أخواته وإخوانه وأبيه وربط الحاضر بالماضي، وذكره الشبيه بالشبيه أيضا. اليوم مثلا في الحلقة الأخيرة (١٣) المنجزة حتى الآن لم يغب أبو الخيزران في رواية غسان كنفاني "رجال في الشمس" عن ذهنه، ففي الحرب تجد شبيها لأبي الخيزران حتى لو لم يقد خزانا وقاد عوضا عنه عربة يجرها حمار، واليوم كتب عن تركه ، وأكثر أهله، جباليا، باتجاه خان يونس بحثا عن أمان، وكتب إن الضرورات هي من حتم عليهم ذلك.
كان يمكن الآن أن أتذكر ثانية الشاعر أحمد دحبور ومقطعه الذي كتبت عنه في بداية هذه المقتلة وحرب الإبادة وتمنيه لو أن أباه فضل موته على مغادرة حيفا في العام ١٩٤٨، وكان يمكن أن ألوم عاطف وأهله وأطلب منهم العودة إلى حيث غادروا ، وكان وكان وكان.
قبل أن تبدأ الحرب تكاتبت والكاتب عبد المجيد حمدان واتفقنا أن نبقى في أماكننا مهما حدث حتى لو ذبحنا على عتبات بيوتنا ، مؤثرين الموت في الوطن على أن نغدو لاجئين يموتون في المنفى.
منذ بداية الحرب وأنا حذر من تقديم نصائح للآخرين، وكم أرتاح وأنا أصغي إلى غزيين فضلوا الإقامة في أنقاض بيوتهم المهدمة وآثروا الموت على الرحيل، وإلى آخرين منهم استغلوا ساعات الهدنة الأولى ليعودوا إلى الشمال، فمنعتهم القوات الإسرائيلية الغازية بإطلاق الرصاص عليهم ، فقتلت من قتلت وجرحت من جرحت و... و... .
كنا نلوم أهلنا الذين خرجوا من مدنهم وقراهم في عام النكبة الأولى، وكنا بعدها نتحدث عن العودة إليها ، وها نحن صرنا نحكي عن التهجير. هل هي هجرة أخرى؟
في الوساع، وأيدينا في الماء ، علما بأنها ليست كذلك، فالنار تقترب منها وتلسعها وتحرق بعضها وتمعن في قتل المئات الشامخة ومنها الدكتور شامخ في هذا اليوم، في الوساع نحكي الكثير.
مساء الخير يا فلسطين
خربشات عادل الاسطة
٢٥ / ١١ / ٢٠٢٣

اليوم الثاني لهدنة المقتلة وحرب الإبادة .

***

[3]- في اليوم الثالث للهدنة :

في اليوم الثالث للهدنة لا رغبة في الكتابة . ثمة ما ينغص حقا كأن ترى مشاهد لمدينة الزهراء من الجو . لم يبق في المدينة شيء سوى مناظر الدمار والخراب . من هم حقا الذين خربوا أرض فلسطين وأفقروها وحولوها إلى يباب ؟ نحن أم هم ؟
لم أزر مدينة الزهراء التي شيدت في زمن ياسر عرفات وقيل إنها كانت مدينة مثالية من حيث الترتيب والتنظيم . مدينة عصرية . جاءت طائراتهم وفرغت حقدهم على ( أدولف هتلر ) بحجة أن الحاج آمين الحسيني مفتي فلسطين أنشأ معه علاقات سياسية .
في اليوم الثالث للهدنة أقرأ مقطعا من قصيدة محمود درويش " هدنة مع المغول أمام غابة السنديان " . هل سنغفر لهم إن انصرفوا من ذكريات الذاكرة وأخذوا أسماءهم معهم ؟
" المغول يريدوننا أن نكون كما يبتغون لنا أن نكون
حفنة من هبوب الغبار على الصين أو فارس ، ويريدوننا
أن نحب أغانيهم كلها كي يحل السلام الذي يطلبون
سوف نحفظ أمثالهم ، سوف نغفر أفعالهم عندما يذهبون
مع هذا المساء إلى ريح أجدادهم
خلف أغنية السنديان "
خربشات عادل الاسطة
٢٦ / ١١ / ٢٠٢٣

***

[4] أ- في اليوم الرابع للهدنة من المقتلة وحرب الإبادة :

هل ستتمدد الهدنة وينعم أهل غزة بيوم آخر هاديء يتفقدون فيه أحبابهم ومعارفهم وبيوتهم ؟
عندما شاهدت صور الإفراج عن الأطفال دون الثامنة عشرة من العمر كررت عبارتي ، وأظنها تعود إلى إميل حبيبي :
- هذه الدولة ليست ابنة معيشة !!
أما كان الأجدر بسجن هؤلاء في مراكز تأهيل أحداث لمده لا تتجاوز ثلاثة أشهر ثم الإفراج عنهم ؟
وأنا أعد فطوري هذا الصباح فكرت بمليوني فلسطيني في غزة يعيشون ويلات الحرب ولم أنس أبناء الخيام والمقيمين في مراكز الإيواء ، ولم أنس الجرحى والمرضى والمعتقلين .
منذ خمسين يوما ويوم تواصل إذاعة أجيال التي أصغي إليها في الصباح ، تواصل بث قراءة القرآن بصوت عبد الباسط عبد الصمد ، فتحرمنا من سماع صوت فيروز الذي اعتدنا أن نصغي إليه نصف ساعة يوميا بعد الإصغاء إلى صوت عبد الباسط .
كيف ستبدو الصورة في قادم الأيام ؟
أمطار السماء منذ الليلة تهطل ولم تستجب السماوات لدعاء بعض الفلسطينيين بأن يكون هذا الفصل هذا العام فصل جفاف ، ولم أنس حديث لاجئي ١٩٤٨ عن عام الثلجة بعد النكبة وعن الرياح الشديدة التي كانت تقتلع الخيام في الليالي الماطرة شديدة الرياح .
ليكن الله في عون أهل غزة الفقيرة الغنية الأبية الصعبة المراس القادرة على الاحتمال ؛ احتمال الحصار والفقر والاكتظاظ السكاني والأمراض والأوجاع وشتات العائلة وكثرة الحروب وتواصلها واللجوء منذ العام ١٩٤٨ والحنين إلى جنوب فلسطين / شمالها - أي غزة ويافا و ... و ... .
الاعتقالات في الضفة الغربية تتواصل وما زال الجيش الإسرائيلي يقتحم المخيمات والمدن ويفتك بأبنائها .
صباح الخير يا غزة !!
خربشات عادل الاسطة
٢٧ / ١١ / ٢٠٢٣

***

[4] ب - اليوم الرابع للهدنة : المغول القدامى والمغول الجدد

هل ستمدد الهدنة أم أن الحرب سوف تستأنف غدا صباحا في السابعة ؟
لنستمتع بالهدنة قليلا ونبتعد عن تعداد الموتى والجرحى والمباني المدمرة والدبابات والآليات التي تصطاد والضباط الإسرائيليين الذين انسحبوا بسريتهم فأقيلوا من مناصبهم ، ولنستمتع بقراءة الشعر .
عمن يتحدث محمود درويش في قصيدته " هدنة مع المغول أمام غابة السنديان " . هل يحكي حكاية المغول القدامى أم حكاية المغول الجدد أم حكايتيهما معا فلا فرق بين مغول ومغول ؟
الخرافة ليست خرافتهم . ليست خرافة المغول القدامى . إنها خرافة المغول الجدد .
باسم من يتكلم محمود درويش في قوله " أن في وسعنا أن نقاوم غازان - أرغون ألف سنة ؟
هل دخل المغول القدامى دين قتلاهم وصاروا مسلمين ليتعلموا منهم كلام قريش - لغتها ولغة كتابها السماوي ؟ وهل سينصهر المغول الجدد عاجلا أم آجلا في سكان المنطقة ويصبحون جزءا من نسيجها السكاني ؟
من هو غازان ؟ هل هو غازان أرغون أحد أحفاد جنكيز خان وهولاكو الذي حارب المماليك ثم أسلم ( ولد ١٢٧١ وتوفي ١٣٠٤ ) ؟ وهل نربط بين أرغون وعصابة الأرغون الصهيونية ؟
" لم يجيئوا لينتصروا ، فالخرافة ليست خرافتهم . إنهم يهبطون
من رحيل الخيول إلى غرب آسيا المريض ، ولا يعرفون
أن في وسعنا أن نقاوم غازان - أرغون ألف سنة
بيد أن الخرافة ليست خرافته . سوف يدخل عما قليل
دين قتلاه كي يتعلم منهم كلام قريش ..
ومعجزة السنديان "
ما فعله الإسرائيليون في غزة ينبغي أن يجرموا عليه ؟
مساء الخير
خربشات عادل الاسطة
٢٧ / ١١ / ٢٠٢٣

***

[5] - اليوم الخامس للهدنة : انتهاكات وجنود غزاة جرحى ولا هدنة في الضفة الغربية

بعد أن سمع بعض أهل غزة بحسن معاملة حركة المقاومة الفلسطينية للأسرى الإسرائيليين الذين أطلقت سراحهم في الأيام الأربعة الماضية عاتبوها طالبين منها أن تعاملهم بالمثل . يعني أن تعامل سكان القطاع كما عاملت الأسرى.
لم ينف الأسرى المطلق سراحهم حسن معاملة المقاومة لهم ، بل إن أحد الجنود الإسرائيليين عندما رأى أمه الأسيرة عقب أن صحتها في الأسر تحسنت .
إحدى الأسيرات في رسالة كتبتها بالعبرية ونشر الإعلام العسكري لحركة حماس ترجمتها شكرت آسريها وتمنت أن يسود السلام ويصبح الطرفان أصدقاء .
في عملية تبادل الأسرى يأخذ الإسرائيليون بقول أمل دنقل الشاعر المصري " أكل الرؤوس سواء ؟ " ، ولا عجب فهم ينظرون إلينا على أننا حيوانات بشرية ، وفي العبارة الأخيرة قول .
وأنت تشاهد كيف يتعامل الجنود الإسرائيليون مع أطفالنا الذين يعتقلونهم بفظاظة تقول إن حماس التزمت بوصية " أبو بكر " الصديق كما التزم الإسرائيليون بما ورد في توراتهم ، و " كل على دينه الله يعينه " . عبارات حمالة أوجه.
هل سيكون الأسير أحمد مناصرة بين المفرج عنهم قريبا ؟
في " هدنة مع المغول أمام غابة السنديان " كتب محمود درويش :
" كم أردنا السلام لسيدنا في الأعالي ، لسيدنا في الكتب
كم أردنا السلام لغازلة الصوف ، للطفل قرب المغارة
لهواة الحياة .. لأولاد أعدائنا في مخابئهم .. للمغول
عندما يذهبون إلى ليل زوجاتهم ، عندما يرحلون
عن براعم أزهارنا الآن .. عنا
وعن ورق السنديان "
من هو سيدنا في الأعالي وسيدنا في الكتب ؟ أهو الذي نشد لنا السلام " على الأرض السلام وفي الناس المسرة " ؟ وهل ما زالت ( بنيلوب ) تغزل الصوف حتى يعود زوجها ؟ وأما الطفل الذي قرب المغارة فحسب النص القرآني " وما قتلوه وما صلبوه " وهو الآن في الأعالي .
" الضحايا تمر من الجانبين " . قال الشاعر في قصيدته و " الصدى واحد في البراري " . هل قرأ يحيى السنوار قصيدة محمود درويش فأحسن وفادة الأسرى ؟
يا أبو يائير حلها وكن ( غورباتشوف ) القرن الحادي والعشرين . أعد لاجئي مخيمات غزة إلى مدنهم وقراهم في جنوب فلسطين ، وأعد لاجئي لبنان وسورية إلى الجليل ، وأعد لاجئي مخيمات الضفة الغربية إلى المثلث ويافا واللد ، ورد على ( إيلان بابيه ) وسيبك من ( سموتريتش ) و ( بن غفير ) واختصر الطريق عليك وعلينا وعلى السكلانص أيضا .
مساء الخير
خربشات عادل الاسطة
٢٨ / ١١ / ٢٠٢٣

***
[6]- اليوم السادس للهدنة : لم تنته الحرب، لم تتوقف الحرب

هدأت الحرب في غزة وتواصلت في جنين وعدت أكرر المثل "أولاد الحرام لا ينامون ولا يتركون الناس تنام" ومن الكلمات العبرية التي حفظتها بعد احتلال ١٩٦٧ مباشرة كلمة "ممزير" وكلمة "ابن زناه"، وقد سمعت الثانية في الأيام الأخيرة وأنا أشاهد شريط فيديو لجنود إسرائيليين يعتقلون مواطنا فلسطينيا من إحدى مدن الضفة الغربية. هذه الدولة لقيطة تماما التقطت مواطنيها من أقطار كثيرة، علما بأن محمود درويش في قصيدته "مديح الظل العالي" كتب في العواصم العربية:
" لولا هذه المدن اللقيطة لم تكن بيروت ثكلى"
وقد كررت سطره وأنا أرى ما يلم بغزة. لم تفلح مناشدة المحاصرين المنكوبين في تحريك مشاعر النظام العربي، أو أنه نظام عاجز، كما وصفه محلل إسرائيلي يتكلم بعنجهية وغرور كبيرين واصفا ٥٧ دولة عربية وإسلامية لم تستطع إدخال زجاجة ماء لأهل غزة بأنها عاجزة، فالدولة الوحيدة التي تستطيع ذلك هي إسرائيل وإسرائيل فقط وإن سمحت لدولة عربية فبموافقتها.
اليوم زرت صديقا لي لم أزره منذ بداية الحرب، فلما سألني عن سبب الغياب أجبت بأنني لا أريد الخوض في أمر الحرب، علما بأنني أكتب يومياتها.
واليوم قررت أن يكون مقالي الأحد القادم لدفاتر الأيام الفلسطينية تحت عنوان "تداعيات حرب ٢٠٢٣: محمود درويش "هدنة مع المغول"، علما بأن الهدنة لم تنطبق على الضفة الغربية.
يقول محمود درويش في المقطع السادس من القصيدة:
" ليت أعداءنا يأخذون مقاعدنا في الأساطير ، كي يعلموا
كم نحب الرصيف الذي يكرهون، ويا ليتهم يأخذون
ما لنا من نحاس وبرق، لنأخذ منهم حرير الضجر
ليت أعداءنا يقرأون رسائلنا مرتين، ثلاثا.. ليعتذروا
للفراشة عن لعبة النار, في غابة السنديان".
منذ العام ١٩٤٨ والفلسطينيون مثل الفراشة يلعبون لعبة النار، ونارهم هي فلسطين وكلما اتجهوا نحوها احترقوا.
مرة توقفت مطولا أمام دال الفراشة الرمزي في أشعار الشاعر.
مساء الخير
خربشات عادل الاسطة
٢٩ / ١١ / ٢٠٢٣

***

55: [7]- اليوم السابع للهدنة: كوابيس غزة في ليالي الضفة

لم أقرأ فيما كتبه كتاب غزة عن كوابيس سكانها في مناماتهم، ويبدو أن ما يعيشونه ويرونه منها في صحوهم يفوق ما يمكن أن يعيشوه منها في النوم.
منذ بداية الحرب لم أصح على كابوس وربما يعود السبب إلى نومي المتقطع الذي لا يستمر طويلا، أو ربما لأنني منذ زمن نادرا ما أنام وأنا مثقل في تناول طعام العشاء، أو ربما لأنني منذ زمن طويل انقطعت عن متابعة أفلام حرب أو جريمة أو...
الليلة صحوت من منامي مرتين على كابوسين؛ الأول يتمثل في سيري مع صديقين، ممن كانوا من قبل رفاقا في الجبهة الشعبية وتركوها لاحقا، اصطحباني ليحققا معي بحجة أنني بلية، والثاني وجدتني في جنوب قطاع غزة أعيش فيه في مركز إيواء لاجئين قادمين من شمال القطاع أصرخ فيهم:
- لماذا تركتم الشمال إلى الجنوب ؟
ووجدتني أكرر عبارة "لقد صرنا لاجئين" الواردة في قصة غسان كنفاني "أرض البرتقال الحزين" التي كتبها في الكويت في العام ١٩٥٨ ونشرها في المجموعة في العام ١٩٦٢ "ونصها الحرفي" وعندما وصلنا صيدا، في العصر، صرنا لاجئين".
في الصباح تابعت الأخبار وسمعت عن مهاجمة أخوين من صور باهر مستوطنين واعتداء مواطن يهودي على مواطنة فلسطينية من اللد ، أوصلت أبناءها إلى المدرسة ، وطعنها بالسكين طعنات عديدة ، ولم يتركها حتى فارقت الحياة .
الأخوان المرتقيان من صور باهر لا يختلفان عن صورة شاهدتها تتشكل من أربعة أجزاء يضم كل جزء صورة أخوين لحق ثانيهما بأولهما صاعدين إلى السماء "الشهيد أخو الشهيد ابن الشهيد حفيد الشهيد" وهلم جرا.
محمد شقيق نعيم الزبيدي ووسام شقيق وئام حنون وأيهم وأيسر العامر ورعد وعبد خازم
ما زال أبو يائير يهدد ويتوعد ويبدو أن الرب لن يستريح بعد هدنة اليوم السابع فأمامه خلق لم يتم إنهاءه ، ويبدو أنه لم يرتو من الدم الفلسطيني. لم ينس أبو يائير تقديم العزاء للزعيم البرزاني بمقتل ابن أخيه وهو يقاتل مع الجيش الإسرائيلي في المقتلة الحالية ف "هل خر مهرك يا صلاح الدين؟ هل صار سيفك صار مارق؟" و"هل لم يبق للكردي إلا الريح؟"، مع تقديري واحترامي لأكراد كثر.
هل ستتمدد الهدنة أم أن الحرب ستتواصل غدا في السابعة؟، علما بأن الجيش الإسرائيلي لم يتردد في إطلاق النار على سكان شمال غزة العائدين إلى بيوتهم من جنوبها.
مساء الخير
خربشات عادل الاسطة
٣٠ / ١١ / ٢٠٢٣

مساء اليوم الخامس والخمسين لبداية المقتلة وحرب الإبادة.

***

56- راوية المخيم:

انتهت الهدنة ورجعت الحرب. رجعت أقسى مما كانت والذين نزحوا من الشمال إلى الجنوب ، ومنهم سما حسن (Sama Hasan)، يتساءلون ، بعد أن وزع الجيش الإسرائيلي منشورات تطالب المقيمين في خان يونس بتركها "فقد أعذر من أنذر" كما جاء في المنشور، يتساءلون:
- إلى أين نذهب؟
رجعت الشتوية وعدنا إلى الإحصائيات؛ نحصي عدد الشهداء وعدد الجرحى وعدد البيوت التي تقصف فتدمر وننتظر كلمة "أبو عبييدة" في ساعات المساء. عدنا والعود ، على ما يبدو، ليس أحمد.
يقول مثلنا الشعبي:
"أجت المسكينة تفرح ما لاقت إلها مطرح"
وقد تكرر ورود المثل في رواية يحيى السننوار "الشوك والقرنفل".
في الليل صحوت وأنا أردد قول الشاعر أحمد دحبور:
" اسمع - أبيت اللعن - راوية المخيم"
ولأنني خفت أن أنسى القصيدة فلا أتذكرها في الصباح ، لأكتب خربشاتي وأضمنها بعض مقاطع منها ، فقد وضعت في جيب قميصي فردة جربان حتى أعود إلى ديوان الشاعر.
الآن والآن والآن سنصغي إلى صوت راوية المخيم، فلقد بدأت الطائرات الإسرائيلية تغير على شمال غزة ومناطق أخرى في القطاع.
في الحرب قد تكون هناك هدنة وما أكثر الهدن منذ ٧٥ عاما. تطول أحيانا لتبدأ من جديد. كان الله في عون أهل غزة. كان الله في عونهم وفي عوننا في قادم الأيام والأشهر.
كان أحمد دحبور في فترة انطلاق الثورة الفلسطينية كتب قصيدته وافتتحها بقوله:
" إسمع، أبيت اللعن، راوية المخيم
افتح له عينيك، وافهم:
هذي الخرائب والمجاعة والخفوت
هذي "الإعاشة" والصدى الخاوي وأشباح البيوت
فيها كبرت
بها كبرت
وفوضتني عن جهنم"
وأنهاها بقوله:
"وأذكر ، إذا استحلفت، أني لم أبع أهلي، وإن ضنوا عليا
( عربية هذي الهموم وأنت تعلم
عربية، فانظر إليا..)
واذكر، أبيت اللعن، ليس تأسيا ما قاله راوية المخيم
لكنها الدنيا تدور.. وإنه الموت المحتم" (١٩٦٩).
إنه الموت المحتم ولنتذكر عبارة ( برتولد بربخت):
"هم يريدون الحرب"
وها هو راوية المخيم من جديد يسمع الآخرين صوته. ولا حول ولا قوة إلا بالله.
المجد لغزة والزوال للمحتلين
خربشات عادل الاسطة
١ / ١٢ / ٢٠٢٣

اليوم السادس والخمسون للمقتلة وحرب الإبادة

***

57: أ - ليل قطاع غزة الطويل... ليل إسرائيل الأبدي

وأنا أتابع ما ينشره بعض كتاب غزة وناشطيها يلفت انتباهي شكواهم من الليل الطويل وتمنيهم أن ينجلي سريعا ، فأتذكر الشعراء؛ امرأ القيس وعمر بن أبي ربيعة والمتنبي والحصري القيرواني ومحمود درويش وغيرهم .
" ألا أيها الليل الطويل ألا انجل بصبح "
" فيا لك من ليل تقاصر طوله "
" وليل العاشقين طويل "
" يا ليل الصب متى غده ؟
أقيام الساعة موعده ؟"
" يا ليل بيروت الطويلا ! عجل قليلا ، لأعرف إن كنت حيا أو قتيلا "
وكنت في العام ١٩٩٣ كتبت نص " ليل الضفة الطويل " وما كان يجري في الضفة الغربية لا يختلف عنه في العام نفسه ما كان يسود في غزة ، فالانتفاضة في نهايتها وفوضاها ، ولكن ليل غزة في هذا العام منذ " طوفان الأقصى " لا يختلف عن ليل بيروت في صيف العام ١٩٨٢ ؛ الليل الذي كتب عنه محمود درويش .
كان طول ليل امريء القيس خاصا به وبتجربته ومثله ليل المتنبي وليل الحصري القيرواني ، واختلف عنه ليل فتى قريش المدلل الذي قضاه بالقرب من عشيقته وليس بعيدا عنها .
الليلة المنصرمة قرأت ما كتبته سما حسن Sama Hasan عن شدة القصف الإسرائيلي لمدينة خان يونس ؛ " برا وجوا وبحرا يا مغيث أغثنا ! يا مغيث أغثنا ! "، ومنذ بدأ عاطف ابوسيف يكتب يومياته وأنا أتابع ما يكتبه عن لياليه في مخيم جباليا ومعاناته ومعاناة أهل غزة كلهم . ولم يختلف طلعت قديح في برقياته القصيرة من مركز إيواء لاجئين في الجنوب .
غزة منذ ٧ / ١٠ / ٢٠٢٣ تعيش جحيما يتضاعف في الليل ، وأهلها يخرون صرعى لا ذنب لكثيرين منهم .
قبل أيام أدرجت أسطر الألماني ( برتولد بربخت ) :
" على الحائط كتابة بالطباشير :
" هم يريدون الحرب "
والذي كتبها خر صريعا "
وأغلب الذين خروا صرعى لا يريدون الحرب . صحيح أن أكثرهم لم يكتب هذا فالصرعى أطفال ونساء ، وأن من كتبه قليلون ، ولكن أكثر من سويت بيوتهم بالأرض قالوه مشافهة وهم يتحسرون على بيوتهم التي أنفقوا عمرهم يكدون ويستدينون ويحرمون أنفسهم من الطعام والشراب والسفر لبنائها .
ليلة مجنونة عاشها أهل جنوب غزة حيث الأحزمة النارية متواصلة وغير مسبوقة ، كما قال محمد الأسطل مراسل إذاعة أجيال في نشرة أخبار السابعة صباحا " المشهد يفوق الخيال . المشهد يفوق الوصف . الناس تريد وقف الحرب مهما كان الثمن " .
أما ليل دولة إسرائيل فليل أبدي . لقد أضيفت أسماء القائمين بالحرب إلى أسماء مجرمي الحرب ومصاصي دماء الشعوب .
ولغزة نكرر قول محمود درويش المبكر :
" يا دامي العينين :
إن الليل زائل !
لا غرفة التوقيف باقية
ولا زرد السلاسل
( نيرون ) مات وروما لم تمت ،
بعينيها تقاتل " .
المجد لغزة والزوال للمحتلين
خربشات عادل الاسطة
٢ / ١٢ / ٢٠٢٣

صباح اليوم السابع والخمسين للمقتلة وحرب الإبادة


***

57: ب- إلى أين نذهب بعد الحدود الأخيرة ؟

وأنا في المنتدى التنويري لأحضر حديث الأسيرات في نابلس عن تجربتهن في السجون وما ألم بالأسرى بعد ٧ أكتوبر ، قرأت ما كتبه الناقد ابن قطاع غزة طلعت قديح الذي يعاني من التهجير المستمر ، فقد غادر أولا شمال القطاع إلى جنوبه والآن يطلب من أهل الجنوب كلهم أن يتركوا امكنتهم .
تساءل طلعت :
- أين نذهب يا الله ؟
وسؤاله هو سؤال سما حسن أيضا Sama Hasan " بارجع وبسأل وين نروح ؟ وين نروح ؟ " .
حقا أين يذهب الفلسطينيون ؟
بعد الخروج من بيروت كتب ادوارد سعيد مستعيرا العنوان من محمود درويش " أين نذهب بعد الحدود الأخيرة ؟" .
في العام ١٩٨٦ كتب الشاعر قصيدته " نزل على بحر " وقبلها " مديح الظل العالي " وفيهما أثار السؤال بصيغ عديدة مختلفة . " يا ليت لي منفى ليكون لي وطن " و " أين نذهب حين نذهب ؟" و " كم مرة ستسافر الثورة ؟" و " طالت نباتات البعيد " .
في الصباح وأنا أصغي إلى مراسل إذاعة أجيال محمد الأسطل قال إن ما يجري يفوق الخيال وإن المرء يعجز عن الوصف .
خربشات عادل الاسطة
٢ / ١٢ / ٢٠٢٣

اليوم السابع والخمسون للمقتلة وحرب الإبادة .

***

57: ج - السؤال الصعب :

في لقاء المنتدى التنويري اليوم بالأسيرات المحررات تحدثن باقتضاب شديد عن سجنهن قبل ٧ أكتوبر وبعده . أوجزن كما لو أنهن لم يقلن شيئا .
بعد تقديم أنفسهن فتح باب السؤال . لم أكن أرغب في السؤال عن أوضاعهن بخصوص وسائل التواصل مع العالم الخارجي ، قبل التاريخ المذكور وبعده ، فأنا من حكم كتاب " كباسيل الأسرى " للأسير المحرر عمر نزال ومنحه الجائزة ، وقد قرأته كله من أول صفحة حتى آخر صفحة .
استبد بي الفضول فأعدت إثارة ما قرأته في ٢٠ / ١١ / ٢٠٢٣ في صفحة الكاتب طلعت قديح :
" لو علم الأسرى في سجون الاحتلال ما سيلم بغزة من دمار مقابل تحررهم ؛ لرفضوا ذلك " .
وأنا أغادر القاعة شعرت بندم شديد ، فملف الأسرى كان واحدا من أربعة ملفات دفعت المقاومة للقيام بما قامت به.
الأوضاع في غزة الآن مأساوية وما أصغي إليه من أخبار تبثها فضائية الجزيرة تقول إن الطائرات الإسرائيلية سوت حيا كاملا بالأرض ، هو حي الزيتون في الشجاعية . مربع كامل . وهناك مئات الشهداء . كان بعض المواطنين يعبئون أوعية الماء فهطلت الصواريخ وقتلت الأطفال وحرقتهم .
" يا قوم ليس عدوكم
ممن يلين ويرحم "
( إبراهيم طوقان ) .
خربشات عادل الاسطة
٢ / ١٢ / ٢٠٢٣

ظهر اليوم السابع والخمسين للمقتلة وحرب الإبادة

***

58: أ- كانت نقاط الترقية لرتبة أستاذ دكتور في جامعة النجاح يوم تقدمت إليها:

60
اليوم تذكرت هذا وأنا أتصفح الفيسبوك.
كثيرون كتبوا الرقم مبروزا، وكثيرون تساءلوا مستفسرين:
أهو سعر كيلوا اللحمة أم نسبة صرف راتب شهر ١٢ - يعني ٦٠ بالمائة أم عدد شهداء غزة في غارات هذا الصباح؟.
أنا "مثل الأطرش في الزفة" وغالبا ما يلمح لي الآخرون بأنني بسيط وساذج وخام وسطحي، ولذلك فإن الكل يتفصحن معي وينقط فصاحة.
ما شاء الله ما أفصحهم وما أغباني!
ما شاء الله ما أفصحهم وما أغباني !
ما شاء الله ما أفصحهم وما أغباني!
شو سر الرقم 60 اليوم؟
عادل الاسطة

اليوم الثامن والخمسون للمقتلة وحرب الإبادة

***

58: ب - قاموسنا اللغوي منذ ٥٨ يوما :

طوفان الأقصى . اجتياح . قتلى . جرحى . أسرى . تبادل أسرى . تبييض السجون . تهجير قسري . تدمير . إخلاء منازل . التوجه نحو الجنوب . لقد أعذر من أنذر . مفاوضات . هدنة . لا وقف إطلاق نار إلا بعودة الرهائن . إبادة حماس . ضحايا . عدوان . حزام ناري . أحزمة نارية . يا الله . يا عرب . يا عالم . مستشفيات . أنفاق . قيادات حماس . كوادر صحية . إسعاف . استهداف سيارات الإسعاف . نفاد الوقود . نفاد الطعام . انقطاع الكهرباء . انقطاع مياه الشرب . مقابر جماعية . خروج عن الخدمة . أكفان . مستشفى ميداني . المعمداني . مشفى الشفاء . استشهاد . ارتقاء . فقدان . عائلات أبيدت كلها . تسوية مبان بأكملها بالأرض . جحر الديك . حي الرضوان . مخيم الشاطيء . مخيم النصيرات . جباليا . غزة . شمال . شرق . جنوب . غرب . مائة . مئات . عشرات . واحد مقابل ثلاثة . عشرة مقابل ثلاثين . بنيامين نتنياهو أبو يائير . يحيى السنوار . يوآف غالانت . غانتس . بن غفير . سموتريتش . إرهاب . داعش . حماس . بلينكن . جو بايدن . معبر . رفح . السيسي . عدوان . دبابات . ج ب ت . القسام ٥ . تاندور . المسافة صفر . أجهز . مقاومونا . قنص . قناص . هدم عمارات من عدة طوابق . جنين . مخيم جنين . بلاطة . عسكر . الجلزون . طولكرم . قلقيلية . تل أبيب . غلاف غزة . مغتصبات . زكيم . بئيري . صافرات إنذار . ٢٤١ شهيدا . أسيرات محررات . كيف شايفها . تهجير . نازح . لاجيء . خيمة . نكبة ١٩٤٨ . وقف إطلاق النار . سيز فاير . جينوسيدة . محرقة . مقتلة . هولوكست . وحش . نازي . وحط السيف قبال السيف وإحنا رجال محمد ضيف .
بتر . قطن . مساعدات إنسانية . تحقيق . تمديد اعتقال . نيران صديقة . خريطة جديدة للشرق الأوسط . أفيخاي درعي . صمود . أبو عبييدة . أبو حمزة . زياد النخالة . اسماعيل هنية . إيران . حزب الله . سماحة الشيخ حسن نصرالله . جنوب لبنان . مسيرات . استشهاد صحفيين . صاروخ . موقع عسكري . وحقق إصابات مباشرة . الجليل الأعلى . إذاعة الجيش الإسرائيلي . آلية . حدود . كلمات بذيئة : جامعة الدول العربية . محمود درويش . مظفر النواب . تميم البرغوثي . ناجي العلي . معين بسيسو . عمق . مرحلة ما بعد الحرب . السلطة الفلسطينية . محمود عباس أبو مازن . أموال مقاصة .
حرب وجود . أسلحة مناسبة . قنبلة نووية ذرية . حيوانات بشرية . حل الدولتين . جنوب أفريقيا . الجزيرة . إلياس كرام . فايز الدويري . وليد العمري . هبة عكيلة .
وأنا ... خربشات .. تداعيات .. يوميات .. الشوك والقرنفل .. .
كيف شايفها يا أستاذ ؟
- ماذا لو تم الحل في ١٩٩٨ ؟
- ببساطة لا يمكن فصل ما جرى في ٧ أكتوبر ٢٠٢٣ عن أيار ١٩٤٨ والنكبة مستمرة .
هل أصدق لو رددت قصيدة محمود درويش " لا شيء يعجبني " ؟
" لا شيء يعجبني "
يقول مسافر في الباص - لا الراديو
ولا صحف الصباح ، ولا القلاع ولا التلال .
أريد أن أبكي /
يقول السائق : انتظر الوصول إلى المحطة ،
وابك وحدك ما استطعت /
تقول سيدة : أنا أيضا . أنا لا
شيء يعجبني . دللت ابني على قبري ،
فأعجبه ونام ، ولم يودعني /
يقول الجامعي : ولا أنا ، لا شيء
يعجبني . درست الأركيولوجيا دون أن
أجد الهوية في الححارة . هل أنا
حقا أنا ؟/
ويقول جندي : أنا أيضا . لا
شيء يعجبني . أحاصر دائما شبحا
يحاصرني /
يقول السائق العصبي : ها نحن
اقتربنا من محطتنا الأخيرة ، فاستعدوا
للنزول ... /
فيصرخون : نريد ما بعد المحطة ،
فانطلق !
أما أنا فأقول : انزلني هنا . أنا
مثلهم لا شيء يعجبني ، ولكني تعبت
من السفر " .
تعب أهل غزة من الحرب وقادة الجيش الإسرائيلي لا يتعبون منها . يريدون مواصلتها ويريدون المزيد منها .
وأنا ... لا أعجب أحدا . لا العرب ولا اليهود ولا اليسار ولا اليمين ولا فتح ولا حماس ولا الجامعة ولا زملائي ولا إخوتي ولا ... لا شيء يعجبني !!
الطفلة الغزية الجريح مرح ابنة الخامسة والنصف تبكي وتستفسر
( عمو بدي اسألك سؤال :
أنا في حلم ولا في الحقيقة )
والذين ارتقوا خلال ال ٢٤ ساعة ازداد عددهم عن ٧٠٠ . إنها مقتلة مجزرة حرب إبادة .
خربشات عادل الاسطة
٣ / ١٢ / ٢٠٢٣

مساء اليوم الثامن والخمسين للمقتلة وحرب الإبادة .

***

59- (قائمة بنيامين): سياسة الاغتيالات هل تذكرون قائمة (غولدا)؟

في العام ١٩٧٢، إثر عملية ميونيخ، أعدت (غولدا مائير) قائمة لاغتيال قيادات حركة فتح. قائمة غولدا تلعب في العقلية الإسرائيلية الحاكمة.
وغولدا هي غولدا مائير رئيس الوزراء الإسرائيلي في حرب أكتوبر ١٩٧٣ التي اتهمت بالتقصير (بنيامين نتنياهو) يعد وجهاز الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية (الموساد) قائمة على غرار قائمة سلفه. يعني موجة جديدة من الاغتيالات وقد تستغرق سنوات طويلة.
هل شاهدتم مسلسل "سيف جدعون"؟
رحم الله أبو حسن سلامة.
الحكومة الإسرائيلية جن جنونها، والجنون عموما كامن فيها، وإلا ما سر هذا التدمير لمباني مدينة حمد قرب خان يونس؟
الأمور واضحة تماما: تهجير سكان قطاع غزة إلى سيناء، وفيما بعد يأتي دورنا لنؤكل كما أكل أهلنا في العام ١٩٤٨.
إنه تيار (جابوتنسكي) الذي يعد (نتنياهو) نفسه تلميذه ويفتخر بذلك علنا؛ التيار الذي يدعو إلى تهجير سكان البلاد الفلسطينيين بالحديد والنار.
قبل العام ١٩٤٨ بعقدين غبط أهل بيروت سكان فلسطين بأنهم يبيعون اليهود الترب بالتبر- أي الذهب، فوضح لهم الشاعر إبراهيم طوقان الأمر وقال إن تبر اليهود كله لا يساوي تراب فلسطين، فالتراب وطن " على أنها أوطاننا، ما كنوزهم؟ ما أموالهم؟ حتى تساوي بها قدرا":
" يقولون في "يروت" أنتم بنعمة
تبيعونهم تربا فيعطونكم تبرا"
لم يغو التبر أهل الترب فلجأ الصهيونيون إلى السيف والجدران الحديدية.
هل يكرر الغزيون الآن نيابة عن الفلسطينيين قول الشاعر الشهيد عبد الرحيم محمود:
" فإما حياة تسر الصديق
وإما ممات يغيظ العدى".
وهل يكررون:
الموت واحد والرب واحد؟
هل نحن ، أهل الضفة الغربية، الثور الأحمر أم الثور الأسود؟
هل ستتواصل الحرب وتصدهم المقاومة ؟ هل ستكتمل النكبة الثانية ؟ أم أن الطاعون و الأوئبة ستجعل مصير جيش " أبو يائير " و " يوآف غالانت " و " غانتس " مصير جيش نابليون أمام أسوار عكا ؟
لعل مقالي الأحد القادم لدفاتر الأيام الفلسطينية يكون عن مكر التاريخ في ١٨٠٠ و ١٨٠١ وفي ٢٠٢٣ و ٢٠٢٤ ؟
المجد لغزة والزوال للمحتلين
خربشات عادل الاسطة
٤ / ١٢ / ٢٠٢٣

صباح اليوم التاسع والخمسين للمقتلة وحرب الإبادة .

***

60: أ - نيرون أم سبارتاكوس أم ستنهي غزة الحرب ب 3 = 0 ؟

مشاهد الحرب القادمة من غزة تكاد تصيب المرء بالذهول . كما لو أنه مشهد من مشاهد يوم البعث كما وصفته الكتب المقدسة ، وهنا أخص القرآن . يوم تذهل كل مرضعة عما أرضعت وتضع كل ذات حمل حملها وترى الناس سكارى وما هم بسكارى .
" عمو هذا حلم وللا جد . قللي "
تساءلت الطفلة الجريح .
وكاد رجال كثر ونساء كثيرات يفقدون عقولهم حين لم يبق على قيد الحياة من أبنائهم أحد .
صارت غزة المدينة البيضاء المباني كتلا سوداء رمادية ، وهب أن ( نيرون ) الإسرائيلي انتصر ، فهل سيأتي ويجلس على أنقاض مبانيها مسرورا ؟
سيموت نيرون المعاصر كما مات نيرون روما .
وهب أن ( سبارتاكوس ) الفلسطيني انهزم ، فهل سيكرر ما ورد على لسانه في قصيدة " كلمات سبارتاكوس الأخيرة " لأمل دنقل :
" يا إخوتي : قرطاجة العذراء تحترق
فقبلوا زوجاتكم ،
إني تركت زوجتي بلا وداع
وإن رأيتم طفلي الذي تركته على ذراعها .. بلا ذراع
فعلموه الانحناء
علموه الانحناء
علموه الانحناء "
أم أنه سيكرر ما قاله محمود درويش في " مديح الظل العالي " :
" فانهض مثل عنقاء الرماد "
وهو ما حدث عموما مع الثورة الفلسطينية التي ذبحت أكثر من مرة لكنها مثل تموز كانت بعدة أرواح ، وتولد في لبنان من جديد . يتابع محمود درويش قوله :
يا أهل لبنان الوداعا
....
...
اليوم أكملت الرسالة فيكم
فلتطفئوا لهبي ، إذا شئتم ، عن الدنيا
وإن شئتم فزيدوه اندلاعا
...
...
يا أهل لبنان : الوداعا
هذا دمي ، يا أهل لبنان ، ارسموه
قمرا على ليل العرب " .
أرجح أن الإسرائيليين سيخرجون من الحرب مثقلين بالجراح والخسائر وسيخرجون من غزة كما خرجوا منها في ١٩٥٦ وفي ٢٠٠٥ للمرة الثالثة ، وستكون النتيجة 3 = 0 صفر ، وما أكثر ترداد الدال صفر في هذه الحرب " المساحة صفر " . هل سيسجل أبو خالد الهدف الثالث الذي هيأه له أبو إبراهيم ؟ أم أن الطاعون سيحل بالبشر والحجر ولن نجد أحدا ههنا أو أحدا هنا ولن نجد غابة السنديان أيضا ؟!!
آخر أخبار أمس التي قرأتها هو أن إسرائيل تعد مضخات ضخمة لإغراق أنفاق غزة بالماء . هل بقي هناك للأنفاق حاجة ؟ لقد خرج منها - والله أعلم - المقاتلون لتصبح البنايات والعمارات والأبراج المسواة بالأرض أنفاقهم الجديدة .
لقد مر على المقتلة شهران فمتى تضع أوزارها ؟
المجد لغزة والزوال للمحتلين
خربشات عادل الاسطة
٥ / ١٢ / ٢٠٢٣

فجر اليوم الستين للمقتلة وحرب الإبادة .

***

60: ب - جنون الدولة : الدببة في مستنقع التماسيح

الدولة جنت . لقد أعدت مضخات ضخمة لضخ المياه في أنفاق المدينة والقطاع ، ولكنها كما قرأت تخشى من أضرار بيئية لاحقا . كم هم " أبناء العمومة " رحيمون بنا ؟! إنهم حقا كما قال الشاعر المصري في قصيدته " لا تصالح " :
" لم يراعوا العمومة في من هلك "
وفي من لم يهلك بعد !!
عندما أشاهد أشرطة فيديو تصور ما آلت إليه غزة والقطاع كله أتساءل :
- هل بقيت أصلا هناك ضرورة للأنفاق ؟
أكثر المعارك صارت تجري في المناطق المدمرة حيث ينقض المقاومون على المحتلين من المباني المهدمة ، وأغلب الظن أن المقاومين ما عادوا يقيمون في الأنفاق . ربما بقي فيها الجنود الإسرائيليون الأسرى وبعض آسريهم وبعض القيادات !
أمس شاهدت شريط فيديو لافت جدا :
مستنقع تماسيح يحيط به دببة تحاول الأخيرة أن تصطاد ما في الأولى - أي التماسيح ، وكلما نزل دب إلى المستنقع اصطادته التماسيح .
ثمة استعارة تكمن في شريط الفيديو . التماسيح الفلسطينية في مستنقع غزة تصطاد الدببة الإسرائيلية.
يا أبو يائير سلفك ( أربيل شارون ) قرأ أشعار محمود درويش وأعجب بقسم منها . أنصحك أن تقرأ - إن كان لديك وقت للقراءة - قصيدة " هدنة مع المغول أمام غابة السنديان " وأن تتوقف أمام مقطعها الأخير .
الخوف أن تتنتهي الحرب والغابة كلها مندثرة .
مقالي الأحد القادم ١٠ / ١٢ / في جريدة الأيام الفلسطينية تحت عنوان " تداعيات حرب ٢٠٢٣ : الأمراض والأوبئة ووقف الحرب ؟ "
صباح الخير
خربشات عادل الاسطة
٥ / ١٢ / ٢٠٢٣

اليوم الستون للمقتلة وحرب الإبادة .

***

60: ج - ك . أخت جارة كندا :

هل أخطأ الرئيس محمود عباس (أبو مازن) عندما شتم أخت الصين وروسيا والعرب والعالم كله؟
منذ بداية الحرب الدائرة تحفل وسائل التواصل الاجتماعي بشتم العرب والمسلمين وأمريكا والصين وروسيا والغرب و..
ومنذ بداية الحرب ونشطاء وسائل التواصل الاجتماعي يقتبسون مقاطع من أشعار مظفر النواب، وتحديدا من مطولته "وتريات ليلية" وقصيدته "قمم قمم"، ومقاطع من محمود درويش، بخاصة من قصيدته "مديح الظل العالي" ومن كتابته النثرية "في وصف حالتنا".
طبعا لم يسلم الرئيس الفلسطيني من الشتائم وما هو أكثر.
شخصيا وجدتني أعقب على فقرة لعادل سمارة Adel Samara مكررا شتيمة الرئيس:
- ك . أخت الصين وروسيا وأمريكا والغرب والعالم العربي أيضا.
اليوم أصغيت إلى قصيدة الشاعر اليمني محمد عبدالله البساطي يعارض فيها قصيدة محمود درويش " سجل أنا عربي". ذكرتني القصيدة ببائية الشاعر العباسي "أبو تمام" وبقصيدة للشاعر اليمني عبدالله البردوني ومنها:
"ماذا أحدث عن صنعاء يا أبت
مليحة عاشقاها السل والجرب".
ما زلت أقول:
"سجل أنا عربي"
على الرغم من أنني أدرجت قصيدة البساطي على صفحتي.
الطريف أن الشاعر لم يلتفت إلى كتابات لاحقة لمظفر النواب ولمحمود درويش. الأول كتب قصيدة:
"تعلل فالهوى علل
وصادف أنه ثمل
وما خلل بها الدنيا
ولكن كلها خلل"
وفيها تصالح مع الشعب العربي. والثاني نفسه كتب في العام ١٩٨٢ قصائد يهجو فيها النظام العربي وينعى العرب ككل، ومنها قصيدة "مديح الظل العالي" حيث لم يختلف هجاؤه فيها للنظام العربي عن هجاء البساطي .
"عرب وباعوا روحهم
عرب وضاعوا"
" لغة تفتش عن بنيها تموت ككل ما فيها وترمى في المعاجم"
في الحروب التي تخذل فيها الأنظمة شعوبها، وما أكثرها، نعاني من جلد الذات (المازوخية).هل تذكرون زكي النداوي الشخصية المحورية في رواية عبد الرحمن منيف "حين تركنا الجسر".
بقدر اعتزاز الفلسطينيين والشعوب العربية بالمقاومة في غزة ينتقص هؤلاء من قدر الحكام العرب قاطبة باستثناء اليمن.
سامحونا
مساء الخير يا غزة
خربشات عادل الاسطة
٥ / ١٢ / ٢٠٢٣

اليوم الستون للمقتلة وحرب الإبادة .




ـــــــــــــــــــــــــــــــ
الشهر الأول:

1- الفلسطينيون وروح الدعابة والسخرية والحرب
2- وسائل التواصل الاجتماعي اليوم والحرب في الجنوب الفلسطيني
3- العدوان السداسي ، لا الثلاثي ، على غزة
4- دريسدن - غزة
5: أ- الحرب : إنه الجنون!!
5: ب - الشخصية اليهودية في الأدب
5: ج- لفهم ما يجري في غزة من محو للفلسطينيين :
5: د - الخويف يخاف من خياله
6- لعمرك هذي حياة تسر الصديق
7- رحم الله الشاعر الفلسطيني أحمد دحبور
8- حرب الطائرات والصواريخ .. وحرب الصور أيضا
9- أمنيات حفار القبور
10- الفلسطيني : " منتصب القامة أمشي"
11- استشهاد صديق
12- حيوانات بشرية
13- الحرب والحكام العرب
14- حتى الكنيسة لم تسلم
15- خيام اللاجئين: ١٩٤٨
16- "نلقاكم في كشوف القتلى على قناة السويس" / على جبهة غزة ولبنان
17- صمت من أجل غزة
18- إنها الحرب
19- يكتبون أسماءهم على أجسادهم
20-"معلش " . إنها معركة القيامة
21: أ- مدينة الزهراء في غزة مدينة الخراب
21: ب- الكتابة من هناك من بيت النار
22- ومن كتبت عليه خطى مشاها
23 - "قدرك أن تكسر أو تنكسر": سر ما يفعله الطيران الإسرائيلي في إبادة غزة
24- فلسطينيو غزة والهنود الحمر
25- الحرب البرية: وما زال المدنيون يدفعون الثمن!
26- أتحدى أن يرفع منكم أحد عينيه أمام حذاء غزاوي يا قردة؟!! مع الاعتذار لمظفر النواب
27: أ - إنهم يألمون أيضا : القتلى بالعشرات
27: ب- العنقاء الفلسطينية في غزة
28- صمت الكتاب
29- دم طازج ... الدم في كل مكان
30- لا أكفان للموتى ولا فسحة للكتابة



>>>>>>>>>>>>>>>>>>

الشهر الثاني:
31- كنا طيبين وسذجا : "خيرا تعمل شرا تلقى"
32- أمهاتنا وأمهاتهم
33- تنتهي الحرب أو لا تنتهي.. والحرب القادمة
34- ثقب أسود من التناقض الداخلي: ورطتنا ورطة
35- إسرائيل: جيش له دولة
36- صامدون هنا "رغم هذا الدمار الكبير"
37- طلة أبو عبييدة وطلة الحكام العرب والمسلمين
38- تيه أهل غزة أم...؟
39- الفضيلة الأولى في زمن الحرب
40- التغريبة الفلسطينية الثامنة
41: أ- أخبار الصباح في اليوم الحادي والأربعين للمقتلة وحرب الإبادة
> 41: ب- الاستغلال والسرقات : تجار الحروب ولصوص الأوطان
42: أ- نكبة ١٩٤٨ في الذاكرة
> 42: ب - الحنين إلى الانتصار
43- كلما توجعوا قصفوا المدارس والمشافي
44- غزة المثخنة بالجراح تضحك أيضا
45- المأساوي والهزلي معا
46- الحرب التي تثقل غزة وخلفها عار الإنسانية
47: أ - هدنة مع المغول
> 52: ب - موسم الهجرة إلى الشمال أم موسم الهجرة من الشمال؟
48: أ - في الحرب ليس على المطرب أن يعرب
48: ب - إسرائيل تضرب كفا بيد وتعدل الطاقية بالثانية
48: ج - سرقوا "الدحية" والآن يسرقون "الطبل": صاروا فلسطينيين
49- هدنة مع المغول أمام ما تبقى لنا من غزة
50: [1]- "والذي هدم قرانا لا يعيدنا إليها"
[2] - يوميات الحرب الفلسطينية - الإسرائيلية من غزة: عاطف أبو سيف وأبو الخيزران
[3]- في اليوم الثالث للهدنة
[4]: أ - - في اليوم الرابع للهدنة من المقتلة وحرب الإبادة
[4]: ب - اليوم الرابع للهدنة: المغول القدامى والمغول الجدد
[5]- اليوم الخامس للهدنة: انتهاكات وجنود غزاة جرحى ولا هدنة في الضفة الغربية
[6]- اليوم السادس للهدنة: لم تنته الحرب، لم تتوقف الحرب
[7]- اليوم السابع للهدنة: كوابيس غزة في ليالي الضفة
56- راوية المخيم
> 57: أ - ليل قطاع غزة الطويل... ليل إسرائيل الأبدي
> 57: ب - إلى أين نذهب بعد الحدود الأخيرة؟
> 57: ج - السؤال الصعب
58: أ - كانت نقاط الترقية لرتبة أستاذ دكتور في جامعة النجاح يوم تقدمت إليها
> 58: ب - قاموسنا اللغوي منذ ٥٨ يوما
59- (قائمة بنيامين): سياسة الاغتيالات هل تذكرون قائمة (غولدا)؟
60" أ - نيرون أم سبارتاكوس أم ستنهي غزة الحرب ب 3 = 0 ؟
> 60: ب - جنون الدولة : الدببة في مستنقع التماسيح
> 60: ج - ك . أخت جارة كندا :

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى