حاتم السيد مصيلحي - رجل فقد ظله

ربما يعتقد البعض أن العنوان مستمد من اسم فيلم سينمائي، أو مسلسل تليفزيونيّ شاهده الناس أو في انتظار مشاهدته عن قريب، ولكن الصدفة وحدها لعبت دورها في اقتباس هذا العنوان؛ لتلقي بظلها وظلالها على واقع يعيشه الناس حين انخلعوا عن مبادئهم المتوارثة المستقاه من تعاليم دينهم، والتي امتد ظلها على مدار حقب التاريخ المتعاقبة والمتلاحقة، حين كان المجتمع في حالة من التلاحم العضوي، والتجانس الفئوي، كل يؤدي دوره بقناعة واقتدار مؤمنا بأن دوره وإن صغر يؤدي غرضا، ويسد رمقا، ويشغل حيزا من فراغ لابد من ملئه، فرب الأسرة مثلا كان متصدرا الموقف بما له من فضل على سائر أفرادها من نفقة ورعاية، والأم هي ظله وسنده داخل البيت، والأبناء امتداد لهذا الظل الذي إذا آوى إليه وجد الراحة والسكينة، وما يخفف عنه ضغوط الحياة ومشاقها، فكان إذا ما انتهى من عمله عاود أدراجه إلى هذا الظل الوارف، فأكل وشرب وتكلم وضحك، وإذا عكر صفوه معكر وجد من خف إليه مواسيا ومعينا، حتى يرفع عنه ذلك الهم، وتنقشع عنه سحابته.
حينها كان الرجل رجلا وإن خاب مسعاه، أو شت سهم له أوطاش، فظله الممتد كان يحميه، ويبث فيه الأمل، وربما كان سببا جوهريا في استقرار البيوت على ما تعانيه من متاعب الحياة وآلامها، فلم يخيل لقطبي البيت أن يتخلى أحدهما عن الآخر ـ ولو احتدم الشقاق ـ إلا بمفارقة الحياة، وحينها تبقى الذكرى عهدا وميثاقا حتى اللقاء المحتوم.

ولكن الحياة منذ بدايات القرن الحادي والعشرين أو قبل ذلك بعقدين أو أكثر تبدلت أحوالها، وتشعبت دروبها، وبدأت الشعوب تدرك المتغيرات التى لحقت حتى بمناخها ( تغير المناخ) وجغرافيتها الفكرية وربما العقائدية أيضا، بفعل التكنولوجيا الحديثة، وانعكس هذا بالسلب على حياة الناس، فغلب التخلي والأنانية على سلوكهم، فبعد أن كانوا يرددون مقولة:(لقمة هنية تكفي مية) أخذوا يقولون:(لقمة هنية ماتنفع إلا ليه) بشكل أو آخر.. وطال ذلك البيوت فاستقلت المرأة وانخلعت عن ظل زوجها وسحبت معها ظلاله، تعيش معه وهي فيه زاهدة، وفي ماله حريصة راغبة ، فتراجع دور الرجل، وانحصر في النفقة طوعا أو كرها، والنساء يجمعن ما تطوله أيدهن من متاع، يتعللن بأنهن يحافظن على ما بقي من حطام، ويصنعن لأنفسهن قصص البطولة والفداء، رغم أنهن سبب خراب الديار.
فهل سنجد يوما من يفهم ويعي ضرورة عودة الرجل إلى موقع الصدارة داخل الأسرة، ليجد المرأة ظلا له وسندا كما عهدناها من قبل؟!
أم سيظل الرجل فاقدا لظله، مفتقدا لظلاله.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى