حاتم السيد مصيلحي - العيش والملح..

كان يقوم مقام القسم ومحله في بيئاتنا المصرية بوجه عام، والريفيةوالشعبية بوجه خاص، لما يحمله من أواصر تُعقد به صلات وتنعقد به وتنفض الجلسات والاتفاقيات، إذا أقسم عليه وبه أحدهم بره وأبره، وحمل الحاضرين على بره، وإلا تحمل جزاء نقضه، فيُنظر إليه نظر الحانث، الذي لا عهد له ولا ميثاق.
وكان يَحرُم به الدم والمال والعرض، وتُصان المحرمات، وتؤدىٰ الواجبات على أكمل مايكون فداء بالروح، وقضاء للدين، وسدا لحاجات المحتاجين وكفالتهم ولا سيما في الأعياد والمناسبات المختلفة.. ولم يأت هذا من فراغ، وإنما جاء من طبيعة طيبة غلب عليها التدين، والتمسك بالقيم الأخلاقية المتوراثة، فنحن في رباط إلى يوم القيامة،كما أخبر سيدنا محمد ﷺ، حتى بات الشاب يوقر جاره الكبير فيناديه بعمي فلان، أو أبي فلان، وكذلك الأمر بالنسبة لمن يمت له من ناحية الأب بصلة قرابة أو نسب، أو ينادي الرجل بـ (خال) إن كان من ناحية الأم.

وفي ظل تبدل الأحوال وتدني الأخلاق، بدت أقوال غريبة على مجتمعنا، قرأت بعضها على سيارات الأجرة والنقل تصور واقعنا الأليم المعاصر وقد جرت للأسف مجرى المثل، منها على سبيل المثال لا الحصر: ” الملح ذاب، والعيش أكلوه الكلاب ‟ تأملتها وأسفت لها لدلالتها وإسقاطها الاجتماعي الذي حل فينا فالملح ذاب، غير ناظرين إناه، لا يشغل لنا بال، ولا يلفت لنا انتباه، والعيش أكلوه الكلاب، والكلاب منه براء وإن صيغ على سبيل الإنكار للجميل والتحقير، وضياع كل معاني الوفاء، وقطع خيوط العشرة والمحبة، فلا وجود إذن لما يحفظ لتلك المحبة قدرها، ولا لذلك العيش المشترك حرمته.

إننا يا سادة إزاء كارثة اجتماعية محققة، أسبابها معلومة، وشواهدها منظورة، والحلول بين أيدينا منشورة، فتجاهلنا الكارثة كأن ليس لها وجود، ونحينا الحلول جانبا باعتبارها غير مناسبة، أو أنها تحتاج لآليات معينة لتمكينها، وتلك الآليات تحتاج لنفقات لا تحتملها الميزانيات العامة أو الخاصة، فوقفنا عاجزين كالعادة وتظل الكارثه تتفاقم كما هو الحال الآن فحط علينا البلاء، وأكل الغلاء منا الأخضر واليابس.
فهل سنظل ننظر للأمر على أنه لا يعنينا، من منطلق ما باليد حيلة؟!

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى