د. هدى عبد العزيز خلف - العمليات الفردية الحل المستطاع لقتل الأعداء في مسرحية "جوع" المحليّة.. قراءة

عَرضت جمعية الثقافة والفنون بالدمام مسرحية "جوع" من تأليف أحمد بن حمضة، وإخراج راشد الورثان، ومن تمثيل فرقة نوته الفن، يوم عشرين من شهر أكتوبر الماضي 2023م.
تبدأ مشاهد مسرحية "جوع" بمجموعة من الشباب والفتيات الذين يرتدون ملابس عصرية، ويشربون الخمر، ويتمايلون على أنغام الموسيقى الصاخبة، ويتسامرون بالكلام الحلو الذي يعقبه تبادل البسمات، ثم فجأة تُسمع أصوات إنذار لقرب غارة جوية بسبب الحرب، وتتلاشى تلك الشخصيات وتهرب سريعا من الخشبة، وبعد ذلك تسطع أنوار حمراء تنذر بالخطر القريب، فمن الملاحظ أن للسينوغرافيا دورا حيويا في تقديم الرسائل الفكرية وإيصالها إلى الجمهور بتقنيات الصوت والإضاءة خاصة.
ثم على حين غرّة يعلو صراخ طفلٍ في الأرجاء، ولكن لا يراه المشاهدون، ثم يصعد رجل أربعيني أو خمسيني الدرج، لكنه يعود وينزل منه، فيبدو مترددا، وزوجته تلحق به، ثم تعود للهبوط على الخشبة، وذلك يدل على دور لغة الجسد عند الممثل في إيصال التردد والخوف من المستقبل والمضي قدما للأمام.
ثم تصنع الزوجة كعكة، فتقول للزوج عند حضوره للبيت: توجد مفاجأة لك لوجود مناسبة جميلة، فيقول لها: هي ذكرى زواجنا، لكنها تتدلل عليه، ثم يلحظ فستانها الجديد ويُعجب به، ولا تخبره بسرعة عن المناسبة أو الذكرى، ثم تعود أكثر من مرة لتذكره بالمناسبة، لعله يتذكر، ولكنه لا يتذكر، ثم تفاجئُه بأن اليوم عيد ميلاد طفلهما الذي سيبلغ 15 عاما.
ثم تصيب الزوج الدهشة من الموقف، فيحزن ويبكي، بينما هي تبتسم، ويُلحظ عليها المرض النفسي؛ لأنها ما تزال تعاني فقد طفلهما، ولا تصدق موته، ثم يتذكران طفلهما المفقود، ثم يدرك الجمهور من خلال حوارهما الخارجي أن غارة جوية فتكت به، ويصحب ذلك الحوار موسيقى حزينة ملائمة للمشهد.
وتستمر المواقف التمثيلية بين الزوجين، وخلال ذلك تداهم الشرطة الخاصة بالعدو منزلهما؛ كي تتأكد من عدم وجود فارين وهاربين من شرطة البلد الذي يحاربونه واحتلوا دياره، ويلحظ أن شرطة الأعداء لا يمثلون إلا الضعف وحب احتساء الخمر والانغماس في الشهوات والعلاقات العابرة، إضافة إلى قدرة الناس على التغلب عليهم؛ لأنهم جبناء.
يستثمر الكاتب أسماء الممثلين ليُدلل على بعض المعاني والأفكار اللتين يود أن يرسلهما إلى الذهن، فقد اختار اسم "ديفيد" للبطل الشرطي الذي يهجم على المنازل ويحارب الناس، واختار اسم "سالي" للبطلة الشرطية التي تحارب الناس معه أيضا، وهي تقع في هوى الرجال بسهولة، وهما من أصحاب البشرة السمراء، دلالة على أنهما من بلاد أخرى وأجانب عن الديار، أو أن الكاتب يريد أن يعبر عن لون الظلم الذي يظهر على وجوه الأعداء دائما، ويجعل وجوههم في قتامة دائمة، وتُسمى هذه التقنية في سينوغرافيا المسرح توظيف فلسفة اللون للتعبير عن دلالات ضمنية.
بينما أسرة الطفل المتوفي من الشعب الأصلي للبلاد، وبشرة أصحابها (الزوج والزوجة) طبيعية بيضاء.
وتدخل كلمة "جوع" في لغة الحوار كثيرا، ولا سيما في حوار البطل سليم وزوجته، حيث إنهما محرومان من الذرية والعلاقة الطبيعية بين الزوجين ومن الرزق الذي ضاع مع الحروب وكثرتها في الوطن، وبهذا أصبحت كلمة الجوع التيمة اللغوية لدلالات النص الدرامي.
وفكرة المسرحية واقعية وتعبر عن أزمة الفقر والحرب في عصرنا وتلازمهما الدائم، فمتى ما وُجدت الحرب وُجد الفقر والعزوف عن الزواج والاستقرار الأسري والأمان والهناء.
والمسرحية ذات فصل واحد، والممثلون يحركون الديكور بأنفسهم ويرتبونه للمشهد التالي، فلا يلحظ الجمهور متى بدأ المشهد تحديدا ومتى انتهى، وهذا أسلوب ابتدعه "ماير هولد"، وتبعه فيه المخرج الألماني "برتولد بريخت" في تنظيم المسرح.
وكان الممثلون يخطئون في نطق الكلمات، وتداخلت اللهجة المحلية مع الفصيحة قليلا في بعض الحوارات.
كما إنه توجد مشاهد ليس لها تعليل واضح، فمثلا: ما سبب حفظ الجثث التي يقتلها سليم في سرداب منزله؟ هل هذا يعني أنه يقتل جثث الأعداء بطريقة ذكية محاولا الدفاع عن وطنه بكل السبل التي يملكها؟ وكيف يجرؤ على ذلك، والعدو يداهم منزله؟ ألا يمكن أن يكتشف السرداب ويفتشه ويلاحظ الجثث، والرائحة النتنة لها في منزل صغير، فيكون مصيره القتل كما قُتِل ابنه؟
إضافة إلى أن موت الأعداء عن طريق السم في النهاية يبدو بعيدا عن الواقعية، فشرطة الأعداء لا يأكلون ولا يشربون عادة في منازل البلد التي يحتلونها.
هل يمكن هزيمة الأعداء المحتلين بالسم فقط عبر عمليات فردية؟
أم أن الحل المُستطاع العمليات الفردية لا غير؟
ويبدو أن فكرة المسرحية تتقاطع تشابها واختلافا مع مسرحيات سابقة، مثل، مسرحية "الجوع والعطش" للمؤلف الروماني يوجين يونسكو، ومسرحية "الجوع" الكويتية للمؤلف عبد العزيز السريع رحمه الله، ومسرحية "جوع" الفلسطينية لمايا الخالدي ودينا الشلة، ومسرحية "جوع الإنسان" للمؤلف الكردستاني جوتيمار تمر.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هذه المقالة الأصلية المرسلة للصحف، وحذفت منها بعض النصوص حرصا على المساحات في الصحف، وغيرها من الأمور.

ـ د. هدى عبد العزيز خلف

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى