حاتم السيد مصيلحي - الأحوال الاقتصادية وأثرها في توتر العلاقات الأسرية

لم يعد الأمر خفيا على أحد في ظل تردي الأوضاع الاقتصادية، وارتداد الناس عن مبادئ دينهم القويم، بزعم بعضهم أن الدين لم يعد يساير عصرهم، وأنه من غير المعقول أن يتبعوا ما كان عليه أباؤهم الأولون منذ مايقرب من ألف وأربعمائة عام أويزيد، وقد شابه النحل والوضع في تاريخه، وكتب تفسيره، وأحاديث النبي ﷺ الموضوعة والضعيفة، وقد هيأ لهم شيطانهم أنه من الفطنة السليمة والكياسة أن يواكبوا عصرهم، يستشهدون ببعض الحديث ينكرون بعضه أويضعفونه.
فيرون في حديث الذبابة سذاجة لا تصح، وفي طاعة الزوج عبودية ورق تجاوزها واقع الحال، بعد أن صارت المرأة في عصرنا أمرها بيدها ، ونفقتها من جيبها، ورأيها من رأسها، ونديتها للرجل حاضرة، فلا بأس من أن تظل وحيدة دون زواج، وإن قبلت الزواج فإنها تسأل عن إمكانيات الزوج المادية، رصيده البنكي، وأملاكه، ومكانته، وآخر ماتفكر فيه دينه وخلقه، ويظل شغلها الشاغل مكتسباتها من ذلك الزوج، فتسأله أن يكتب لها شقة الزوجية، وياحبذا لو أمن لها مستقبلها برصيد لا بأس به في أحد البنوك،... وإلا دب الخلاف بين الزوجين، وتفاقم الشقاق بينهما، وينتهي الأمر بالطلاق أو الخلع.

ومن وراء ذلك الأبناء يعيشون بين الأبوين ككائنات نفعية ، لا يشغل بالهم حال الأسرة وإن تصدعت أعمدتها، وربما يوظفون الخلافات بين الأبوين لصالحهم، فيميلون كل الميل لمن قدرته المادية أكبر، وعلى تلبية طلباتهم أسرع، أو يثقلون بطلباتهم على كليهما معتقدين أن في ذلك فرض إلزام، بل إن الأمر يتعدى إلى أبعد من ذلك بمهاجمة الأبوين، واتهامهم بالتقصير، وعدم قدرتهم على توفير سبل الراحة والرفاهية المادية، لا ينظرون إلى ماهم دونهم، ولكنهم ينظرون إلى ماهم فوقهم غير معترفين بالفروق الطبقية، وأن الأرزاق قدرها الله تتبع صاحبها أينما حل أو رحل، وإن حاول الفرار منها ما فلح مصداقا لقوله تعالى:{أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ ۚ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۚ وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِّيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضًا سُخْرِيًّا ۗ وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ} [الزخرف : 32].

ولو أن الرجل والمرأة تعاونا على سد احتياجات بيتهم بأقل القليل، وسعى كل منهما سعيه في إرضاء الآخر قدر الطاقة والجهد، وقد عمهم الرضا والشكر والمودة والرحمة؛ لنشأ الأبناء تنشئة سليمة، وبارك الله فيهم {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ ۖ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ} [ابراهيم : 7].
أما آن الأوان كي نراجع أنفسنا، لنصحح ما أفسدناه بأيدينا، فيصلح الله أحوالنا؟!

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى