حاتم السيد مصيلحي - الإيجابية من منظور ديني اجتماعي

(إني لا أسمع، لا أرى، لا أتكلم)
حكمة حفظناها صغارا، وروج لها الكبار مظنة أن فيها النجاة وصلاح الحال، ولكنها تحمل في طياتها المذمة، والحط من قيمة الإنسان ودوره في الحياة، فكيف له أن يعيش دون أن يسمع فيعقل، أويرى فيتيقن، أو يتكلم فيبين، وفي تلك الحواس وجوده وتفاعله مع المجتمع، وبدونها يصبح عدما لا وجود له، وقد ذكر الله تعالى تلك الصفات في كتابه العزيز بقوله:{صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَرْجِعُونَ} [البقرة : 18]
وفي موضع آخر قوله سبحانه: {وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لَا يَسْمَعُ إِلَّا دُعَاءً وَنِدَاءً ۚ صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَعْقِلُونَ} [البقرة : 171]. فهؤلاء أهل ضلالة وشرك، لا أهل تقوى وإيمان.

وفي الحديث قوله ﷺ: "من رأي منكم منكرا فليغيره بيده فإن لم يستطع، فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه وهو أضعف الإيمان" فرؤية الإنسان المؤمن إيجابية مندوبة، وتفاعله معها باليد فعلا أو باللسان قولا أو بالقلب إيمانا ويقينا أمرا محببا عند المشرع.
وقد أثنى النبي ﷺ على من قطع شجرة من طريق كانت تؤذي الناس فغفر الله له، وأدخله الجنة، و آخر سقى كلبا يلهث من شدة العطش، فنال نفس الجزاء، وذم صنيع من حبست هرة فلا هي أطعمتها ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض فكانت من أهل النار.

إن كثيرا منا اليوم يركنون إلى السلبية المفرطة من منطلق " الباب اللي يجيلك منه الريح سده واستريح " فلا يغيث ملهوفا، ولا يجير ضعيفا، ولا يواسي محزونا مكروبا، فأصبحت القلوب كالحجارة بل أشد قسوة، فيقفون من مصائب الناس موقف المشاهد دون أن تحرك لهم ساكنا، وباتت مادة للحكي في منتدياتهم، ووسائل تواصلهم المختلفة بدعوى التسلية، أو شغل الفراغ، فبعدنا عن النهج الصحيح المستمد من قول رب العالمين:{إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} [الحجرات :10] وقول سيد المرسلين: " المؤمن للمؤمن كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضا " وقوله ﷺ: " مثل المؤمنين في توادهم وتعاطفهم وتراحمهم، كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعت له سائر الأعضاء بالسهر والحمى ".
ولله در الشاعر حين يقول:
الناس للناس من بدو وحاضرة
بعض لبعض وإن لم يشعروا خدم

ونودع كل يوم أحباء لنا كانوا يمشون معنا على الأرض دون أن نجد في ذلك واعظا لقلوبنا فتخشع، أو زاجرا لنفوسنا فتجزع، وكأننا مخلدون فيها لا يأتينا الموت يوما فنلحق بمن ودعنا.
إننا بحاجة ماسة إلى أن نكون إيجابيين أولا مع أنفسنا بترك سلبياتنا، إيجابيين مع أبنائنا بأن نكون قدوة ومثلا يحتذى به، إيجابيين مع كل ما نرعى ونهتم لأننا مسئولين عنهم لقوله ﷺ:" كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته " ففي ذلك نجاتنا وفي غيره ضياعنا وهلاكنا.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى