أ. د. عادل الأسطة - تداعيات حرب ٢٠٢٣: صورة اليهودي الصهيوني الإسرائيلي

هل أحدثت الحرب الدائرة حاليا تغييرا في صورة اليهودي الصهيوني الإسرائيلي؟
تتطلب الإجابة عن السؤال استعراض الصورة التي ظهرت له في الأدبيات الصهيونية والإسرائيلية والأدبيات العربية أيضا، وهذا ما لا تستوعبه مساحة هذا المقال، فقد كتب في الموضوع كتب ودراسات ومقالات تناولت الأدبيات المكتوبة بالإنجليزية والعبرية.
ولأن الأدبيات التي تظهر صورته في الحرب الحالية لم تكتب فإن استخراجها يعتمد على أشرطة الفيديو التي تدرجها جهات متعددة مختلفة متحاربة، وعلى تسريب مكالمات صوتية بين قسم من الجنود الإسرائيليين وأهلهم، وعلى ردود أفعال مسؤولين إسرائيليين عندما وصلتهم أخبار الحرب البرية الأولى وما قاله بعض رجال الدين الإسرائيليين في حديثهم عن الحرب.
ابتداء أشير إلى الفرق الكبير بين الصورة التي قدمها الأدب الصهيوني لليهودي، كما في أعمال أدبية صهيونية درسها غسان كنفاني ومعين بسيسو، وفي أعمال أدبية لكتاب يهود أنجزوها بالعبرية، والصورة التي قدمتها الأدبيات الفلسطينية والعربية له كما في كتابات هارون هاشم رشيد ومعين بسيسو وغسان كنفاني في نصوصهم الإبداعية، لا في دراساتهم التي أنجزوها عن أعمال كتبها الآخر وقدم فيها تصوره لذاته، وفي نصوصهم أظهر الثلاثة صورة مختلفة. إنها تصور الآخر لآخره.
كان كنفاني أول من درس الروايات الصهيونية المكتوبة بالإنجليزية في كتابه «في الأدب الصهيوني» وفيه خصص فصلين للكتابة عن اليهود «شخصية اليهودي التائه: نشأتها وتطورها» و»العصمة» اليهودية أمام «عدم جدارة» الشعوب الأخرى.
في الأول، كتب عن تذمرات اليهودي التائه وتحولاته من رجل كل اهتماماته منصبة على طلب الغفران إلى رجل متذمر يتحدث عن الفقر والتشرد، وفي الثاني، يكتب عن اليهودي الصهيوني المستوطن الذي رأى أن الحياة التي تركها في أوروبا كانت مخيفة وأن فلسطين هي الأرض الوحيدة في العالم التي يجد فيها الفرد اليهودي الحرية والكرامة. هذا اليهودي يذهب دائما إلى حيث يحتاجون أكثر، يتبع هاجسا داخليا حين يترك المنظمة ويعمل في الزراعة، ثم يعود إلى واجبه كحارس حين تدعو الحاجة لذلك.. «إنه يتطوع من تلقائه لرشوة الجيش التركي الفاسد لمجرد أنه يريد القيام بواجبه كي يكون قدوة للآخرين». إنه يستطيع بسهولة شراء أي تركي وينظر إلى العربي على أنه عاجز يهجر قريته لأنه خُيّر من الملك عبدالله بين أن يقاتل، الأمر الذي لا يريده، وبين أن يهرب، الأمر الذي نفذه، ويجلس قرب حدود وطنه عاجزا ينتظر الخلاص. اليهودي متفوق والعربي متخلف ويستطيع الأول بسوطه أن يسيطر على قرية عربية ويتحكم بها دون أن يجرؤ سكانها على مقاومته.
في مسرحيته «شمشون ودليلة» وفي كتابيه «يوميات غزة» و»نماذج من الرواية الإسرائيلية المعاصرة»؛ الأعمال التي كتبها بسيسو بعد حرب حزيران حيث غلب على الإسرائيليين شعور طاغ بالعظمة والغرور يكتب عن المقاومة الفلسطينية في غزة التي انبثقت بعد الهزيمة وغالبا ما يتوقف أمام تضحياتها وبطولاتها التي أخذت تهشم تلك العظمة وذلك الشعور بالغرور ويربط ذلك بالتاريخ ليعود إلى زمن الفلسطينيين الذين أجبروا شمشون أن يدير دولاب الساقية وأذلوه ويرى أن أبناء غزة بعد ١٩٦٧ يواصلون ما قام به.
منذ ٧ أكتوبر ٢٠٢٣ وقادة الدولة الإسرائيلية يتحدثون عن سحق المقاومة، ويظهر جنودهم وهم يذهبون إلى ساحة القتال ضربا من الاستخفاف بالفلسطيني اعتادوا أن يظهروه وهم يقتحمون مدن الضفة الغربية، ولقد أظهرت أشرطة فيديو كثيرة صورها الإسرائيليون وهم في غزة قدرا كبيرا من هذا الاستخفاف. يسبحون على الشط. يجولون في البيارة ويأكلون البرتقال الغزي ويستمتعون وينكتون. يقصفون الجوامع ويهدون أفعالهم إلى أطفالهم في عيد ميلادهم. على أن هناك جنودا عادوا من أرض غزة وقالوا إنهم كانوا يواجهون مقاومين شرسين جدا وإن الحرب كانت محتدمة، وخير دليل هو عدد القتلى والجرحى في صفوف الجيش الإسرائيلي، بل إن هناك أنباء أشارت إلى رفض قسم من الجنود الإسرائيليين العودة إلى أرض غزة، وهناك بعض أشرطة فيديو صورت بعض جنود وملابسهم مبتلة. يدعم هذه الأشرطة شريط بثه الإسرائيليون أنفسهم عن أحد قادتهم يخاطب جنوده عن نوعية الحفاضات التي سيزودونهم بها. وإذا ما عدنا إلى نصوصنا الأدبية واقتبسنا منها مقاطع تظهر صورة للجندي الإسرائيلي فإنها تتطابق وما ورد في الأشرطة المشار إليها آنفا. من الروايات مثلا رواية يحيى السنوار «الشوك والقرنفل» (٢٠٠٤) التي يكتب فيها عن جنود إسرائيليين تم اختطافهم وأخذ أسلحتهم ويصور انعكاس ذلك عليهم «ويرتجف الجندي ويبدأ بالبكاء، وهو يستنجد بأمه (بالعبرية إيما) ويسيل بوله ليبلل بنطاله» (٢٢٦).
في الأيام الأخيرة، روى جندي إسرائيلي جريح أن مجموعته كلها لم تنج وكان الجريح الوحيد بينها، ما يدل على مقاتل فلسطيني شرس تنقض صورته الصورة التي أظهرها (ليون أوريس) في روايته «اكسودس»، وتصريحات قادة الكيان بأن العملية العسكرية الإسرائيلية يتطلب إنجازها أشهرا هو الرد الواضح على التصور الصهيوني للذات اليهودية الصهيونية من ناحية ولتصورها للعربي من ناحية ثانية.

عادل الأسطة
2023-12-17

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى