د. عبدالواحد التهامي العلمي - عبد الحكيم راضي قارئا لحسين المرصفي (1)

تقديم

سعى عبد الحكيم راضي في قراءته لكتاب "الوسيلة الأدبية إلى العلوم العربية " إلى إثبات أن حسين المرصفي، في تعامله مع التراث، لم يكن تقليديا بل كان صاحب موقف نقدي؛ ينتقي وينتقد. ويبدو أن الباحث في هذه القراءة يسير على نهج آثَرَ السير عليه منذ دراسته السابقة "النقد العربي وشعر المحدثين في العصر العباسي، محاولة لقراءة جديدة"، عندما خاض حوارا مع الدارسين في أحكامهم على موقف النقاد القدامى من الشعر المحدث؛ فقد سعى في هذه الدراسة إلى إعادة النظر في هذه الأحكام وإعادة فحص المواقف النقدية القديمة وفهمها في سياقاتها. ولعله هنا أيضا يحاور ضمنيا مواقف نقدية معاصرة حول المرصفي وكتابه "الوسيلة الأدبية"، ويعيد النظر في أحكام نقدية غير دقيقة، ويكشف عن شخصية ناقد أصيل ينبغي ألا نتلف بصماته ونضيع جهوده في حقل الدراسات الأدبية. ينبغي أن ننظر إلى قراءة راضي للمرصفي في سياق مراجعة الباحث للأحكام النقدية السائدة وتصحيح الرؤية.
يندرج كتاب عبد الحكيم راضي "النقد الإحيائي وتجديد الشعر في ضوء التراث، الاستمداد المباشر من التراث" ضمن اهتمامه بطبيعة العلاقة بين حركة الإحياء في العصر الحديث والتراث العربي بصفة عامة. ويقتصر الباحث في كتابه على الموقف الذي أطلق عليه (الاستمداد المباشر من التراث)، الذي يتوزع إلى اتجاهين اثنين:
-الاتجاه الأول: التسليم والانقياد.
-الاتجاه الثاني: الانتقاء والانتقاد.
ويمثل حسين المرصفي في كتابه "الوسيلة الأدبية"، الموقف الثاني، أي؛ موقف الانتقاء والانتقاد الذي يتجلى في انتقاء ما يراه صالحا وملائما لعصره من نصوص التراث يخضعها للتحليل والنقد. وقد كان لموقف المرصفي الانتقائي والانتقادي آثار إيجابية على النقد الإحيائي وعلى حركة التجديد اللاحقة.
تتوزع قراءة عبد الحكيم راضي لكتاب "الوسيلة الأدبية"، بعد التقديم والتعريف بالمؤلِّف والكتاب، إلى سبعة فصول، تنتهي بخلاصة وخاتمة. وسنعمد في هذه الدراسة إلى عرض أهم الأفكار والقضايا التي تناولها راضي في تحليله لموقف المرصفي الفكري والتربوي، ولموقفه النقدي وعناصره، وفي قراءته لفكر ابن خلدون التي اتسمت بالانتقاء والانتقاد.
1-الإطار الفكري
في الفصل الأول الذي خصصه الباحث للموقف الفكري والتربوي عند المرصفي، انطلق من سؤال أساس يتناول موقفه النقدي والأدبي من قضية تجديد الشعر في مصر. ولبيان هذا الموقف تناول الباحث طبيعة الفكر عنده التي وصفها بأنها تتسم بالواقعية والموضوعية؛ فالمرصفي لا يسلم بالأقوال ذات الطابع الغيبي، ولكنه يجهر بما يرى أنه الصواب، ويحترم الرأي المخالف، ويؤمن بأهمية العلم ويأخذ بأسباب التقدم...ويتمسك باستقلال الرأي ويرفض التقليد.
يقوم الموقف الفكري للمرصفي -حسب الباحث- على اتساع نظرته وعلى ترابط أفكاره في مختلف كتاباته، سواء أكان يتحدث في الشعر والإنشاء أم في الدين والسياسة والاجتماع والتربية. ويظهر ذلك جليا في "رسالة الكلم الثمان" التي تحدث فيها عن معنى الوطن، وعن معنى الأمة، ودعا فيها إلى "التشاور" و"التناصح" بين أبنائها، وتحدث عن العلاقة بين المصلحة الخاصة المشروعة والمصلحة العامة.
وأشار راضي إلى حديث المرصفي عن التربية والأدب والشعر وغاياتها ودورها في تهذيب سلوك الأفراد، وتحقيق سعادتهم في المجتمع، والطموح إلى الارتقاء بأفراده إلى مستوى أفضل مما هم عليه، وذلك عن طريق التوجيه الديني والاجتماعي الذي تقوم به المجالس والصحف والمدارس. ولتحقيق هذا الإصلاح لا بد من النظر إلى الحاضر الذي هو "نتاج الماضي، والمستقبل نتاج الحاضر، ولا بد لإصلاح الحاضر من التبَصُّر بتجارب الماضي والاعتبار بها ليكون هذا الإصلاح منطلقا إلى صلاح المستقبل."
2-الموقف النقدي
وفي تحليل الباحث لموقف المرصفي النقدي انتهى إلى أن هذا الموقف مستمد من الإطار الفكري الذي سبق أن حدد ملامحه. ويقوم موقفه النقدي على ثلاثة مبادئ، وهي: عدم التحامل في النقد، والاستقلال بالرأي والبعد عن التقليد، والبصر بما يلائم والأخذ به ورفض ما لا يلائم.
وقد تجلى المبدأ الأول في نقده ومعارضته للباقلاني في كتابه "إعجاز القرآن" الذي انتقد فيه البحتري وامرأ القيس مثبتا الإعجاز البلاغي للنص القرآني وتفوقه على الإبداع البشري.
وأما المبدأ الثاني من مبادئ موقف المرصفي النقدي الذي يتمثل في الاستقلال بالرأي والبعد عن التقليد فقد تجلى في تجنبه مسايرة القدماء في مبادئهم النقدية وعدم الانقياد لشهرة النصوص الأدبية. وهذا يعني أن المرصفي كان يتبنى في موقفه النقدي وجوب البعد عن تقليد الآراء والمواقف ومسايرة الأحكام النقدية.
أما المبدأ الثالث فيتمثل في "البصر بما يلائم والأخذ به، ورفض ما لا يلائم"، وهو الذي نعته الباحث بموقف الانتقاء والانتقاد؛ وهو مبدأ لا يطبق في مجال الأدب فحسب بل يتعداه إلى مجالات أخرى كالتعليم والاقتصاد والسياسة...الخ


د. عبدالواحد التهامي العلمي
نشر في جريدة " الشمال " ، عدد يوم السبت 16 دجنبر 2023 .


1.jpg

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى