مصطفى معروفي - عيوب القافية المتعلقة بما قبل الروي

في عيوب القافية ما سمح للمولدين بارتكابه واغتفر لهم فيه ذنبه ،وإن كان الأولى بهم أن لا يفعلوا ذلك ،لأنه يغض من شأنهم وينزل بشعرهم إل مهاوٍ هم في غنى عنها لو احترزوا ما أمكن منها أثناء إنجاز القصيدة،والملاحظ أن هذه العيوب التي تم غض الطرف عنها مع مرتكبيها إنما هي أغلبها يقع في حروف وحركات ما قبل الروي.
وننبه مرة أخرى إلى أن الشاعر الحق لا يجدر به أن يقع فيها حتى ولو تم التسامح معه في ارتكابها.
لكن دعونا في البداية نشير إلى عيبين من عيوب القافية قبل الإشارة إلى عيوبها المتعلقة بما قبل الروي.
1 ـ الإيطاء:وهو إعادة كلمة الروي لفظا ومعنى دون أن يكون بين الكلمتين فاصل حدده العروضيون في سبعة أبيات،إذ أن هذا التكرار يدل على عدم إلمام الشاعر بمفردات اللغة ،وكان عليه تلافي ذلك رفعا منه لقيمة الشعر ودرءا لما يمكن أن ينعت به.ولكن إذا اختلف معنى اللفظين فإنه حينئذ لا يعد عيبا،بل يعتبر ضربا من ضروب البلاغة والإبداع في غالب الأحيان.
ومثال هذا النوع من العيوب هو قول حسان بن ثابت:
إِذا ما تَرَعرَعَ فينا الغُلامُ**فَما إِن يُقالُ لَهُ مَن هُوَه
إِذا لَم يَسُد قَبلَ شَدِّ الإِزارِ**فَذَلِكَ فينا الَذي لا هُوَه
2 ـ التضمين:وهو أن تتعلق قافية البيت بما بعده،ويكون التضمين قبيحا إذا كان مما لا يتم الكلام إلا به مثل الفاعل والصلة وجواب الشرط وخبر المبتدأ أو النواسخ،ويكون مقبولا إذا تم الكلام بدونه،مثل التوابع وما يكون شبيها بالفضْلات.
ومثال التضمين قول النابغة الذبياني:
وهم وردوا الجفار عل تميم**وهم أصحابُ يومِ عكاظ إني
شهدت لهم مواطن صادقاتٍ**شهدن لهم بحسن الظن مني
وقول زهير يخاطب قوما خطفوا ابنه:
ولا تكوننْ كأقوام علمتهمو**يلوون ما عندهم حتى إذا نهكوا
طابت نفوسهمو من حق خصمهمو**مخافة الشر فارتدوا لِما تركوا
وأما العيوب الحاصلة في القافية ما قبل الروي فهي التي تسمى ب"السناد"وهي عيوب خمسة ،اثنتان منها باعتبار الحروف وثلاثة منها باعتبار الحركات،والسناد كما عرفه العروضيون هو:اختلاف ما يراعى قبل الروي من الحروف والحركات.
ونبدأ بسناد الحروف .
1 ـ سناد الردف:وهو أن تكون بعض الأبيات مردوفة وبعضها غير مردوفة.
ومثاله قول حسان بن ثابت:
إذا كنت في حاجة مرسلا**فأرسل حكيما ولا توصهِ
وإن باب أمر عليك التوى**فشاور لبيبا ولا تعصهِ
فالبيت الأول مردوف والبيت الثاني غير مردوف،ومن المعلوم أن الردف يتم الالتزام به في سائر القصيدة إذا جاء في أول بيت منها.
2 ـ سناد التأسيس:وهو أن تكون بعض الأبيات في القصيدة مؤسسة دون الأخرى.
ومثاله قول أحمد شوقي:
الرأي رأي أمير المؤمنين إذا**حارت رجال وضلت في مراثيها
اسدى إلي أمير المؤمنين يدا**جلّت ما جل في الأملاك مسديها
أما سناد الحركات فهو كما أشرنا إلى ذلك ثلاثة.
1 ـ سناد الإشباع:وهو اختلاف حرة الدخيل.
ومثاله قول النابغة:
حلفت فلم أترك لنفسك ريبة**وهل يأثمنْ ذو أمة وهْو طائِعُ
بمصطحبات من لصاف وثيرة**يزرن إلالاً سيرهن التدافُعُ
فالحرف بين الألف والعين هو الدخيل ،والشاعر لم يلتزم حركته،فالدخيل الأول مكسور والدخيل الثاني مضموم,وهو ما يسمى بسناد الإشباع.
2 ـ سناد الحذو:وهو اختلاف حركة ما قبل الردف.
ومثاله قول الشاعر أحمد شوقي:
بلغ السها بشموسه وبدوره**لبنانُ وانتظم المشارقَ صِيتهُ
من كل عالي القدر من أعلامه**تتهلل الفصحى إذا أسميْتهُ
ففي البيتين اختلفت حركة ما قبل الردف مع أن الردف لم يختلف،لذا سمي هذا العيب بسناد الردف.
3 ـ سناد التوجيه:وهو اختلاف حركة ما قبل الروي المقيَّد.
ومثاله قول امرئ القيس:
وهرّ تصِيد قلوب الرجال**وأفلت منها ابن عمرو حجُرْ
رمتني بسهام أصاب الفؤاد**غداة الرحيل فلم أنتصِرْ
مع أن البيتين مقيدي القافية فالشاعر لم يلتزم حركة ما قبل الروي لكونها توجيها له،ولذا سمي هذا العيب بسناد التوجيه.
ولا بد في الأخير أن ننوه بأن المولدين قد اغتفرت لهم هذه العيوب ما عدا النوع الأول من التضمين،وهو النوع الذي لا يتم الكلام إلا به،كما مثلوا له بقول النابغة:(وهم وردوا الجفار..الخ).
أتمنى أن أكون قد استوفيت الموضوع ولو بعض حقه،والله المستعان.


تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى