مصطفى الحاج حسين - (أجنحة الجمر).. مجموعة شعريّة

* وقالت خطايَ..
وقالت لي خطايَ توقّف
عنِ المجيءِ
فما عادَ للأرضِ دروبٌ
المسافاتُ تقوّضت في صدرِكَ
الكلامُ صارَ حطباً
تتدفأ عليه القصيدة
ويطلُّ من لهفتكَ
سحابٌ أسودٌ جائعٌ
يبتلعُ المدى ويطاردُ رؤاكَ
فيا أيّها المشظّى اتّئد
تجمّع في صحارى الدّمعِ
سنحفرُ لغربتنا نفقاً
يُودِي لأسمائنا
ونكتبُ على عثراتِ دمنا
أهازيجَ السّرابِ
ونرتّلُ على الجّماجمِ
خرائط البلاد المشرذمةِ
فيا أيّها الصّبحُ
تمسّكْ بأصابعِ خيبتي
لتقودكَ نحوَ سياجِ النّدى
قد تبصرُ حناياكَ
أخاديدَ لهفتنا النّادبةِ
وَسِّع أيّها المدى لغصّتي
ستعبرُ من هنا قامةُ جرحي
وتمرُّ هزائمي كلُّها
عبرَ هذا الرُّكامِ
وينادي احتضاري في كلِّ البلادِ
على جثثٍ تُشبِهُني
لنرسمَ على أبوابِ صرختنا
شكلَ الضّحكةِ التي ذبحتنا
وكانت تتقلّدُ سوادَ الضّغينةِ
بلدي تتقاذفُها الكراهيّةُ
والعالَمُ المتحضّرِ
يقتاتُ على استغاثاتِنا
الطّازجة.*
إسطنبول
/// قراءة في قصيدة :
(وقالت خطاي) ..
للشاعر والأديب السوري :
( مصطفى الحاج حسين ) .
للنّاقد والشّاعر: ( محمد زكريّا حيدر).
في المسافة التي تفصل بين موت البلاد ،وحضور القصيدة .. يقف الشاعر (مصطفى الحاج حسين)، ليرفع ماتبقّى من صراخٍ، في حنجرةٍ تعبت من اللهاثِ خلفَ بلاد تنأى.
يطارد البلاد بالقصائد، ولكنَّ الكلمات التي صارت حطباًلم تعد توقد في القصيدة مايغري البلاد بالتّوقف عن الانهيار مايغري القلب بالنكوص عن التشظّي.
حتى الغربة صارت تُهمة وتحتاج أن تختفي في نفقٍ يبحثُ عن الأسماءِ التي أضحت سرّية.
وعلى حدودِ الخرائط التي شرذمت الوطن، فصار لعبة الأمم، بتنا لا نحارب إلّا بخيباتنا.. فهل تقودنا الخيانات إلى سياج الندى؟!
ويبقى الشاعر يلهث بلهفتهِ العارمة، طالباً إلى المدى أن يُفسح طريقاً لغُصّتهِ وقامة جرحه وهزائمه.. واحتضاره.
وحتى لا يبقى النداء فردياً تجد الشاعر يربط جرحه بجرحٍ جماعي، فهو سينادي على(جثثٍ تشبهه) ليواجه معها قهقهات ذابحيه وقاتلي وطنه.
إنّه يقف بشموخِ ألمهِ يريد أن يحاصر الكراهية، التي تضغط على أنفاس البلاد... ويعجب للعالم (المتحضّر) الذي أصبح يقتات على استغاثات الضّعفاء.
صرخة الشّاعر شديدة الإيحاء.. تمرّ على الرّوح مرتدية أبهى الصّور وأكثرها عنفاً وجموحاً في تراكم صوري يؤدي إلى تشكيل لوحة ماتعة من الحضور التخييلي ، الذي يتفاعل في وحدة القصيدة ، ووحدة الألم ليعلن حضوره الأخّاذ.
محمد زكريا حيدر
سوري .. مقيم في الإمارات
------------------------------------------------
* حائطُ السّراب..
أسرفتَ في صمتكَ
أيّها الليلُ المتهالك
فوقَ غربتي
نزيفكَ أغرقَ أنفاسي
وصارتْ دمعتي تبحثُ عن مخبئٍ
لسقوطي
وحروفي ماعادت تنبثُ
برفيفِ أحلامي
عن ماذا تفتّش في جيوبِ نبضي؟!
وقلبي تتداعى منهُ الجهات
ياليلُ دثّرني بأمواجِ راحتيكَ
وهدهد لي اشتعالي
وزّع على أجنحتي همس الغيم
وأَقم في يباسِ ظلِّي
بعضَ المدى
حائطٌ من سرابٍ
ينهارُ فوقَ دهشتي!
والسّماء تمطرُ عويلَ هروبي!
خُذ منّي خطواتي ياليلُ
تعكَّز على لهبِ نزيفي
وانطلق
صوبَ ضحكة تكسّرت فوقَ سهوبي
سلّم لي على نافذةٍ
فرَّت من كوّةِ اختناقي
صافح رائحةَ النّدى
عانق رقصةَ الرْؤى
واحتضنْ
دفاترَ العشب الرّهيف
لتنامَ أعين الجّوع
في وريدي.*
إسطنبول
/// قراءة في قصيدة..
(حائط السَّراب)
للشاعر والأديب السوري:
مصطفى الحاج حسين.
بقلم: (محمد بن بوسف كرزون).
يبدأ الشاعرُ نصّه الشعريّ بمعاتبةٍ شديدة لليلِ الصامتِ الذي يزيدُ من أوجاعه أوجاعاً في هذا الصمتِ المخيف، الذي يترافقُ مع أسىً متصاعد.
ويريدُ الشاعر أن يدخلُ في ساحةِ البَوْحِ ليعبّرَ عن آلامِهِ ، يهدهدها، يهادنها، ويعترفُ بأنّ الآلام قد تعاظمَت
حتّى إنّ دمعتَهُ صارتْ تبحثُ عن مخبأ تلوذُبه، فسقوطهُ قادمٌ لا محالة، وهي صورةٌ مأساويّة ظهرتْ نتيجةَ ما حلَّ في الوطنِ كلّه، ذلك الوطن الجريح، الذي ما زال ينزفُ منذ سنين، ويستمرّ النزيف بحرقة، نزيفُ أرواحٍ ونزيفُ دمار وخرابٍ وتشتُّت... فكيفَ لا تنعكس تلك الحالات على نفسِ الشاعر ِ، فيعاتبُ الليلَ الذي أبعدَهُ عن وطنِه، فباتت همومه أضعافَ ما كانتْ عندما كان يعيشُ الحربَ وهو في وطنِهِ؟!.
تلك الهموم التي أمستْ صديقَتَهُ التي يتعايش معها وتتعايش معه، لتنهالُ في قصيدتِهِ صورٌ فنّيّةٌ غايةً في الطّرافةِ والجدّة.
وتتدفّقُ الصور المعبّرة عن معاناةِ الشاعر، فالسّماءُ تُمْطِرُ عويلَ هروبه، وهذه صورةٌ مبتكرة بديعة، لم يسبقْ أحدٌ أن لمَّحَ إلى أيِّ جزئيّةٍ منها.
ونراهُ يتابع الصورَ المبتكرةَ، فيقول:
(خُذْ منّي خطواتي يا ليلُ
تعكَّزْ علىٰ لهبِ نزيفي
وانطلقْ
صوبَ ضحكةٍ تكسّرَتْ فوقَ سهوبي).
وهنا صورتان بديعتان طريفتان غايةً في الطرافة والإبداع، (تعكَّزْ على لهيبِ نزيفي)، والثانية تلك الضحكةُ التي تكسَّرَتْ فوقَ سهوبِ قلب الشاعر، بل فوقَ ترابِ الوطنِ إلى أن حوّلَتْهُ خراباً..
ما أقسى هذا الخراب الذي يعاني منه الشاعرُ في كينونةِ نفسِهِ، ألماً على الوطنِ ممّا يحدثُ له، وألماً في نفسِهِ ممّا يحدثُ للوطن العزيز الجريح!.
ونرى في الصورتين اللتين سقناهما قبلَ قليل نسيجاً عجيباً من التناسقِ والإبداع، فهما تنضمّانِ إلى نسيج النصّ الصُّوَريّ، وتتماسكان تماسكاً نادرَ الحدوثِ في القصيدة العربية المعاصرة
وتأتي بعد تلكما الصورتين صورٌ أخرى لا تقلُّ طرافةً وانسجاماً مع النصّ، بل قطار متماسكٌ من الصور التي ترتقي بالنصّ وتشدُّ القارئَ إلى التحليقِ في معانيه العميقة. يقول بعدها:
(سلِّمْ لي على نافذةٍ
فرَّتْ من كوّةِ اختناقي
صافحْ رائحةَ النّدىٰ
عانقْ رقصةَ الرّؤىٰ
واحتضنْ
دفاترَ العُشْبِ الرّهيفِ
لتنامَ أعينُ الجوعِ
في وريدي)
وما أبدعَ ما ختم به صورَهُ ونصّهُ:
(لتنامَ أعينُ الجوعِ
في وريدي)
على أنّ القارئَ الحصيف يرى اللغة المتماسكة التي سعى الشاعرُ إلى ربط مفرداتِهِ وجمله بها، حتى يجعلَكَ لا ترى أيَّ انقطاعٍ في نصّهِ المتواصل المتواثب الكئيب... هذا النصّ الذي يعلنُ تمرّدهُ على النصوصِ التقليديّة، باستخدامه المنساب لجميع قواعد السرد الشعريّ بتلقائيّةعجيبة، تفعلُ فعلَها في القارئ، وتتركُ بصمةً
لا تُمحى في ذاكرتِهِ... لقد قرأ شعر الشاعر مصطفى الحاج حسين، الذي لن يُنسى.
وفي المجملِ، ترى القصيدةَ نصّاً متماساً لا ينفصلُ منه جزءٌ عن جزءٍ، وعلى هذا فالنصُّ عمارةٌ شعريّة متراصّة، تقدّمُ مضموناً متماسكاً، في نسيج من الصور الشعريّة المتفوّقة.
تلكَ هي قصيدةُ شاعرنا مصطفى الحاج حسين ، وهي لا تختلفُ عن لغتِهِ الشعريّةِ عموماً في دواوينه المتعدّدة، والتي كان لي الشرف في قراءة أغلبها، بل لا أتحرّجُ في أن أقول كلّها.
محمد بن يوسف كرزون..
------------------------------------------------
* هَمَساتُ الرَّحيلً..
وكانَ الرّحيلُ يهمسُ لي
كلّما صادفتُهُ
لا تقترب من سياجِها
ولا تلبِّ نداءَ عينيها
إن غمزتكَ فأنتَ الخاسر
لو شبَّ في قلبِكَ الحبُّ
كلُّ الذينَ أحبّوها احترقوا
وكلُّ الذينَ كتبوا عنها القصائدَ
قتلتهُم قصائدُهُم
هي معتادةٌ، على مَن يفتديها
وَمَن يعشقُ اسمَها
فقد سبقَكَ الرّبيعُ بكاملِ بزَّتِهِ الخضراء
والصّباحُ بكاملِ أبَّهةِ ضوئِهِ
والليلُ بكلِّ ما بمقدورِهِ أن يختزنَ
مِن نجومٍ وأقمارٍ
حتّى أنّ البحرَ أرخى موجَهُ
تحتَ قدميها ليتباركَ
والسّماءُ تشربُ الغيمَ من عنقِها
فوقَ أصابِعها يُزهرُ النّدى
وتحتَ جفنيها ينامُ الجّنون
فلا تنتحر وأنتَ الضّحيّة
تحطَّمَت من قبلِكَ قلوبٌ كثيرة
تحتَ شُرفتها
وبكت عيونُ القصائد
وأحصنةُ الدَّمِ المتوثِّبة
هي نارٍ لا تطفىءُ لظى قلبِكَ
وهي ماءٌ لا تشعلُ ظمأَ الحنين
لا تقترب من وردها
فيه اختناقُكَ
ولا مِن بوحِها
فيهِ نهايتُكَ
أنتَ لا تحتملُ الهوى
إن هوى بِكَ الفِراق
ورماكَ بغربةٍ مفزعةٍ
ومهما صرختَ
وطرقتَ بوَّابةَ المدى
لن يُفتَحَ لكَ الباب
إلّا والموتُ يحضنكَ
كولدٍ أثيرٍ على قلبهِ.*
إسطنبول
/// قراءة في قصيدة:
(هَمَسَاتُ الرَّحيل)..
للشاعر والأديب السوري:
مصطفى الحاج حسين.
بقلم: الناقد والشاعر والأديب
المغربي (محمد الطّايع)..
معا وفي ظل هذه القصيدة الرائعة - همسات الرحيل - نستمتع باكتشاف آفاق جمالية بلاحدود، مع لغة تحتفي بمفرداتها، ودلالاتها الشديدة الإيحائية، تهيب بنا أن نصغي لدندنة متواصلة غير منقطعة النفس، لحالة الفقد بعد وهم الفوز بمفاتن معشوقة عاتية مستبدة من آياتها أن تترك عاشقها فريسة لأحزان الرحيل، تتخذ القصيدة من الهمس لغة لها، همس قاسي يشبه الريح السموم تنفخه في قلب المحب المغلوب على أمره، محاصرا بين الماء والنار غايتها أن تذيب شجاعته أن تثنيه عن خوض غمار العشق، متخذة من لغةالترهيب وسيلة لكبح جماحه، محذرة إياه من مغبة مابعد الغياب، وكأنها الحتمية بكل معناها تجلت في شخص هذه المعشوقةالأسطورية،
شبيهة - ميدوسا ـ الغولة التي سافر إليها ـ بيجاجيسيوس ـ طلبا لرأسها، فلا استسلام ولا أمان، نظرة واحدة إلى عينيها كفيلة بمسخه حجرا، لذلك لم يجد البطل بدا من النظر إليها عبر الدرع المرآة، تفاديا لقواها السحرية، وهنا يطيب لي أن أشبه قصيدة شاعرنا مصطفى بالدرع المرآة أو المرآة الدرع، فهنيئا لشاعر عرف كيف يستخدم الفن وسيلة لتفادي القول المباشر، الخبري الذي لايستقيم له طرب الإبداع صورا ومعنى، فلقد أجاد استلهام الصور البلاغية ذات الرمزية الدلالات المتعددة، مما مكنه من استظهار نماذج سابقة، أغراها اقتفاء الأثر، نماذج من البشر والطبيعة سحرهم جمال. الأنثى الخارقة، فكان مصيرهم الحزن المؤبد، هذا الحزن الذي وجب الحذر والتحذير منه، فإلى أي مدى ينبغي الانصياع لهذا المنحى، موافقة وإصغاءا، وهل ثمة مايمكن قوله اعتراضا على ما تذهب إليه قصيدتنا، ربما نعم وربما لا، سأسأل عن الخطاب عن الرسالة الموجهة من هذا الذي تبناها، ومن المقصود بها، هلا حاولنا تحديد هوية المرسل إليه، الأمر أشبه بمتاهة، لكن مع القليل من الصبر والتمعن يمكننا رسم ملامح خطانا، والخروج بخلاصة، ثمة متكلم ضمني اسمه الرحيل، ومتكلم.به هو القصيدة، ومتكلم له هو المتلقي، ومتكلم أصلي هو الشاعر الذي يشكل الفارق العجيب في النص، لأنه ذو وجهين لأننا حين نبحث شخص المقصود بالخطاب نجد الشاعر يقف في المقدمة فهو المعني الأول بنص الترهيب، شأنه شأن الخطيب الذي يقول، أوصيكم ونفسي أولا، وإذن الشاعر هنا يخاطب نفسه، ثم يأتي القاريء من بعده، لكن القاريء متعدد ومتنوع، وليس كل قاريء ينطبق عليه هذا التحذير، فثمة أناس كثر لن يهتموا لهذه الكلمات المفزعة، لكونهم عشاق أصلا ويعيشون تجربة الحب بسلام آمنين، لكن وحتى يتحقق للشاعر استدراج الجميع إلى ربوع مغامرته وجب الإمعان في النص بنظرة أشد عمقا وشمولية، لنعرف بعد القراءة الثانية فقط، أن هذه المعشوقة ليست سوى الحياة نفسها، فهي بهذا المعنى تغدو موجهة لسائر القراء دون استثناء، ولأن شاعرنا من الأصوات المجددة فهو حتما غير ملزم بتكرار تجربة سابقيه، ولن يتنازل أمام غباء ولا بلاذة ولا استسهال، لن يخبر أحدا مباشرة أن الحبيبة هي الدنيا، فهو قد أعلن منذ البداية أن القول سيكون همسا، وأن الخطاب لن يتخذ صفة المباشرة وإلا مافائدة هذا التراكم الشعري إن لم يحرك فينا رغبة التقصي والسؤال، من أجل الإبحار في أشد الأمواج تلاطما من أجل الفوز بالمعنى، حسنا الرحيل محتوم، إنه موت يحبنا مثل أطفاله الموت الرحيل او الرحيل الموت، يصادفنا هنا وهناك، يحذرنا من نفسه، ومن عشق هذه الدنيا الفانية، الفاتنة الغادرة، القاسية، الخائنة، لكن ومع ذلك من منا يملك حرية الاختيار، سنعشقها لامحالة، سنستلذ غمزها وابتساماتها الساحرة الماكرة، ولولا هذا العشق ما كان يليق بنا اسم أحياء، نعم شاعرنا من الواضح جدا ألا مهرب لك، لنا، للجبال، للبحار والنجوم، المغامرة مفروضة، والحب ضروري، تماما كضرورة قول الشعر، وضرورة التحذير المتمثلة في كل ما نسمعه منذ لحظاتنا الأولى ألا نعتقد بأننا خالدون، وأن نحلم بوهم لاأساس له، وأن نستعد للرحيل ربما بعد فهمنا لفلسفة الوجود، ان نتلقاه بابتسامة.
وفي الختام إن لم يوافقني الرأي قاريء ، سيجد نفسه أمام دوامة لامخرج منها، إن هو حاول تبسيط المعنى فذهب في تأويله أن الحبيبة هي أنثى لاغير، بماذا سيجيب فضولي، حين أسأله، كيف عرف الصوت المهيمن الشاعر، الرحيل الهامس القصيدة، أن نهاية هذا الحب ويلات، هل اطلع على الغيب، أم يريد تكريس فكرة يائسة عن الحب، ألا نحب، هذا إن كانت المعشوقة صورة عن جميع النساء، أما إن زلت به القدم ليدعي أنها واحدة بعينها، فإنه غارق في هوة سحيقة، حين يجد نفسه مطالبا بالرد على سؤالنا، كيف عاد الصوت من الفناء إلى الحياة مرة أخرى، كيف لمن جرب الهلاك أن يعود حكيما يعظنا أم أنها فانتازيا لاغير؟
راقتني جدا هذه القصيدة، لغة وبناءا ومعنى، كما أنها تمنح ماتمنحه القصائد الأسطورية من متعة، من أجلها نغوص في دواوين شعراء لغتنا المحبوبة، بارك الله فيك شاعرنا مصطفى الحاج حسين، شكرا.
محمد الطّايع .
المغرب.
----------------------------------------------
* عنوانُ السّماء..
أسمعُكِ تناديني
أرهفُ أجنحةَ روحي
يصيخُ إليكِ دمي
وتطيرُ لعندكِ لهفتي
تحلّقُ بي خطواتي
أسابقُ شغفي
يركضُ خلفي الدّرب
وتتقافزُ الورودُ من قصيدتي
تحتاطُكِ سماءُ نشوتي
تتهاطلُ عندكِ أمنياتي
وترنو نحوكِ سهوبي
تمتدُّ أصابعُ المسافات الرّاعشة
لتحنو فوقَ لهاثيَ الغيومُ
وتفتحُ لي الفرحةُ ذراعيها
الأرضُ تتضرّجُ بأشواقي
ويتهافتُ منّي ظلّي
سيلامسُ نبضي سفوحَ ضوئكِ
سيحضنكِ احتراقي
وأقبّلُ جبينَ شهوقِكِ
نمت على أطرافكِ أغنياتي
وأينعت تحتَ ظلالكِ
أمطاري
سأسكبُ أيّامي على مرجانكِ
سأزرعُ قامتي في بساتينكِ
وسيثمرُ حبّي لكِ النّدى
وأقدّمُ لكِ من حطامي
تاجَ البهاءِ
حلبُ ياعنوانَ السّماء.*
إسطنبول
/// قراءة في قصيدة:
(حلب عنوان السماء)
للشاعر والأديب السوري:
(مصطفى الحاج حسين)
بقلم: الشاعر والناقد الفلسطيني:
عبد القادر أبو رحمة.
مرّة قال الشاعر الكبير (محمود درويش)، فجأة لم نعد قادرين على السخرية، دون أن ينتبه الخوف وتنتبه القهقهات الشيطانية، حمل الشاعر والأديب (مصطفى الحاج حسين) سخريته وأوراقه وحكاياته ووطأ أرض القصيدة ، قادماً بإقدامٍ وشجاعةٍ إلى عالمنا من الباب الواسع ومن فعله المضارع المستمر بكامل ألقه وأناقته، تاركاً خلفه وتحته وفوقه وأمامه، زمان القصة القصيرة، التي برع فيها شاعرنا وأديبنا حتى الدهشة.. لا زلت أذكر أسلوب أديبنا (مصطفى الحاج حسين)، في قراءة القصة وأتخيّله أمامي يلقي علينا قصيدته (حلب.. عنوان السماء)، بأسلوب مدهش ومتوتر ومشدود، لا يترك لك مجالاً أو فسحة كي تحيد أو تسهو أو تلهو عمّا يقول وينطق.. حلب مدينة الشاعر والقاص، حلب البيضاء، حلب مدينتي، مدينة الأدب.. هي عنوان القصيدة.. المدينة القريبة من الله والموت والعالم، حيث يبدأ الشاعر بأنسنة الأشياء والأسماء، فنجده يسمع ويطير ويحلّق ويتهاطل.. إلى آخره.. كلها أفعال إنسانية مستمرة ومترابطة راكضة صوب السماء.. فيتم التّداخل والتفاضل والتكامل بين الشاعر ومدينته، كم هو مؤلم وحزين أن يبتعد الشاعر عن المدينة التي ولد فيها، وعاش أيام الصبا والمراهقة في حواريها وأزقتها، تنشق هواءها، ويبدأ يبني أحلامه لبنة لبنة على أسوارها وأبوابها، إلى أن جاء الموت بأنيابه، ليقطف زهورها ويسمّم ماءها وهواءها.
الشاعر والناقد الفلسطيني
عبد القادر أبو رحمة .

5.jpg



-------------------------------------------------
* قيود الكلام..
أنا إنْ خاصمتُكِ
تتكسّرُ في حنجرتي الكلماتُ
وتنداحُ من تحتِ أفقي
خطواتُ أرضي
ويتناثرُ الموتُ
علىٰ أصقاعِ ذاتي
ينتحبُ شهوقُ الرّؤىٰ
وتعصفُ بي صرخاتُ الرّكامِ
أمدُّ إليكِ استغاثةَ ناري
يتكدّسُ الموتُ على شبابيكِ عمري
وتنمو بداخلي أشجارُ الانهيار
ويأتيني منكِ العذابُ
أصابعُكِ
تسرّبُ لقلبي العتمةَ
وتفتحُ لي جداولَ الخيبةِ
تحتاطني مرارةُ التّرحُّلِ
يغادرُني غبارُ التّهدمِ
وسهوبي تنادي ما عندكِ
من ندىٰ
تفوحُ مِنْهُ الشّمسُ
أخاصمُكِ
يضيقُ الكونُ
علىٰ مائي
ويتيبّسُ الهواءُ
يلتاثُ الدّجىٰ
وتبكي تجاعيدُ الغمامِ
تعالَي..
نشيّدْ هٰذا الاندحارَ
ونرمّمْ لهاثَ الدّفءِ
المنسربِ من شقوقِ أسامينا
كي لا يضحكَ منّا السّدىٰ
ولا يشمتَ بنا الخواءُ
بحرٌ مسبيُّ الأمواجِ قلبي
نهارٌ مشنوقُ الضّوءِ
تعالَي
فكّي قيودَ الكلامِ.*
إسطنبول
/// قراءة في قصيدة:
(قيود الكلام)..
للشاعر والأديب السوري:
مصطفى الحاج حسين.
بقلم: الناقد والأديب(حفصي بو بكر)..
النص الشعري بين سلطتي الفضاء والخيال قراءةأدبية لنص(قيود الكلام) نموذجاً/للمبدع: مصطفى الحاج حسين
الشعر ولعل ما اتفق عليه كونه تعبيرة ورسم بالكلمات لكل ما يحاصر النفس من اختلاجات ومن أحاسيس فقط تنتظر لحظة الوثب والانفلات من ألرقابة تنتظر تلك الروح القرارية التي لا ترهب المواجهة والمكاشفة مصطفى الحاج حسين,لا يقف عند هذا التعريف.
على عمقه ليتعداه إلى تعريفات اكثر خطورة وارباك وحتى أكثر استفزازا, نجده ينحى ويتخذ ممرات مغايرة للعادة ويخترق بها القاعدة من أن الشعر حالة شعورية فحسب هو لديه معركة واشتباكات ونزاعات وقضية
وجود وزوايا نظر . الكتابة من هنا تتحول إلى فضاء تحرك نفسي ووجودي كبيرين.
الألفاظ تقطف مسبقا بعناية فائقة لتوضيب مائدة المعنى, بهذه الحالة
ليس كما نتوهم ونعتقد مسبقا من كونه يفكر مرتين على آلعكس تماما الطلقة الأولى قاتلة هو حصالة
تجارب ورحلة عمر امكنته من ترويض
المعنى:
سياقا,خطابا وجملا. نراه يرسل اشاراته
القوية ابتداء من العنونة والعتبات مرورا بكل تقاطعات النص على شساعته وإتساع دوائره التأويلية… القراءة تتحول إلى فتنة وغواية وهي فعلا كذلك حالة من التفاعل الكيميائي
القادرة على التوليد وبعث الحياة
وتناسل الأفكار ولربما من أجل ذلك قراءة واحدة قد لا تسعفك حتى بمحاولة الإقتراب من معانيها ودلالاتها وحتى وجهتها أنت مطالب باعادتها
مرارا لحظتها فقط قد تسحبك إلى عوالم لا تقل متعة وإثارة من النص ذاته هي كتابة استدعاء, كتابة تحريضية على ممارسةالخيال على تعقيداته ولكأننا به أراد أن يهمس لنا سرا.. بأن الإنسان ليس له من مهمة في هذا الكون عدا الحلم, الحلم يبقى أعظم وأكبر هدية تحصل عليها الإنسان فعلاً, اننا لانموت إلا حينما نتوقف عن الحلم فك قيدي: أدمى معصمي أدمى خيالي أجهض حلمي دعوة للتحرر والانعتاق وقد اشار في حالة الخصام بنصه وفي حالة تنافر ونزاع من كل أشكال الحصار النفسى وحتى المادي
والمعنوي تكون الخسارات باهضة
وانهياراتها مدوية تموت وتخنق الكلمات تموت اللغة على قدسيتها, على أهميتها وعلى تواصليتها ايضا لتنقلب الصور إلى جثث ملقاة على أرصفة التعسف وغياب الحوار يتناثر الموت على أصقاع ذاتي.. هي ذات مكثفة وكثيفة ولكانها قارة من
الحكايات او لعلها أكثر من مجرة ولعل هنا تحديدا لا يتررد مبدعنا مصطفى الحاج حسين في التسريع من نسق الخيال وفي استدعاء حقله الدلالي الوارف كغابات السلفا بالبرازيل لتتكاثر الصور وتبرز المشهدية كسلطة ثالثة لترفع من منسوب الحرفية والتحكم إلى حد لإثارة من النحيب كلغةكتوسل
عميق للمعنى إلى فقدان التوازن والتلاشي إلى لحظة النحيب كآخر
محطات الكآبة اللغة شاردة مطاردة للمعنى في حالة من التدرج الواعي جدا حسب التطور الزمني والنفسي للنص يموت المؤلف عن قصدية منه ينزاح ليفسح لنا المجال وممارسة لذة النص ونراه وفق إلى حد كبير في اعتقالنا جماليا وجعلنا نتعاطف مع النص رموزا زوايا نظر ومفاهيم تراجع
مبدعنا ليضعنا نعيد تصحيح وهم الحقائق إن السعادة ليست في امتلاك الخطى وحاستي النطق والسمع والبصر
… هي اعمق من ذلك هي تحرير بالكامل لكل الحواس ومن هنا تحديدا تاتي الذات المكثفة لمبدعنا مصطفى الحاج حسين فك قيدي.. ليست الا فك قيودي بالمعنى التفكيكي الحفري للنص هو فعلا الكتابة الواعية التى تصمد وبتصوري تعمر طويلا هي تلك التي تكتبك وتكتبني وتكتبنا جميعا لحظتها فقط قد تجبرك على الإعتراف بجماليتها وشاعريتها وحتى كينونيتها الكتابة اختراق وتجاوز وقفز على وعلى الفضاء هذا الفضاء الذي يشهر بدوره تعدديته وشساعته كعنصر قار تقريبا في جل واغلب اعماله, نجده دوما يستحضر التيجانا: لفظ روسي
في المخيال الشعبي عدد من الأشجار والفلاحين لا ينتهي وانت تجوب كتابات شاعرنا تقف على نوافذ وشرفات لا تنتهي الفضاء الداخلي: نفسية الشاعر لا تقل لا غواية ولا فتنة عن باقي الفضاءات كعوالم حسية وحركية لا تتسع الفضاءات على تعريفاتها إلا بفك القيود نصوص
مصطفى الحاج حسين نصوص قوتها وسر متعتها في ذاك التلاحق والتدافع المهدي وحتى الصوتي, نجد العملية الابداعية حالة عشقية وحالةمن العناق
المميت بين حالتين حالة ولادة النص وحالة تلقيه.*
حفصي بوبكر
تونس 8جويلية2017
------------------------------------------------
* لَوْ لَم يخفقْ قلبي..
لَو لَمْ يخفقْ لكِ قلبي
ما كانتِ الشّمسُ تنبّهتْ إليكِ
ولا استدلَّتْ عليكِ أسرابُ القصائدِ
وما صار لإسمكِ كلُّ هذا المعنى
ولا الأرضُ
أزهرت كلٌَ هذا العطرَ
ولظلّ الظّلامُ
مغلقاً على أوصافكِ
أنا من أخبرَ النّدى
عن خصالكِ
ومن نبّهَ الفراشاتِ
على نبيذِ ضحكتكِ
وَمَنْ أشارَ على القمرِ الشّقيِّ
أنْ يسهرَ على حراستكِ
وصفتُ للموسيقى صوتَكِ
فسرقَتْ منهُ الرّحابَ
أعطيتُ للسماءِ رائحةَ أنفاسكِ
فأنجبتْ المطرَ
وكشفتُ للأشجارِ عن قطافِكِ
فتراكضَ النّدى على أغصانها
أنا من كلّمَ الأنهارَ
عن ريقٍكِ
فتعلّقَ بكِ الكوثرُ
وحدّثتُ البحارَ عن صخبِ عينيكِ
فهاجَت أجنحةُ الموجِ
رويتُ للبوحِ مافي أصابعكِ من هديلٍ
وللسكينةِ ماتسكنهُ يديكِ
كلُّ العصافيرِ ترفرفُ حولَ مداكِ
والينابيعُ تترقرقُ لتشربَ منكِ الابتسامَ
لَو لَمْ يخفقْ قلبي لكِ
لَما كانَ للحبِّ وجودٌ
ومَا كانَ مِنْ دَاعٍ لِأحيا
وأكتبَ كلَّ يوماً عن عذابي
من هجرانكِ المُميتِ.*
إسطنبول
/// قراءة في قصيدة..
(( لو لم يخفق قلبي ))..
للشاعر والأديب السوري:
مصطفى الحاج حسين.
بقلم: الشاعرة والأديبة والناقدة
بسمة حاج يحيى.
المسيرة تبدأ بخفقة تعطي الوليد حياة، تطلقه على إثرها الى معنى الوجود، وتملي عليه سرد الحكايا والتيه والأنات..
شاعرنا، تربع عرش القصيدة منذ العتبات الاولى، تبنى لغة الخلق والابداع، فتألّه ليعطي الحياة لروح هي نابعة من اعماقه و تسكن فيها و ابدع ليحيي قصيدة هي الروح لروحه و هي السكن فيه و فيها..ليزيد من قوة خلقه والانفراد بالألوهية، تعمد لغة سكب على بساطتها وسلاستها منطق القوة و السلطة؛ « لو »، إن دلت على سحر وجمالية، فإنها تحمل كذلك في طياتها سرّ الالوهية والقوّة فلا خلق لو لم يكن لخفقة قلبه ولادة لكامل القصيدة، بل ويستدعي عناصر الطبيعة؛ جلّها و أجملها ليشهد خلقه ما ابدع لإضافة مسحة الجمال بهذا الكون، و ليحقق كنه العشق في شرايين تحمل روح الوجد وتحاكي الشّفافية..
فأين منّا بدفء الشمس جاءت حثيثة تلقي مهمّتها شعاعا دافئا لاجل حبيبته و نستنير بفضل عشيقة لأجلها رذاذ الاشعة يتقاطر علينا ضوء ونورا!!
شاعرنا طوّع الابجدية نوارس تحلّق فوق أعتاب الحروف، تخفق كلماتها أجنحة تحملنا وتحمل معشوقته الى سماء الأحلام، تهدينا ألف جناح يحلق بنا عاليا بين النجوم والكواكب والسحب الشفافة... فهل نحتسب وقوعا او هبوطا مفاجئا!! طالما نسق التحليق ياخذنا الى اقسى سرعته، فاحتمال الوقوع او الاستفاقة من عمق المسافة قد يخلق لنا ارباكا إن لم نتحصّن من فوارق الزمن والمناخ بذي عالم!!
لكن الشاعر، احكم سَنّ قوانينه، فبنود الرّبوبيّة لا تحتمل الخطأ، لاسيّما و ان المحبوبة معنا على نفس السفينة تعتلي اغوار القصيدة، فقد خاطبها من علياءه أن الارض ازهرت ليكون النزول بسلام و تنتهي الرحلة بأمان على سطح بساطه سندسي الالوان، يرفل بكساء الطيب و الزهر و عبق الاقحوان، حتى تلين البسيطة لتستقبل حبيبته، بعدما ارجحها بين سماء و بيض السحب و بين التيه و الاحلام..
لكن بين كفيه حياتها و بلمسة من انامله نجاتها، فمازال شاعرنا يتلاعب باللغة فتطيعه بلا مقاومة، فكل هذا السحر آية مسبوقة ب "ما" و آية اخرى سبقتها "لا"، كأنما ينفي الحياة التي ما صارت لها نكهة الا بما خفق بفؤاده و ما كانت ليكون لها طعم في غياب ما اعتمل في قلبه..
فــ "ما صار لإسمك كل هذا المعنى"؛ فهو معنى الحياة ومعنى الوجود ومعنى الحيوية، بفضله، تقبّل الجبين له و اليد و حلم السّنين..
فلتقبل حبيبته يد من الهمها الحياة وسكب الالوان بروحها وزادها من نفسه فالهمها جمالها وثباتها.. ونفى عنها الظلام حتى صارت اوصافها؛ خليط فراشات لونها ولين الندى ملمسها، وصيّر النّبيذ معتّقا من مبسمها، أفلا يحق بعدها ان يخضع القمر لحراسة الكنوز موصوفة على اوتارها حبيبته!!!
فبإشارة منه يمتثل البدر و النجم و الشجر، أو ليس من حباها الحياة و اعطاها الاسم واختار لها الممات "لو" لم تمتثل لهواه، "لو" لا يكون لها شأن داخل مجرته الكونية، "لو" ما سخر عناصر الطبيعة لتغدق عليها من روحه!!
فهل يحق لإله في عظمته أن يتنازل عن عرشه أو يتساوى في التكوين بمعبودته !!؟ فاللغة، سلاحه و مصدر إلهامه وقوته، أدارت له وجهها الثاني، فصارت هي من تتحكم به بعدما كان يسيطر على الكلم والمعاني، فمن نفي وجزم وحروف شرط بالابجدية، نزلت او هي تهاوت حروف العشق، فتمردت على اثرها حركات النَّصب والجزم على إله القصيدة وبقافيتها تربعت لتتولى الحكم و سَنّ الاوامر وكذا البنود فسرقت الموسيقى عذبَ الرحاب من صوت معبودته، وتباهت السماء بعبق رذاذها يبلّل التّراب بتيهٍ فريحُهُ يلثم الذّرّات من ريح ساحرة اهدت عبيرها الطبيعة او هي تآمرت واتحدت معها لتعلن ثورة ضدّ ربّ القصيدة!! ام تراه ربُّ الكلم الطيب و سفير الحروف بالصّدر و العجز، تهاوى عن عرشه لما خرق قانون الكون و وقع في عشق عبده و أمته، فصار الخالق عاشقاً والمخلوقة معبودته!!؟
تنازل عن عرشه والألوهية، وخانته اللغة وسحر حروف الابجدية؛ "ف"... "ف" كانت الطامة الكبرى؛ بعد كل عملية خلق طوّعها لأجل سيدة الكون، بعد كل عنصر سخّره لخدمة سيدة القلب، بعد كل "كن" لأجل ان تكون مختلفة عن كل نساء الكون، وقعت منه الحروف ليعتلي حرف "الفاء" سر الكونية، فيسبق الجنّ و يطوّع الموسيقى والسّماء والاشجار والبحار وحتى البوح والسّكينة وكذا الطير والينابيع والانهار..
لاغراضه، لمآربه، ليغيّر نمط العشق ويحدّد الإله من المألوه المؤله، فصارت الاشجار ملهمة الندى بوحي من الحبيبة، اعتلت عرش القصيدة فصارت الآمرة، من تعطي الحب، من تمنح قطر الندى للاغصان، صارت الحالمة تُهدي جمالها تعكس صورته الانهار فيغار الكوثر ويسبق بالعشق النهار، يطلبه حثيثا ويعزف اللحن فريدا، تستعيره نوتات الموسيقى فتكسيه الأوتار.. لعمري، هذا عشق مُدمّر، أردى القتيل إلهًا و الإلهَ عبدا يبني حروف القصيدة..
فإن لم يحكم تسيير مركبته برّا وبحرا كربّان أضاع المسير، فتاهَ عن بوصلة العشق وتوغل لُجّ الزمهريرا، انّى لصخب عيون المخلوقات أن ترديَ قتيلا، وتُأنسِن الجان فيضطربَ الموجُ لُجيّا وبعنفوان، ثم تلين لها الملائكة فيتّحد الاثنان؛ وتصير ملاكا قتلت بلحظها رَبّ البيت والقافية واعتلت صدر القصيدة، فلاذ بالفرار ، يتوسّل ثم يتساءل هل من مزيد!!؟ تخلّت عنه الابجدية، فعار على إلهٍ يعشق فيتيهُ عن الربوبية فتلهو العصافير و تترقرق الينابيع لسيّدة في الحسن أطاحت بسلطان، ليعود فيتحسّر مجدّدا ب "لو" بعدما كانت سلاحه و شرط منْحِه الحياة لمن صارت الآن بالعلياء ترمقه، ينعي حظه في بكيه ،" أن":
((لو لم يخفق قلبي لك
لما كان للحب وجود
و "ما" كان من داع لأحيا
لأكتب كل يوم عن عذابي
من هجرانك المميت))
فانقلب السحر على الساحر، و صار القاهر مقهورا، و خلقت حواء من إلهها و معبودها عبدا يسعى لرضاها، و يتمنى "لو" ترحمه برحمتها من عذابه، ف"لا" يموت اليوم، بل تحييه " لو" "لا" تهجره هجرا خفيفا و "لا" مطولا فحياته رهينة بخفقة؛ إما تحييه أو ترديه قتيلا..
فالحياة رهينة خفقة واحدة، إما تحييه او تميته.. الحياة و الموت بفوهة قصيدة.. فجاءت القصيدة بثراء ما بين مسيرة تقفز من فوق مهد و تتهاوى على لحد ، بين السماء و الأرض..
القصيدة ثرية جدا، فالشاعر الاستاذ (مصطفى الحاج حسين)، توخى الحذر في سرد تراتيل عشق عجائبي، فكانت له السلطة على عناصر الكون ساعدته في ذلك لغته العميقة وتحَكُّمه بالمعجم، فمن «لو» الشرطية الى «لم» الجازمة و«لا» النافية وكذا الشأن مع «ما»، تنقل خلالها ليفرض قانونا ابجديا يخول له التحكم في الحياة والممات وكذلك السيطرة على مكونات الجمال ومبيحات العشق ليضع لمساته الاولى والاخيرة على حروف قصيدة ولدت ناضجة، حلقت بنا بسماء ومجرات وكواكب، تحملنا اليها اشعة شمس مطيعة تؤرجحنا برفق فلا نخشى الوقوع ولا النزول اضطراريا فربان المركبة إله وبيده الأمر والنّهي، وهو من يعطي الحياة ويقرر الموت، بل ويخضع مخلوقاته للاعتراف بقدراته، لكن ما إن حطّ بنا على الأرض ونزلنا بأمان، بجنة الرحمان وبساط سندسي وزهر ومرجان، حتى انقلب السحر وصارت السماوات والشمس و الانهار وكذا البحار والموسيقى والطيور والشجر و حتى المحيطات، صارت كلها بكفّ الحبيبة، رهن إشارتها وطوع يدها؛ سلّمتها مقاليد الحكم و مفاتيح الربوبية لتجلس على كرسيّ العرش، تأمر بكل عفوية، ملاك عشقه رب القصيدة، فانبرى على الحروف والكلم الطيب، لكن خانته الأبجدية فصارت «لو» تحمل معنى مغايرا، ينشد عبره أن "رفقا بي ، ليتك تنصفيني، آه لو تنصفيني..!" فــ "لو" لم ينبض قلبه لما كان مآله الهلاك و رحمة ينتظرها من ملاك !! ف سحر حروف اللغة غيرت شكلها واكتست بالمعاني الثنائية، خلعت معنى الشرط والجزم لتركن الى التّوسل والاستفهام عن ولمستقبل مبهم، مجهول التوقعية..
الشاعر اتقن استعمال اللغة وطوعها، فكان اجمل ما يحسب له، نفس البيتين بدأ بهما القصيدة ثم قفل عبرهما أواخر النص، لكن على العتبات الأولى، كان منطق القوة هو السائد، هو ما يلفّ المعاني، في حين حلّت المفارقة بالنهاية لتكتسي نفس الأبيات نفَسا مغايرا فصارت نبرة التوسل هي المسيطرة.
فما اعظم اللغة لما يتفنن بها شاعرنا فيجعل من نفس العبارات والتراكيب وظاهر المعاني آيتان متناقضتان، تحملان في طياتهما برزخا يفصل الفوارق بينهما ما يفصل بين السماء والارض.. فلمّا كانت الحروف رتقا موحّدا لمن بسطح اللغة يسبح ولا يفقه، فإن لكاتب النص سلاح ذو حدين؛ فبقدر ما تآمرت عليه الأبجدية، إلا انه ومن موقعه كناظم لحروف القصيدة فقد سبح بأعماق اللغة فكان له أن فتق ما رُتّق وخلق ذاك التنافر الجليّ في المعنيين، من عتبات القصيد الى نهاياته، من سلطان متحكّم بيده الحياة والموت الى عبد مسكين يرجو الحياة ويخشى الممات، وتتلاحق المتضادات في بنائه للقصيدة ممّا يكسبها رونقا وسحرا يضفي عليها قوة التوغل بمكونات النحو والصرف لتنحو الأبيات بحرا من الشعر والنظم يحدوهما برزخ يفصل بينهما فيشكّل ضفاف موجها.. يتنازع المدّ والجزر بحكم من العاشق الذي صار هو نفسه في مدّ و جزر تحكمه قوى الحب و قوى فاقت قدراته قوى العشق و عاشقة خاوت الملائكة واتّحدت في جمالها بعناصر الطبيعة لتزيد من إرباك الشاعر، فأنّى لعاشق أن يتخلّى أو ينجوَ من جبروت ملهمته، أو يفكّرَ في عصيانها وقد أخذت عنه زمام الأمور، فما عاد بإمكانه أن يتخلى عنها أو ينساها..! فهل ينسى الجمال سحر الملائكة ترفل في حلة العفة والطهر بعفوية!!!.
بسمة حاج يحيى.
تونس
------------------------------------------------
* عراء الرّوح..
يتقيّؤني ظلّي
على رصيفِ الهباء
ذاكرتي تخمش انتظاري
أحاور عطش الصّمت
يا أجنحةَ السّراب احمليني
واصعدي صوب قهري
أُلامسُ نبض العماء
أقرعُ أجراسَ الاختناق
سأنثر على النّار خطاي
وأمضي في دروبِ العناء
وجعي يشعلُ فوانيس الاحتضار
فيا أيّها الحلم المسجّى
اِدخل من نوافذِ هروبي
واتّجه نحوَ عراء الرّوح
إسأل المدى عن ركامِ السّماء
الشّمس تتعثّر بعباءةِ الليل
والليلُ يتمسَّك بقبّعةِ العواء
أعطِ الهواء جرعةَ تنفّسٍ
للقلبِ فتات النّبض
للأرضِ دربٌ واحدٌ لا أمتطيهِ
يابلداً يسكنُ ارتحالي
ياقلعةً تنهضُ بسقوطي
ياصوتَ أمّي الذي يصرخُ
في غُصّتي
يترعرعُ في صوتي الرّماد
قصيدتي تذبح أشواقي
يناديني التّراب
سأغرسُ شهقتي فيهِ
لتنمو شتائل النّدى
أطول من قامةِ عشقي
أنا العاشق المصلوب
من لهاثهِ
أترنّح فوق بكائي.*
إسطنبول
/// قراءة في قصيدة..
(( عراء الروح ))
للشاعر والأديب العربي السوري:
مصطفى الحاج حسين..
الناقد والأديب الإعلامي
/ علاء الدين حسّو.
إن كانت الغربة هي الانتقال البدني من مكان إلى مكان آخر، وباتت عرفاً في أدبياتنا تحمل دلالات المعاناة والقهر السياسي والاجتماعي والاقتصادي فإن الاغتراب الذي يعبر
عن الانتقال الروحي (النفسي)وان كان البدن لم يغادر المكان، فهو انعزال عن العالم والواقع المحيط به، بينما الاستلاب هو فقد مادي وروحي . فكيف الحال بما يعاني من الغربة والاغتراب والاستلاب؟
يقدم لنا الشاعر مصطفى الحاج حسين.. قصيدة تفوح من كل حرف من حروفها المعاناة النفسية والجسدية تنقل إلينا هذا الشعور عبر انزياحات وتراكيب وصور تخيلية تنقل براعة وصدق الشاعر في نقل احساسه لنا فتحقق المتعة والفائدة والمواساة.
يبدأ النص بانزياح مثير (يتقيّؤني ظلّي) عادة يكون التقيؤ لاخراج الطعام من البطن نتيجة التسمم أو لسبب آخر ، ولكن أن يقوم الظل بلفظ الأصل فذلك يدل على الفقد الكامل حسياً وروحياً، فظله لم يعد يعرفه،ونبذه، وهنا الاغتراب الذي عرّفه هيجل على أنه "فقد الإنسان لشخصيته الأولى".
ولكن هذا (اللفظ) أين يكون؟ يكون (على رصيفِ الهباء ) في العدم فقد بات غباراً تناثر في العدم.
ثم يعبر الشاعر عن ألمه وملله في الانتظار بانزياحات جميلة وصادمة ترتقي في اللغة والتركيب، فالذكريات سكين تجرح جسده (ذاكرتي تخمش انتظاري )وهو غير القادر على الحديث المجبر على السكوت وهو ذاته الم في الحلق مثل الم العطش الذي يسببه للحلق (أحاور عطش الصّمت).
وهذة الفكرة الأولى للقصيدة.
وينتقل الشاعر بعدها إلى حقل الأمنيات، وهي الفكرة الثانية للنص ، حيث يرغب من طائر الخيال(السراب) أن يحلق به الى السماء (العماء) ينقذه من القهر الذي يخنقه مهما كان المسيرمتعباً وشاقاً وحارقاً مؤلماً.
فلم يعد يطيق هذه المعاناة، فألمه يكفي لإطلاق الروح من الجسد، وهي الأمنية التي بات يطلبها ليكون ثوباً يغطي الروح العارية فيبلغ (المدى) حيث هي نهايةالغاية. فقد بلغت المعاناة المتراكمة عنان السماء، ولم يعد للعدل منفذ، وقد غطاه الظلم برداءه المعتم، ودون اكتراث لصياح المعذبين
(العواء).
ثم يخاطب المدينة التي استقر فيها، وهي الفكرة الثالثة في النص، بأن تمنحه الفرصة (جرعة الهواء) لتحقيق الأمنية وتفسح له الطريق وهو المقلوع من جذوره ويرغب العودة إلى وطنه (قلعة تنهض بسقوطي) فالقلعة هنا ليس المقصود منها الحصن المنيع بل ما يقلع من جذوره كالنخلة، ويطلب العودة إلى البلد الأم (صوت أمي الذي يصرخ) ليدفن فيها.
فهي تناديه وهناك أمنيته وأمله ومستقبله وجذوره وكان عودته للحياة من جديد (سأغرسُ شهقتي فيهِ.. لتنمو شتائل النّدى).
لقد استطاع الشاعر في قصيدته بدئاً من العنوان الموفق الذي كان رديفاً للقصيدة، ومجملاً للمحتوى، كاد أن يكون بحد ذاته قصيدة منفردة ومفاتحا لفهم القصيدة، وحقق شروط القصدية الحديثة حيث وظف جمالية الشكل لنقل المضون فحقق الفائدة والمتعة.
علاء الدين حسو.
تركيا / عنتاب
-------------------------------------------------
* كوثُر الرُّوحِ..
سيأتيكِ انهمار صباحي
موشَّحاً بأجنحتي
ويكون ندى شفتيكِ
في اشتعالٍ خصيب
أزوّدُ أغصانَ همسكِ
بصلاةِ قبلاتي
وأعدُّ مافي كفّكِ من رحابٍ
لأدفنَ بكائي
في عمقِ ناركِ
وأركضُ تحتَ خصال بوحكِ
دروباً تفضي إلى آفاقِ أنفاسكِ
أمدُّ إليكِ أدغال عشقي
أعلّقُ موتي على أكتاف المدى
وأبحرُ شوقي في عنقكِ
أشعلُ في فضاء طهركِ
شموس حرماني
أنا المسكونُ بأصداءِ ظلالكِ
أقشّرُ النّسمة من أشواكها
لئلّا تخدشَ رقتكِ
وأعطّرَ لكِ حنانَ السّحاب
لأحمي فراشات ضوئكِ
ألملمُ من تحتِ أقدامكِ
غبار النّقاء
وأفرشُ الأرض بلهفتي
وأغسلُ لكِ ماء البحار
بأمطارِ لهفتي
حبيبتي
لأجلكِ الشّمس تتوضّأ
من كوثرِ روحي
والقمر في كلِّ ليلةٍ
يسبحُ في عنبرِ قلبي
يالحبّي إليكِ ما أوسعه؟!*
إسطنبول
/// قراءه في قصيدة..
(كوثر الروح)..
للشاعر والأديب السوري:
مصطفى الحاج حسين.
بقلم: الأستاذة الكاتبة ندى محمد عادلة.
كوثر الرّوح..
ومصطفى الحاج حسين , وآيات من السحر إلى أعماق الحياة , وترف للغد بتدفقات من الوله …وأي سحر يقوده إلى أغوار النفس إلى جنتها المخضلة بالضوء الفاعمة بطيب الوجد والشوق:
(سيأتيك انهمار صباحي
موشحا بأجنحتي _ويكون ندى شفتيك _ في
اشتعال خصيب)
أقرأ حكاية شعرية مخبأة بالقلب
, من أبداع وتجليات شاعر انطباعي سوري حد النخاع , يخرج بأي نص بأنغام عذبة سحرية , وهنا حكايته الممتدة بين الوطن وغربة الروح, تعانق المحسوس, تمشي بحذر موشحه بإيقاع المعنى , بصيرة وريد ينتفض حبا يتطلع إلى محاسن ألأنثى , بشغف وتصوير جامح للحبيبة الموصوفة بكوثر الروح…
ليس لدى ذاكرتي شاعر لم يكتب الحب, ولا يوجد في جوهره جموح للغزل, يخفيه بالرموز بالدلالات ولكن
هنا الشاعر يجمع بين الحب والغربة وزمن الحرب في أزمنة البؤس , الشاعر الكبير هو الذي يصنع من هذه الماسي طراوة وجمالاً وبرهانا على إنسانية الإنسان بكل الظروف …
أتكلم عن آلية التذوق لهذا النص عن استقرائي له وتأويله واستقصاء بريق الجمال وانعكاسه علينا..
الأنثى في هذا النص هي المناخ الإنساني للشاعر , وهي المكان الهادئ والآمن , الشاعر يعاني الغربة
والبعد عن الديار نتيجة الحرب , لذلك يبحث عن الفردوس المفقود سواء في الخيال أم الواقع, انه بموقف حيادي يتدفق حبا ويتماهى ويكتشف انثاه , لهفة وكوثرا للروح ……
(وأفرش الأرض بلهفتي
وأغسل لك ماء البحار بأمطار لهفتي)
وأي جنون للعشق وأي لهفة بهذه الدهشة والحميمية.
النفس لحن كما قال(ملارميه) وهذا يعني أن اللحن حقيقة يؤدي مهمته في إشاعة النشوة بصور ممتدة
منبسطة غير معقدة ولا متكلفة تضيف الحركة وتشع جمالا بالحياة, في شعر الحب لدى شاعرنا شيء من الوله الروحي ,قوة ضمنية ناطقة, حواس تتمثل الجمال… الشاعر يمزجك بالطبيعة بأدغال عشقها, يطيرك نحو
السحاب إنها ايجابية مطلقة وتجلي بصور حية متحركة تختزن الموسيقى والجرس وهذا يدلك على انطباعية الشاعر ومثاليته في الاندماج العاطفي:
(أنا المسكون بأصداء ظلالك _أقشر النسمة من أشواكها
– لئلا تخدش رقتك _ وأعطر لك حنان السحب
_ لأحمي فراشات ضوئك)
شلال من الشعر يومض بالحياة نعومة بالألفاظ تشعرك أن الشعر هو المرأة التي يقدسها الشاعر وإبداعه من طيفها ومن غوامضها المكنونة الشاعر صياد ماهر للصورة الشعرية , بديع في خلقها , ترابط بينه وبين المحسوس انه مخزون من(الليبيدو) كأي إنسان ويحاول أن يجسد مبهمات هذا (الليبيدو) ويستخرجها برموز محسوسة…كان(رامبو) الشاعر الفرنسي يتخيل أن لبعض الأحرف ألوانا وأصباغا في اجتماعها, وكيف ينبغي أن يقوم اللفظ برسالته الإنسانية الحقه مع هذه الألوان, انه الشاعر المتمكن, هو البارع الذي يستطيع
استحضار ألفاظ تضج بالحياة واستمرارها وانسجامها, كأنغام ندية تناغم القلب فيحن إليها ويحنو إليها بصور سخية تغازل الحياة القصيدة جميلة تقيم علاقة روحية مع الآخر بجسور من المباشرة والرمزية والاجتهاد الواعي. القصيدة ارتكزت ببنيانها على جميع أدوات الشعر, والقصيدة هنا هي روح الشاعر كتبته ولم يكتبها, هي العالم الذي يسعى إليه ويشده من خلال أنثاه القصيدة وحدة عضوية راسخة ليست طويلة حتى لا
تفقد عضويتها وإشراقها هناك قيمة إنسانية مطلقة على خلفية هذا النص, عمل متميز وقابل لقراءات أخرى ويتحمل أكثر من مواجهة نقدية, وأنا لست مختصة بعلوم النقد بل أقرأ الجمال والمنطق في نبوءة اللغة وفي المرتكزات الأساسية والبنية الدلالية لأي نص حديث…
(لأجلك الشمس تتوضأ
من كوثر روحي
والقمر في كل ليلة
يسبح في عنبر قلبي
يا لحبي إليك ما أوسعه)
أجمل مافي النص النثرية الحديث بدايته ونهايته, النهاية كانت فضاء ميتافيزيقياً على مساحات قلب الشاعر وروحه, لا حدود لعزف الحب في قيثارة روحه.
ندى محمد عادلة.
-------------------------------------------------
* مفاتيح الضّوء..
تتساقطُ منّي خطواتي
لتلتهمَها الدّروبُ
وأراني أبتعدُ عن أنفاسي
يستظلُّ بي لهبُ البكاءِ
يشربُ من تعرّقي جرحُ السّراب
أمشي في عتمةِ أوجاعي
يسابقُني التّعثّرُ
يصطدمُ بيَ الوراءُ
ويحملني سقوطي
على أكتافِ الخيبةِ الزّرقاءِ
أقع في سردابِ غصّتي
متمسّكاً بجذوةِ الاختناقِ
يا أيّها الرّاحلُ عنّي
يا حلميَ النّازفَ موتاً
مهلاً
خذ ظلّي عكّازاً
تسنّد على انكساري
وعرّج على تنهيدةِ الماءِ
دعِ النّسمةَ تقشّرُ يباسي
واترك للغيمةِ أن تسلبَني
من جوفِ الجمر
زوّد أجنحتي بالأفقِ
والتقط من قلبي
مفاتيحَ الضّوء
سأعبرُ المسافةَ المخثّرةَ
ما بينَ موتي وأحرفي اللائبةِ
على فتيلِ الكلامِ
أشيّدُ وطناً من صقيعِ الاغترابِ
أسوّرُهُ بالمدى الصّاهلِ
حدودُهُ امتشاقُ النّدى
بحرُهُ موسيقى الحنينِ
سكّانُهُ
يمشّطون جدائلَ السّلامِ
كلّما تثائبَ الغمامُ.*
إسطنبول
/// قراءة في قصيدة..
(مفاتيح الضّوء)..
للشاعر والأديب السوري:
مصطفى الحاج حسين .
بقلم : الأديب والشاعر والناقد:
عادل نايف البعيني.
ليس من اليسير أن يتصفح أحدنا قصيدة لشاعر منجز كالشاعر مصطفى الحاج حسين من غير أن يغوص في أعماقها، يبحث بين فَكّي صدفاتها عن الدر الثمين
الكامن في تضاعيف الكلام...
فنحن بهذا النص أمام شاعر عانى قساوة النفي، وعاش مرارة البعد عن الوطن والمدينة والحي والبيت، وتحمّل تعب الانتظار للمجهول الذي يتمناه جميلا...
فتراه في هذا النص مشحونا بالهم، ويملأه الحزن, فها هو لكثرة المسير تلتهم الدروب خطواته المتساقطة منه، فيبتعد عن أنفاسه اللاهثة، ويستظل به جمر البكاء واللوعة... ليمشي في عتمة أوجاعه..
(تتساقط منّي خطواتي
لتلتهمها الدّروب
وأراني أبتعد عن أنفاسي
يستظلُّ بي لهب البكاء
يشرب من تعرّقي جرحُ السّراب
أمشي في عتمةِ أوجاعي).
.... لكن هل يَسْلَمُ.. لا بل يتعثّر يتراجع فيحمله سقوطه على أكتاف الخيبة الزرقاء، ليجلس في سرداب الغصة التي تتمسك به حد الاختناق....
(يسابقني التّعثّر
يصطدمُ بي الوراء
ويحملني سقوطي
على أكتافِ الخيبة الزّرقاء
أجلس في سردابِ غصّتي
متمسّكاً بجذوة الاختناق).
.... يستمر الألم والأنين فالحالة لا زالت والحلم لا يفتأ ينزف فيتمنى لو النسمة تداعبه، فتقشّر يباسه ، ويرجو لو الغيمة تأخذه من جوف الجمر.. فأي حالة أليمة يحياها الشاعر مع هذا التشرّد والوجع للوطن وعلى الوطن .. فيطلبُ من الحلم أن بزوّد أجنحته بالأفق ويلتقط من قلبه "مفاتيح الضوء"... ويبقى الأمل أن يصمد ليشيّد وطنا يستريح إليه في الاغتراب...
وطنا مسوّرا بالمدى الصاهل، ولكنه يتمنى أن تكون حدوده امتشاق الندى، وبحره موسيقى حنين لأهل يمشطون جدائل السلام.
(ياحلميَ النّازف موتاً
مهلاً
دع النّسمة تقشّرُ يباسي
واترك للغيمةِ أن تسلبني
من جوفِ الجمر
زوّد أجنحتي بالأفق
والتقط من قلبي
مفاتيح الضّوء.).
فالشاعر كما يبدو حاول بهذه القصيدة أن يرسم مسار حياة فُرِضَتْ عليه، ليعيش خارج الوطن مغتربا منفيا مهجّرا، فقدم لنا قصيدة ممتعة جدا، بأسلوب جذاب وسلس متين، معتمدا على رشاقته اللغوية ومقدرته
الفنية على ابتكار الصور البيانية المبهرة..
(تتساقط خطواتي – جرح السراب – عتمة أوجاعي – خذ ظلي عكازا – تقشّر يباسي – صقيع الإغتراب - جدائل السلام)..
فاستطاع الكاتب أن يقدم لنا صورة وصفية عميقة الدلالة لما يعاني من أزمات نفسية جراء ما يحدث..
فكل الشكر للشاعر مصطفى الحاج حسين على ما قدم من إبداعات في مجال الشعر والقصة القصيرة.
عادل نايف البعيني.
-------------------------------------------------
* تعقّب..
أتعقّبُ غيابي
أُرسلُ خطايَ خلفَ انهزامي
وأطلقُ أجنحةَ هواجسي
لأعرفَ أمكنةَ نزيفي
أتلصّصُ على حنيني
لأباغتَ قلبي متلبّساً بدموعهِ
هربت منّي أيّامي
وأنكرتني الذّكرياتُ
ووشت بي قصيدتي
إلى الفضاءِ الأصمِّ
صارَ لهاثي يحاصرُني بالاختناقِ
انقضّتْ الجهاتُ على رؤايا
وأمسكتْ جثتي بالغيوم
لتنوحَ الدّروبُ فوقَ رفيفي
أنا احتراقُ الدّمعِ في الحنجرةِ
ونموّ الدّمِ في الشّهيقِ
تعثّرتْ بي خيبتي
وأنا أنادي الرّيحَ
لتحملَ عنّي تشرّدي
وتزحفَ نحوي الانكساراتُ
تحتاطُني ظنوني
تقفزُ الحُرقة من دهشتي
حينَ تمدُّ لي الهاويةُ يدَها
تتعرّى منّي الكلماتُ
تفتضحُ أسرارَ صمتي
لأعلنَ على مرأى موتي
ولادةَ عنادي
سأرسمُ لأشواقي خارطةَ الحُلمِ
سأفتح نافذةً في جدرانِ الألمِ
وأُطَيّرُ للمدى شمسَ فؤادي
أنا سليلُ القهرِ والاندحارِ
أعلنُ عن قيامةِ الخرابِ
سينهضُ بنا الرّمادُ
ونعودُ للبلادِ التي
لفظتنا بمجونٍ .*
إسطنبول
///ناقدان وشاعران يكتبان عن قصيدة
.. ويختلفان:
القصيدة بعنوان: (تعقب)..
للشاعر والأديب السوري:
مصطفى الحاج حسين.
الناقد الأول: (عدنان بصال)..
الناقد الثاني:(محمد بن يوسف كرزون)
..
الناقد والشاعر: عدنان بصل:
إنّ النصّ المعنون ب(تعقّب) يحمل همّا جميلا وجماله متأتّ من كونه وجداني بامتياز إنّما استخدام الكاتب للأسلوب الخبري أصبغ النص بالسردية التي هبطت بمستوى النص إلى مستوى الخاطرة وحتى
إلى التقريرية في هذه الخاطرة فمستلزمات النص المبدع تقتضي التنوع بين الأسلوب الخبري والأسلوب الإنشائي الأمر الذي يعطي حركيّة للنص فكما يستخدم الفنان التشكيلي الألوان المتنوعة في لوحته فتبدو مترعة بالجمال فعلى الأديب أن يستخدم تنوع الأسايب فإذا كان المبتغى خلق قصيدة نثر فلا بأس باستخدام الأسلوب الخبري ولن يجب أن يوظف توظيفا بلاغيا كي يحقق الغاية منه وفي نص (تعقب) الذي أرى فيه نصا جميلا وحضورا لافتا للمجاز بأشكال مختلفة كنت أتمنّى ان يكون قد شغل عليه بشكل أفضل كي يأخذ مكانه كقصيدة نثر وأنا لم أورد شواهد عن الجمل الخبريّة لأنّ النص برمته خبري.
الشاعر: عدنان بصال.
الناقد والأديب:محمد بن يوسف كرزون
:
هذا ليس تحليلاً لنصّ، هذا درسٌ في الكتابة الشعرية، أرادَ الناقدُ أن يقدّمَ درساً تفصيلياً في ما يرغبُ هو أن يرى الشعر عليه… لا أكثر، ويلقّنه لشاعرنا الماجد « مصطفى الحاج حسين ».
ولو أنّه كان يريدُ أن يحلّل ويظهرَ المحاسن والمساوئ لكان عليه أن يأخذ حجماً أكبر ممّا كتب.
هو يقدّم تعليقاً لا غير، ولم يُظهر من مواطن الجمال فيالنصّ الشعري سوى عبارة (همّاً جميلاً) في بداية مقالته، و(أرى فيه نصا جميلا وحضورا لافتا للمجاز بأشكال مختلفة) في نهاية ألمقالة، وكلمتاه هاتان عموميّتان إنشائيتان، لم يثم الدليل عليهما في نصّه النقديّ، ولم يحلّل أيّ صورة مجازيّة من صور النصّ الكثيرة بل التي أُتخِمَ فيها النصّ لجماله.
يكتبُ الشاعر مصطفى الحاج حسين .. قصيدتَهُ بألمِ أمّته الذي امتزَجَ بألمه الشخصيّ، فلم نعد نرى الحدودَ الفاصلةَ بين الألمين.
هو يستخدمُ الضمير الشخصيّ الفرديّ (أنا)، وما يلحقُ به من ياء المتكلّم والفعل المضارع الذي صيغَ على بالصياغة الفرديّة ذاتها، ولكن قراءتنا لتفاصيل قصيدته لا تخفي امتزاج ألمه بألمِ أمّته جميعاً، التي تغوصُ الآنَ (في عتمةِ النار)، والتي (تلملمُ انكسارات موتها)، وكأنّها (تعدو صوبَ شهقاتِ الأفول)،ورغم تراثها العظيم، الذي اتّخذ الشاعر من اللغة رمزاً له، فإنّ هذه اللغة الرمز لم تعد تنفع شيئاً، فهي ليست سوى (أجنحةٍ تمتدُّ لتعلنَ خرابَ أمّةٍ كاملة) : (أمدُّ لغتي أجنحةً لخرابي).
ثمّ ينقلنا إلى تفصيل آخر لا يقلّ دهشةً وغرابةً، ولكنّه واقع وحقيقة: (أوزّعُ ينابيع دهشتي على خريرِ اختناقي).
فهذه الأمّة تصرخ وهي تكادُ أن تختنقَ ممّا هي فيه من ويلات وحروب ومؤامرات، في دهشةٍ غريبة من مواقف العالَم كلّه تجاه ما تعاني منه.
وينهي القصيدة كما ابتدأها، بالموت أو النهاية:
(لا شيء يشبه اسمي
إلاّ أمواج العدم).
القصيدةُ في تفاصيلها تكادُ تكون ملحمةً مصغّرة، تحاكي ما يجري في الواقع المرير، وتنبئُ عن أنّ الأمّة تسير إلى نهايتها، إلى تفتُّتِها، إلى موتها المحتوم ، وهي الأمّة التي عاشت قروناً طويلة صابرةً على الشدائد والمحن ، وصمدتْ.ويأتي تحذيرُ الشاعر في غاية الأناقة والجمال، عندما يمزج (الأنا) بــ(نحن)، ويعلنُ أنّ وجعه هو في العمقِ والأزمة التي يكادُ لا ينفعُ معها دواء.
القصيدة مُترَعةٌ بالصور المدهشة، والمجازات المذهلةوالتي لا تشبه قصيدةً أخرى من قصائد الشعر النثريّ المعاصر والحديث في تفاصيلها، وإن كان قد استندَ في واحدةٍ منها إلى البلاغة القرآنية، في قوله:
(ورحتُ أهزُّ بجذعِ قهري
تساقطَ عليَّ جمرُ صمتي).
فهي تذكّرنا بآياتٍ من «سورة مريم»:
(وهزّي إليكِ بجذعِ
النخلةِ تساقط عليكِ رطباً جنيّا).
ولكنّ نتيجة هزّه لقهره كانَ جمر الصّمتِ الذي يكوينا جميعاً ولا نستطيعُ الفكاكَ منه، عندما نرى أمّتَنا تُذبَحُ وريداً وريداً ونحنُ صامتون.
محمد بن يوسف كرزون.
-------------------------------------------------
* وطني..
في دمي
دروبٌ لائبةٌ تبكي
والجهاتُ تصهلُ
في عتمةٍ بكماءَ
وجمرُ انتظاري يصرخُ
في عروقي
ياحلمَ الرّمادِ القادمِ تدثّرْ
في وهجِ الظّلالِ الشّاردةِ
يالسعةَ التّنفسِ في حلمي
اقتربي
من بئرِ السّرابِ
قد غارتِ الأرضُ
في سقمِ المدى الجّريحِ
وتيبّسَ السّحابُ تحتَ أجنحتي
في كلِّ ارتحالٍ
يطالعني سديمٌ قميءٌ
ويمتشقُ الخرابُ هامتي
يشيّدُ من لهاثي
قوسَ انتصارِ الهزائمِ
قصيدتي يتلقّفُها الصّدى
وأحرفي تعضُّ خيبتي النّابتةَ
أرى الأرضَ تتدحرجُ خجلى
في باطنها تنمو الدّماءُ
حُبلى بجثثِ الفرحةِ
والضّحكةُ مبتورةُ الأصابعِ
أرى الموتَ يُولمُ للعدمِ
موائدَ الدّمِ
وأحسُّ أن بلادي
تتقمّصُ شكلَ الرّكامِ
في يدِها خنجرٌ
تطعنُ عفّةَ الرّوحِ
دمعٌ ينبتُ على أغصانِ العراءِ
مطرٌ متوحّشٌ يكنسُ جذوتَنا
وليلٌ متحجّرُ الوقتِ
ينقضُّ على نشيدنا الوطني
وطنٌ من خشبٍ مولعٌ بالكبريتِ
فضاءٌ من اختناقٍ شفيفٍ
قبرٌ من هتافاتٍ بيضاءَ
تمجّدُ انتحارَنا.*
إسطنبول
/// قراءة في قصيدة..
(وطني)..
للشاعر والأديب السوري:
مصطفى الحاج حسين.
بقلم: الشاعرة والناقدة: سميا صالح.
تطالعني وأنا أقرأ للشاعر صورٌ قاتمة ومخيف حملتها مخيلة الشاعر من ذكريات ارتسمت في زمن موبوء بالعنف والموت والدمار. إنها الحربُ التي لم تبقِ ولم تذر من هذا الوطن شيئا.
الأفق عند الشاعر مغلق , حدّده السواد من كلّ جهاته, فأصبح سديما , حاول الشاعر أن يفتح فيه
دربا للخروج, لكنّ كلّ الدروب متشابهة
درب الوطن ودرب الغربة ودرب الحياة ودرب الموت, درب الصمت ودرب البوح , تتعانق جميعا في (عتمة بكماء) , والحلم القادم أبكم رمادي , والسراب الخادع ينتظر على خط الأفق , فلا مطر ولا أمل, كلّ ما هنالك خراب ودمار وهزائم وصدى قصيدة تائهة خائبة تعض حروفها الخيبة, والأرض تحبل بالموت والدماء, والضحايا, والفرح جثة, والضحكة مبتورة الأصابع,… هذا هو الوطن الممزق الخرب, يحترق بيد أبنائه, لم يبق منه سوى ركام وقبر
الشاعر مولع بحب الوطن , ومولع بصناعة الصور الشعرية, مفرداته واضحة , وجمله قصيرة تلهث خلف الفكرة , وكأنه يتعجل الوصول, فالسفر في غربة الروح انعكس على لغة الشاعر , من دروب وجهات وانتظار وحلم العودة أو الوصول… يرسم الشاعر صوره بريشة الحداثة, فيطوع المفردات واللغة لمعان جديدة, متخذا من التضاد وجمع المتناقضات وسيلة للتعبير
(وطن من خشب مولع بالكبريت)..
يعتمد الشاعر على ألوان الموسيقى الداخلية مفردات ترقّ حينا وتفخم حينا آخر:
(شفيف قبر… تمجد انتحارنا)..
تجربة شعرية ناضجة, في سردية مباشرة ورمز شفاف.
سميا صالح.
-------------------------------------------------
* حضن الرّمل..
وتطلُّ عليَّ من لهفتي
بسمةُ العدمِ
تسخرُ من جموحي
وتمسكُ عنّي الدّروبَ
فأصرُخُ على قامةِ سقوطي
تعالي ياأجنحتي إليَّ
لألجَ دمعةَ التّشردِ
أرسمُ على شاطئِ الانتظارِ
سفناً من رمادٍ
تمخرُ عبابَ اشتياقي
يانصلَ الذّكرياتِ المورقةِ
إنّي أبحثُ عن نجاةٍ لغيومي
أفتّشُ الوقتَ عن نافذةٍ
والسّماءَ عن ثقبٍ
والبحرَ عن قطرةِ شمسٍ
تقصّفتْ أقدامُ الدّروبِ
خانتها عكاكيزُ الحُلُمِ
أمتشقُ غربتي
لأعلنَ ارتحالي
عن قصيدتي التّائهةِ
بين حروفِ السّدى
والصّدى يتصاعدُ من انهزامي
فهل لأمّي أن تذكرَ
ملامحَ قلبي؟!
هل لوطني أن يقرأَ احتراقي؟!
مبعثرٌ هذا المدى
يحيل الشّوقَ إلى صليبٍ
وأراني أثغو إلى حضنِ الرّملِ
يا أمّي
تعشَّبت كلماتي دماً
مُدّي إليّ يدَ القبرِ
ضمّدي جفونَ الحنينِ
تَعبتْ منّي الابتهالاتُ
والأرضُ خرجت عن مداري.*
إسطنبول
/// قراءة في قصيدة..
(حضن الرّمل)..
للشاعر والأديب السوري:
(مصطفى الحاج حسين)..
بقلم: الشاعر والناقد: شاعر الزيزفون (جمال القجّة)
منذ العنوان (حضن الرمل)…
يدخل القارئ عباب قصيدة يتلبسها اﻷسى فتقعده على ضفاف وجع الشاعر .. فيأخذنا الشاعر بصورة متناهية الوضوح للعبء الذي يحمله في سبيل العثور على بقعة ضوء تدفعه ﻹلتقاط ابتسامة أو ربما بابا يخرجه من عبثية الصراع مابين الحلم والحقيقة ليستقر بتوازنه على أرضية التصالح مع الذات..
إلا أن الواقع المتعري إلا من الحقيقة يجعله يدور بنفس الدائرة المفرغة فيتكئ الشاعر على الذاكرة الجميلة كمفر له من مرارة تلك الحقيقة ويصل لبوابة الموت مناجيا رفاة أمه بإنقاذه
فيصطدم بصوت جلي يقنعه بوطن لا يأبه لحنين المواطن والمواطنة ….ويصل الشاعر لذروة اليأس حيث يرجو الهروب ولو بغفوة إلا أن اﻷجنحة المتكسرة تلفظ أنفاس حلمه …ويظل هائما بمساحة متسعة اﻷفق على اﻷنين……
(حضن الرمل) قصيدة وجع تمكن الشاعر من نقله لنا فعشناه معه بكل جوارحنا بورك الشاعر ومداده فيما يقدم لنا من صور وتخييلات في قصائده مع تمنياتي بمزيد من التفرد والألق كل التوفيق للشاعر .
شاعر الزيزفون: جمال القجة .
------------------------------------------------
* السّوري..
تهدّمت في دمي شموس ضحكتي
وتقصّفت أنجم أحلامي
وتهاوت أشجار أيامي
على أحجار غصّتي النّائحة
براكين موت تفجّرت بأوطاني
دم ينزف من الياسمين
وصراخ أسود يحلّقُ من فوقنا
الأرض لا تعرف أين تختبئ
السّماء لاذت بالظلام
والماء صار يتسوّل عصير الملح
يا الله!!!
كم قاتل يبحثُ عنّي؟!
كم سكّيناً يشتهي خاصرتي؟!
وكم مسدّساً يشتاقُ ليتصيّدني؟!
وما أنا إلاّ مواطن
فقدتُ على الأبواب كلّ الحقوق
تنكّر لي بيتي
وأوصدَ بوجهي بابه
وتخلّى فراشي عن عظامي
وطاردتني أزقّة الحارة
حتّى المدينة
اقتلعت خطايَ من جذورها
ورمتني الدّروب بحجارة الغربة
أقفُ تحت شرفات العدم
أناجي سراب النّار
لا جهة تسمح لي بالتقدّم
لا اختناق يمرّر لي تشرّدي
حاصرني انهزامي
طوّقتني خيبتي
وسخرت منّي العواصم
وحده
البرد يحتضن رعشتي
والجّوع يسلبني قامتي
والقبر تمتدُّ يده نحوي
أشفقَ على جنسيّتي
من أيّ أمة أنا يا الله؟!
العرب تنكّروا لحرفِ الضّاد
وكلُّ البلدان
سيّجت حدودها بالكراهية
وبالحقدِ السّحيق.*
إسطنبول
/// قراءة قصيدة:
(السّوري)..
للشاعر والأديب السوري:
مصطفى الحاج حسين.
بقلم: الأديب والناقدة مجيدة السباعي.
أهدى المبدع زخات صور قاتمة اللون معتمة الآفاق وهو يرتشف الغربة، يتتاءب الغبن في كوؤس غصص حارقة، حيث تتكاثف الشجون يتعمق الأسى تنثر المرارة سخطا وتبرما، تلعن الحروب وويلاتها.
روح الشاعرتصدع صبرها، لا تكف تئن من الأرزاء دوما عطشى للحق للحرية للعز والكرامة للإنسانية الحقة، تهيم بحثا عن السكينة والتصالح مع الذات، فيظل القلب معلقا بالرجاء البعيد، وأنى له ذلك؟ لايملك غير أن يحصد شظايا الآهات والخيبات وكل الأوجاع.
و فالوطن مسقط الرأس، مثوى الآباء، رمز الإنتماء نبض الفؤاد، ديدن الحياة، وكل الثراء والنماء لا بديل له، وحده يملك جمال الكون وأمكنته لاتبلى، تظل مدلاة على عروش دوحة الحياة وتقاسيم الذاكرة، هو واحة لا تصفر أبدا نحتت بالفطرة في تلافيف القلب مهما تنحت دياره تظل قلاعه وصروحه شامخة، يجترها الفكر يناجيها الحنين بل يناغي منزل الصبا ومواطن الأهل ويطرز أذيالها المخيال، حالما بتراب لا يتكرر وبسماء شمسها الأكثر ضياء وتألقا.
بعد الشاعر عن شهباء الياسمين أتعبه أضناه أرّق مضجعه، فتمدد الحزن بكل أرجاء نفسه، وضاقت عليه الدنيا برحابتها، وكاد القلب في الصدر يحتضر.
فالغربة حتما عسيرة من أشد النوازل، ليلها سهاد، مضجعها شائك، ودمعها حارق، سقته مرارة خانقة، تنخر الروح و تهشم الكيان، إذ لم يسعه إلا أن استسلم لبشاعة الواقع، وصبر على مضض يعتصر الألم فؤاده، يتجرع الغصص دفعات يحاصره الشتات وتعصف به مشاعر الشوق المتقد خاصة بعد أن تداعت كل الآمال، وتراكمت الإخفاقات وانفرط العقد الثمين ، فأنفق العمر في المهجر هباء، لاسند ولا نصير.
وأجمل ما في القصيد أنه عنون بالسوري، فعمم المبدع وأسدل مشاعره على كل سوري احترق حنينا و اشتياقا
، كتب عليه البعاد عن بلد الياسمين إلى منفى قصي.
مجيدة السّباعي .
المغرب
-------------------------------------------------
الفهرس:
=======================01 - وقالت خطاي
02 - قراءة محمد زكريا حيدر
03 - حائط السراب
04 - قراءة محمد بن يوسف كرزون
05 - همسات الرحيل
06 - محمد الطايع
07 - عنوان السماء
08 - قراءة عبد القادر أبو رحمة
09 - قيود الكلام
10 - قراءة حفصي بو بكر
11 - لو لم يخفقُ قلبي
12 - قراءة بسمة الحاج يحيى
13 - عراء الرّوح
14 - قراءة علاء الدين حسو
15 - كوثر الرّوح
16 - قراءة ندى محمد عادلة
17 - مفاتيح الضّوء
18 - قراءة عادل نايف البعيني
19 - تعقّب
20 - قراءة عدنان بصال
21 - قراءة محمد بن يوسف كرزون
22 - وطني
23 - قراءة سميّا صالح
24 - حضن الرّملُ
25 - قراءة جمال القجّة
26 - السّوري
27 - قراءة مجيدة السباعي

--------------------------------------------
مصطفى الحاج حسين.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى